أربعون يوما يا زيدان حمود كانت كافية لتملأ كأسا من الدمع لعين نحبت وهي تفقد ظلا رائعا لشموس ذكرياتنا كلها.
وهاهي الأيام تدور بين حر وكهرباء ( مطفية ) ومساء على ارائك المقهى بدونك ، ماذا علينا أن نفعل سوى أن نستعيدَ وجهكَ النابض بين الادب والمسرح ، بين احلامك وكدُكَ في الحياة ، بين عصبيتكَ الجميلة وانت تريد أن تفرض علينا قناعتكَ ، ومع اي ردة فعل من صديق . أردُ عليه :هذا هو زيدان فأفهموه ، وجه عصبي وقلب طيب ورقيق.
الآن والأربعون تتزاحم مع تهاني العيد يبدو الأمر فنتازيا يازيدان حمود في مفارقة ان يرتدي ابناء بيتكَ السواد في هذا العيد وانت الذي عودتهم على اجمل الالوان في كل عيد .
اليوم أدون كلماتي من اجلك ، من اجل الشاي الاخير الذي شربته في بيتك في اخر ظهيرة لي قبل العودة الى زاوية الغربة هذه.
أتذكر ملامح وخطوط التعب على وجهك ، اتذكر دواء القلب وذكريات ايام القسطرة في التسعينيات حيث قلت لنا :مادمت استطيع كتابة فلن يهزمني وجع القلب .
الآن تكالب عليك القلب والكليتين ، واحزنني ان ارى شحوب عينيك في ايامك الاخيرة من خلال صور نشرها لك الاصدقاء ، فعرفت ان السندباد رفع مرساة سفينته ولوح لناصريته التي يعشقها : وداعا .
وداعا شريك الحياة ام مروى، وداعا علي الذي كان واحدا من صمامات الامان في قلبك الطيب.ودعا مروى واخواتها ، وداعا كل بيوت شارع 19.
وداعا قاعات النشاط المدرسي ، قاعة البهو ، قاعة ارواحنا التي بدأت تتضائل في سماواتها الشموع . يوم جلطة ، ويوم طلقة ، ويوم حادثة الطريق ، ويوم لانعرف ماذا نعرف ليرحل عنا الرائعون.
اربعون يوما يا زيدان حمود ، الشريك الطيب لكل ما مضى ، والذي شكل مع الراحل محسن الخفاجي ضلعا ثالثا لاحلام الرواية والقصة والمسرحية وقدح الشاي .
تمضي دون ان تخبرنا ان النهاية اقتربت وانت تعلم ان مافي احشاءك من الم لايتحملهً غيركَ.
بقيت تكتب وتخرج وتحلم وتدرس وتنشيء من منصة تجربتك الثرية اجيالا من ابطال المشهد والالقاء ، ثم توقفت متعبا على سرير المشفى . لتعد دقائق رحيلك عنا .
اربعون يوما ، وقافلة الحسرة والدمعة والآه لاتنقطع من تفاصيل هول الصدمة . فنصبح أنت هناك وانا هنا ، أنت قبر وأنا غربة ، أنت صمت وانا ذكريات .
آه يازيدان ، في قدر الوجع تختفي الامنيات في جعل اعمارنا واحدة ومتقاربة ولكن محطاتها تختلف . فالقدر بوصلته لن تعيد الجهة التي كنا نجلس فيها معا ، تجمعنا منصات الالقاء والقراءات القصصية والمرابد والملتقيات وفنادق العاصمة في بهجة الحلم والكتابة ومشاريع مشتركة كلها كلمات وضحكة وذكريات.
الآن بدون زيدان حمود المشهد بلون رمادي بالنسبة لي ، لقد كان وجوده بعض بهارات طبخة الكتابة ، واظن ان فراغه كبيرا في حياتنا .
هي المصائب تأتي تباعا .امس عقيل علي ومحسن الخفاجي وثائر خضير وعباس هليل والكثيرين . واليوم تلتحق بهم ايها الرائع أن تكون زميل وظيفة وصديق عمر .
وداعا ايها الحالم الكبير ، لك المودة ودمعة القصيدة يوم قرأت خبر رحيلك ، فسكب الدمع كلماته هكذا :
الى زيدان حمود ، وداعا أولا …
وثانيا :هل نمزق قمصاننا كل يوم لأن الرحيل يغتصب فينا طفولتنا وفتنة الشباب وأطارات الصور.
وداعا وآخر حنين بيننا .
جلسة في بيتك ، نُحكمُ فيها قصص مسابقة عن شهداء سبايكر
وبعدها لم أكن أعلم أنني سأودعكَ الى الأبد
ولو كنت اعرف لوثقت دمعتي تحت اجفانكَ.
زيدان حمود .
الظل المشاكس بطيبته وابداعه ومحنته .
ها أنت تغادر الدنيا .
وتركت لدنياك عليا وبنات يحملن ذاكرتكَ الهائلة بالتفاصيل.
أي حزن هذا الذي أطفيء شموعك بيننا .
لتسافر وحدكَ.
وليس في حقيبتك سوى رواية كتبت مقدمتها أنا.
الى زيدان حمود . وداعا أولا…
وثالثا ….
ليجعلوا قبركَ أكبر من قلبك العليل الف مرة…………..