تعد العقيدة أو النظرية الاقتصادية هي الأساس الذي يُبنى عليه النظام الاقتصادي في بلد ما، وفي ضوء هذا النظام الاقتصادي تأتي حزمة التشريعات والقوانين البرلمانية، واللوائح والتعليمات الحكومية، التي من شأنها تسيير الشؤون الاقتصادية للدولة، توزيع الثروة، ورفع دخل الإفراد، وبما يؤدي في النهاية إلى تحقيق رفاهية المجتمع.
وعندما يفتقد المجتمع لهذه العقيدة أو النظرية، و يعجز عن تحديد بوصلته الاقتصادية، يتحول البلد – كما يصفه خبراء الاقتصاد – إلى (بلداً مجنون اقتصاديا)، والذي من مظاهر ومؤشرات جنونه هو انخفاض مستوى الدخل، وأرتفاع معدلات الفقر بين سكانه، حتى مع كونه من أغنى بلدان ثراء وثروة!فهم مفارقة (بلد غني- شعب فقير).
يتشكل الفكر الاقتصادي المعاصر من حزمة من المبادئ والأفكار المتفاعلة مع بعضها، والتي تشكل بمجموعها ملامح النظام الاقتصادي لأي بلد، بمعنى أن أي نظام اقتصادي ينبع من فكر أقتصادي، وعندما نجد نظاماً أقصادياً متهالكاً، فذلك يعني أن هناك فكراً أقتصادياً فقيراً يقف وراءه، وعندما ترى دولة ذات نظام اقتصادي قوي ومتماسك، فتلك دولة يتمتع قادتها بفكراً اقتصادياً حديثاً.وعليه فإن دراسة أي نظام اقتصادي لتشخيص عناصر الضعف فيه، يتطلب اولاً معرفة العقلية أو الفكر الاقتصادي الذي يسنده؛ وكما أسلفنا فإن الفكر الاقتصادي يتألف من مجموعة من المبادئ والأفكار، والتي ربما من أهمها هو ذلك المبدأ الذي يخبرنا (لا يهم حجم الأموال التي يملكها البلد! المهم كيف تُستثمر هذه الأموال؟)، ويوضح لنا هذا المبدأ أختلافاً جوهرياً بين مفهومي “المال” و “الاقتصاد” فالماليون والمصرفيون يتحدثون دائماً عن “حجم الأموال المتاحة للتداول في السوق” أما الاقتصاديون فيهتمون بـ “من أين جاءت هذه الأموال وإلى أين تذهب، وكيف توزع على أفراد المجتمع”؟.
وإذا أردنا مراقبة ملف الاقتصاد العراقي، سنجدُ يُدار ويُتداول سواء من قبل الساسة أو من قبل الشعب بعقلية “رجال المال”، وليس بعقلية “رجال أقتصاد”. وهذا ما تسبب بهدر مخيف للثروات طيلة قرون طويل، وخصوصاً في العقد الأخير، حيث تزايدت مستويات الفقر في بلد وُصفت ميزانيته بـ (الانفجارية).
صحيح إن هناك جملة من العوامل المؤثرة التي ساهمت في تراجع الاقتصاد العراقي، إلا إن هذه المقالة هي محاولة لتسليط الضوء على العقيدة أو الفكر الاقتصادي الذي يُدار بها البلد.وفي سبيل معرفة كيف ساهمت “العقلية المالية” في تدهور القطاع الاقتصادي للبلد، ولأجل تعميق فهمنا للفرق بين “المال” و “الاقتصاد”، يتطلب ذلك أولاً معرفة مفهومين آخرين، هما: “قائمة الدخل” و “قائمة الميزانية”.
فمع بدايات النهضة الصناعية الأوربية، ظهرت حاجة أصحاب الشركات إلى نظام لمساعدتهم على معرفة حجم التكاليف التي تُصرف لأنتاج سلعة ما، وكذلك حجم الإيرادات المتحققة من بيع تلك السلع، لكي يستطيعوا في المحصلة معرفة أرباحهم المتحققة، فأتجه المحاسبون إلى وضع قائمة سُميت بـ (قائمة الدخل). حيث توضح هذه القائمة كلاً من نفقات الشركة وإيراداتها، والنتيجة بينهما هي الأرباح، أي أن (الربح = الإيرادات – التكاليف)، ولكن وبمرور الوقت لاحظ المستثمرون وأصحاب الشركات وخبراء المال والأسهم، أن الشركات الأكثر ربحية ليست بالضرورة هي الأفضل، وإن العديد من الشركات الأقل ربحية هي الأكثر جاذبية للمستثمرين في سوق الأسهم، وهذا ما دفعهم بخبراء المال والمحاسبة إلى البحث عن أسباب وحيثيات هذه المفارقة الغريبة!فما الذي يجعل – أحياناً – الشركات الأقل ربحية هي أكثر جاذبية للمستثمرين.
لقد وجد الخبراء والمختصين، إن المستثمرين لا يبحثون عن المال والإرباح فقط، بل أيضاً يبحثون عن مصدر هذه الأموال، فالعديد من الشركات الأنتاجية تقترض رؤوس أموالها من مصارف بفوائد اضافية، وهذا ما يجعل الشركات عالية الربحية المقترضة لرؤوس أموالها، أقل جاذبية، من تلك الشركات منخفضة الربحية، ولكنها ذات التمويل الذاتي لنفسها.
كذلك، فإن المستثمرين الراغبين في تقييم ربحية وجاذبية شركة ما، يبحثون أيضاً عن الكيفية التي تُنفق بها الشركة أرباحها المتحققة، فالشركات التي تخصص جزء من إيراداتها لأغراض التوسع الإنتاجي أو السوقي، هي بالتأكيد أفضل بنظر المستثمرون من تلك الشركات التي لا تخصص أية مبالغ للتوسع الانتاجي أو السوقي.
وهذا كله ما دفع إلى ظهور قائمة جديدة، هي ” قائمة الميزانية”، التي تبين للمخطط الاقتصادي، مصادر الأموال وأبواب أنفاقها، بعد أن كانت “قائمة الدخل” توضح فقط حجم الأموال.وهكذا نرى إن تطوراً في الفكر الإنساني قد حصل، أدى لتغير نظرة الإنسان إلى المال: (فالأهم من المال، هو كيفية إنفاق هذا المال)، فالبلد الذي ينفق ميزانيته (نصف مليار دولار) على إنشاء بنى تحتية ومشاريع إنتاجية وصناعية، هو أفضل من ذلك البلد الذي ينفق ميزانيته (مليار دولار) على استيراد السلع الاستهلاكية والانتاجية؛ وهكذا لم يعد حجم المال هو المهم، بل كيفية أنفاقه، وأن البلدان الأكثر أموالاً لم تعد هي الأقوى اقتصاداً، بل نجد إن العديد من البلدان ذات الميزانيات المتواضعة، باتت مجتمعاتها ذات مؤشرات معيشية جيدة، مقارنة بالكثير من تلك البلدان التي قد تبلغ ميزانياتها حداً “إنفجارياً”.
وفي هذا سياق يمكن رؤية أزمة الاقتصاد العراقي في يومنا هذا، فمشكلة الاقتصاد العراقي، تعود في جزء كبير منها إلى عدم وجود رؤية اقتصادية للمشرع العراقي، وغياب التشريعات والقوانين التي من شأنها تشجيع الاقتصاد الوطني وجذب الاستثمارات الوطنية والدولية؛ أما على الصعيد التنفيذي، فما يزال صانع القرار العراقي يفتقد لإرادة حقيقية قادرة على توجيه المال العراقي للاستثمار بدلاً من توجيهه للاستيراد.
أكاديمياً، تفتقد الساحة الاقتصاديةتعد العقيدة أو النظرية الاقتصادية هي الأساس الذي يُبنى عليه النظام الاقتصادي في بلد ما، وفي ضوء هذا النظام الاقتصادي تأتي حزمة التشريعات والقوانين البرلمانية، واللوائح والتعليمات الحكومية، التي من شأنها تسيير الشؤون الاقتصادية للدولة، توزيع الثروة، ورفع دخل الإفراد، وبما يؤدي في النهاية إلى تحقيق رفاهية المجتمع.وعندما يفتقد المجتمع لهذه العقيدة أو النظرية، و يعجز عن تحديد بوصلته الاقتصادية، يتحول البلد – كما يصفه خبراء الاقتصاد – إلى (بلداً مجنون اقتصاديا)، والذي من مظاهر ومؤشرات جنونه هو انخفاض مستوى الدخل، وأرتفاع معدلات الفقر بين سكانه، حتى مع كونه من أغنى بلدان ثراء وثروة!فهم مفارقة (بلد غني- شعب فقير).
يتشكل الفكر الاقتصادي المعاصر من حزمة من المبادئ والأفكار المتفاعلة مع بعضها، والتي تشكل بمجموعها ملامح النظام الاقتصادي لأي بلد، بمعنى أن أي نظام اقتصادي ينبع من فكر أقتصادي، وعندما نجد نظاماً أقصادياً متهالكاً، فذلك يعني أن هناك فكراً أقتصادياً فقيراً يقف وراءه، وعندما ترى دولة ذات نظام اقتصادي قوي ومتماسك، فتلك دولة يتمتع قادتها بفكراً اقتصادياً حديثاً.
وعليه فإن دراسة أي نظام اقتصادي لتشخيص عناصر الضعف فيه، يتطلب اولاً معرفة العقلية أو الفكر الاقتصادي الذي يسنده؛ وكما أسلفنا فإن الفكر الاقتصادي يتألف من مجموعة من المبادئ والأفكار، والتي ربما من أهمها هو ذلك المبدأ الذي يخبرنا (لا يهم حجم الأموال التي يملكها البلد! المهم كيف تُستثمر هذه الأموال؟)، ويوضح لنا هذا المبدأ أختلافاً جوهرياً بين مفهومي “المال” و “الاقتصاد” فالماليون والمصرفيون يتحدثون دائماً عن “حجم الأموال المتاحة للتداول في السوق” أما الاقتصاديون فيهتمون بـ “من أين جاءت هذه الأموال وإلى أين تذهب، وكيف توزع على أفراد المجتمع”؟.
وإذا أردنا مراقبة ملف الاقتصاد العراقي، سنجدُ يُدار ويُتداول سواء من قبل الساسة أو من قبل الشعب بعقلية “رجال المال”، وليس بعقلية “رجال أقتصاد”. وهذا ما تسبب بهدر مخيف للثروات طيلة قرون طويل، وخصوصاً في العقد الأخير، حيث تزايدت مستويات الفقر في بلد وُصفت ميزانيته بـ (الانفجارية).
صحيح إن هناك جملة من العوامل المؤثرة التي ساهمت في تراجع الاقتصاد العراقي، إلا إن هذه المقالة هي محاولة لتسليط الضوء على العقيدة أو الفكر الاقتصادي الذي يُدار بها البلد.وفي سبيل معرفة كيف ساهمت “العقلية المالية” في تدهور القطاع الاقتصادي للبلد، ولأجل تعميق فهمنا للفرق بين “المال” و “الاقتصاد”، يتطلب ذلك أولاً معرفة مفهومين آخرين، هما: “قائمة الدخل” و “قائمة الميزانية”.
فمع بدايات النهضة الصناعية الأوربية، ظهرت حاجة أصحاب الشركات إلى نظام لمساعدتهم على معرفة حجم التكاليف التي تُصرف لأنتاج سلعة ما، وكذلك حجم الإيرادات المتحققة من بيع تلك السلع، لكي يستطيعوا في المحصلة معرفة أرباحهم المتحققة، فأتجه المحاسبون إلى وضع قائمة سُميت بـ (قائمة الدخل). حيث توضح هذه القائمة كلاً من نفقات الشركة وإيراداتها، والنتيجة بينهما هي الأرباح، أي أن (الربح = الإيرادات – التكاليف)، ولكن وبمرور الوقت لاحظ المستثمرون وأصحاب الشركات وخبراء المال والأسهم، أن الشركات الأكثر ربحية ليست بالضرورة هي الأفضل، وإن العديد من الشركات الأقل ربحية هي الأكثر جاذبية للمستثمرين في سوق الأسهم، وهذا ما دفعهم بخبراء المال والمحاسبة إلى البحث عن أسباب وحيثيات هذه المفارقة الغريبة!فما الذي يجعل – أحياناً – الشركات الأقل ربحية هي أكثر جاذبية للمستثمرين.
لقد وجد الخبراء والمختصين، إن المستثمرين لا يبحثون عن المال والإرباح فقط، بل أيضاً يبحثون عن مصدر هذه الأموال، فالعديد من الشركات الأنتاجية تقترض رؤوس أموالها من مصارف بفوائد اضافية، وهذا ما يجعل الشركات عالية الربحية المقترضة لرؤوس أموالها، أقل جاذبية، من تلك الشركات منخفضة الربحية، ولكنها ذات التمويل الذاتي لنفسها.
كذلك، فإن المستثمرين الراغبين في تقييم ربحية وجاذبية شركة ما، يبحثون أيضاً عن الكيفية التي تُنفق بها الشركة أرباحها المتحققة، فالشركات التي تخصص جزء من إيراداتها لأغراض التوسع الإنتاجي أو السوقي، هي بالتأكيد أفضل بنظر المستثمرون من تلك الشركات التي لا تخصص أية مبالغ للتوسع الانتاجي أو السوقي.
وهذا كله ما دفع إلى ظهور قائمة جديدة، هي ” قائمة الميزانية”، التي تبين للمخطط الاقتصادي، مصادر الأموال وأبواب أنفاقها، بعد أن كانت “قائمة الدخل” توضح فقط حجم الأموال.وهكذا نرى إن تطوراً في الفكر الإنساني قد حصل، أدى لتغير نظرة الإنسان إلى المال: (فالأهم من المال، هو كيفية إنفاق هذا المال)، فالبلد الذي ينفق ميزانيته (نصف مليار دولار) على إنشاء بنى تحتية ومشاريع إنتاجية وصناعية، هو أفضل من ذلك البلد الذي ينفق ميزانيته (مليار دولار) على استيراد السلع الاستهلاكية والانتاجية؛ وهكذا لم يعد حجم المال هو المهم، بل كيفية أنفاقه، وأن البلدان الأكثر أموالاً لم تعد هي الأقوى اقتصاداً، بل نجد إن العديد من البلدان ذات الميزانيات المتواضعة، باتت مجتمعاتها ذات مؤشرات معيشية جيدة، مقارنة بالكثير من تلك البلدان التي قد تبلغ ميزانياتها حداً “إنفجارياً”.وفي هذا سياق يمكن رؤية أزمة الاقتصاد العراقي في يومنا هذا، فمشكلة الاقتصاد العراقي، تعود في جزء كبير منها إلى عدم وجود رؤية اقتصادية للمشرع العراقي، وغياب التشريعات والقوانين التي من شأنها تشجيع الاقتصاد الوطني وجذب الاستثمارات الوطنية والدولية؛ أما على الصعيد التنفيذي، فما يزال صانع القرار العراقي يفتقد لإرادة حقيقية قادرة على توجيه المال العراقي للاستثمار بدلاً من توجيهه للاستيراد.
أكاديمياً، تفتقد الساحة الاقتصادية العراقية إلى الدراسات المعمقة المعاصرة والقادرة على وضع تشخيص الخلل، أما المشكلة الثانية على الصعيد الأكاديمي، فهي القطيعة الحاصلة بين السياسي من جانب وبين الأكاديمي والمثقف من جانب أخر، فالسياسي العراقي تغلب عليه نزعة الكبرياء المعرفي، والاستعلاء الفكري، وهذا ما أدى إلى هذه القطيعة المعرفية بين السياسي (متخذ القرار) وبين الأكاديمي والمثقف (صانع القرار)؛ فالقرارات المتعلقة بالاقتصاد في الدول المتقدمة تُصنع في أروقة الدراسات الأكاديمية والنقاشات الفكرية، وهكذا هي اغلب الاقتصاديات النامية، إلي باتت تفكر بعقلية (الرجل الاقتصادي) وليس بعقلية (الرجل المالي).
وفي النهاية تبقى قضية تعثر الاقتصاد العراقي هي قضية ضعف السياسات والتشريعات قانونية، ومن المهم إجراء المزيد من الدراسات الأكاديمية، والاستعانة بالمراكز البحثية القادرة على صناعة رؤية واضحة لما ينبغي أن يكون عليه الاقتصاد العراقي. العراقية إلى الدراسات المعمقة المعاصرة والقادرة على وضع تشخيص الخلل، أما المشكلة الثانية على الصعيد الأكاديمي، فهي القطيعة الحاصلة بين السياسي من جانب وبين الأكاديمي والمثقف من جانب أخر، فالسياسي العراقي تغلب عليه نزعة الكبرياء المعرفي، والاستعلاء الفكري، وهذا ما أدى إلى هذه القطيعة المعرفية بين السياسي (متخذ القرار) وبين الأكاديمي والمثقف (صانع القرار)؛ فالقرارات المتعلقة بالاقتصاد في الدول المتقدمة تُصنع في أروقة الدراسات الأكاديمية والنقاشات الفكرية، وهكذا هي اغلب الاقتصاديات النامية، إلي باتت تفكر بعقلية (الرجل الاقتصادي) وليس بعقلية (الرجل المالي).
وفي النهاية تبقى قضية تعثر الاقتصاد العراقي هي قضية ضعف السياسات والتشريعات قانونية، ومن المهم إجراء المزيد من الدراسات الأكاديمية، والاستعانة بالمراكز البحثية القادرة على صناعة رؤية واضحة لما ينبغي أن يكون عليه الاقتصاد العراقي.