22 ديسمبر، 2024 10:43 م

” كتابات ” تتألق من جديد

” كتابات ” تتألق من جديد

ترفل ” كتابات ” بثوبها الثالث الجديد , فعندما أطلت على عالم الثقافة والفكر في الفاتح من ايلول 2002 كانت أشبه بالجنين الذي يخرج الى الدنيا متلفتاً بحذر وبلا خبرة سابقة , ولكنها ومنذ الشهر الأول لولادتها استقطبت كل أقلام الطيف السياسي العراقي التي حملتها على السواء أسماء لامعة وأخرى أقل شهرة دفعها جميعاً الهم العراقي في تلك السنة الحرجة والمنذرة بالخطر الى اتخاذ ” كتابات ” منبراً لها – في وقت عزّت فيه المنابر –  فعرضت آرءها بلا قيود فيما كان يدور في العراق وحوله ؛ ولقد كانت ” كتابات ” حضناً رحباً لكل الأفكار المتصارعة , وصوتاً لمن لم يكن لهم صوت داخل العراق وخارجه .  وفي مرحلة تالية وتحديداً في العام 2004 كانت ” كتابات ” قد نضجت وامتلكت ثقة واضحة بنفسها وأصبح لها  كادر من الأقلام الثابتة يحررها بتدخل محدود من مؤسسها , مع إفساح المجال واسعاً لكل قلم جديد أياً كان اتجاهه وقدراته,  وظهرت بثوب أكثر رصانة وتطوراً من ذلك الثوب البسيط الذي ولدت به , وتوثقت العلاقة بين كتابها بعضهم بعضاً وبين رئيس تحريرها , وكان لي الحظ أن أكون واحداً من هؤلاء .
جمعتني بالأستاذ أياد الزاملي حوارات ولقاءات متعددة , كان الشأن العراقي وأحوال ” كتابات ” محورها الرئيس , فكنا نحلم بأن يكون في عالم الثقافة والفكر العراقي والعربي نموذج فريد يعرض نفسه على الناس , ويقوم بمهمته في التنوير على طريقة المنارة في اتساع البحر وعمقه , صرح يقوم شامخاً في قلب جزيرة من الصخر , وهو يدور على ما حوله بومضات من ضوء نافذ الى بعيد يهدي السائرين في الظلمات ؛ ولقد حققت ” كتابات ” كثيراً مما حلمنا به , فكانت شعاعاً ينتظره كل السائرين في ليل العراق الطويل , شعاع لا يضيق بومضاته غير القراصنة الصغار الذي يفضلون البحر ظلاماً دامساً معتما , لكي يتسللوا في طيات خفائه كما يفعل هؤلاء الذين نسمع عنهم من قراصنة البؤس على سواحل الصومال .
لقد رضيت أقلام ” كتابات ” بحمل مسؤوليتها , وهي مؤتمنة عليها بجدارة , ولقد بذلت على مدى السنوات التسع الماضية جهداً كبيراً في ترسيخ مصداقيتها وذلك وفاءً لأمانة تستشعرها , وأخلصت للفكرة وتفانت في تجسيدها يوماً بعد يوم في مواسم الجفاف التي يعيشها العراق والعالم العربي . والأمل أن تواصل هذه الأقلام – في ظل الوجه الجديد الذي تتألق به كتابات – النشر والكتابة , وأن تدع الأمواج تتكسر على الصخر , و أن تدع ومضات النور تلمع على سطح البحر في كل اتجاه , وتنير كل بقعة تصل اليها , فالأمواج ليس بمقدورها غير أن تغسل الصخور كل مساء لترتد عنها كل صباح .
وبرغم تحرّج الأستاذ أياد الزاملي من التحدث عنه , فإني أرجو أن تظل حماسته متقدة , وجهده متفانياً , وأن تبقى ” كتابات ” مساحة خضراء بالخصب والنماء , موقع مختلف لأقلام وقرّاء ممميزين ؛ وأرجو أن يقبل تهنئتي بهذا الإنجاز الرائع , وأن يتسع صدره لأملي في سنوات مجيدة قادمة .