منذ وقوع الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا مساء الخامس عشر من يوليو 2016 آليت ان اكون في مؤخرة الكتاب تعقيبا وتحليلا ريثما تنجلي الصورة ويخف غبار نقع الخيل وتراشق الرماح والاسهم ومنذ ذلك اليوم المفصلي في تاريخ الجمهورية التركية المعاصرة وانا اتابع المواقف الدولية والتصريحات والبيانات وافتتاحيات كبريات الصحف والمجلات المؤيدة منها لاردوغان والمعادي والحيادي,
وما لفت انتباهي هو الاجماع الذي حققه ذلك الرجل وخاصة من قبل الشعوب العالمية والعربية والاسلامية على وجه الخصوص وفي مقدمتها الشعب التركي الذي سطر اروع المواقف و انهى بوعيه وتماسكه مخططا رهيبا كاد ان يدخل تركيا والمنطقة في نفق طويل مظلم , فما تخطط له الدول بجواسيسها ومخابراتها والذي قد يستغرق السنوات الطوال ويستهلك الأموال الثقال, تلاشى وغدا سرابا خلال ساعات بعد ان عرقلته ارادة الشعب التركي وتمسكه بتجربته الديمقراطية التي نقلته خلال عقد من الزمان الى مصافي الدول الاقتصادية
وبغض النظر عن توجه حزب العدالة والتنمية والخط الذي سلكه اردوغان في ادارة الامور السياسية المعقدة والمتشابكة في تركيا والتي على ضوئها ونتائجها تشكلت المواقف الرسمية وخاصة من بعض من الدول العربية و الاقليمية والذي اصبح في بعض الاحيان لغزا محيرا للحكومات والقيادات ممن يتابع المسيرة والنهج الاردوغاني, فمنهم من يعتبره خط من خطوط الاخوان ففرح المعادي لذلك الخط وعبر عن فرحه وربما اعد بيان التهنئة لقادة الانقلاب التركي فتعجل وخاب فأله.
ومنهم من يعتبره من سلالة وبقايا العثمانين وهو عنصري حد النخاع و يحن لارثه وقد اتخذ من الدين غطاءا لدغدغة مشاعر الاتراك وكسب تأييد المسلمين ممن يحنون الى ايام الخلافة العثمانية فهو متردد بين التأييد او الأدانة.
وآخرون يعتبرونه علماني متطرف متخفي ومتناغم مع الكيان الصهيوني والغرب وهو طالب للسلطة اكثر منه سعيا للوطنية والديمقراطية وهو مستعد ان يضحي باقرب المقربين له من قادة الجيش والمعارضين وحتى اقرب السياسين من اجل حزبه وكرسيه .
والكثير منهم اليوم هم في تيه وارتباك كيف يتعاملوا مع اردوغان وهو اشبه باللقمة الساخنة الشهية فمن الصعوبة ابتلاعها ومن البطر والسذاجة التخلي عنها!!
اما الاشد عداءا وبغضا لاردوغان وللشعب التركي فقد ابدوا فرحهم مع اول طائرة للانقلابيين تحلق فوق سماء اسطنبول ولم يتضح بعد مصير ومكان تواجد اردوغان كانوا هم ملالي قم والمعممين وسياسيي الولي الفقيه واذنابهم من حكام العراق وسوريا وحوثيي اليمن لانه كان يمثل بالنسبة لهم حجر العثرة لكثير من مشاريعهم التوسعية الشريرة في المنطقة وقد ازعجهم كثيرا التقارب التركي السعودي واعتبروه حلفا قد تشكل ليهدم بناءا يكاد يكتمل وقد اعد مخططه ويرعاه حليفهم الامريكي .
اما الموقف الغربي والامريكي منه على وجه الخصوص فما زال غامضا يشوبه الريب والشكوك خصوصا ان اصابع الاتهام التركية تتجه صوب البيت الابيض وبالرغم من التصريحات والاتصالات المتواصله مع القادة الاتراك والتصريحات المنمقة الدبلوماسية الناعمة بدعم الديمقراطية التركية الا انه يبدو وكأنه استباق محموم لاحتواء الأزمة قبل انفجارها وقبل انتشار نتائج التحقيق والاعترافات الخطيرة التي تشير التقارير الاستخبارية الاولية والتصريحات المتسربة من هنا وهناك باشتراكها اضافة الى مخابرات ودول عالمية واقليمية ربما ستدخل المنطقة في دوامة من العنف بل ربما تصل حد قطع العلاقات ومرحلة التصفيات والاغتيالات السياسية وبث الفوضى والاضطرابات.
فان تخطت تركيا وباعجوبة الخطة ( A ) المرسومة لها فمن يعمل وراء الكواليس بالتأكيد ليس سهلا ولا يستسلم بسهولة وقد اعد لها الخطة ( B ) وقد ادرك ذلك اردوغان وحزب التنمية والعدالة وهو في سباق مستميت مع الزمن في توسيع نطاق الاعتقالات وارغام المشكوك في امرهم على الاعفاء والاستقالات ولم تبقى مؤسسة عسكرية او تعليمية او قضائية او خدمية الا وسينالها الاجتثاث والتغيير وهذا الاجراء المحموم سيتعاظم وسيسخر لاحقا ويكون ورقة ضغط جديدة ستستغلها بعض الهيئات والمنظمات الدولية في غزل ونسج حبل متين يتلف حول عنق اردوغان. ولم يتخذ قانون فرض حالة الطوارئ عبثا فالقادم جد خطير ليس على مستوى الداخل التركي والذي سيعاني كثيرا وسيتراجع بشكل ملحوظ الاقتصاد والاستثمار والسياحة في الداخل التركي بل ستنعكس اثاره السلبية على المنطقة برمتها .
ان الجهات التي تخطط لمصير المنطقة قد حسمت امرها بادخال تركيا في الفوضى الخلاقة وقد اعدت الخطط تلوى الاخرى, والقناص قد وضع اردوغان في التصالب و اصبعه مشدودة على الزناد وينتظر الاشارة ليسدد وينقل الصراع ويلهب المنطقة في مشهد هو أعنف واشد رعبا من كل اشكال العنف والارهاب الذي مضى والذي سيكون ارهاب القاعدة و داعش معه أقزاما أو لعب اطفال..
مما يستوجب ومنذ الآن اخذ اقصى درجات الحيطة والحذر ووضع كل الاختلافات والخلافات جانبا والوقوف مع الشعب التركي والشرعية التركية صفا واحدا وعدم تركهم لوحدهم ليقودوا صراعا كونيا تنوء تركيا لوحدها بصده وحمله خصوصا اذا علمنا ان المستهدف ليس تركيا فحسب بل الشرق الاوسط برمته مما يستوجب مغادرة دور المتفرج الذي هو اقرب الى دور الانتحار السياسي والذي تعاطت معه وجربته بعض الدول مع الملف العراقي والسوري حتى تعاظم وتجذر وكان من نتائجه تدمير وتمزيق سوريا و ابتلاع العراق كاملا من ايران ومن الاستحالة اليوم اخراجه من بين فكيها ومخالبها..
فلا يلدغ المرء من جحر مرتين ..
والله خير حافظا وهو ارحم الراحمين