18 ديسمبر، 2024 8:54 م

كائنات طفيلية تعتاش على جسد الدولة في العراق

كائنات طفيلية تعتاش على جسد الدولة في العراق

ثمة مفارقة أخرى تضاف لسلسة المفارقات في العراق، تتمثل في نمو طبقة من تجار ورجال أعمال ما بعد ٢٠٠٣، هذه الطبقة كانت واحدة من تمظهرات سياسة بناء دورة الفساد العميقة في البلاد او ما يسميه خبراء الأقتصاد “فقاعة الأقتصاد الريعي”، حيثُ الحقت الطبقة الحاكمة، او لنقل حاولت بناء طبقة جديدة من الرأسماليين “الدمج”، كما فعلت في المؤسسة العسكرية مثلاً، والقضاء وغيرها من مؤسسات الدولة، حين اتبعت النخبة الحاكمة، سياسة خلق مجتمعات كيان الدولة الجديدة، دون الأخذ بعين الأعتبار الطريقة، فالغاية تبرر الوسيلة لدى قوى الإسلام السياسي الحاكمة في العراق. 
خلال عقد ونيف من عمر العراق الأمريكي، انتجت دورات الفساد المتعاقبة، طبقة ناهبة للمال المتأتي كايرادات نفطية، حيثُ يشكل النفط الان المورد الوحيد للبلاد، بعد الاجهاز على قطاعي الصناعة والزراعة فيه، هذه الطبقة الجديدة، كانت في الأعم الأغلب منها، الوجه الأخر للقوى السياسية المتحكمة بالمشهد في البلاد، أي بمعنى ان ثمة تحول جوهري طرأ على مفهومي القوى السياسية (الأحزاب والتجمعات والحركات التي تمارس العمل السياسي)، ومفهوم النخب الأقتصادية بمعنى طبقات كبار التجار والصناعيين والمستورديين وغيرهم، حيثُ جرت عملية دمج بين كلا الطبقتين، فتحولت القوى السياسية مجرد اداة بيد القوى الأقتصادية للوصول الى الموارد عبر عمليات نهب مقدرات الدولة من خلال المشاريع الوهمية، والاستثمارات الكاذبة، فجرت عملية ممنهجة لتفريغ خزينة الدولة لجيوب هذه الطبقة، التي اقتسمتها مع النخب السياسية. 
ما جرى يشبه نمو كائنات طفيلية على جسد الدولة، وظيفتها الحصول على الموارد، دون تقديم أي منجز على الأرض، او ما يسمى بدورة الأثراء بلا عمل، حيثُ صارت ظاهرة نمو المصارف الأهلية على سبيل المثال، دليل واضح على وجود عملية نهب ممنهجة لمردودات الدولة من العملات الصعبة، وصارت الأستثمارات لا تعني وجود رجال اعمال يدفعون من اموالهم الخاصة اموالاً لانشاء مشروعات خاصة، قدر ما هي عمليات احتيال مكشوفة، للسطو على شركات واراضي الدولة وممتلكاتها، والحصول على تسهيلات تحاول الحكومة تقديمها تحت ضغط هذه الطبقة التي باتت تمتلك اذرع قوة لا تقهر، عبر امتلاكها وسائل إعلام ضاغطة، والتحالف مع قوى مسلحة خارج الدولة، او الاستناد للكتل السياسية النافذة، بل تعدى الأمر لوجود تمثيل سياسي لهذه اللوبيات الفاسدة!
ان ما حدث ويحدث من فساد هائل ونهب للدولة العراقية، كان بسبب نفوذ هذه الطبقة، وبسبب التواطؤ السياسي الذي ساهم في خلقها، مما يعني صعوبة الحديث على وضع حد لهذه الكائنات او التخلص منها، ما دام الوضع العراقي مرتهن لقوى تتحكم بقرارها لوبيات المال الفساد، وسفارات أجنبية مساهمة في صناعة الخراب العظيم، الذي لا صناعة غيره في عراق اليوم .