نعم, هذا هو الواقع المرير وللأسف الشديد, ففي هذه المبارة بين الأرهاب والديمقراطية والحرية في العراق, كان الأرهاب هو الفائز المنتصر وبجدراة, في عام 2003 وبعد دخول قوات التحالف التي وعدت أن العراق سيشهد الحرية والديمقراطية والرفاه كان العراقييون يتأملون خيراً ويحلمون بالتغيير والتطور ألا أننا أكتشفنا بوقت قصير أن الحروب لا تنفك تواصل أرتباطها بالعراق وأن الديمقراطية والحرية لم ينتصرا بعد وأن زال رمز الديكتاتورية والعبودية المتمثل بالصنم وزوال من كان يعبدهُ.
كنا نعتقد أننا أصبحنا أحراراً, ويالها كم تبدو شهية لذيذة تلك الحرية وأن لازلنا لم نتذوقها, ألا أننا قادرين على تخيل طعمها جيداً وهي تجلس متربعة على صحن مائدتنا تنتظر منا أن نتناولها بشراهة لأول مرة.ـ أقول كنا نعتقد أننا أصبحنا أحراراً ألى أن بدأ الأرهاب والمجاميع المسلحة بممارسة نشاطهم تحت مسمى الجهاد, ففجروا ودمروا وقتلوا غير أبهين بأرواح الأبرياء أن أعترضت سبيلهم, حيث لم يكن مهماً البتة أن يقتلوا عشرة عراقيين في عملية أنتحارية في سبيل النيل من جندي أمريكي واحد, بما أن الضحاياه( كما يقول الأرهابيون) سيبعثون كل حسب نيته وعمله, فمن كان مؤمناً فقد سرعنا له بالجنة, ومن كان العكس فقد سرعنا له بالنار, وأما الأطفال القتلى – كما يقولون – ( أطمئنوا, فهم طيور الجنة).
وقف العراق بجنوده وجيشة وقواته الأمنية مع الجيش الأمريكي بوجه هؤلاء القتلة, وأتخذوا الكثير من الأجرأت التي أعتقدوا أن من شأنها تحقيق النصر على الأرهاب متناسين الهدف الرئيسي للأرهاب ألا وهو أفشال الديمقراطية وتشويه الحرية وليس فقط قتل الجنود الأمريكان أو قتل العراقيين في الأسواق والأماكن العامة, هدف هؤلاء المجرمون كان أسمى بكثير من زهق الأرواح بهذه البساطة المتناهية التي كانت منهجهم حسب ما كنا نعتقده, الهدف الأساسي هو استهداف وقتل الحرية والديمقراطية.
نعم, لطالما كان الأرهابيون أشد تنظيماً وصبراً وأكثر هدوءاً من القوات الأمنية في تلك المواجهة الشطرنجية التي قادتهم للنصر أخيراً, فوقعت تلك القوات الأمنية, وساسة اً بالفخ الأرهابي الذي تم عده بحكمة شيطانية وذلك بدفع تلك القوات الى تبني الأجرأت التعسفية في التعامل مع الجميع, فحتى القوات الأمريكية على مستوى (الجنود البسطاء) لم تعد تحترم حقوق الأنسان ولم تعد تؤمن بهدف المهمة بتأسيس الحرية والديمقراطية في العراق وأنشغلت في الدفاع عن نفسها ومحاربة الأرهاب, وهو الحال نفسه مع القوات العراقية.
خلال الثمان السنوات التي مضت من عمر حريتنا وديمقراطيتنا نجد أن انتصار أعداء الحرية يبدو واضحاً متجلياً في عمليات الأعتقال التي حدثت (بدون أوامر قبض قضائية), وتسمينت المحافظات أجمعها بالحواجز الكونكريتية, وقطع السبل والطرق ونصب السيطرات في كل زاوية شارع, حتى أعتقدنا أننا نعيش في معسكر فيه الجنود أكثر من المدنيين وأننا خاضعين لقانون العسكر ولسنا خاضعين للقوانين المدنية, نجح الأرهاب بترسيخ فكرة ( ما أريد ديمقراطية وحرية, أريد أمن يمعودين) لدى غالبية الشعب مما دفع الكثير منهم الى الشعور بالحسرة على الذي مضى بل والأدهى من كل ذلك, غير الكثير رأيهم في صدام حسين قائلين ( أيباه, والله صدك, متعرف خيري ألا أتجرب غيري), أضافة لتأصيل الأحكام المزاجية لدى أفراد قواتنا المسلحة في الحكم على الناس وعلى الأرض وفق المشاعر اللحظوية, كأن أفراد جيشنا يتمتعون بالفراسة المطلوبة لتمنحهم هذا الحق وهم أشد المفتقرين لهذه الميزة التي لو تمتعوا بها لفازت الحرية والديمقراطية بطبيعة الحال وليس العكس كما هو واقع الحال.
لست أدري أن لازالت المباراة قائمة أو أنها أنتهت أو ستنتهي بأنسحاب القوات الأمريكية, لكن الذي أعرفه حسب فهمي المتواضع ووفقاً لما أسلفت أن الفائز المنتصر لحد هذه اللحظة هو الأرهاب ببراعة متناهية, للأسف فشلنا في الدفاع عن الديمقراطية, واستطاع الأرهاب أن يستخدم قواتنا كأداة يحقق بها هدفه ونحن لا ندري ( أو لربما ندري ونحن لا ندري أننا ندري), فكانت القوى الأمنية وطبيعة السياسة العراقية المتخبطة بالضربات الأرهابية, الخنجر الذي أستقر في خاصرة الهدف الذي حلمنا بتحقيقه وما تحقق كاملاً.