لماذا تموت جميع الأحياء ومن ضمنها الإنسان بعد عمر معيّن، أي عندما تهرم الأحياء أو يهرم الإنسان؟
ماذا سيحدث لو أختفى ألموت؟
هل سيتمكن ألإنسان من قهر ألموت في ألمستقبل بإستخدام تقنية ألإستنساخ ونقل ألذاكرة إلى ألنسخة ألجديدة؟
حسب معتقدات ألأديان ألأبراهيمية فإنّ يهوه أو ألرب أو ألله فرض ألموت على ألبشرية نتيجة خطيئة آدم، فبعد أكله من ألشجرة ألمحرمة نزع ألإله من آدم خاصية ألخلود وكتب عليه ألموت بعد فترة، وسواء أقصرت هذه ألفترة أو طالت فألنتيجة الحتمية لن تتغير.
حسب معظم ألمعتقدات ألدينية ألإنسان يتكون من مادة (جسد) وروح فعندما يموت ألإنسان ينفصل ألروح عن ألجسد ولكن ألروح يبقى خالدا لأنّه نفخة من روح ألخالق، وسيتم محاسبة ألإنسان في التراث ألإسلامي يوم القيامة أو يوم ألدينونة بعد إندماج ألروح مرة أخرى مع ألجسد.
في ألتراث ألإسلامي لا يقبض ألله أرواح ألبشر بنفسه وبعبارته ألسحرية (كن فيكون) وإنّما يكلّف ملك ألموت (عزرائيل) للقيام بهذه ألمهمّة، وهنا يحق لنا أن نتسائل:
هل يحتاج ألله ألغني عن ألعالمين وألقدير إلى مساعد للقيام بهذه ألمهمّة؟ أم هي من بنات أفكارنا وتصوراتنا وأوهامنا؟
جاء في بعض الآيات القرءانية أنّ الذي يقبض أرواح الناس ملَك واحد ، كما في الآية : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) … السجدة/11
ولم يثبت في حديث صحيح تسميته بـ “عزرائيل” كما هو مشهور عند كثير من الناس .
وجاء في آيات أخرى أن الناس تتوفاهم ملائكة لا ملَك واحد ، كما في الآية : ( إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ ) …النساء / 97
وكما في الآية : ( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ) … محمد /27، وكما في الآية : (حتى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الموت تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ) … الأنعام / 61.
والتساؤل هنا : هل المسؤول عن قبض الأرواح ملك واحد أم عدة ملائكة؟
لحل هذا التعارض والتناقض بين الآيات المذكورة ذكر المفسرون بأنّ الموكل بقبض الأرواح ملك واحد ، إلا أن له أعواناً يعملون بأمره ويعينونه على ذلك.
في كتابه الجينة الأنانية يتطرق عالم ألأحياء ريتشارد داوكينز لموضوع الموت، فيقول:
(( ما أود تأكيده هو أنّه من المفضل النظر إلى الوحدة الأساسية للإنتقائية الطبيعية ليس بإعتبارها الفصيلة أو المجموعة أو حتى الفرد، وإنّما الوحدة الصغيرة من المادة الجينية التي تستحق أنْ نسميها الجينة.
إنّ الحجر الأساس في حجتي، كان الإفتراض أنّ الجينات خالدة في حين أنّ الأجساد والوحدات الأخرى الأعلى مستوى تبقى مؤقتة.
والجديرذكره أنّ هذه الفرضية ترتكز على حقيقتين إحداهما تتعلق بالتوالد الجنسي والعبور التبادلي، وترتبط الثانية بفناء الفرد.
وهاتان حقيقتان لا يمكن دحضهما. لكن هذا لا يمنعنا من التساؤل عن اسباب كونهما حقيقتين. لمَ نمارس نحن وغيرنا من آلات البقاء التوالد الجنسي؟ ولمَ تمارس صبغياتنا العبور التبادلي؟ ولمَ لا نعيش إلى ألأبد؟
الواقع أنّ السؤال عن السبب الذي يجعلنا نموت عندما يتقدّم بنا العمر يشكّل سؤالا معقدا.
بالإضافة إلى الأسباب الخاصة، جرى إقتراح عدد من الأسباب العامة، فعلى سبيل المثال، تقول إحدى النظريات إنّ الهرم هو تراكم أخطاء مضرة في النسخ وأشكال أخرى من العطب الجيني تطرأ خلال حياة الفرد. وتتوافر نظرية أخرى تُعزى إلى السير بيتر مدوّر وتشكّل مثالا جيدا عن التفكير التطوري فيما يختص بالإنتقائية الجينية.
فمدوّر يدحض أولا الحجج التقليدية من نوع ” المسنون يموتون على سبيل الإيثار تجاه أفراد الفصيلة الأخرى، لأنهم إذا بقوا أحياء عندما يتقدم بهم العمر إلى حد يجعلهم عاجزين عن التوالد، فسيجعلون العالم مزدحما من دون جدوى “. وهذه في الواقع حجّة دائرية كما يقول مدوّر، بإعتبار أنّها تفترض مسبقا ما ينبغي لها إثباته، وتحديدا أنّ الحيوانات التي تهرم تصبح عاجزة عن التوالد. أضف أنّ هذا التفسير ساذج يرتكز على الإنتقائية على أساس المجموعة أو الفصيلة،
الواقع أنّ نظرية مدوّر تعتمد على منطق ذكي ويمكننا عرضها على النحو الآتي:
لقد سبق أنْ تساءلنا عن المزايا العامة لأي جينة “جيدة ” وقررنا أنّ ” الأنانية ” تشكّل إحدى هذه المزايا. لكن ميزة أخرى ستمتلكها الجينات الناجحة تتمثل بالنزعة إلى تأجيل موت آلات البقاء أقله إلى ما بعد التوالد. ولاشك في أنّ عددا من أبناء عمّك وأعمام والديك وأخوالهما قد مات في مرحلة الطفولة، إلا أنّ هذا لم يحدث لأي من أسلافك. فالأسلاف بكل بساطة لا يموتون في الصغر.
لابد من الأشارة إلى أنّ الجينة التي تتسبب بموت صاحبها تُعرف بأسم ” الجينة الفتاكة “. أما الجينة شبه الفتاكة، فلها تأثير موهن بعض الشيء بحيث أنّها تجعل الموت الناجم عن أسباب أخرى مرجحا أكثر. وإذ تمارس كل جينة أقصى تأثير ممكن على الأجساد في إحدى مراحل الحياة، لا تشكّل الجينات الفتاكة وشبه الفتاكة إستثناء لهذه القاعدة.
الواقع أنّ الجينات بمعظمها تمارس تأثيراتها خلال الحياة فيما تمارس جينات أخرى تأثيراتها في مرحلة الطفولة، وأخرى في مرحلة البلوغ، وأخرى في منتصف العمر، وأخرى في سن الشيخوخة، ” تذكّر أنّ دودة القز والفراشة التي تتحول إليها لاحقا، تمتلكان المجموعة نفسها من الجينات”.
ومن الجلي أنّ الجينات الفتاكة ستُستبعد من الجمعية الجينية، إنّما من الجلي أيضا أنّ الجينة الفتاكة ذات التأثير المتأخر ستكون أكثر ثباتا في الجمعية الجينية من الجينة الفتاكة ذات التأثير المبكر. فالجينة الفتاكة في جسد مسنّ قد تبقى ناجحة في الجمعية الجينية، شرط ألا تتجلّى تأثيراتها ألا بعد أنْ يتسنّى الوقت للجسد أقله للتوالد.
وبحسب هذه النظرية إذاً، يشكّل وهن الشيخوخة بكل بساطة نتاجا ثانويا لتراكم الجينات الفتّاكة وشبه الفتّاكة ذات التأثير المتأخر التي سُمح لها بالإنزلاق عبر شبكة الإنتقائية الطبيعية فقط لأنّ تأثيراتها تتجلّى في مرحلة متأخرة.
وعلى هامش هذه المسألة، تتمثل إحدى المزايا الجيدة في هذه النظرية بواقع أنّها تفضي بنا إلى تخمينات مثيرة للإهتمام. فعلى سبيل المثال، تجعلنا هذه النظرية نستنتج أننا، إذا أردنا زيادة المعدّل الوسطي لعمر الإنسان، نستطيع أنْ نفعل ذلك عموما بطريقتين. ألأولى، يمكننا أن نحظر التوالد قبل سن محددة، كالعقد الرابع من العمر مثلا. وبعد مرور بضعة قرون على تطبيق هذه القاعدة، يرتفع الحد الأدنى للعمر إلى الخمسين، وهكذا دواليك. ومن الممكن أنْ نتصور إمكانية إطالة عمر الإنسان بهذه الطريقة على مر قرون عدة. لكنني لا أتصور أنّ أحدا يفكّر جديا في إرساء هذه السياسة.
الثانية، يمكننا أنْ نحاول ” خداع ” الجينات بحيث تعتقد أنّ الجسد الذي توجد فيه أكثر شبابا مما هو في الحقيقة. وهذا عمليا يعني تحديد التغيرات التي تطرأ مع التقدّم في العمر على البيئة الكيميائية الداخلية للجسد. إنّ أيّاً من هذه التغيرات يمكن أنْ يشكّل ” ألإشارات ” التي ” تحفّز” الجينات الفتاكة ذات التأثيرات ألمتأخرة.
وإذ نحاكي الخصائص الكيميائية السطحية لأي جسد فتي، قد نستطيع الحؤول دون تحفيز الجينات الموهنة ذات التأثيرات المتأخرة )).
ختاما نطرح التساؤل الآتي :
هل الجينة الفتاكة هو ملك الموت؟
مصادر البحث :
– الجينة الأنانية …………… ريتشارد داوكينز