في نيسان العام 2003 احتل العراق.. من قبل التحالف الدولي المكون من 49 دولة وجيوش جرارة وتدمير كل شيْ.. تحت شعار (تحرير العراق).. وأسقط نظام صدام.. وأقيمت إدارة مدنية للاحتلال.. وإدارة عسكرية لقيادة 130 ألف جندي غازي.. موزعين على مدن العراق.. هذه الإدارتان اعتبرتا كل العراقيين أعداء لهم.. باستثناء عراقيي الخارج.. الذين قسمهم المحتل إلى قسمين: الأول : (أصدقاء) : وهم في الحقيقة خدم وعملاء له بامتياز.. القسم الثاني : (ليسوا أصدقاء.. وليسوا أعداء) : وهم الأحزاب الإسلامية الشيعية.. لعلاقتها بإيران).. لكن ذلك لا يمنع من وجود أصدقاء وعملاء لأمريكا داخل هذه الأحزاب.. أما عراقيو الداخل : فجميعهم يعتبرهم الاحتلال أعداء له.. ولا بد أن يثبتوا العكس ..
وهكذا جرى التعامل مع عراقيي الداخل.. ليس من قبل المحتلين فحسب.. بل من قبل عراقيو الخارج أيضا.. الذين ينظرون الى عراقيي الداخل نظرة حذر وشك وعداء.. فعراقيو الخارج جاؤوا ليستولوا على غنيمتهم (الحكم.. والجاه.. والأموال.. وليكونوا الوريث لسلطة صدام بحماية الامريكان) ..
بينما كان الأجدر على أحزاب المعارضة التعامل مع العراقيين على إنهم شعب ظلموا.. ولا بد أن يأخذوا حقوقهم.. والعمل سويةً على تشكيل جبهة عريضة من كل قوى الشعب (بإستثاء الصدامين).. تأخذ هذه الجبهة دورها في إعادة بناء العراق.. والتعامل مع سلطة الاحتلال لانتزاع حقوق العراق من المحتل (الصديق) وفق القوانين والأعراف الدولية ..
لكن العكس هو الذي ساد.. فعمت الساحة العراقية عمليات النهب والقتل والاختطاف والاستحواذ على الأملاك العامة.. وحتى الخاصة.. بتشجيع ومشاركة المحتل وأصدقائه.. الذين جاؤوا معه.. إضافة الى مساهمة اللصوص والمجرمين العاديين.. وضعاف النفوس.. لتتحول الساحة العراقية بسرعة متناهية الى ساحة حرب طائفية.. يؤججها المتضررون من الاحتلال من صداميين وطائفيين وقتلة.. وسلطة يديرها سذج وطائفيون وحاقدون على كل العراقيين دون استثناء ..
وانطلقت كل العناصر لإسقاط سلطة الاحتلال.. وطرد المحتلين تحت مسميات : (القاعدة.. والمقاومة.. والجهاد والتحرير.. وتنظيمات وأسماء لا حصر لها).. وكان الضحايا ليس الأمريكان.. وليس من جاء معهم أو شاركهم الحكم.. بل من كل العراقيين (شيعة وسنة من العرب فقط).. فكردستان أمينة ومحمية.. وحتى الأكراد البعثيون والاكراد الفرسان (الجحوش) استقبلوا من قبل حكومة الإقليم والأكراد.. وتصالحوا وكأن شيئاً لم يكن.. بأستثناء حالات فردية ..
واخذ جيش الاحتلال دوره في تأمين الأمن لقواته وسلطته.. فتمً حل الجيش العراقي.. تحت ذريعة انه (جيش صدام).. وشنت القوات المحتلة (الامريكية والبريطانية بشكل خاص) الحرب في كل مدن العراق.. واعتقال عشرات الآلاف.. وقتل وتعذيب عشرات الآلاف من العراقيين
تحت يافطة (إرهابيون أو بعثيون).. يعاونه في ذلك عملاءه الذين جاؤوا معه.. وعملاء جدد قدموا أنفسهم لخدمة المحتل الأجنبي ..
كما شنًت القوات الامريكية المحتلة معاركها الكبيرة ضد العراقيين بمباركة وتأييد أول حكومة (عراقية) مؤقتة.. فكان تدمير الفلوجة بمعركتين كبيرتين العام 2004.. وتزامنت معها معركة النجف الاشرف.. التي كادت أن تعيد لنا صورة دمار حسين كامل للنجف والصحن الشريفي العام 1991.. لولا أن قطع السيد علي السيستاني علاجه في الخارج.. والعودة بسرعة الى العراق.. ليوقف تدمير النجف والصحن الحيدري من قبل قوات الاحتلال وعملائهم ..
واستمرت قوات الاحتلال في مقاتلة العراقيين في شوارع ومدن وقصبات العراق.. فيما انشغلً السياسيون الجدد بالنهب لكل شيْ.. فانتشر الفساد..وبيع العراق وتراثه ونفطه.. فلا بنية تحتية.. ولا جيش.. ولا صناعة.. ولا زراعة.. ولا مياه صالحة للشرب.. ولا طاقة.. ولا بيئة نظيفة.. والأنكى من ذلك استمر القتل والنهب على قدم وساق.. والكل يقتل لأتفه الأسباب.. أو بلا أسباب.. وامتلأت المعتقلات والسجون بالمجرمين والقتلة والأبرياء والإرهابيين.. لتكون هذه السجون مدارس وأكاديميات لتخريج أعتى الإرهابيين والقتلة والسراق والمنحرفين ..
وظل المحتلون بغير حساب قانوني.. فهم ملزمون وفق القوانين الدولية (بالحفاظ على مواطني البلد المحتل.. وتوفير مستلزمات الأمن والحياة الكريمة لمواطني البلد المحتل.. وتعمير البنى التحتية التي دمرت جراء الاحتلال.. والعمل على بناء وتقدم البلاد.. قبل أن يخرجوا ويسلموا الحكم الى أهل البلاد).. وفق القوانين الدولية التي تنظم علاقة المحتل بأهالي المناطق المحتلة ..
بالمقابل سنً دستور جديد للبلاد نص على : إقامة نظام اتحادي فدرالي نيابي ديمقراطي.. وتداول السلطة سليماً.. وضمان حرية التعبير.. والتعددية الحزبية.. لكن على صعيد الواقع أقيم نظام المحاصصة.. الذي لم يحقق الديمقراطية الحقيقية.. وأقيمت دولة المكونات.. وليست دولة المواطنة.. فتعززت الطائفية في العراق بشكل خطير.. أدت الى الحرب الطائفية.. التي مازالت تستعر بين آونة وأخرى ..
وفي العام 2008 اتفقت حكومة العراق (المنتخبة) والولايات المتحدة الأمريكية على إنهاء الاحتلال.. وخروج قواتها وفق اتفاقية.. أغفلً واضعو هذه الاتفاقية بنداً مهماً.. وأساسياً.. وهو بند (التعويضات).. فكان لزاماً أن يثبت في الاتفاقية ما على أمريكا من الالتزامات المدنية وحقوق العراق.. والإضرار الناتجة عن الاحتلال.. وعن فعاليات القوات الأمريكية في العراق منذ العام 2003 حتى خروجهم من العراق.. ويدفعوا عن كل ذلك تعويضات الى العراق.. وهو حق مثبت في القوانين الدولية.. كما تحقق ذلك ل (ايطاليا.. وألمانيا.. واليابان.. واليونان.. ودول شرقي أسيا بعد الحرب العالمية الثانية).. وتحقق ذلك حتى للكويت التي مازال العراق يدفع لها تعويضات عن احتلاله لها لمدة سبعة أشهر (آب 1990ـ شباط 1991).. باعتبار إن هذه الدولة احتلت وأصابها الخراب والدمار جراء الاحتلال العراقي ..
(ملاحظة) : انتظرونا غداً : الحلقة الثالثة (عراق ما بعد داعش.. تأهيل العراق للدور الإقليمي الجديد ٢٠٠٣- ٢٠١١) ..