صنّف الفقيهُ الناسَ الى ثلاثة انواع ، وقال عنهم : واحد يدري ، ويدري أنه يدري ، وذلك عالم فاسألوه . وواحد لا يدري ، ولا يدري أنه لا يدري ، وذلك جاهل فعلّموه . وواحد لايدري ، ولا يريد ان يدري انه لا يدري ، وذلك أحمقُ فتجنَّبوه .
ويهمنا هنا النوع الثالث ، وتنطبق عليه صفة (الحماقة) . وهي شر مدمّر للذات وللآخرين . وتأخذ الحماقة بُعداً مأساوياً ، حين يكون قرار الأحمق وممارساته مرتبطة بمصير شعب ومؤثرة على حاضره ومستقبله هنا تصبح الحماقة وقاكم اللهُ شرَّها ، نوعاً من اسلحة الدمار الشامل . إن صح القول .
الحمامةُ الحمقاء ..
مطلع خمسينات القرن الماضي ، كنت طالباً في المدرسة الابتدائية قي ريف قضاء سوق الشيوخ . أرجح أنني كنتُ في الصف الرابع الابتدائي . وقتها ، كُنّا كطلبة ، نقرأ في كتاب (القراءة الخلدونية) قصيدةً ، لا أتذكر اسم الشاعر ، لكني حفظتُها عن ظهر قلب . ولا أدري لماذا كان هذا (الحفظ) ؟ ، على أية حال دعونا نقرأ القصيدة ، وعنوانها : (الحمامة والصياد) ، جاء في مطلعها :
حمامةٌ كانت بأعلى الشجرة
آمنة بعشها مستترةّ
إذن كان الامان والسلامة ، هما بيئة هذه الحمامة ، ولكن إلى حين ..
.. وجاء الصيَّاد ؟ !
وتمضي القصيدة تروي الحكاية المؤثرة :
وجاءها الصيّادُ ذات يومِ
وحام حول العشّ أيَّ حومِ
وبعد هذا العناء ، أوشك الصيادُ أن يرحل ..
وجاء في القصيدة نصاً : (و.. هَمَّ بالرحيل حين مَلاّ) . هنا جاءت الحماقة لتؤدي دورها .. وتمضي القصيدة :
وبرزت من عشها الحمقاءُ
والحمقُ داءٌ مالهُ دواءُ
ولكن ما هي نتيجة هذه الحماقة ؟
جاء في القصيدة :
فالتفتَ الصيادُ صوب الصوتِ
ونحوه سَدَّدَ سهمَ الموتِ
والنتيجة : سقطتْ الحمامةُ أرضاً . وذلك هو المشهد المأساوي . لكن الحمامةُ / الضحية ، استوعبت الدرس .. فها هي تقول :
تقولُ قولً عارفٍ محقّقِ
ملكتُ نفسي لو ملكتُ منطقي .
الضحية كانت الحمامة التي لم تقدر الأمور حق قدرها ، لكنها قدمت درساً مفيداً ، وان كان قاسياً ..
وقديماً قيل :
عِبَرٌ كلها الليالي ولكن
أين من يفتح الكتاب ويقرأ ؟