لا اعلم كيف كان يكتب الانسان القديم حروفه وكلماته، وتحت اية ظروف. فالكتابة المسمارية كما شرحها لنا الدكتور طه باقر وبهنام ابو الصوف وغيرهما كانت – اي الكتابة – تخضع لاشتراطات عسكرية وقانونية واجتماعية واقتصادية، وغيرها من المكاتبات المسمارية الخاصة بين طرف واخر، كالبيع والشراء والزواج وغيرها، مما تجعل الفترة او الحكم الذي خرجت فيها تلك الكتابات، تحمل مواصفات عادات وتقاليد تلك الشعوب، والتعامل التجاري والمالي بين البائع والمشتري، وكذلك عثر على كتابات حجرية مجهولة الاسم، تحكي عن انواع السلع واسعارها ، وعثر كذلك على كتابات وهي اشبه باحكام وتعاليم اصدرها الملك الفلاني او قائد الجيوش في فترات متباعدة للامبراطورية السومرية او البابلية او الاشورية، واعتقد ان ما عثر من تلك الكتابات (التاريخية والثقافية) لايتعدى سوى 10% اما الباقي منها فقد طمرته المياه بمرور الزمن، ولم يعثر على تلك الكتابات لحد الان، ومنها ملحمة كلكامش واساطير الطوفان..
اسوق هذه المقدمة، لا تحدث عن الكتابات المسمارية التي تحدثت عن (الطوفان) حيث قرأنا نصوصا مترجمة في اكثر من مصدر عن هذا الحدث الكوني، وتكررت نفس قصة (الطوفان) في المراجع الدينية، اما من الذي كتب قصة الطوفان قبل ان تذكر في الكتب الدينية ، فلا احد يعلم لحد الان ، فقصة الطوفان ترجع الى بداية الخليقة، فهل من المعقول ان احدا ما كتب هذه الواقعة التي امتدت لسنين طوال، وكيف كتبها ، وكيف احتفظ بها!!.
لقد كان وصف واقعة الطوفان، وصفا دقيقا، والكاتب المجهول يتحدث عن عدة الهة، وهي المتنفذة على الرياح والامطار والارض والشمس والقمر، والمياه التي بقيت تغطي الارض جميعا لها اله ايضا، وتتحدث الكتابات عن قوى خفية جعلت هذا الحدث الجلل يؤدي بالبشر والحيوانات الى الموت بسب غضب الالهة عليها، الا من استطاع ان ينجو، فقصة الطوفان في القرآن الكريم واضحة ودقيقة وتفصيلية ، حيث امر الله سبحانه وتعالى نوحا عليه السلام (ان اصنع الفلك) كي ينقذ امة نوح التي عصيت امر الله، وبالرغم من ابلاغ السلام قومه بما سيحصل، الا انهم كذبوه، وعصوا امر الله، فحدث هذا الطوفان العظيم بأمر الله ، واتبعه نفر قليل من قومه والذين امنوا به كنبي. اما بقية قصة الطوفان فمعروفة للجميع.
لكن الذي نريد ان نتوصل اليه. هو ان الكتابات المسمارية سبقت هذه الواقعة ، فهل وقع اكثر من طوفان على الارض، واذا كان هذا الرأي غير دقيق، فلماذا وجدت هذه القصة في اكثر من مصدر، وكيف وصف الكاتب المسماري في وادي الرافدين ، هذه الواقعة ، وكأنه عاشها بعد ان ظهرت اول جزر الارض، وهل عاش هذا الرجل في سفينة نوح مثلا، ام كتبها بعد ان دبت الحياة وظهرت اليابسة على الارض وتكونت الاقوام، ووصفوا له ما حدث!. ام ان هذه الكتابات المسمارية تناقلتها الاجيال من مكان الى اخر وبحسب طبيعة تنقلاتهم للبحث عن المراعي والارض الخصبة التي عاشوا فيها وتكاثروا فيها جيلا بعد جيل قرب الانهار.
لا اريد ان اقارن بين السنوات التي عاشها النبي نوح عليه السلام قبل وبعد الطوفان ومقدار عمره وبين الموجودات من المسماريات التي وجدت في بلاد وادي الرافدين والتي تتحدث كتاباتها عن موضوعات الطوفان، وسنة كتابة تلك القصص او الاساطير، او حتى حدثت، ولكنني ازعم ان الموروث التاريخي الديني والثقافي، قد تناقلته الامم والشعوب فيما بينها وعبر قرون عديدة، حتى تأثر البعض بالاخر في كل شيء، ولهذا اجد ان الميثولوجيا والتاريخ والاديان والاساطير واللغة والكتابات المسمارية، قد تتشابه فيما بينها ايضا، مهما اختلفت تلك الاقوام والشعوب في عاداتها وتقاليدها وهيئة اقوامها ومكان معيشتها والانبياء والرسل الذين تواجدوا في تلك الاراضي والذين بعثهم الله الى تلك الاقوام بفرض الايمان بالله، حتى ان بعض الاقوام والشعوب لم يعد لهم اثر على الارض كقوم عاد وثمود ولوط، ولم يبق لهم سوى اثارهم التي تحكي قصة فنائهم، او كما ذكروا في القرآن الكريم..