15 نوفمبر، 2024 1:26 م
Search
Close this search box.

القتل و الانتحار

القتل و الانتحار

اشار بيده اليمنى الى مركبة الاجرة التي كانت تقلني. فوقف السائق و صعد الرجل الخمسيني الى المركبة لاهثا متعبا، و قد غزا الشيب كل راسه. فبدا الشيب مزهوا امام الشعيرات السود الباقية فبدت ضعيفة مهمومة مغمومة لانها سترتدي بدلة لونها الازلي هو البياض. سلّم صاحبنا علينا فحييناه بأحسن منها و تبعناه كعادة العراقيين جميعا (الله بالخير)، عندها جاءت (الله بالخير) من صاحبنا مصحوبة بنوبة سعال ازعجتنا و المتنا. و ما زال صاحبنا يسعل سعالا غير منقطع فاذا به يمد يده الى جيب معطفه و يخرج منها علبة سكائر رائعة التصميم و بحركات ميكانيكية غير واعية تتحرك السكارة من يد الى يد و ولاعة السكائر من يد مرتجفة الى جيب المعطف و كان مقودا اوتوماتيكيا يحرك كل شئ. و ما هي الا لحظات حتى غزا الدخان المركية غزو جيش جبار لبلد ضعيف كان قد خار، و ها هم الركاب يمتعضون من رائحة السيكارة و السعال و البصاق المستمر، و كان صاحبنا كان صائما و ان صعوده المركبة هو مدفع الافطار الذي سمح له باخذ السكائر واحدة تلو الاخرى كالسبايا بيد الجيش الغازي. حاولت و حاول الاخرون مثلي محادثته و توجيهه لكن كلماته كانت كدخانه ظالمة (انتم لا تعرفون الظروف)، كانت اجابته و كاننا نعيش في بلد غير بلده و ان ظروفنا غير ظروفه. بامكانك تناول العلبة كلها عند مغادرتك المركبة، قال احدهم. افعل ما تشاء عندما تكون بمفردك، قالتها امراة طاعنة. الا يكفينا دخان السيارة؟ الا يكفينا اليورانيوم المنضب الذي القي على بلدنا؟ الا يكفينا دخان المولدات الكهربائية؟. كانت اسئلتي له، حينها صرخ ها قد نطق المنظرون. السنا بلدا ديمقراطيا ؟. بالله عليكم هل الديمقراطية بالتدخين و ايذاء الاخرين؟ هل الديمقراطية بهدر مالك و مال عائلتك في شئ لا يغني و لا يسمن؟ هل الديمقراطية في فقدان صحتك و ثمن الركض وراء الاطباء و ادويتهم؟ هل الديمقراطية في عدم احترام الاخرين و الانفراد بالراي؟ و امثال صاحبنا الخمسيني كثيرون. فهو يداهمك في بيتك و يطلق العنان لسيكارته و كان شيطان الشعر فيها و ها هو يسجل قوافيها و يداهمك في مكتبك و بدون استئذان و كانه خسر المال و الولدان. فينفث الدخان ثم يبصق هنا و هناك و في كل مكان لاعنا السيكارة و الزمان. لكنه لا يفقه قولا فهو نديم السيكارة في الافراح و الاتراح. و كانها له وردة و قداح، و ستبقى خليلته حتى يدرك شهريار الصباح. ولجت مركبتنا المراب، حينها اسرع الجميع بمغادرتها، تزكم انوفنا رائحة الدخان، و به الخمسيني ولهان، و لي نقطتان، ان امنعوا الدخان في كل مكان، فهو مرض به لا يستهان، انه لعب بالمقادير و هو انتحار كبير و قتل للاخرين و هو اساءة و سوء تدبير.

 [email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات