بعد دخول الحلفاء الى ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، قام المنتصرون بعقد محاكمات “نورمبرغ” الشهيرة، التي طالت رموز الحزب النازي وقادة الجيش الألماني، سواء كانوا مهنيين أم غير ذلك، بالإضافة الى إصدارهم قراراً بحظر الحزب، وهو القرار الذي ما زال ساري المفعول إلى اليوم. وقام المنتصرون كذلك بتقسيم ألمانيا وإعادة رسم خريطتها السياسية والادارية، والقرارات نفسها اتخذها الحلفاء بحق إيطاليا الفاشية. وما زال “العالم الحر” يصف كل معادٍ له أو متعارض مع سياساته بـ”النازية والفاشست”.
وفي الوقت الحاضر نجد أن أبرز صفة مشتركة بين ثورات الربيع العربي هي الاجتثاث، ففي تونس حارب الشباب الثائر كل اشكال بقايا نظام بن علي، وبعد فرز نتائج الإنتخابات ألغت مفوضية الانتخابات هناك آلاف الأصوات، وشطبت عدداً من المقاعد التي حصلت عليها إحدى القوائم بسبب إتهامها بضم بعض “التجمعيين ـ حزب بن علي”.
وفي مصر، يدور الجدل القائم اليوم ليس على الحزب الوطني الحاكم سابقا، فقد تم اجتثاث هذا الحزب ومنع أعضائه من معاودة العمل سياسياً، بل أن الجدل حول الاجتثاث وصل الى المجلس العسكري الحاكم للبلاد، بسبب اتهامهم بمواصلة نهج النظام السابق، على الرغم من الإجماع الشعبي على نزاهة القوات المسلحة.
وفي ليبيا، لم يُمهل الثوار نظام القذافي وإقامة محاكم لاستخلاص العدالة، لقد تم اجتثاث النظام بكل اشكاله وتفاصيله، بدءاً من العلم الأخضر وحتى القذافي نفسه مباشرة ومن دون إنتظار.
لايعد اجتثاث البعث في العراق ـ الذي تحول فيما بعد الى المساءلة والعدالة ـ نشازاً قانونياً أو عرفياً، ولاسيما بعد (35) عاماً من المغامرات الداخلية والخارجية التي خاضها النظام السابق بفشل ذريع.
بعد (50) عاما من الهزيمة النازية وتحويل ألمانيا إلى نظام وشعب جديدين، ألقت الشرطة الألمانية القبض على مواطن ألماني فيه شبه بـ”هتلر”، وكان هذا المواطن يصفف شعره ويحلق شاربه بأسلوب “هتلري”، ويعتاش على التقاط الصور مع السياح فقط، ألقت الشرطة القبض عليه، ووضعته في السجن، ووجهت له تهمة “التشبه برمز معادٍ لدستور المانيا”!