ما احوجنا اليوم الى عودة الروح الى الطرائف والنوادر التي تعودنا سماعها من كبار السن في مجالسنا من اجل ان نخفف من قساوة واقع الحياة الاجتماعية التي نعيشها في زمن انعدمت فيه الرؤى وباتت العلاقات الاجتماعية غامضة يسودها اللون الضبابي
هذه النوادر والطرائف تعيد لاذهاننا كيف كان يتعامل الرئيس مع المرؤوس ورب الاسرة مع اسرته والصديق مع صديقه وليكن رسول الله ” صلى الله عليه وسلم ” قدوتنا للعودة الى روح البساطة ومعالجة الامور الحياتية بشفافية قال رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم “إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق ”
وتعتبر الابتسامة احدى لغات الجسد ووسيلة من وسائل الاتصال غير اللفظي لدى الكائن البشري. فالابتسامة سلاح قوي وفعال يستخدمه الإنسان منذ طفولته للاقتراب والتودد للآخرين ويؤكد خبراء الأحاسيس الإنسانية أن الشخص الذي يبتسم كثيراً يكون له تأثير إيجابي في الآخرين أكثر من الشخص الذي يبدو وجهه جاحدا دائماً لذلك يعتبر المبتسمون أناساً دافئين ودودين.. فالابتسامة الصادرة من القلب هي ما تنفرد به الكائنات البشرية عن غيرها من الكائناتاذن الضحك والمرح وروح الفكاهة والبساطة في التعامل مع الاخرين هي سلوك اجتماعي يرتبط بالإنسان دون غيره من المخلوقات فالإنسان حيوان ضاحك وقد اعتبره البعض فنًّا ابتدعته النفس البشرية لمواجهة ما في حياتها من شدة وقسوة وحرمان ولكن الحقيقة أنه آية من آيات الله في خلق البشر فهو سبحانه الذي ميّز الإنسان بالضحك والبكاء إلى جانب أشياء أخرى كثيرة اهمها البساطة في التعامل مع الاخرين والتسامح .. فالرئيس في العمل يجب ان يكون سهلا بسيطا في التعامل مع موظفيه تلك البساطة التي تستميلهم اليه فتجعلهم يحبونه ويحبون العمل بل يتفانون في العمل معه بعيدا عن تزمت المسؤولية وغطرستها واظهار الفوقية والغلو على العاملين ..
والاب في بيته اذا كان بسيطا سهل الجانب طيب المعشر مع اولاده وعائلته فيجلس معهم ويؤانسهم ويضاحكهم ويبعث السرور في نفوسهم فأن البيت يتحول الى عش محبة وألفة ..اما الاب الصلف المتزمت فأنه مهما بذل فلن يجعل من بيته مكانا للالفة والمحبة والرحمة .. بل سوف يتحول البيت ربما الى معتقل او معسكر فيه من الصرامة والشدة اكثر مما فيه من السكينة والرحمة والاحساس بالامن .. وما ينطبق على رب البيت ينطبق على الرئيس والمسؤول السياسي والحكومي وعلاقته بالمواطنين او ما يطلق عليهم الرعية .. لكن ومع الاسف في زمننا هذا تغيرت العلاقة واصبحت علاقة باهته فهناك البعض من المسؤولين من يرى الصلف والغطرسة والكبرياء من اكتمال الشخصية وجذب الاحترام والمهابة وان اللين والسماحة والبشاشة شكل من اشكال الضعف .. وهذا خطأ وقلة وعي فمعظم الاقوياء واصحاب الصلابة انما يستمدون قوتهم وصلابتهم من سماحتهم ولينهم .. والضعفاء وحدهم هم من يتخذون من القسوة والغطرسة والكبرياء طرقا الى القوة والمهابة .. لذا تراهم سريعي الانفعال متوتري الاعصاب كثيري التذمر من العمل والعاملين مع التعالي عليهم والتعامي عن كرامتهم وهذا مايجعل جو العمل معركة صامتة بين مخوف وخائف ويظل الاداء والانجاز محكومين بهذه العلاقة المتنافرة والمستفزة .فيا ايها الرؤساء والمسؤولين كونوا بسطاء سمحين في اعمالكم .. فليس الصلف ولا القسوة ولا التعالي على المواطنين من دلائل النجاح وعلو الهمة .. فاعظم الناس وانجح الناس هم اكثرهم بساطة وليونة ورحمة .. وليكن قدوتكم من سبقكم من الرؤساء الذين عرفوا بالتسامح وطول االبال والحكمة في معالجة الامور ومن الحوادث التي يذكرها الرواة ماحدث من شجار بين صباح ابن رئيس الوزراء في عهد النظام الملكي نوري سعيد واحد المواطنين من العاملين في حلبة سباق الخيل ” الريسز ” يمارس مهنة ” جاكي ” فقد نالت سباقات الخيل “الريسز” في العهد الملكي شعبية كبيرة بين صغار القوم و كبارهم. واصبحت هوساً عند البعض. كان منهم صباح نوري السعيد. حيث كان مولعا بالرهان على سباق الخيل هذا الولع ربطه بصداقة خاصة مع الكثير من “الجوكية” الفرسان الذين يركبون الخيل في المباريات. جاء على رأسهم الجوكي المعروف ” منفي ” الذي نال بطولات عديدة جلبت اليه شهرة واسعة بين الجمهور…
وقد التقى به صباح نوري السعيد ذات يوم و سأله عن إحتمالات السباق التالي. كان من ممارسات الجوكية وهم اعرف القوم بالخيل و السباق ان يعطوا اصحابهم المقربين ما كانوا يسمونه بالچانص أي فرصة احتمال.. التقى منفي بصباح عندما كان هذا مدير السكك الحديدية العام فضلا عن كونه ابن رئيس الوزراء. فسأل منفي عن احتمالات نتائج سباق ذلك اليوم. فأعطاه هذا الجانص. قال له ” الحصان عنتر ابن شداد راح يفوز اليوم. حط كل ما عندك من فلوس عليه و لا تخاف” سمع صباح نصيحته و فعل ذلك. قامر بكل راتبه لذلك الشهر. ركضت الخيل و تعالى الصياح و الهتاف و لكن عنتر جاء في آخر الجوقة و لم يفز بأي منزلة. و بالطبع اشتاط صباح على ما حصل غضبا و اعتبر ان منفي قد غشه عن قصد و جعله يخسر كل راتبه. وما ان التقى صباح بمنفي حتى انهال عليه بالشتائم قائلا له ” يا كلب ويا ابن الكلب” احتد منفي بالمقابل و رد على ابن رئيس الوزراء قائلا ” لا .. انت الكلب و ابوك الكلب” احتدم الصياح و العراك بينهما حتى تدخل الآخرون للفصل بينهما. و لكن ما ان عاد منفي الى بيته و هدأت اعصابه حتى تذكر ما فعله ولم يستطع النوم و قضى ليلة من أسوء ليالي حياته. قرر في نفسه انه حالما يطل الصباح يذهب الى مجلس الوزراء في السراي و ينتظر حتى يصل نوري السعيد فيتخضع اليه ” يبوس يده ” و يعتذر عن ما صدر منه. وهو ما فعله بالضبط . ما ان نزل فخامة رئيس الوزراء من سيارته حتى هرع اليه ليقبل يده و لكن ابو صباح اقتاده الى مكتبه و طلب له فنجان قهوة و سأله عن خطبه. حكى له الحكاية و كيف انه فقد اعصابه و صدرت من لسانه تلك الشتيمة المؤسفة. قال له رئيس الوزراء ” اسمع ابني منفي.. بمدينة الحلة اكو واحد عربنچي ينقل الناس بين المحطة و المدينة. قالوا لي كلما يعثر الحصان عنده بسبب حفرة بالشارع او طسَّة ، يكفر بالله”والعياذ بالله” و ينزل على الحكومة و عليَّ بالشتائم و يقول الله يلعنك يا نوري السعيد انت و حكومتك. و هاي كل يوم وهذا فنَّه و إحنا ساكتين عنَّه لا احد سأله و لا احد اخذه للشرطة روح ابني منفي لا تقلق بالك اشتم مثل ما يعجبك . العراقيينهذا اسلوبهم ”