على مدى اعوام ، يقود اقليم كوردستان عبر قوات البيشمركة البطلة عملية مواجهة شرسة ضد قوى الإرهاب الداعشي ، التي باتت مصدر تهديد مقلق تحدق أخطاره أرجاء المعمورة عبر مختلف صور استهداف الحياة الوادعة المسالمة ، وأشكال التفجيرات التي يتفنن بها كل يوم لإلحاق أكبر قدر من الخسائر البشرية والمادية ، التي يريد من ورائها الإرهاب المزيد من نكبات الآخرين.
يحاول الإرهاب مع كل هزيمة يصاب بها واذيال خيبة يجرجرها على مسرح المجابهة العسكرية ، أن يكثف من هجماته الإرهابية خاصة بعد تلقيه ضربات قاصمة على مسرح المجابهة العسكرية مؤخرا ، حيث كسرت شوكته وحررت أراض واسعة ، كان قد أستولى عليها قبل أعوام أبان هجماته البربرية والوحشية على مدن البلاد.
لم يقتصر دور الإرهاب والإرهابيين على الجبهة العسكرية ، حيث ميادين المواجهة والقتال وهجمات الموت الجماعي ، التي يستهدف بها الآخرين مجتمعات ودولاً ، بل إن صناعته للموت اتخذت أشكالا متعددة ، تزامنت مع ماكنة إعلامية تصدت لانتاج فلسفة الموت بتأويلات بغيضة ، فضلا عن تضخيم صورة الإرهاب بما يجعله غولاً
هائجاً ، لا يكبح جماحه وقد أمتلك أمكانيات هائلة فاقت التصورات والحسابات ، بحيث تفوقت على إمكانيات دول كما وصفها الرئيس بارزاني ذات مرة.
الإرهاب بقيمه الظلامية المتهرئة ، يشكل تحديا جديداً للمجتمع الدولي على ضفاف قرننا الحالي ، المليء بتعقيدات وأوضاع وتناقضات وموروثات بالية ومتخلفة منتشرة في الشرق الأوسط وأصقاع أخرى مختلفة من العالم ، فضلا عن إن هذا التحدي موجها بالأساس لمنظومة القيم الحضارية والانسانية العالمية ، إذ لا تكمن مخاطر الإرهاب في أفعاله العدوانية ، بل في إضطراد صناعة فكر ظلامي ينتهج العبث والفوضى ، ويريد ان يحيل جهود قرون أنفقتها الانسانية لإنتاج وتطور مختلف الحقول الفكرية الانسانية النيرة ، والوسائل الحضارية للمجتمع الانساني الى سراب ووهم لا شعاع له ، إلا في مخيلته المريضة المصابة بداء الموت.
هذه الحقائق وضعت المجتمع الدولي أمام مسؤوليات تاريخية جديدة ، وازاء قضية خطيرة وحساسة مثيرة لمخاوف جديّة ، يقتضي الحال معها تضافر الجهود لمكافحة الإرهاب دولياً. في منطقتنا حيث المواجهة مع الإرهاب في ساحة مكشوفة ومعلنة ، سطّر الكورد بمواجهاتهم مشهداً بطولياً جليلا وكريماً ، وضعت المجتمع الدولي امام حقائق جديدة.. حقائق إن الكورد يقاتلون ليس دفاعاً عن أمنهم ووطنهم فحسب، وإنما عن المجتمع الانساني بقيمه وحضارته ، وقتالهم نيابة عن العالم. وتلك مأثرة.
إن كفاح الكورد في تاريخهم الحديث والمعاصر، مليء بالمآثر برغم صعوبة أوضاعهم وتحدّيات واقعهم ، وتقف خلفها قيادتهم التاريخية الواعية ، فقضايا الوطن والانسان والحرية ، كانت مرتكزات جوهرية في حركة نضالهم وكفاحهم ، وعلى مختلف جوانبه الانسانية وصراعاتها في الخير والشر، وعلى الدوام كان هناك دوماً كوردي نازف لتحقيق الخير والحرية. من المؤسف في ظل هذا الجو المشحون دولياً ، بتعالي الاصوات الدولية الداعية لتعزيز جبهة المواجهة الكوردية عبر تقديم المزيد من الدعم والمساندة للإقليم ، لأن المجابهة تفرض أثقالها ، تتخلى الحكومة الاتحادية عن التزاماتها حيال قوات البيشمركة ، بل وتقطع رواتب موظفي الإقليم وتشل الميزانيات ، وكلها امور وضغوط لا تخدم أسلوب المجابهة المستدام ازاء إرهاب يريد اكتساح كل شيء، لم تفطن الحكومة الاتحادية لكن العالم من حولنا فطن.
بحضور وإشراف الرئيس مسعود بارزاني رئيس إقليم كوردستان، وقعت وزارة البيشمركة في حكومة إقليم كوردستان على مذكرة تفاهم مع وزارة دفاع الولايات المتحدة الأمريكية ، شملت تقديم الدعم المادي والمساعدات العسكرية الأمريكية الى قوات بيشمركة كوردستان في حربها ضد إرهابيي داعش.
وهي خطوة استراتيجية نوعية ، تعكس مكانة الإقليم الدولية ودوره في إرساء الامن والسلم الدوليين بوصفه مرتكزا للتوازن المحلي والاقليمي على مدى العقود الماضية ،
فضلا عن قدراته العسكرية الضابطة والمنضبطة ودورها في إخماد حرائق الإرهاب المتصاعدة .
تنامي ثقة المجتمع الدولي بدور الاقليم على مختلف المستويات ، يعكس صحة نهوجه على مختلف الصعد . تناولت أطراف عدة طبيعة مذكرة التفاهم الاخيرة بين اقليم كوردستان ووزارة الدفاع الأمريكية ، بمستويات متباينة طبقا لرؤيتها في تقييم الأمور في ضوء لغة المصالح وتراتيبيتها. وتعود أهمية هذه المذكرة وضرورة قراءتها قراءة موضوعية الى سببين ، الاول هو التوقيت ، والثاني إشراف نائب وزير الدفاع الامريكي عليها وتلك من الاسباب التي ادت الى تأويلات متفاوتة في فهم المذكرة.
لا ريب إن اوضاع المنطقة تسير نحو صورة لم تتضح معالمها بعد، بالرغم من اتضاح قوى الصراع للقاصي والداني ، الا ان ميزان المصالح الكبرى ما يزال بانتظار نتائج ذات صلة بالمقبل، خصوصا بعد تشابك المواقف والآراء ونقاط الضغط على هذا الطرف او ذاك.
إن وجود أطراف متخندقة ضد أطراف اخرى بذلك النحو الموجود الان ، وإن كان هذا التخندق يتفاوت قوة وقاعدة بين كل حين ، تبعا لميلان الرياح هنا وهنا في سوريا واليمن والعراق ، حيال تنظيم إرهابي لطالما شكل عقدة المنشار للآخرين، إن وجود تلك الاطراف يعني وجود تشابك علاقات وتداخل مصالح لن ينتهي بليلة وضحاها.
وكوردستان في قلب الحدث الآن ليس لطبيعة وجودها قرب منطقة الحرب فحسب ، بل خوضها غمارها ، فضلا عن ان طبيعة المناطق المتنازع عليها تقع بعضها ضمن دائرة الصراع مترافقة مع تزايد وتنامي الحركات الكوردية في المنطقة إجمالا .
إن صياغة مشتركة لأنهاء الإرهاب والتفهم الواضح المشترك لطبيعة أزمات المنطقة يخلق جسورا لفهم الحاضر والمستقبل على نحو اعمق .