18 ديسمبر، 2024 11:44 م

اصبحت المرأة دين الرجل

اصبحت المرأة دين الرجل

قبل بضع عقود كانت للرجل خصوصية عالية تؤطرها عدة التزامات تجاه أهله وجيرانه واصدقائه وزملائه في العمل . وبالتأكيد الاهتمام الأكبر هو لعائلته، زوجته وأولاده، وآخر همه أن يهتم بنفسه وترفيهها والترويح عنها . كانت سعادته تأتي من إرضاء وخدمة الآخرين، من رؤية السعادة على وجوههم لتنتقل عدواها حينئذ له خصوصا أولئك المقربين إليه .
أما الآن وبعد انتشار ثقافة العولمة الجنسية – هكذا أتعمد تسميتها – لأنها بواسطة أجهزتها ومعداتها الالكترونية وتقنياتها الحديثة أدخلت العولمة تلك الثقافة إلى أعمق ركن في بيوتنا وحياتنا رغما عنا والحجة واهية في مضمونها كبيرة في ظاهرها ألا وهي وجوب أن تكون الأرض قرية صغيرة . الأمر الذي لا بد منه مع دخول الألفية الثالثة . تلك العولمة أدخلت المرأة في كل مجال ومكان في إطار وقالب ظاهره فن وإعلان في التلفاز والإنترنت وباطنه جنسي يحاكي غرائز الرجل ويستفزه إلى أبعد حد وبشكل يومي وعلى مدار الساعة . والملفت أن لا أحد ظل شاكا في دوافع العولمة لكن الجميع منقادون ومباركون ومشاركون .
فقد صار الرجل لديه توجها واضحا ومدروسا ومحسوبا ومهما وضروريا ألا وهو المرأة . ينفق من وقته وماله الكثير كي يعتني بنفسه ومظهره وجسمه وسيارته من أجل إغوائها وجذبها أليه فكان هذا الإنفاق على حساب التزامات عائلية واجتماعية كانت يوما ما مهمة وتعد من مستلزمات الرجولة .
فصار وجوب وجود المرأة في حياته بشكل متعدد ومثير ومرغوب وضروري هي من البديهيات الحياتية لدى الرجل، وهذه الضرورة بكمها وليس بنوعها تشبه إلى حد ما ضرورة الدين، وهذا هو جانب الشبه بين دين الرجل وامرأته بصرف النظر عن التزامه الديني أو عدمه .
وهناك نوع آخر من العولمة وهي العولمة الدينية – كما أحب تسميتها – من باب التشابه والتناقض بنفس الوقت لأن غالبية أخرى من التوجهات مالت إلى التعصب الديني والمغالاة بشكل جماعي منظم لذلك أسميتها عولمة وإن كانت في إطار إقليمي … والتوجه هنا يعيدنا إلى زمن الرجعية في التعامل مع المرأة مع تناقض استثنائي إلى حد غير مسبوق في أعطاء المرأة حرية محددة زمنيا عند ممارسة الطقوس المذهبية المغالية في تعصبها، أسميتها ( الحرية الطقسية)، كأن تبات خارج بيتها مع صحبة نساء لغرض الزيارة وأداء طقوسها قد تبقى أسبوعا أو أكثر .
إن التوجه المتطرف يجعل من المرأة وسيلة كي يشبع الرجل تعصبه في دينه وتطرفه في مذهبه، فيغالي بتحجيبها وإلباسها النقاب والقفازات وأحيانا تغطيتها كاملة كأنها شماعة ملابس تمشي في الشارع، فيزيد اللون الأسود لملابسها من غموض المشهد .
فنحن الآن بين توجهين غالبين متناقضين متنافرين كقطبي الكرة الأرضية، وقد غابت الوسطية بينهما والخيارات باتت محدودة في ظل العولمة الجنسية والدينية . وفي كلا التوجهين يستخدم الرجل المرأة كوسيلة لإثبات وجوده وفكره وسلوكه ومعتقده .
فهو إما موجه إليها غرائزيا كأنها دينه وقبلته وظالته في الحياة أو موجه إليها كأنها إحدى المظاهر أو الطقوس الدينية الخاصة به الموجبة بشكل كلما كان متطرفا صار فرضا وليس اجتهادا .