رأيته من بعيد فأحببت ان ابادره السلام وان شاء الكلام , سرت متباطيء ارتجف من هيبته , حتى وصلت ركنه فبادرته السلام فرد بأجمل منه , جلست اليه ناظرا الى عينيه تلك العينين التي ترى فيها افكار وخوالج ابت الخروج لتبقى سرا من اسرار الكون .
خالجتني مشاعر العظمة وانا في مرتعه ارى هيبته وكيف يختلس النظرات ليرى العالم بواقعه يحلل العبارات ويدقق المفاهيم .
قلت له مبادرا ايا سيدي اراك وقد اتخذت من مجلسك معزلا , فلم لا تطربنا بالافكار وتحدثنا بالاسرار , وترسم لنا لوحة تحكي بالوانها دهر ما رأيت .
فأجاب وقد ملئت عينيه بريق الدموع قائلا :
رأيت الارض وقد عمها الدمار والدم يسيل بدل الانهار والاخوة ابوا نجدت اخوتهم والمال الحلال ابيح للحرام , واجساد العظام قد غطيت بالرمال , رفضت الارض ان تكلمني بعد ان طال فيها العذاب , لم تنسى المي , ولم انسى المها , ولكن الشوق بعثر الامنا في سراب .
قلت له : هونا فما للدنيا ان تسير دوما في ظلام وللشمس مشرقا لابد منه ولو طال فراقه .
فقال : اي شمس والقلم بالبعد قد فقد صوته والحق قد اضاع سيفه وبيادر البطون ما عادت تنبت زرعها مزهرا , فساد في الحرث حطام , فمن للتاريخ سيرفع راية ومن سيذكر تراث الخالدين العظام , واين البطش على الذل في لحظه واين ذئاب النصر حاملين الحسام .
ايسود جائع النصر من لم يذق نصرا وابطال الدهر في ذل نيام , الا خسئت حوادث الدهر ان كذبت على التاريخ في نصرها هزام .
وهل للأمس من افطار بدل طول الصيام وهل للقمر نورا بدل الغيوم , وهل للذاكرين امسهم عودة وقيام .
لم اجد لجوابه بد اجيبه فاللسان قد الجم بالصمت , قلت له وقد كافحت العبارات في خروجها .
جعلت في قلبي حسرات والم فتأنقت فيها جمل , لم اعلم من اين اتت , قلت ان للتاريخ عودة , سنعيد للغيداء يوما جمالها , وسنزيل بالريح ضباب وغمام , فما نحن بأولاد نكسة ولا ساد علينا يوما ظلام .
وان الضائع لا بد يوما لعودته وللأشواق دوما محل للقاء فلا لقاء بعيد عن محب وقلبه بذكر الحبيب نابضا , والنوم اخره صحوة , ذوي المجد لم يرتضوا ذل ولا خنعوا يوما لهزيمة , فإن راح واحدهم للوطن تضحية , فنسله من ذاك الفارس الهمام , فلا اسد ينجب خراف , بل شبل زئيره في الحوادث رعد وذا صولة عند العوادي عادي مقدام . فإن خفتت ريح ارضنا يوما فلا تنكس شراع النصر ولا تنزع لجام .
لا تحزن يا ذا الهيبة فالارض عائدة والقوم وان مروا بالصعب فليس للمحال دوام .