15 نوفمبر، 2024 9:59 ص
Search
Close this search box.

المواقع العراقية على قائمة التراث العالمي …. ماذا بعد ؟

المواقع العراقية على قائمة التراث العالمي …. ماذا بعد ؟

في عرس عراقي بكل المقاييس نجح العراق بوضع اربعة اهوار ضمن قائمة مواقع التراث الطبيعي العالمي بالاضافة الى وضع ثلاثة مدن قديمة ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي حيث شهد يوم الاحد الموافق 17 تموز من عام 2016 ، قيام لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، في مدينة اسطنبول التركية، على ضم العراق الى لائحة التراث العالمي. وقد شمل التصويت على ضم الأهوار الوسطى والحمّار الشرقي والغربي وهور الحويزة الى قائمة التراث الطبيعي بالاضافة الى التصويت على ضم مدن اور والوركاء واريدو الى قائمة التراث الثقافي .
وفي غمرة الافراح بهذا الانجاز الكبير ظهرت الكثير من الامال التي شجعتها تصريحات اقل مايمكن عنها انها غير دقيقة مثل ان العراق بهذا التصويت اصبح بلد سياحي و لا يستطيع احد بعد الان ان يجفف الاهوار وغير مسموح لاي دوله من دول الجوار قطع المياه عن العراق لانها خاضعة للرقابة العالمية ولا يمكن لاي منظمة او قوة ارهابية التعدي على الاثار لانها ستثير قضية دولية كبرى وسوف تنتعش الاهوار ويحرم الصيد الغير قانوني للاسماك والطيور.وان الأهوار لم تعد شأنا داخليا عراقيا ولا يحق لأحد قصفها وانها اصبحت منطقة محرمة لا يجوز الحرب فيها ولا يجوز تغيير معالمها الاثرية والتراثية وان الامم المتحدة ستصبح مسؤولة عن توفير حماية كاملة لها.ان هذه التصريحات وان كانت امال املتها حسن النيات الا انها غير دقيقة . لذلك يجب ان تتم دراسة هذا الموضوع دراسة جدية وواقعية ليتم وضع الاسس الدقيقة للتعامل مع هذا الانجاز لتحقيق اقصى فائدة من هذا الانجاز .
في بداية القول يجب ان نوضح ان قائمة التراث العالمي الثقافي والطبيعي تم اختيارها وفقا لاتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي و التراث الطبيعي التي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة الامم المتحدة للتربية و العلم و الثقافة، الذي عقد في باريس من 17 تشرين الأول / أكتوبر إلى 21 تشرين الثاني / نوفمبر 1972، في دورته السابعة عشرة. وكانت سبقت هذه الاتفاقية دعوات اطلقتها الولايات المتحدة الامريكية تقوم على فكرة الجمع بين الحفاظ على التراث الثقافي والحفاظ على الطبيعة في مؤتمر عُقد عام 1965 ودعا إلى الحفاظ على التراث العالمي والمناطق الطبيعية الخلابة والمواقع التاريخية والأثرية الرائعة من أجل الحاضر والمستقبل لمواطني العالم كله كما تقدم الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة باقتراحات مماثلة في عام 1968.
حاليا هناك 890 موقع للتراث العالمي تقع في 148 بلدًا منها 689 موقعا ثقافيًا، و 176 طبيعياً، وهناك 25 موقعا مختلطًا. قسمت لجنة التراث العالمي البلدان إلى خمس مناطق جغرافية: (أفريقيا، والدول العربية (التي تتألف من شمال أفريقيا والشرق الأوسط)، آسيا والمحيط الهادئ (وتضم أستراليا واوقيانيا)، أوروبا وأمريكا الشمالية، وأمريكا اللاتينية وومنطقة البحر الكاريبي). روسيا ودول القوقاز تصنف لأوروبا، في حين أن المكسيك تصنف على أنها تنتمي إلى منطقة أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي.
عرفت الاتفاقية الدولية للحماية التراث العالمي الثقافي والتراث العالمي الطبيعي في مادتها الاولى التراث الثقافي بانه يشمل (الآثار: الأعمال المعمارية، وأعمال النحت و التصوير على المباني، و العناصر
أو التكوينات ذات الصفة الثرية، و النقوش، و الكهوف، و مجموعات المعالم التي لها جميعا قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر التاريخ، أو الفن، أو العلم؛ – المجمعات: مجموعات المباني المنعزلة أو المتصلة، التي لها بسبب عمارتها، أو تناسقها، أو اندماجها في منظر طبيعي، قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر التاريخ، أو الفن، أو العلم. – المواقع: أعمال الإنسان، أو الأعمال المشتركة بين الإنسان و الطبيعة، و كذلك المناطق بما فيها المواقع الأثرية، التي لها قيمة عالمية استثنائية من وجهة النظر التاريخية أو الجمالية، أو الإثنولوجية، أو الأنثروبولوجية) وهذا يشمل مدن اوروك والوركاء واريدو .
في المادة الثانية من الاتفاقية تم تعريف التراث الطبيعي بانه يشمل (- المعالم الطبيعية المتألفة من التشكلات الفيزيائية أو البيولوجية، أو من مجموعات هذه التشكلات، التي لها قيمة عالمية استثنائية من وجهة النظر الجمالية أو الفنية. – المجمعات: مجموعات المباني المنعزلة أو المتصلة، التي لها بسبب عمارتها، أو تناسقها، أو اندماجها في منظر طبيعي، قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر التاريخ، أو الفن، أو العلم . – المواقع الطبيعية أو المناطق الطبيعية المحددة بدقة، التي لها قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر العلم، أو المحافظة على الثروات أو الجمال الطبيعي. ) . وهذا يشمل الاهوار العراقية الاربع .
ان الدول الموقعة على الاتفاقية الدولية والتي يبلغ عددها حاليا 189 دولة ملتزمة باحترام سيادة الدول وفق ماجاء في المادة السادسة من الاتفاقية كما ان التزاماتها اي التزامات الدول الموقعة على الاتفاقية قد حددتها المادة الخامسة من الاتفاقية والتي تقتصر على العمل حسب امكانيات كل دولة وظروفها الداخلية (أ- اتخاذ سياسة عامة تستهدف جعل التراث الثقافي و الطبيعي يؤدي وظيفة في حياة الجماعة، و إدماج حماية هذا التراث في مناهج التخطيط العام . ب- تأسيس دائرة أو عدة دوائر، حيث لا توجد مثل هذه الدائرة في إقليمها، لحماية التراث الثقافي و الطبيعي و المحافظة عليه و عرضه، و تزويد هذه الدائرة بالموظفين الأكفاء، و تمكينها من الوسائل التي تسمح لها بأداء الواجبات المترتبة عليه. ج- تنمية الدراسات و البحاث العلمية و التقنية، و وضع وسائل العمل التي تسمح للدولة بأن تجابه الأخطار المهددة للتراث الثقافي و الطبيعي . د- تخاذ التدابير القانونية، و العلمية، و التقنية، و الإدارية، و المالية المناسبة لتعيين هذا التراث الثقافي و الطبيعي، و المحافظة عليه و عرضه، و تشجيع البحث العلمي في هذا المضمار. ) وكما نرى من تلك الالتزامات انها التزامات عامة خاضعة لتفسيرات الدول الاعضاء وتفسيرات المنظمة الدولية لتلك الالتزامات .
من ناحية اخرى فان العون الذي تقدمه المنظمة الدولية لا يتجاوز اعداد الدراسات وتقديم الخبراء وتقديم القروض المشروطة والمنح بالاضافة الى المساعدة في الحصول على المعدات التي لاتتمكن الدول من الحصول عليها وحسب ماورد في المادة 22 من الاتفاقية وهذا العون اجمالا مشروط بان يتم بعد اجراء دراسة عامة وشاملة حسب المادة 24 من الاتفاقية وان يكون كقاعدة عامة جزئيا اي يجب على الدولة القيام بتوفير جزء كبير ومهم وحيوي من تكاليف اي مشروع او عمل يتم في سبيل المحافظة على الموقع الثقافي او الطبيعي .
نصت المادة 26 من الاتفاقية على وجوب ان تحدد لجنة التراث الثقافي والدولة المستفيدة في عقد يُتفق عليه بينهما، الشروط التي ينفذ بمقتضاها برنامج أو مشروع منح لهما عون دولي بموجب هذه الاتفاقية.
وتكون الدولة المستفيدة من مثل هذا العون الدولي، مسؤولة عن المواظبة على حماية الممتلكات موضوع العون المذكور، والمحافظة عليها وعرضها وفقاً للشروط التي تضمّنها العقد.
بعد هذه المراجعة السريعة نصل الى مايلي :
1. ان وضع الاهوار العراقية والمدن التاريخية على لائحة التراث العالمي هو انجاز كبير للخبراء والفنيين الذين عملوا على وضع الملف بجهود ذاتية وهو انجاز كبير للوزارات والدوائر التي ساهمت في هذا العمل الكبير الذي سيساهم في المحافظة على ثروات الاجيال اللاحقة .
2. ان المواقع العراقية هي ضمن مايصنف بانها مواقع مختلطة اي انها تبقى تحت سيطرة ورعاية حكومات الدول وتقوم المنظمة الدولية بتقديم الدعم الفني والتقني .
3. ان وضع تلك المواقع على اللائحة الدولية لايعني انها اصبحت غير خاضعة للحكومة العراقية او ان الامم المتحدة او اي منظمة دولية يمكنها ان تمارس اي حق سيادي عليها وغاية مايمكن للمنظمة الدولية ان تفعل في حالة قيام الحكومة العراقية بمخالفة احكام الاتفاقية هو رفع الموقع من القائمة .
4. ان تحويل المناطق التي تم ذكرها الى مواقع سياحية يتطلب عمل شاق ودؤؤب وتخطيط وتكاليف يجب ان توفرها الحكومة العراقية من مواردها الذاتية وان اي عون دولي سوف يكون جزئيا كما وضحت المادة 25 من الاتفاقية وسيكون مقتصرا على توفير الدراسات والتدريب .
5. ان موضوع مناسيب المياه سيكون خاضعا للمفاوضات بين العراق وتركيا وايران باعتبارهما دول المنبع للموارد المائية العراقية وان در المنظمة الدولية سيكون قاصرا على تحديد كميات المياه المطلوبة ولكن ليس بامكانها اجبار كل من ايران وتركيا على اطلاق كميات اكبر من المياه الا اذا اثبت العراق وعن طريق المفاوضات ان الكميات الواصلة اليه من تلك الدول غير كافية وهذا الموضوع يحتاج الى مفاوضات شاقة وطويلة ودراسات وابحاث واثباتات تعودت تلك الدول على التملص منها لذلك يجب عدم المبالغه في الاثار المتوقعه لوضع تلك المواقع على القائمة المذكورة .
6. ان الحكومة العراقية ولغاية المحافظة على بقاء تلك المواقع ضمن القائمة الدولية يجب عليها ان تخطر المنظمة الدولية باي مشروع صناعي او استخراجي او سياحي سوف تقوم به مستقبلا في تلك المناطق والا ستعتبر قد اخلت الالتزام الدولي مما يؤدي الى قيام المنظمة الدولية برفع تلك المناطق من القائمة الدولية . ولنتذكر ان المنظمة الدولية رفضت وضع موقع بابل ضمن القائمة الدولية بسبب قيام النظام السابق باعادة بناء الاثار ووضع اسم رئيس النظام على حجر البناء .
7. ان العراق اصبح الان ملزم بانشاء مراكز دراسات للعناية بالابحاث الخاصة بتلك المواقع وتحمل الجزء الاكبر من التكاليف المالية لانشاء تلك المراكز .
مما تقدم اقترح ان يتم تشكيل لجنة مختصة لوضع دراسة شاملة وواقعية لما يمكن ان يتم توقعه من هذا الانجاز . وضرورة توفير البنى التحتية لهذه المناطق من اجل ديمومة بقائها ضمن قائمة المنظمة الدولية وتخصيص الاموال اللازمة لذلك

أحدث المقالات

أحدث المقالات