إن الصراع السني الشيعي اليوم في المنطقة، هو حلقة في سلسلة طويلة تمتد في الزمن الماضي والاتي ، كان وما زال تنشره قوى لها مصلحة في اذكاء نار الفتنة الطائفية من اجل تحقيق مصالح سياسية، فلولا الشحن الطائفي لما لمعت اسماء في برلمانات او وزارات، ولما استقر طغاة وملوك على عروشهم ردحا من الزمن، انه صراع على السلطة يمتد من اغتصاب بني امية لارادة الامة في اختيار حكامها الى يومنا هذا، فباي صلة يمت الى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، شخص مثل بندر، امه جارية لسلطان يقال لها خيزران ، فواقعها سلطان سفاحا، وهذا ليس افتراء بل هو قول بندر نفسه الذي اورده وليم سيمبسون في كتابه الامير، حيث قال بندر( انا مولود غير شرعي لام سرية) ، فحملت ببندر ويا ليتها لم تفعل، وبعد ان ولد تدراكت العائلة الحاكمة على جزيرة العرب الامر، فسلطان وخيزران لم يكونا متزوجين بشهادة بندر نفسه ، ولكن الفقيه وليم سيمبسون؟؟؟ صاحب كتاب الامير يقول ان الشرع الاسلامي يحمي الابناء غير الشرعيين اذا اعترف بهم والدهم ، وقد اقر سلطان بالولادة ، ولكن الحماية التي تكلم عنها وليم سيمبسون تاتي على ضوء الحديث الشريف {الولد للفراش وللعاهر الحجر} فعلى طريقة انساب مواليد صاحبات الرايات الحق بندر بن خيزران بسلطان، تماما كما الحق زياد بن سمية بمعاوية بن ابي سفيان، وقد عرف بندر في اوساطه المقربة من غربيين وصهاينة بولعه بالسيكار الكوبي والخمور الاسكتنلندية. ان هذا الصراع الطائفي المقيت كان قد تحرك تحت عناوين وشعارات فرضتها ظروف سياسية، وان الامامة والخلافة من اهم شعاراته على مدى زمنه، الممتد منذ استشهاد الامام علي عليه السلام، وانقضاض بني امية على الحكم، الذي تم لهم بعد ستة اشهر، هي مدة خلافة الامام الحسن عليه السلام، التي خُتم بها عهد الخلافة الراشدة الممتد ثلاثين سنة، والمذكور بحديث شريف متواتر، يشير الى بداية الملك العضوض لبني امية ومن خلفهم، وهو ملك يمتد الى يومنا هذا، حيث يطرح من جديد شعار الامامة والخلافة، من قبل دول لها مصالح سياسية، تهدف الى تحقيقها من وراء طرحه، مطلقة العنان لقوى التوحش وصراعها الدمويا العنيف المحتدم في الشام والعراق والجزيرة العربية، تنخرط فيه حكومات واحزاب وقوى اقليمية سياسية واقتصادية، لا نجد لها اية علاقة بمنهج الامام على عليه السلام او الخليفة عمر رضي الله عنه، المعروفين بالزهد والاعراض عن الدنيا،
ان الارهاب الذي يخوض بدماء الناس عموما، والمسلمين منهم خصوصا، لا يمكن اطلاقا ان يحسب على منهج الخليفة عمر بن الخطاب، وان الدول الداعمة له لاتمت بصلة الى ذلك المنهج، وانما هو سير على المنهج الاموي، الذي شق صف المسلمين الى موالي وعرب، واوقد نار الضغينة بينهم، ليستثمر صراعهم في خدمة مشروعه الهادف الى البقاء في السلطة، وهو مشروع قد اوجد له الامويون الوعاظ الذين افتوا بمشروعية حكم المتغلب، وعدوا الخارج عليه خارجا على اجماع الامة، فهم الذين قالوا ان الحسين قتل بسيف جده، مستدلين بالحديث الشريف {من اراد ان يفرق امر هذه الامة وهي جمع فاضربوه بالسيف كائنا من يكون} وهو استدلال باطل، اسس له بنو امية، وبنى عليه ورثتهم من وعاظ السلاطين، وقد اوجد الامويون لمشروعهم فلاسفة ومتكلمين اشاعوا فلسفة الارجاء، التي تقول بفصل الايمان عن العمل، وارجاء الحساب الى يوم القيامة، لكي لا تحاسب الامة فساقهم وفجارهم، واليوم يرث الطغاة الادوات نفسها، متلفعين بعباءة الاسلام، يخفون حقيقتهم السيئة وراء تدين وورع مزعومين.
ان الذين يقتلون في هذا الصراع الطائفي القذر هم بسطاء الناس من كل العراقيين على اختلاف اديانهم ومذاهبهم، من العمال والموظفين والطلاب والكسبة، يستهدفهم تنظيم غريب على الامة وشريعتها السمحا، قوامه شذاذ افاق واصحاب سوابق في الجريمة والمخدرات، اوهموا بان توبتهم تقبل بشرط الاستشهاد، فظنوا ان تفجير اجساهم في اوساط عباد الله الامنيين عملا جهاديا، ينقلهم الى جنان الخلد، فتسابقوا الى وحشية القتل كأنهم لم تعم ابصارهم فحسب، بل عميت منهم القلوب التي في الصدور، تغذي آلة قتلهم اموال النفط التي فرضت سطوة الطغيان القبلي على كل موقع حضاري مسلم عربي، لتنفذ ما عجزت اسرائيل عن تنفيذه ، منذ اليوم المشؤوم الذي زرعت فيه بجسد الامة الى يومنا هذا.
فالارهاب الداعشي يستهدف كل المسلمين، الا انه يعلن وعلى رؤوس الاشهاد استهدافه للشيعة، وبالمقابل يعلو في اوساط الشيعة صوت الدفاع عن النفس، وهو صوت لا اعتراض عليه، يستقي مشروعيته من قوله تعالى {ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}، فهم ماذون لهم بالقتال دفاعا عن انفسهم بالاذن نفسه الذي شرع للمسلمين القتال دفاعا عن انفسهم، في قوله تعالى {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لِقَدِيرٌ}، وهو قول يثبت ان القتال في الاسلام لم يشرع الا دفاعا عن النفس، ما يدحض كل النظريات التي حركت مفهوم الجهاد خارج اطره القرآنية، ولكن صوت الدفاع عن النفس الذي انطلق في اوساط الشيعة المستهدفين من ارهاب داعش، يُخشى من ان يتلقفه تجار حروب يمثلون وبكل امانة وموضوعية المعادل النوعي لداعش، ليرتفع صوت التطرف ويسكت كل صوت مسؤول، فيتمزق نسيج الامة، ويُطوح بكل طاقاتها العلمية والفكرية والثقافية.
ان سياقات الحياة ترتسم متناسقة بلا نتوآت، فعندما يعم التخلف فانه يضرب اطنابه في كل موقع، لا يمتاز موقع عن آخر، فالعامل البسيط غير المدرب يتخلف في انجاز عمله، والاستاذ الجامعي الذي قضى عمره دارسا ومدرسا، يتخلف ايضا في انجاز عمله، لان التخلف كالوباء، اذا انتشر لم بيق احدا في مأمن منه، وكذلك التقدم له التاثير نفسه، وقد اشار امير المؤمنين علي عليه السلام الى هذا الامر بقوله: اذا حسن الزمان واهله فلا ترين في عمل خرج من احد سوء وانت ترى له في الخير محتملا، واذا ساء الزمان واهله فلا ترين في عمل خرج من احد خيرا وانت ترى له في السوء محتملا، فحسن الزمان واهله امارة على التقدم، وسوء الزمان واهله امارة على التخلف، ونحن اليوم في دورة زمانية متخلفة يسوء فيها الزمان واهله، ولكن اي سوء؟ انه سوء الخوض بالدماء والمقدرات، الذي ما بعده سوء، وما يزيد هذا السوء سوءا، انه يوظف في خدمة مشاريع سياسية بغطاء ديني، فالسني يجب يُكذَب عليه ويُكذَب الى ان يصل الى قناعة تامة بان الشيعي يريد قتله، ويصل ايضا الى قناعة تامة بان القوة السنية الفلانية او الزعيم السني الفلاني هو الذي يستطيع ان يحميه، واذا ما تحقق هذا تكرس نفوذ تلك القوة ونفوذ ذلك الزعيم، والامر نفسه يفعل مع الشيعي ليتكرس نفوذ قوة شيعية وزعيم شيعي، بل اذهب الى ما هو ابعد من هذا، فان القوتين والزعيمين اذا لم ينسقا علنا فانهما يهيئآن سرا ظروف التوازن التي تكرس نفوذهما الطائفي، ولا يسمحان لنار الفتنة الطائفية ان تنطفيء، بل كلما خمدت صبا عليها الزيت لاستمرار توقدها، ففيها استمرار نفوذهما، وكلما حاولت قوى الشر ان تذهب بالفتنة الى اقصاها هادفة الى اشعال نار الحرب الاهلية، افشلتها ارادة العراقيين بلطف الله تعالى، ولكنها ستحاول وتحاول، ونسال الله تعالى ان يفشل كل محاولاتها ، ويرد كيدها الى نحرها ، ويحرقها بالنار التي اوقدتها، وآخر محاولاتها جريمة العصر التي ارتكبت في حي الكرادة ، وابكت كل العراق وسط صمت عربي ودولي مريب ، فقتل الارهاب لعدد من الفرنسيين ، وهو مدان طبعا ، جعل حكام العالم من عرب وغيرهم يحيطون بهولاند وتتشابك ايدي ملوك العرب بايدي الصهاينة في مسيرة طويلة ، ولكن موت مئات العراقيين في الكرادة حرقا على الطريقة الداعشية القذرة لم يستفز عواطف اولئك الحكام الانذال، ولم نر سوى العراقيين المفجوعين يحيطون بالثكالى والفاقدات يؤبنون ابناءهم . ان اخوف ما يخافه الطغاة وتجار الطائفية، التقاء الناس على مطالب خدمية، فذلك ينمي فيهم الشعور بالحرمان الذي يوحدهم، فهو شعور فطري غرسه الله في نفوس عباده، لكي لا يمتليء كرش على حساب بطون خمص، فالمال مال الله والناس عباد الله، وهذه ليست طوباوية، وانما هو مبدا جاء به حديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الشريف: الناس شركاء في ثلاث، الماء والكلأ والنار، وان شعور الحرمان عندما يصبح عنوانا لتحرك الناس، بدل العناوين الطائفية المقيتة، فانه يحررهم من وهم الخوف الذي زرعه فيهم زعماء الطوائف، ليعودوا احرارا كما خلقهم الله تعالى، وفي سياق هذا المبدا، ثمة قولان، قول الامام علي عليه السلام: متى استعبدتم الناس وقد خلقهم الله احرارا، وهو قول يؤكد ان الحرية فطرة، وقول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا، وهو قول يؤكد ان الحرية فطرة اصيلة، وكل ما يتنج عن الحروب والديون من استعباد، فهو طاريء، يجب ان يزول لتعود الامور الى اصلها ، فهل نفقه هذه الحقيقة ام نحن بحاجة الى طائفة منزه من كل ما بنا من سوء لتنفر وتتفقه ثم تعود الينا لتنذرنا ان بقي فينا قدرة على وعي ما تقوله.
المؤكد ان حكومة العبادي تتفهم جيدا هذه الحقيقة، حقيقة تعبئة الناس في طريق ازالة الحرمان، الذي راح يستشري في اوساطهم، بسبب فساد بعض السياسيين ، فكل يوم تنخرط فئة جديدة من فئات الشعب في جيش الفقراء المتضخم، وتساعد العبادي نزاهته على ترجمة هذا التفهم مشاريع على مستوى الواقع ، إذ لم يستطع اي من خصومه ، وهم كثر ، ان يمسك عليه اي ملف فساد ، ولكن ما ان بدأ اصلاحه حتى تعالى صوتان، صوت من داخل الكيانات السياسية المشاركة في الحكم والبرلمان، يقول بلا دستورية الاصلاح الذي اقدم عليه، وصوت آخر يدّعي الانطلاق من داخل اوساط جيش الفقراء، يطالب باسقاط الحكومة واصلاحها، الصوتان المنطلقان من موقعين مختلفين يأتيان من مصدر واحد، ويرميان الى تحقيق هدف واحد هو تعطيل اي مشروع للاصلاح، فمن المستفيد من هذا التعطيل ومن المتضرر؟ المستفيد حكما فريقان ، الفريق الاول هم اعداء العراق المعروفون ، والفريق الثاني هم الذين يوظفون الماساة العراقية في خدمة مشروعهم، من خلال ارسال الرسائل عبر الساحة العراقية لخصومهم الاقليميين من الفريق الاول ، اما المتضررون فهم عموم الشعب من فقراء، ومن سائرين في طريقهم الى الفقر، فليس امام حكومة العبادي الا المضي بالمشروع الاصلاحي والاعراض عن سماع الصوتين النشازين، فهما شنشة اعرفها من اخزم، ولا اقصد باخزم الاب ، وانما هو صاحب هذا الصوت الذي يجهر بالعداء للعراق، وهو صوت معروف لا يخفى على ذي لب وبصيرة .