مكان قديم يضرب جذوره في عمق التأريخ، حيث الخليقة، والطوفان، وكلكامش، ويعني البياض والنقاء، عرف بإسمه حتى قبل أن يتكلم سكانه اللغة العربية، إنها الأهوار العراقية، التي تختلف في مائها عن بقية المسطحات المائية، فهي ذات نظام هيدروليكي متجدد، يجعل منها طاقة بيئية لتبريد الأرض وما تحتها، قُدست عند السومريين، وجعلوا لها إلهاً خاصاً أسموه (آنكي)، طبيعة مثيرة وبتفاصيل أكثر إثارة، حيث ملاحم رجال أخرجوا أفضل، وأروع ما لديهم ليكتبوا تأريخاً، قلَّ نظيره في العالم!
ورد وصف منطقة الأهوار في الكتب القديمة، الخاصة بالرحالة والمكتشفين، فقد ذكرت في المخطوطات الأشورية الخاصة بالملك شيلمنصر، أن قوارب جيشه كانت مصنوعة من نبات إسمه (أربتو)، وتعني بلغتنا(البردي)، وأن الفراش المستخدم لديهم يسمى(أرشو أربتي)، ويقصد بها(حصيرة أو فَرشة البردي)، كما وردت في كتب الصابئة المندائيين، حيث كانوا يجرون طقوسهم عند أطرافها، وسميت آنذاك (حورو) ومعناها البياض أيضاً، فمَنْ زعم أن الأهوار مستنقعات مائية، تنتظر الردم والطمر ويلغي طبيعتها، فسيقول له التأريخ: إنها بداية الخليقة!
في العصر الإسلامي وردت منطقة الأهوار، بإسم (البطائح) أو (الجباشات)، والتي تعني تراكمات من البردي والقصب على مر السنين، وتتحرك بما عليها من إنسان، وحيوان، وكوخ، كما أورد وصفها بعض المستشرقين في كتبهم بإسم (إيشان)، التي يقصد منها تل من القصب محاط بالماء، يكثر حولة تنوع إحيائي جميل ومتميز،وهي مياه عراقية ذات إلهام طبيعي رائع جداً،أوجد بيئة آخاذة للطيور والأسماك، ورغم عقود الإهمال، والتجريد، والتجفيف، لكنها بقيت إرثاً ملحمياً تأريخياً، حاضراً بقوة في عالمنا المعاصر.
رجال بررة أشداء، وشيوخ سكنوا الأهوار، لم يركنوا لأنظمة القمع والإستبداد، أُعدم أبناؤهم، وأحرقت مضايفهم، فضحوا بالغالي والنفيس، وقضوا مضاجع البعث التكفيري، فلم يستطع البعثيون الوصول لأطراف الأهوار، فلجأ الطاغية الى حرقها وتجفيفها، بغضاً بأهلها الشرفاء، الذين شكلوا النواة الأولى لحركة المجاهدين، بقيادة السيد محمد باقر الحكيم (قدس)، بثورة حسينية في الأداء، والنتائج، والآثار، فكانت مناطقهم تدار بحكم ذاتي، بعيد عن سيطرة النظام البائد، إنها قصة ملحمة واقعية، لا يمكن لأي عراقي أن يغفل عنها.
مناطق مائية شاسعة، حملت هموم وقضية وطن منهوب، وشعب مسلوب، لكن أهوار الجنوب نهضت بقوة، لتؤرخ للعراق صفحات مشرقة من الجهاد والنضال، ضد طاغية البعث الصدامي، فعاش رجالات المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، بقيادة الحكيم أوج عطائهم وتضحياتهم، فإنتصرت الأهوار بعد سقوط الطاغية سياسياً، ثم إنتصرت حضارياً بإدراجها ضمن لا ئحة التراث العالمي، فينبغي أن نكون يداً واحداً، لتعلن الأهوار والآثار إنتصاراً عالمياً ساحقاً، فكلمات شهيد المحراب كانت تتحرك فوقها، لتخرج أفضل ما لدينا.