15 نوفمبر، 2024 7:03 م
Search
Close this search box.

ورد ذابل للميلاد المدن المحررة تحفة حضارية

ورد ذابل للميلاد المدن المحررة تحفة حضارية

إستثمرت أميركا، الخراب الذي أوقعته الحرب الأهلية فيها؛ لتعيد بناء المدن، وفق أحدث طراز معماري، وصلته العقلية الهندسية حين توقف الحرب في العام 1864، بحيث إستعارت مهندسا فرنسيا خطط واشنطن، على شكل دوائر متداخلة، تقطعها أشعة قطرية، من المركز الى المحيط، بأبهى خريطة، ما زالت متجددة، أفقيا وعموديا؛ إذ لا يسمح بإضافات تشوه التصميم الأساس للمدينة، ولا لبناء يعلو المسلة المقابلة للبيت الابيض؛ حفاظا على نسق العاصمة، التي تسر النفس وتريح الضمير.. جمالا يذكر بويلات الحرب التي محتها ارادة السلام الامريكية؛ لذلك توجهت المبالغة العمرانية والإقتصادية الى نيويورك ونيوجرسي، متكاثفتان فيهما، بالدرجة الاولى، وفي باقي الولايات بدرجة أخف!
ولأن رسولنا الكريم محمد.. صلى الله عليه وآله، يقول: “رحم الله من إتعظ بغيره” فكان ينبغي أن نتحاشى الحرب، إتعاظا بغيرنا وبأنفسنا، بعد كل ما جرته علينا حروب الطاغية المقبور صدام حسين، من ويلات ما زلنا ننوء بثقلها الموار.. لكن “مشيناها خطى كتبت علينا.. ومن كتبت عليه خطى مشاها” ودخلنا حروبا ضمنية، بعد 2003، كان ينبغي ألا ندخلها.. لا مخيرين ولا مكرهين.. لكن هذا الذي صار، ولن أضيع وقت القارئ، بما كان ينبغي ألا يكون، مستعيرا مبدأ كارل ماركس الشاب، بعد مسح ميداني للمعامل الالمانية: “هنا والآن”.
إستفزنا الإرهاب، فتفجر بركان الفساد، منتهزا الفرصة.. هذا ما حصل بالتمام… فإنجرفنا في حرب شجعت عليها الأطراف كافة؛ بغية أن “تخبطها وتشرب صافيها”.
وإذ يوشك الإرهاب، على نهايته، بهزيمة “داعش” في الموصل، إن شاء الله، بعد ان وجدت أمريكا ضرورة طي هذا الملف المكشوف، وهو شأن شبيه بإحتلال إيران للفاو، خلال حرب الثمانينيات، عندما شعرت أمريكا بوجوب إيقاف الحرب، تركتهم يحتلونها، لتحررها لصدام وتتوقف حرب إستنفدت كل ما تبغيه أمريكا منها، ولم يعد لها موجب.. فما أشبه اليوم بالبارحة، السيناريو يعيد نفسه، مع الموصل، مع فارق مهم، صدام خرج من حرب ايران منهار إقتصاديا، والعراق يمكن ان يهزم “داعش” بإقتصاد متين، إذا كف المسؤولون فسادهم!
وهنا تحضرني قصة انتهاء الحرب الاهلية في امريكا، وإعادة بناء الخراب، بأجمل وأكمل وأمثل ما يمكن أن تكون عليه الدول المتحضرة، وهو شأن ليس متعذرا علينا؛ إذ بالإمكان ان تشرع الحكومة أبواب الرمادي والفلوجة والخالدية والقيارة والموصل وتكريت والعلم، أمام الإستثمار المحلي والخارجي، من دون أن يتسلل المسؤولون وبطانتهم لإجهاض التجربة.
تعطى أولى الأولويات لأبناء المدن.. خاصة وأن أهل الرمادي وكبيسة والموصل، مشهورون بالمقاولات والتجارة، وثاني الأولويات لرؤوس الأموال العراقية من المحافظات الاخرى، وثالث الاولويات للإستثمار الأجنبي، ورابع الأولويات للشركات التي تبدي إستعدادها لإعمار المصانع والمزارع والمستشفيات والجامعات وسواها، أو تأسيس مرافئ صناعية وزراعية وخدمية جديدة، على نفقتها، وتشغيلها وفق مبدأ المشاركة مع الدولة العراقية.
هذا ما سينشئ لدينا.. بنية إقتصادية وخدمية فارهة، بمستوى حضاري رفيع، يدر على عموم إقتصاد العراق ثراءّ وفيرا، من دون ان يكلف موازنة الدولة سنتا واحدا، ويجعل المدن التي دمرتها حرب التصدي للإرهاب، قبلة وإنموذجا عالميا، يقتدي به الآخرون، فضلا عن لذة الحياة فيها، التي تمتص الإعتراضات وتفتت العقد وتفرج الإحتقانات، فينشغل الطائفي بالعمل المثمر ويتماهى العدواني مع السلام.. تنتسى الأحقاد ويتحقق المثل الأصيل: “الخير يخير”.
وبنجاح التجربة في تلك المدن، يمكنني ان احلم بحكومة نزيهة، تنشرها في بغداد ومحافظات العراق كافة، وهو حلم يحمل عناصر تحققه…

أحدث المقالات

أحدث المقالات