يعد المسرح في بعده الإجرائي لغة ناطقة ومتحركة، كما أنها لغة إنسانية حية دائما، كونها لغة متجددة ومتعددة بتعدد الشعوب والمرجعيات ، وبما أن المسرح في عمقه الوجودي يشكل الحياة في صورتها الأكثر قوة وعنفا، لذا هو معارضة للسكون والموت والجهل والعجز والنفي والغربة و كما يصفه (بلزاك) هو الوجه الأكثر تأثرا وتفاعلا وتقاطعا مع ما هو سائد . تعد المونودراما فنا من الفنون الدرامية التي ظهرت بقوة مع ظهور المسرح التجريبي الذي تطور ونضج في بداية القرن العشرين، ومن أهم سمات هذا المسرح ، أن المسرحية تعتمد على ممثل واحد يسرد الحدث ويديره عن طريق الحوار، كما وتتألف المسرحية غالبا على مشهد مطول يتحدث خلاله شخص واحد والبقية صامتون، كما وتعني كلمة (مونو) في اللغة اليونانية واحدا فقط أو شخصا.
تقوم المسرحية على جدلية العلاقة مابين الواقع والرمز، أي الواقع كوجود خارجي مستقل له مرجعيته الاجتماعية، والسياسية – والرمز كمكون جمالي وفني وقيمي ، لذا تشكلت هذه العلاقة عبر تحولاتها من توليد وخلق حقل دلالي مختلف منح النص المسرحي عمقا مجازيا ودلاليا عميقا تبرز أهميته في تجاوز الجزئي الضيق بالمطلق الشامل لتجنب الوقوع بالمباشرة الفجة للواقع (السائد) تتجلى هذه العلاقة في عنوان المسرحية كعتبة أولى للنص (حذائي) بكل حمولاته النسقية، المباشرة وغير المباشرة ، فالحذاء كوظيفة مباشرة يستخدم لحماية الأقدام أما كوظيفة غير مباشرة يمثل بعدا اجتماعيا وطبقيا مختلفين، لكن هذه الجدلية تأخذ بعدا أكثر عمقا ودلالة من بنيتها السطحية ( الشكل ) حين نتغلغل عميقا داخل النص، فاللغة والثيمات والأساليب المتبعة تتجاوز حدودها البلاغية والجمالية إلى التوغل في مدلولاتها المعرفية والفكرية من خلال الحفر عميقا للبحث عن بنيات مضمرة خلف شكل هذه البنيات، أي البحث في السياسي ، والاجتماعي ،والميتافيزقي أيضا وهو ما يعكس التنوع والثراء في هذه الدلالة داخل النص (تفتح الستارة … بعد أن ضاقت به السبل وجد له ملاذا آمنا في حذائه الذي أصبح شاهدا حيا على خارطة الوجع الذي ألمَّ به). يضعنا النص أمام تحدٍ وجودي ضد كل أشكال الإقصاء من خلال تمركز النص على خلف ثنائية الموت/ الحياة وذلك عبر مسرحة الواقع والأحداث برمزية اللغة كوسيط تواصلي تداولي قادر على إحداث خرق للنظم المرجعية السائدة ، لذا كانت اللغة عند الكاتب تعج بمفردات التمرد والإدانة ضد الواقع المعيش لكسر حالة التهميش والإقصاء التي يعاني منه الإنسان العراقي ضمن ما هو كائن، ما يعكس اختيار الكاتب لجمل محورية ومركزية تمثل مركز ثقل النص مثل: متى تبقى حذائي عاقرا؟ إلى متى أتخفى من نباح الأيام؟ ما أقسى أن يكون قاتلك اسمك ، معززا ذلك بدلالات رمزية مكثفة وصادمة، فدلالة الحذاء أخذت بعدا رمزيا ناقما على الواقع الإنساني المزري لذا كانت رمزية الحذاء تتشكل من قعر المعاناة الواقع كمعادل موضوعي لوطن منتهك بفعل الصراع الطائفي، وشاهدا على وحشية العالم (سوف اتخذ من زنزانة حذائي سوطا يجلد أصواتكم ) .
سعى الكاتب من جعل النص ينفتح على أحداث تاريخية متعددة تمتد على جسد النص المسرحي من خلال تكثيف الصورة – التناصات التي تحيل إلى أحداث تاريخية دينية وسياسية قديمة وحديثة في وقت واحد ( يهزون جذع العراق بدمعهم فيتساقط القتل عليهم جنيا ) الغرض من هذه التناصات دمج العقلاني بغير العقلاني والواقعي بالرمزي والزمان بالمكان عبر المتخيل الفني للفت نظر المتلقي إلى قدم الوجع في ذاكرة الإنسان العراقي حتى بتنا شعوبا بلا زمن، وهو ما يكشف عن خيبة الأمل من تداعي الواقع الإنساني المثقل بالأعباء التاريخية الثابتة مع ثبات مرجعياته، لذا كان السؤال الجوهري لدى البطل سؤالا وجوديا خالصا وهو البحث عن معنى الخلود، سؤالا حتى الأساطير لا تمتلك الإجابة عليه (يا كلكامش متٌ ولم تخبرني هل هناك حقا عشبة الخلود ؟) . وبما أن البحث عن الخلود يندرج في أطار البحث عن الذات بمفهومها الرمزي والذي يستدعي بدوره موقفا من العالم الواقعي بكل مرجعياته الثقافية، لذا كانت الإجابة دائما تذهب باتجاه البحث عن وعي جديد للذات أكثر قربا من الواقع لإنتاج هوية إنسانية ووطنية بلا انتماءات عرقية ومذهبية وحزبية ثابتة (كم أتمنى أن احتفل وأنا خارج حذائي بجفاف ذلك النهر الأحمر …ولد بصورة غير شرعية على أرصفة الشوارع ) وهو ما يدعم توجهنا في إيجاد علاقات جديدة ترسم ملامح الواقعية الرمزية كخيار أكثر قربا من الأحداث .