18 ديسمبر، 2024 4:23 م

المحتويات

الفصل                        الموضوع                                      الصفخة
——————————————————————————

                                     المقدمة                                                 4

الأول                       الإنتخابات الجامعية                                          6

الثاني                     غبار وأتربة وآثار حريق                                   9

الثالث                     وزير التعليم العالي وإقالة رئيس الجامعة                12

الرابع                     مشاكل الحرية المطلقة                                       18

الخامس                  الحرس الجامعي                                               22

السادس                  إضرابات الطلبة                                                26 

السابع                   عودة المرقنة قيودهم والمفصولين السياسيين                     31  

الثامن                    الأمور العلمية في جامعة بغداد                               33

التاسع                   في رحاب السيد السيستاني                                    39

العاشر                   موعد مع رئيس الجمهورية                                   44

الحادي عشر           إغتيال وتهديد التدريسيين                                      47

الثاني عشر            الراحل الدكتور نهاد الراوي                                     53  

الثالث عشر            مستوى الجامعات العراقية لازال بخير                         56

الرابع عشر            العراق بلد بدون يوم وطني                                    58

الخامس عشر         الحرية المطلقة ومصداقية كتابنا                               60

السادس عشر         زيادة رواتب الموظفين حل أم مشكلة؟                         65

السابع عشر           الموظفون وخفافيش الظلام                                      69

الثامن عشر           لماذا يثير بعض كتابنا الطائفية والعنصرية                     71

التاسع عشر          نوري السعيد: كن عمليا ولاتكم مثاليا                            75

العشرون              تصريحات مجانية وأحذية مثقوبة                                 79

الحادي والعشرون  دروس من ظاهرة باراك حسين أوباما                            81

السيرة الذاتية                                                                      82

المقدمة

مرّ العراق بظروف قاسية بعد إحتلال العراق عام 2003 من قبل أمريكا وحلفائها وقد كان الإعلام خلال الفترة التي أعقبتها لايركز الا على الأمور السلبية من قتل وحرق ودمار، ولكنه يغض النظر عن الأمور الإيجابية التي حدثت، فنرى أن شعب العراق تماسك وتحمل قسوة الظروف  وضمد جراحاته رغم معاناته الكبيرة التي راح ضحيتها مئات الألوف من الأبرياء بعد تعرضه لحروب متعددة منذ الحرب العراقية الأيرانية عام 1980 ثم حرب الخليج الثانية ضد أمريكيا وحلفائها بعد احتلاله الكويت في آب عام 1990 وماتبع ذلك من فرض حصار اقتصادي قاس  استمر حتى عام 2003 . كما أن الشعب العراقي توحد بعد أن قد تجاوز المحنة الكبرى إذ أريد له أن يدخل في حرب أهلية طائفية خلال عامي 2006 و 2007.

أما وضع التعليم العالي في العراق فلم يتناوله الإعلام بشكل مركز خصوصا وقد باشرت الجامعات في نشاطها بعد حوالي شهر من دخول قوات الإحتلال إلى بغداد وسقوط النظام السابق رغم تعرض الكثير منها وخصوصا في بغداد إلى الحرق والنهب . لذلك وجدنا من الأفضل تدوين  بعض المعلومات على شكل مذكرات عشنا تفاصيلها  كوني انتخبت مساعدا لرئيس جامعة بغداد وعملت فيها للفترة 2003-2006، من أجل إطلاع  القارئ عن فترة مهمة مرت بها الجامعات وخصوصا جامعة بغداد لما تمثله من ثقل أساسي في وزارة التعليم العالي. كما تضمن الكتاب ذو العشرين فصلا بعض المواضيع المتفرقة التي معظمها كتب خلال  تلك المرحلة الصعبة التي مر بها العراق.

وبودنا أن نعتذر لحضور الذات في بعض الأماكن من الذكريات خلال توقفنا عند  مواقف قمنا بها،  لأن الذاكرة تختزن عادة ماتقوم به وهذا ديدن المذكرات إذ تتحدث دائما عن كاتبها أكثر من غيره، مع شعوري بأن هنالك جهود جبارة قام بها الآخرون من أجل خدمة وتطوير  التعليم العالي وجامعة بغداد خاصة أشرنا الى أدوارهم , من باب “إنزال الناس منازلهم و إعطاء كل ذي حق حقه ” محاولين تقديم  فكرة عن مسيرة التعليم العالي لنستنبط منها الدروس والعبر خلال أخطر فترة مر بها العراق بعد الإحتلال الأمريكي عام 2003. متمنيا أن يكون العراقيون متآخين يعملون سوية من أجل إعادة هذا البلد ليحتل دوره التأريخي كمنبر للحضارة الإنسانية وكأحد الرواد في الدول العربية و دول العالم الثالث، وأن يحفظه الله تعالى من شر الأشرار وينعم علية بالأمن والأستقرار، لذلك فأن هذا الكتاب هو مذكرات لفترة مهمة عشناها في العراق وأفكار أخرى مهمة تم كتابتها لتعبر عما يدور من هموم ومشاكل وحلول خلال الفترة 2003-2011، وختامها مسك، بأن نقول  صلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين .

أ. د.  حاتم الربيعي
آب (أغسطس) 2011

الفصل الأول: الأنتخابات الجامعية

مر العراق في حياته بمصائب وأهوال خاصة خلال عام 2003 وبعدها إذ بدأت العمليات العسكرية لإحتلال العراق في 20/3/2003 من قبل مايسمى بقوات الإئتلاف أو “إئتلاف الراغبين” بقيادة  الولايات المتحدة الأمريكية، اذ بلغت القوات الامريكية  250000 جندي(  83%) والبريطانية 45000 جندي (15%) أما بقية الدول فهي كوريا الجنوبية وإستراليا والدانمارك وبولندا فتشكل نسبة قواتها العسكرية 2% من هذا الإئتلاف. وقد صدمنا , أسوة ببقية شعوب العالم , بأنه كيف لاتستطيع القوات البريطانية والأمريكية من إحتلال البصرة وبعض مناطق وسط العراق إلا بعد ثلاثة أسابيع من القتال بينما أستطاعوا خلال أربعة أيام وبسهولة من إحتلال بغداد في 9/4/2003 على الرغم من الأستعدات الكبيرة التي قامت بها القوات العراقية المسلحة. وأمام تلك المفاجأة  تولدت صدمات أخرى ومن ضمنها مسألة حرق البنايات وسرقتها من قبل البعض بظاهرة سميت “بالفرهود”، ومن الأماكن التي تعرضت الى النهب والسلب وتركت جروحا عميقة في ذاكرة العراقيين  هو سرقة المتحف الوطني العراقي ودوائر الدولة وكذلك الجامعات والمؤوسسات العلمية، مع اعترافنا بأننا لسنا مؤرخين تأريخيين ولكننا سننقل الأحداث المهمة والمؤثرة التي حدثت في جامعة بغداد كونها الجامعة الأم بالنسبة لبقية الجامعات ولعملنا بها وبصدق إن شاء الله تعالى.
                          
لم أتوقع طوال حياتي الأكاديمية التي امتدت منذ عام 1976 بأني سأساهم في إدارة المؤسسات التعليمية فقد كنت مندمجا بتدريس الطلبة ومنشغلا ببحوثي واستشاراتي العلمية التي أقدمها للطلبة والباحثين، كما لأني كنت مستقلا من الأنتماء للحزب الحاكم فهذا أبعدني من التعيين او الترشح لأي منصب علمي أو إداري، وكنت متمنيا أن يستمر هذا التوجه حتى بعد سقوط النظام عام 2003. ولصعوبة تحديد القيادات الجامعية الجديدة دعا المشرف الأمريكي على التعليم العالي الدكتور أندرو أردمن إلى إجراء الإنتخابات يقوم بها التدريسيون  لتحديد رئيس الجامعة ومساعديه ومن ثم العمداء في كلياتهم. ولكن تحت الحاح زملائي وشعورهم بإمكانية مشاركتي في احدى المواقع العلمية في جامعة بغداد جعلني أفكر خصوصا وأن هنالك تدريسيين كانوا يودون الترشح في الإنتخابات وهم معروفون بعدم إخلاصهم حتى ان بعض هؤلاء صرحوا بأن عدم دخولهم الى المواقع القيادية سيتيح المجال للفئات الأخرى بالدخول ويعتبرون ذلك إساءة الى الدور القيادي الذي كانوا يمارسونه.
وفي يوم ألأربعاء 14/5/2003  إحتشد التدريسيون في قاعة بغداد (التي سميت فيما بعد بقاعة شهيد المحراب ) داخل مبنى جامعة بغداد في الجادرية وحضر تلك الانتخابات الحاكم الأمريكي جاي جانر والمقال في حينها (21/4/2003–12/5/2003) وحدث عدم إنضباط داخل القاعة بسبب رغبة البعض في إفشال تلك الإنتخابات وتم تأجيلها الى يوم السبت 17/5/2003. وبعد إستلام الحاكم الامريكي المدني بول بريمر (13/5/2003-28/8/2004)  أصدر  في مساء الخميس 15/5/ 2003 قرارات تنص بعدم أحقية أعضاء حزب البعث من الترشح لأي منصب وأبعاد الحاصلين على درجة عضو فرقة أو أعلى من دوائر الدولة العراقية، وأمام كل ذلك أصبح على التدريسيين المخلصين بقبول الترشح لشغل المواقع القيادية الجامعية.
 
وفي يوم 17/5/2003 حضرالتدريسيون مرة ثانية إلى قاعة بغداد داخل مبنى الجامعة في الجادرية لغرض إجراء الإنتخابات وقد طلب من الحاضرين للترشح  لشغل منصب رئيس الجامعة ومساعد رئيس الجامعة للشؤون العلمية ومساعد رئيس الجامعة للشؤون الأدارية، وقد بادر بعض الزملاء بترشيحي للمنافسة على منصب مساعد رئيس الجامعة للشؤون العلمية  وكان أشدهم حماسا الدكتور رعد المولى “الأستاذ في كلية العلوم الذي أستشهد بمنزله في 19/11/ 2005على ايدي مسلحين مجهولين ضمن مرحلة إستهدفت بها الكفاءات العلمية وهذا ما سنتوقف عنده في الفصول القادمة ” فوافقت على ترشيحي  منتظرا ماسيقرره التدريسيون بانتخابات حرة ونزيهة دون وجود أو تدخل الأمريكان، وكانت الأمور أكثر تنظيما وهدوءا من الإجتماع السابق. وفي الحقيقة لم تكن سمعتي معروفة  في بقية كليات جامعة بغداد اذ كنت في حينها تدريسي في كلية الزراعة في أبي غريب التي تبعد عن رئاسة جامعة بغداد حوالي 20 كم اذ قلما حضرنا في ندوات أو مناسبات رسمية في مبنى جامعة بغداد، لذلك وجدت من الضروري توجيه  بعض الكلمات الى التدريسيين الحاضرين في القاعة لأبين لهم آرائي وتوجهاتي أثناء فترة تقديم السيرة الذاتية للمرشحين، اذ أعطي لكل مرشح فرصة التحدث من على خشبة المسرح حوالي خمسة دقائق وبعد أن دعاني رئيس هيئة الإنتخابات الى المنصة بدأت حديثي بآية  من القرآن الكريم:
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمه الله عليكم اذ كنتم أعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة  من النار فانقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ).

 وكان لمعنى  تلك الآية أثر كبير على الحاضرين وجلبت حماسهم وانتباهم إذ جاءت كتعبير وكرد فعل بأننا لازلنا متمسكين بإسلامنا رغم الإحتلال وإن وحدتنا هي الطريق لنجاتنا من المصاعب القادمة، التي زادت مع الأسف بسبب انتهاج الطائفية والعنصرية في الفترة اللاحقة. ومن الأمورالطريفة التي أتذكرها  أنه كان يطلب من المرشح أن يذكر أنتماءه الحزبي أثناء تقديمه السيرة الذاتية حيث قلت بأني مستقل وسأستمر مستقلا مدى الحياة مجردا من  الإنتماء لأي حزب، وبعد إلقاء نبذة مختصرة عن سيرتي الذاتية العلمية طلبت من الحاضرين التقييد بالضوابط التالية لغرض تحديد المرشح الواجب إنتخابه الذي يتصف بمايلي :
أولا: توحيد  صفوف العراقيين وتضميد الجراحات التي نزفت كثيرا.
ثانيا: تحقيق العدالة والمساواة التي أفتقدت منذ فترة طويلة.
ثالثا: الإهتمام بالجانب العلمي ورفعه في هذه الجامعة العريقة.
رابعا: محاولة الإستفادة من الجهات الرسمية و الخيرية التي تقدم  الدعم لغرض إعادة تأهيل الجامعة التي عانت من الحريق والسرقات والأهمال.

وفي الواقع كانت لتلك الكلمات صدى واسع بين الحاضرين واحسست بأن هنالك اهتماما جيدا بها وتعبر عما يحتاجه العراقيون في تلك المرحلة الحساسة من حياتهم اذ كان الحزن والأسى والأمل في قلوب الجميع عما تخفيه الأيام القادمة لهم. وبعد فرز أصوات الناخبين تم الإعلان عن تحديد الأستاذ الدكتور سامي المظفر رئيسا لجامعة بغداد” الذي صار فيما بعد وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي في حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري للفترة 3/5/2005-19/5/2006″ والأستاذ الدكتور نهاد الراوي مساعدا لرئيس الجامعة للشؤون الأدارية  “أستشهد على أيدي مسلحين مجهولين في 26/6/2007” وتسميتي مساعدا لرئيس الجامعة للشؤون العلمية بعد حصولي على عدد كبير من الأصوات مقارنة ببقية المرشحين الأربعة. وفي تلك اللحظات انتهت فترة الإنتخابات لأمارس بعدها مهام إستلام المنصب لغاية تشرين أول عام 2006 لأواجه أحرج الظروف التي مر بها العراق.

الفصل الثاني : غبار وأتربة وآثار حريق

رغم الإحباط والظروف النفسية الصعبة التي عاشها العراقيون بعد ماجرى من احداث بعد 9/4/2003 م  إلا أنه كان لديهم إصرار على تجاوز مأساة الحروب التي مروا بها والبدء بممارسة نشاطات الحياة المختلفة وقد كان لقرار اللجنة المشكلة لدراسة وضع التعليم العالي والتي تضم بعض القيادات الجامعية وبعض التدريسيين، صائبا بالإستمرار بتكملة العام الدراسي 2002/2003 وعدم الغائه أوتأجيلة  نتيجة توقف الجامعات لفترة دامت  أكثر من شهر خلال ظروف الحرب بشرط تمديد فترة الدراسة، لذا تم دعوة التدريسيين والطلبة كافة في أواخر نيسان 2003 للألتحاق بالجامعات. وقد لقي هذا القرار استجابة واسعة  خصوصا من الطلبة وبدأ التدريسيون والموظفون والطلبة بالتوافد على كلياتهم لغرض التهيئة للدوام وشهد يوم السبت 26/4/2003 حضورا ملحوظا في كافة كليات الجامعة ، وقد فوجئ الجميع بوجود حرائق هائلة ودمار شامل وسرقات إذ تم إتلاف كثير من أبنية كليات الجامعة وإحراقها بعد سرقة محتوياتها خاصة في مجمع باب المعظم. وقام الطلبة بتأسيس بعض الروابط الطلابية من أجل أعمال الترميم والتنظيف لنفض الغبار والأتربة وإزالة آثار الحريق وصبغ القاعات الدراسية. 

عندما توجهت في 24/5/2003 بعد إنتهاء الإنتخابات الجامعية  الى مكتبي ( مكتب مساعد رئيس الجامعة للشؤون العلمية الواقع في مبنى رئاسة الجامعة في الجادرية) كنت أفكر!! هل سأجد كرسيا لأجلس عليه أو مكتبا لإدارة أمور الجامعة؟ بعد أن تم إحراق وسرقة معظم بنايات الجامعة , ولكني فوجئت بأن الأثاث لم يمس ماعدا كسر أقفال الغرف لشعور الأمريكان بأنها قد تضم بعض المعدات أو الأسلحة العسكرية الممنوعة، إذ عرفت حينها بأن بعض قوات الجيش الأمريكي سيطرت  على مبنى رئاسة الجامعة  في الجادرية لذلك لم يستطع السراق من الدخول ليمارسوا السرقة أو الحرق. ولكوني لاأملك سيارة شخصية ،على الرغم من كوني بروفيسورا في جامعة بغداد وأعمل تدريسيا منذ عام 1976، لهذا استمررت على عادتي بالركوب مع المواطنين في الحافلات العامة أو إستخدام سيارات الأجرة ولحوالي أسبوعين لحين تخصيص الجامعة سيارة لي .

 في الأيام الأولى من دوامنا في الجامعة إستلمنا عدة كتب من بعض الكليات أو التدريسيين و الطلبة وهي مكتوبة باللغة الانجليزية ، لشعور البعض بأن العراق وقع تحت الإحتلال الأمريكي وأن اللغة الإنجليزية ستكون سائدة في المراسلات. لهذا أصدرنا ،وبموافقة الأستاذ الدكتور سامي المظفر رئيس الجامعة، أول كتاب رسمي وبتوقيعي موجه الى كافة الكليات  بأن تكتب الكتب  الرسمية أو الرسائل باللغة العربية للحفاظ على هويتنا العربية ولغتنا الأصيلة.
 وتوالت زياراتنا لكليات الجامعة المنتشرة في عدة مناطق من بغداد وقد فرحنا بوجود الطلبة وهم يقومون بإعادة تأهيل قاعات كلياتهم وصبغها خصوصا في كليات مجمع باب المعظم إذ لاحظنا وجود قاعات دراسية  محروقة خصوصا في كلية الفنون الجميلة والآداب والقانون. وكنا نذكر الطلبة بالآية الكريمة التالية:

 بسم الله الرحمن الرحيم
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، ( التوبة 105)

أما أشد مالاحظته إثارة للألم هو وضع كلية الطب البيطري في أبي غريب إذ وجدت السيد عميد الكلية المنتخب الأستاذ الدكتور ماجد نجيدي ( إذ كان تدريسيا ثم أنتخب في عام 2003 عميدا واستمر بالعمل حتى عام 2005 بعد أن تم اعفاؤه من منصبه) يبحث عن كرسي ومنضدة داخل الكلية لغرض جلوسه عليها وإدارة الكلية!!
أثناء تجوالي معه في قاعات ومختبرات الكلية لم أجد سوى الجدران وكل شئ قد اختفى ومن الأمور التي لاتنسى هو حيرة السيد العميد بكيفية طباعة الكتب الرسمية اذ لاتوجد لدية أي آلة طابعة أو حاسبة أليكترونية لذا أخبرته باني سأعيره حاسبتي الألكترونية الشخصية التي   جلبتها لهم من كلية الزراعة في أبي غريب وقاموا بواسطتها بطبع الكتب الرسمية لحوالي ثلاثة أشهر لحين إستلامهم التخصيصات المالية من الجامعة وحصولهم على دعم من جهات أجنبية اذ استرجعت الكلية من خلالها ما فقدته من أجهزة مختبرية وأثاث.
والحديث عن الظروف  التي تعيشها كلية الزراعة في بغداد (أبي غريب)  التي امضيت فيها أكثر من ربع قرن كتدريسي فكانت  جيدة، إذ بادر الأستاذ الدكتور مدحت الساهوكي (تدريسي أختير كرئيس لقسم علوم المحاصيل الحقلية في عام 2008) يحث التدريسيين والموظفين الذين يسكنون في الحي السكني داخل مبنى الكلية بتشكيل مجاميع حرس لحماية الكلية من أية أضرار لذا بجهودهم النبيلة والمخلصة حافظت الكلية على أثاثها ومختبراتها وباشرت الدوام بدون تأخر بإدارة عميدها الأستاذ الدكتور أحمد الزبيدي ( أنتخب في 18/5/2003 كعميد للكلية حتى قدم استقالته من منصبة في أوائل عام 2006 بعد تعرضه إلى تهديدات أمنية).

 أما بقية الكليات وخاصة في مجمع باب المعظم والوزيرية فقد إستمرت زياراتنا لها ووجدنا الطلبة وبعض التدريسين يعملون ليل نهار من أجل ترميم وتنظيف القاعات الدراسية من آثار الحرق وصبغها وتهيئة المختبرات من أجل بدء الدوام. وقد ساهم الناس الخيرون بالتبرع بالمال لتلك الكليات كما إن بعض المساجد والحسينيات قامت بإرجاع بعض الأثاث والأجهزة بعد إستلامها من المواطنين وحفظها طوال تلك الفترة. كما قدمت بعض الجمعيات الخيرية الأجنبية تبرعات عينية لإعادة تأهيل المختبرات والقاعات الدراسية. وفي إحدى زياراتي الرسمية لكلية القانون في الوزيرية وبرفقة عميد الكلية المنتخب الدكتور علي الجيلاوي الذي كان له الفضل في الحفاظ على بعض الأثاث ومكتبة الكلية (اذ كان يشغل معاون عميد لشؤون الطلبة قبل 2003  ثم أنتخب عميدا حتى وفاته في عام 2005  إثر مرض لم يمهله طويلا ) وعند إفتتاح قاعات ومختبرات الأنترنيت الذي تبرعت بها إحدى الجمعيات الخيرية الأجنبية  ليضم أجهزة حاسوب حديثة وتأثيث القاعات المخصصة لها، لاحظت وجود سيدة ترتدي ملابس عراقية و محجبة ذات وجه يبدو بأنه غربيا وكانت صامتة طوال فترة إجراء المراسم وبعد إنتهاء الأحتفالية حاولت الحديث معها فأجابتني باللغة الأنجليزية قائلة إنها أجنبية  مسؤولة عن الجمعية الخيرية وقد إرتدت الحجاب الإسلامي حفاظا على أمنها بعد أن حدثت عمليات اختطاف وقتل لكثير من الأجانب من قبل بعض المسلحين فعلمت  إننا دخلنا مرحلة مليئة بالإضطرابات الأمنية التي طالت الأخضر واليابس فراح ضحيتها العديد من الكفاءات العلمية ومشاكل كثيرة تخص دوام الطلبة.

الفصل الثالث :وزير التعليم العالي وإقالة رئيس الجامعة

بعد مباشرة جامعة بغداد بالدوام في مايس 2003 إنتهجت مبدأ “إستقلالية الجامعة” لأهميته إذ لم تكن الوزارات قد شكلت في حينها. إذ يعني هذا الأصطلاح عالميا بأن الجامعة هي كيان علمي وإداري تستمد فعاليتها وديمومتها من خلال تفاعلها مع المجتمع الذي ينشأ فيها ورفده بالمنجزات العلمية والتقنية الحديثة التي تلبي إحتياجاته والإسهام بالأرتقاء به، ومن خلال هذا التفاعل الجدلي تنشأ خصوصية كل جامعة وهذا يستلزم إستقلاليتها في مناهجها الدراسية والبحثية ونظامها الإداري وهو مايطلق عليه باللامركزية أو الحكم الذاتي للجامعات. وقد كان هذا المفهوم الحديث سائدا لإدارة جامعة بغداد خصوصا وأن الوزارات العراقية لم تشكل بعد، وقد مارسنا هذا الأسلوب فكان ناجحا ورصينا من الناحية العلمية والإدارية وكان الأستاذ الدكتور سامي المظفر رئيس الجامعة (آنذاك) من أكثر المتحمسين لهذا التوجه حتى أنه إقترح على بعض المسؤولين إستمرار إرتباط الجامعات بمجلس الجامعات أو تشكيل هيئة تنسيقية للتعليم دون الحاجة إلى تشكيل وزارة للتعليم العالي.

وبعد تشكيل مجلس الحكم(12/7/2003-1/6/2004 ) تم تسمية الأستاذ الدكتور زياد عبدالرزاق وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي) 1/9/2003-27/6/2004) ليباشر مهماته وتوجيه الجامعات بمركزية الوزارة في إدارة أمور الجامعات لذا كان من المتوقع أن تحدث إشكالات بين الجامعة التي مارست إستقلاليتها وخاصة جامعة بغداد وبين الوزارة التي تود ممارسة المركزية، لذا حدثت إشكالات إدارية بين الطرفين وساهمت أطراف بتأزيم العلاقة الشخصية بين معالي الوزير ورئيس الجامعة خصوصا بعد رفض السيد رئيس الجامعة الإستجابة لطلب الوزير بتسليم مبنى النادي الإجتماعي للجامعة في الجادرية الى إحدى الجامعات الأهلية والتي فسرها البعض بأنها عدم إستجابة رئيس الجامعة لأوامر  معالي الوزير وغيرها من الأمور.
 وحاولت التقريب بين وجهات النظر واستثمرت فرصة زيارتي لمعالي الوزير في يوم الثلاثاء 23/9 /2003 لغرض تهنئته باستلام المنصب، وأثناء حديثي أشار الوزير بأن  رئيس جامعة بغداد لم يستجب لبعض الأمور ومثلا هنالك شكاوى من بعض التدريسيين حول تلكؤ الجامعة بإرسال إستمارات طلب عودة التدريسيين  والموظفين أعضاء الفرق في حزب البعث إلى الجامعة.
 وبينت لمعالي الوزير: بأن تلك الأخبار غير دقيقة لأن الجامعة إستلمت ثلاثة كتب مختلفة التوجة ومتناقضة أحيانا وكان رئيس الجامعة محتارا بآلية التطبيق وأخبرته في حينها بعقد إجتماع استثنائي لمجلس الجامعة لمناقشة الموضوع وخلال الإجتماع ،الذي تم يوم أمس، أوضح أعضاء المجلس صعوبة فهم مدلول الكتب الرسمية الثلاثة ولكن المجلس يرغب من الوزارة توضيح الرأي النهائي بهذا الموضوع ويطلب بضرورة عودة هؤلاء التدريسيين والموظفين الى كلياتهم المشمولين بقرار أجتثاث البعث (إذ تمت عودتهم إلى كلياتهم في عام 2004 وبلغ عددهم في وزارة التعليم العالي حوالي 1630 وسنوضح التفاصيل عن هذا الموضوع في فصل آخر).
 فأجاب معالي الوزير: بأن الوزارة تريد إيصال الإستمارات للتدريسيين والموظفين، لهذا عدت بسرعة الى الجامعة وذهبت مباشرة الى مكتب رئيس الجامعة لأبلغه بذلك وإقترحت عليه ضرورة الإتصال الهاتفي بعمداء الكليات لغرض إكمال ملء تلك الأستمارات من قبل التدريسيين والموظفين وتسليمها بسرعة الى الجامعة وخلال  يومين.
 وقامت سكرتيرة رئيس الجامعة الآنسة آمال حسين بإبلاغ الكليات بذلك، كما أخبرته بالإشكالات الإدارية  الأخرى التي ذكرها معالي الوزير في لقائي معه.
 وفي يوم الأربعاء 24/9/2003 توجه السيد رئيس الجامعة الى مكتب معالي الوزير لغرض مقابلته وتوضيح الأمور المشار إلى بعضها في أعلاه، بعد أن ثبت موعد الزيارة، ولكن مدير مكتب الوزير ترك السيد رئيس الجامعة لمدة أكثر من ساعتين في غرفة الإستقبال المجاورة للمكتب دون إدخاله لغرفة معالي الوزير مما اضطر رئيس الجامعة بالعودة للجامعة جريح الشعور  وكان محبطا.

 وفي يوم الخميس 25/9/2003 جاء مدير مكتب معالي الوزير الى مكتب رئيس الجامعة وهو يحمل كتابا وزاريا بإعفاء السيد رئيس الجامعة من منصبه وطلب بايصاله الى رئيس الجامعة اذ كان في حينها في لجنة مناقشة طالبة دكتوراة في كلية العلوم إذ كان مشرفا عليها(لم ينقطع عن طلبته طوال فترة رئاسته الجامعة كما فعلنا نحن إذ بقينا رغم كل المشاغل والإلتزامات والمشاكل نواصل عملنا التدريسي والإشراف على طلبتنا في الدراسات العليا ).  وفي ظهر ذلك اليوم جاء  الأستاذ الدكتور سامي المظفر الى  بناية رئاسة الجامعة بعد إنتهاء مناقشة الطالبة ولم يدخل الى مكتبه بعد أطلاعه على أمر الأقالة.
 وأبلغته شدة تأسفنا وحزننا على هذا القرار وأن مجلس الجامعة سيحاول الطلب من معالي الوزير بأعادتك لتمارس دورك في أدارة وتأهيل الجامعة خصوصا وأنت منتخب.
 فقال: أنا سأمكث في داري منتظرا النتائج ولاأرغب حاليا بالأستمرار بالدوام وقد يفسر الآخرون بقائي من باب تمسكي بالمنصب.
فطلبت منه: قبول إعفائي من منصبي تضامنا معه.
 فرفض ذلك وقال: إستمر في عملك والجامعة بحاجة لك الآن وبشكل أكثر من السابق وسأعود قريبا إلى منصبي.
 وعلى ضوء الإعفاء المفاجئ لرئيس الجامعة حدث إرباك شديد بين  منتسبي الجامعة وأخذ بعضهم بالتوافد الى مكتبي ليعلن بأن هذا الإجراء خلفه أسباب طائفية ويفسروا ذلك بسبب تكليف الأستاذ الدكتور نهاد الراوي مساعد رئيس الجامعة للشؤون الأدارية كرئيسا للجامعة وكالة دون إسناد ذلك المنصب لي كوني المساعد العلمي لرئيس الجامعة.
 فأفهمتهم: بأن هذه الأسباب غير حقيقية ولم تكن هنالك أسباب طائفية خلف الموضوع وأنا أعرف بأن هنالك أسباب إدارية وأصبحت ذات طابعع شخصي بجهود بعض الأطراف التي رغبت بإحداث خلل بين الطرفين وتوليد أزمة وأخبرتهم يجب أن تركز الجهود من أجل عودة رئيس الجامعة  وإتباع الحكمة وذكرتهم بقول الله سبحانه وتعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ( البقرة 269)

 وطلبت من البعض في صباح يوم السبت المصادف 27/9/2003 التوجه معي الى مكتب الأستاذ الدكتور نهاد الراوي والتي كان بالقرب من مكتبي لغرض التنسيق معه بحل المشكلة. وأثناء جلوسنا بغرفتة إتصل بنا مدير مكتب معالي الوزير ليخبرنا بأن هنالك مظاهرة صاخبة لبعض منتسبي جامعة بغداد والطلبة أمام مقر الوزارة في منطقة الكرادة، فأخبرناه بأننا سنتبع الوسائل الرسمية لحل المشكلة وليس لنا علاقة بالمتظاهرين، وكادت تلك المظاهرة أن تولد مصادمة وحدوث خسائر بشرية بعد أن أطلق  حرس الوزارة إطلاقات نارية تحذيرية على المتظاهرين مما سبب إرباكا امنيا في الشارع المقابل لمبنى الوزارة.
 لذا أقترحت عل الحاضرين أهمية عقد اجتماع استثنائي لمجلس الجامعة في يوم الأثنين القادم  لمناقشة الموضوع وإيجاد حلول لمسألة إعفاء رئيس الجامعة.
وعقد مجلس الجامعة صباح الأثنين المصادف 29/9/2003  إجتماعا برئاسة الأستاذ الدكتور نهاد الراوي وطلبت التحدث لأعضاء المجلس لكوني مضطلعا على مجريات الأمور.
وأوضحت لأعضاء المجلس الإشكالات الإدارية التي حدثت بين معالي الوزير ورئيس الجامعة وذكرتهم بالإنجازات الكبيرة التي حققها رئيس الجامعة وانتهاج استقلالية الجامعة التي تمتعنا بها إذ كان للكلية والقسم العلمي دور في إتخاذ كثير من القرارات العلمية والإدارية كما أنه وقف مواقف شجاعة لمنع الأمريكيين بالتواجد في الجامعة وخصوصا رفضه إعفاء بعضكم من مناصبهم بعد طلب الأمريكان منه ذلك وهو يقول: لا أستجيب وهؤلاء انتخبهم التدريسيون (وقد لوحت بيدي بأحد تلك الأوامر التي طالب بها الأمريكان  لأحدهم بإقالته)، وعليه ينبغي علينا بالوفاء لهذا الرجل بالوقت الحاضر وهو منتخب مثلكم. وتحدث بقية أعضاء المجلس وأشادوا بالدور الكبير الذي قام به رئيس الجامعة بإدارة الجامعة تحت أصعب الظروف وتم التصويت على قرار الطلب بعودته للجامعة فحظي هذا القرار بالإجماع، وقرر المجلس تشكيل لجنة من السادة العمداء وبرئاستي لإيصال القرار إلى معالي الوزير وتسليمه له شخصيا و الطلب بإلغاء قرار الإقالة وتضمن الوفد “كما أتذكر!!!” كل من :

1- الأستاذ الدكتور حاتم جبار عطية الربيعي/مساعد رئيس الجامعة للشؤون العلمية-رئيس الوفد (مستشار ثقافي في الصين بعد 21/10/2006)
2- الأستاذ الدكتور عبدالمهدي طالب آل رحمة الله /عميد كلية العلوم (عين مستشار ثقافي في أيطاليا في عام 2007)
3- الأستاذ الدكتور بهجت التكريتي/عميد كلية الآداب (إستقال من منصبه عام 2005)
4- الأستاذ الدكتور أحمد الزبيدي/عميد كلية الزراعة (إستقال من منصبه في عام 2006 بعد تعرضه لتهديدات أمنية في الكلية وفي محل سكناه)
5- الأستاذ الدكتور موسى الموسوي/عميد كلية الهندسة(اصبح رئيس للجامعة منذ 30/9/2003)
6- الأستاذ الدكتور رياض عزيز/عميد كلية العلوم السياسية(أصبح مساعد لرئيس الجامعة للشؤون العلمية منذ 23/10/2006)
7- الاستاذ الدكتورة حميدة سميسم/عميد كلية الأعلام (أعفيت من منصبها في عام 2006)
8- الأستاذ الدكتور مصطفى الهيتي/عميد كلية الصيدلة(استقال من منصبه في عام 2005 اثرحدوث مشاكل في الكلية، واصبح عضو مجلس نواب للفترة 2006-نهاية 2009)
9- الأستاذ الدكتور عبدالمجيد حمزة/عميد كلية الإدارة والأقتصاد (تم تعيينه مدير عام لجهاز الإشراف والتقويم العلمي عام 2005  ثم طلب الأحالة على التقاعد لأكماله السن القانوني)
10- الدكتور علي الجيلاوي/عميد كلية القانون (توفي في نهاية عام 2004)

وقمنا ظهر ذلك اليوم بزيارة معالي الوزير أذ ترك مكتبه وجلس في وسطنا في مكان أستقبال الضيوف  داخل مكتبه حيث  رحب بنا، وقمت بتعريف أعضاء الوفد له ثم شكرت معالي الوزير على حسن إستقبالنا وبدأت الحديث عن سبب زيارتنا وأوضحت الإشكالات الإدارية التي حدثت وخصوصا التأخر بتسليم إستمارة عودة التدريسيين والموظفين من أعضاء الفرق بحزب البعث وقد أكد السادة العمداء إجراءات الجامعة وإنهم سلموا الإستمارات في نفس يوم إقالة رئيس الجامعة وطالب جميع  أعضاء الوفد بإعادة النظر بمسألة عودة رئيس الجامعة وسلمته القرار الرسمي بذلك الذي اتخذه مجلس الجامعة.
 رحب معالي الوزير بالحاضرين وشكرهم على هذه الخطوة وقام بالإعتذار مني لأنه لم يكلفني برئاسة الجامعة وكالة لأنه لم يكن يعرف من هو المساعد العلمي والإداري فأجبته بأن هذا الموضوع لم أعر له أية أهمية ولا فرق بيني وبين الأستاذ الدكتور نهاد الراوي  وإني وقفت معه بحل المشكلات التي تولدت لدينا بسبب إعفاء رئيس الجامعة ومشكلتنا الأساسية  وطلبنا الأساسي هو عودة رئيس الجامعة وليس هوية أو طائفة البديل ، فشكرني على هذا المبدأ والمشاعر وأبلغ أعضاء المجلس بأنه سيعيد النظر بالموضوع وشكرناه وخرجنا من مكتبه ونحن متفائلون.

وفي مدخل الوزارة وجدت مراسل قناة الجزيرة ينتظرني لغرض التحدث للقناة في نشرة أخبار الساعة الخامسة عصر ذلك اليوم فاتفقت معه على تلبية الدعوة والحضور إلى مكتب الجزيرة قرب ساحة الأندلس في بغداد، إذ نال موضوع إقالة رئيس الجامعة في حينها إهتماما كبيرا  داخل وخارج العراق وفي وسائل الإعلام.
 وحضرت الى مكتب قناة الجزيرة عصر ذلك اليوم وفي أثناء فترة البث المباشر لأخبار الساعة الخامسة سألتني مذيعة الأخبار من الدوحة السيدة خديجة بن قنة عن أسباب الإقالة وإجراءات الجامعة؟
 فأخبرتها: بأن هنالك سوء فهم إداري بين معالي الوزير والسيد رئيس الجامعة إذ مارست الجامعة استقلاليتها ثم تشكلت الوزارة ومن حقها أن تفرض مركزيتها فحدث سوء الفهم بين الطرفين ولذا طالب مجلس جامعتنا وبالإجماع بعودة رئيس الجامعة وكنا ظهر هذا اليوم مع معالي الوزير الذي تفهم الأمور الإدارية التي حدثت ووعدنا خيرا بدراسة الموضوع.
 ثم سألتني المذيعة: لماذا أنتم متمسكون بعودة رئيس الجامعة؟
 فقلت لها: بأن السيد رئيس الجامعة منتخب من قبل أعضاء الهيئة التدريسية وقد قاد الجامعة في أصعب الظروف والجامعة الأن بأمس الحاجة الى خدماته لتجاوز المشاكل الكثيرة التي نمر بها كما إنه مخلص ويحمل كفاءة علمية عالية.
 بعدها سألتني المذيعة: هل أن هنالك أمور أخرى سببت الموضوع أم  لأنه  كان بعثيا؟
 فقلت لها: من هو البعثي ؟الوزير أم رئيس الجامعة؟ كلاهما على ما أظن  لم ينتميا لحزب البعث، وطلبت بأن يكون الإعلام ذو دور إيجابي بحل المشاكل والأصلاح بين الناس  لا تعقيد الأمور وإيجاد أسباب غير موجودة  لبعض الحالات، فشكرتني المذيعة لتنتقل الى موضوع آخر ويبدو بأن  جوابي الأخير لم يكن منسجما مع توجهات القناة.

وكان الجميع وحتى وكالات الأنباء تنتظر قرار عودة رئيس الجامعة ولكن معالي الوزير إستمر على قراره السابق ويبدو بأنه واجه  ضغوطات  من بعض الجهات الحزبية. لذا أصدر قرارا أخر في نفس اليوم بتعيين الأستاذ الدكتور موسى الموسوي رئيسا للجامعة  ( كان يشغل منصب عميد لكلية الهندسة بعد إنتخابه في 18/5/2003) ، وأعتقد بأن هذا القرار كان ذكيا لأن الأستاذ الدكتور موسى الموسوي يتمتع بكفاءة علمية عالية ومخلص وأمين، وأبعد القرار معالي الوزير عن التفسير الطائفي لإقالة رئيس الجامعة وهو تفسير  كان رائجا عند الكثير من العراقيين . وذهبت مع بعض السادة العمداء لزيارة الأستاذ الدكتور سامي المظفر في داره لنعلن تأسفنا عن مجريات الأمور وقلت له في حينها أن هذه الأزمة أكسبتك شهرة واسعة كما أنها قد تكون لصالحك تيمنا بالأية القرآنية:

 … وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (البقرة 216   )

وقد تم ذلك إذ صدرت قرارات لاحقة بتعيينه وكيلا لوزارة التربية في الفترة المتبقية  من  مجلس الحكم، ووزيرا للتربية في حكومة الدكتور أياد علاوي، ووزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي في حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري. ومن المصادفات اللطيفة والجميلة أن يبادر معالي الوزير الأستاذ الدكتور زياد عبد الرزاق بتهنئة الأستاذ الدكتور سامي المظفر لتسلمه منصب وكيل وزير التربية “عندما ألتقيا داخل مبنى مجلس الوزراء” أذ حضر  الأخير إجتماع مجلس الوزراء نيابة عن معالي وزير التربية. ويذكره بمدلول الآية الكريمة المذكورة في أعلاه (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم).

 أما مسألة إستقلالية الجامعات فقد نالت نوعا من الإنتعاش خلال فترة معالي وزير التعليم العالي الأستاذ الدكتور طاهر البكاء (أنتخب رئيس للجامعة المستنصرية في 14/5/2003، ووزيرا للتعليم العالي للفترة 28/6/2004 -2/5/2005) الذي كان مهتما بهذا الجانب حتى أن المؤتمر السابع للتعليم العالي الذي إنعقد خلال فترة 22-23/9/2004 وبحضورمعالي  الوزير وكنت رئيس اللجنة التنسيقية للمؤتمر،  أوصى “بإستقلالية الجامعات” لرفع الغطاء الثقيل الذي تمارسه الوزارة على الجامعات.
 ولكن ومن المستغرب أن تجد هذا الغطاء يعود ثانية خلال فترة معالي وزير التعليم العالي الأستاذ الدكتور سامي المظفر( 3/5/2005-19/5/2006 )الذي كان ينادى باستقلالية الجامعات عندما كان رئيس جامعة بغداد، وأعتمد أسلوبا مختلفا عن الذي سبقه، أذ أشار عليه بعض أو أحد المدراء العامين في الوزارة بأن الجامعات لديها صلاحيات كثيرة وإنها لاتتقيد بتوجيهات وخطط الوزارة، فأعاد المركزية للوزارة في قضايا التعيينات والسفر وشؤون الطلبة وغيرها وإلغاء الصلاحيات الواسعة التي تمتعت بها الجامعات مما سلب الجامعات استقلاليتها ولهذا كان لسان حالنا يقول كما قال المتنبي:

        ماكل مايتمنى المرء يدركه        تجري الرياح بما لاتشتهي السفن

وبقيت إستقلالية الجامعات محنطة ومجمدة وفي غرفة الإنعاش وتحتاج إلى من يعيد لها الحياة إذ يبدو بأن الشخصية العراقية أو حتى العربية تعشق المركزية المطلقة “ولانقول الدكتاتورية” حتى بسلوك ومشاعر الأكاديميين.
 ولكننا نعتقد ونؤكد بأن المركزية مهمة جدا وأساسية في قيادة الدولة وخاصة تحت الظروف الأستثنائية التي يعيشها العراق، ولكنها غير مجدية ولا مثمرة في إدارة الجامعات أذ تعيق حركة تطورها وتجعلها كالمدارس الأبتدائية أو الثانوية.

الفصل الرابع: مشاكل الحرية المطلقة

قبل بدء دوام الجامعات في نيسان عام 2003 توقعنا أن نواجه مشاكل كثيرة مع الطلبة لأنهم عاشوا فترة إستثنائية سابقة عن كبت للحريات وتحولوا بين  ليلة وضحاها إلى الحرية المطلقة او بشكل أدق “الحرية السائبة” أي لم يكن هنالك توازن بالإنتقال التدريجي كالإنتقال من الصفر الى المئة!!
ولكن من المستغرب أن تجد الطلبة يتصرفون في الأسابيع الأولى من الدوام بشكل أفضل مما توقعنا ربما لأن شحنة الخوف والتقيد التام لازالت محمولة في عقولهم ولو بشكل لاإرادي أو لديهم  أمل جديد  بما تحمله الأيام القادمة . ولكن مع مرور الشهور الأولى تولدت لدينا مشاكل كثيرة تطلبت منا العمل بجهود أستثنائية للحوار معهم وإفهامهم الحرية الجديدة التي تولدت لديهم، إذ أن بعضهم أخذ يتدخل في الأمور العلمية والإدارية للأقسام العلمية من خلال التظاهر او الإعتصام أو التهديد ضد التدريسي الفلاني أو ضد وجود رئيس القسم أو العميد، وبعد مناقشتهم عن دوافع ذلك قالوا:
 إنها الحرية الجديدة التي اتيحت لنا!!
 وعندما سألتهم: من هم أكثر حرية الطلبة العراقيين؟ أم الفرنسيين والبريطانين؟
 أجابوا: بالطبع الفرنسيون والبريطانيون
فأخبرتهم بأني سألت هؤلاء الطلبة  أثناء زياراتي العلمية لدولهم فأخبروني بأنهم أحرار في إختيار قياداتهم الطلابية ولاعلاقة لهم بالأمور العلمية  التي تطالبون بها والتي هي خارج مهماتكم.

ورغم إجتماع مسؤولي الجامعة والكليات بالطلبة وجهود وسائل الأعلام العراقية “رغم ضعفها في ذلك الوقت” ودور رجال الدين والناس الخيرين ومنظمات المجتمع المدني لحث الطلبة على تفهم الوضع الجديد والسلوك بشكل حضاري تجاه المتغيرات المفاجئة في حياتهم، إلا أن بعض مشاكل الطلبة تحركها أو تستغلها جهات لاتريد الهدوء والإستقرار للعراق الجديد وإستثمار بعض الأحداث والتغيرات السياسية لمصلحتها.
 فكيف نفسر حالة هدوء الطلبة في فترات سلطة الإتلاف الموحدة (21/4/2003-11/7/2003) ومجلس الحكم (12/7/2003-1/6/2004) والنصف الأول من فترة الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة الدكتور أياد علاوي (28/6/2004- 2/5/2005) ثم ازدادت لتصل أعلى مراحلها في فترة حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري (الحكومة العراقية الإنتقالية 3/5/2005-19/5/2006) اي أن صعودها متزامن مع تدهور الوضع الأمني.

وسأذكر مثالا مهما من هذه المشاكل التي مررنا بها مع بعض الطلبة لتعطي صورة عما دار في الحياة الجامعية العراقية.
ففي أحداث ضرب مدينة الفلوجة في كانون الأول 2004 وحدوث بعض المناوشات العسكرية في مدينة الصدر، توجهنا حوالي الساعة الثامنة صباحا الى مبنى رئاسة الجامعة لغرض الدوام ووجدنا حركة المرور متوقفة في المنطقة القريبة من مدخل الجامعة في الجادرية وأن هنالك تجمعا كبيرا للطلبة والموظفين والتدريسيين وكنت في حينها رئيس جامعة بغداد بالوكالة بعد سفر رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور موسى الموسوي بمهمة علمية إلى خارج القطر( أنتخب كعميد لكلية الهندسة في 18/5/2003 ثم عين رئيسا  للجامعة في 30/9/2003، بعد إعفاء الأستاذ الدكتور سامي المظفر من منصبه في 25/9/2003)، فتركت سيارتي التي كانت واقفة قرب جسر الجادرية لأتوجه مشيا الى بوابة دخول الجامعة لأجد هنالك حوالي خمسة عشر طالبا “غير مسلحين” أغلقوا أبواب الجامعة ولا يسمحوا بدخول السيارات الموجودة بالمئات التي يرغب من فيها بالدخول من أجل الدوام!!
 لاحظت وجود نوع من المشاحنات والمشاجرات الشفوية  بين الحرس الجامعي وهؤلاء الطلبة لذا طلبت من الحرس الجامعي بالإنسحاب من المكان وبقيت لوحدي بين الطلبة وبدأت بسؤالهم ماذا حدث وماذا تريدون؟
 قالوا: نرفض إستمرار الدوام في الجامعة وأخوتنا  يقتلون في مدينتي الفلوجة والصدر!

 فأجبتهم: أولادي من المفترض أن نرد على العدوان والعمليات المسلحة الأمريكية بالإستمرار بالدوام وتحصيل العلم بدلا من توقف الحياة
 فقالوا: نحن لانقتنع بذلك، ثم أوضحت لهم بأن غلق أبواب الجامعة سيمنع دخول السيارات وسيوقف حركة السير على جسر الجادرية وسيصل ذلك الى منطقة البياع ومناطق أخرى في الكرخ!
  فقالوا: لايهمنا ذلك
 فقلت لهم: إن هذا سيعرضكم إلى مخاطر أمنية وربما التعرض الى رصاص الأمريكان 
فقال أحدهم: أنكم تجاملون  الأمريكان على حسابنا !!
فأجبتهم وبصوت عال وبحدة: إن قطرة دم من جسدكم تعادل عندي الفا  من غيركم ولايهمني رضى أم لم يرض  الأمريكان والمهم لدي سلامتكم في هذه الظروف الصعبة.
 فأصروا على موقفهم وقالوا: إذا تريدون  أن تدخلوا سيارات الجامعة فادخلوها على صدورنا وأجسادنا وقام أحدهم بفتح قميصة ليظهر صدره .
وواصلت نقاشي معهم .
قلت لهم: أولادي ماهي مطالبكم فقالوا: تستمر المظاهرات وتؤجل الإمتحانات وتلغى ساعات غياباتنا ،وقلت لهم أوافقكم الرأي فلتستمر المظاهرات ولكن داخل الجامعة وسأشارككم بها وتؤجل الإمتحانات وتلغى غياباتكم راجيا فتح الأبواب وسأعطيكم كتابا رسميا بذلك بصفتي رئيسا للجامعة وكالة.
 فوافقوا على ذلك وطلبت من ثلاثة منهم الركوب معي في احدى سيارات الجامعة لغرض ايصالهم الى مكتبي داخل بناية الجامعة وعليه فتحوا أبواب مدخل الجامعة لتدخل مئات السيارات ومئات الطلبة والموظفين والتدريسيين ويخف التجمهر بعد دخول الجميع الى داخل حرم الجامعة.
 وبعد وصولي الى مكتبي طلبت من السكرتيرة الآنسة نرمين ناصر بطبع كتاب رسمي يوجه الى كليات مجمع الجادرية كافة بالمعنى التالي:
 تضامنا مع أرواح الشهداء الذين سقطوا في مدينة الفلوجة ومدينة الصدر تقرر أن تستمر كليات جامعة بغداد بإجراء المظاهرات التضامنية لمدة أسبوع داخل مبنى الجامعة و تؤجل الإمتحانات الفصلية وتلغى غيابات الطلبة.
 وبعد توقيع الكتاب الرسمي خرج هؤلاء الطلبة  فرحين ليبلغوا كلياتهم بذلك وطلبت منهم بزيارتي بعد الظهر وأبلغت السكرتيرة بالإتصال بمسؤولي الكليات والطلب منهم تسهيل أمور الطلبة بتطبيق الكتاب الرسمي المبلغ اليهم والذي يحمله أحد هؤلاء الطلبة.
 فبدأ الطلبة إجراء المظاهرة السلمية داخل مبنى الجامعة  وكانت تضم أعدادا كبيرة في البداية ثم تناقص العدد شيئا فشيئا امام عيني إذ نويت أن  أشاركهم تلك الفعالية في ذلك  اليوم والأيام اللاحقة.
 وبعد خروج الطلبة من مكتبي إتصلت برئيس قسم المتابعة والتنسيق الدكتور محمد العتابي (رئيس قسم المتابعة والتنسيق ومسؤول عن أمن الجامعة ومتابعة الحرس الجامعي وأعفي من منصبه في عام  2006   و أستشهد في منزله في /10/192007) أخبرته بأني أتوقع أن الأمريكان سيتصلون به ليخبروه بأن هنالك مشاكل أمنية من قبل بعض الطلبة في جامعة بغداد، فأجبهم بأن الجامعة باشرت الدوام ولاتوجد لدينا أي مشكلة ولانحتاج الى حضورهم .
وبعد قليل إتصل بي الدكتور محمد العتابي ليخبرني بأن الأمريكان إتصلوا به وقالوا: بأن بعض الطلبة أشتكوا لديهم بأن هنالك “أرهابين” احتلوا مداخل جامعة بغداد لذا ستأتي قوات أمريكية لمعالجة الموقف والقضاء عليهم، فقال لهم كما أخبرته: بأن الجامعة بخير ولاتحتاج لوجودهم لأننا وجدنا حلا لبعض الأمور ألأمنية  التي حدثت صباح هذا اليوم وأن الدوام مستمر بشكل طبيعي.

وفي ظهر ذلك اليوم جاء الى مكتبي قسم من اولئك الطلبة الذين ساهموا بغلق أبواب الجامعة في صباح ذلك اليوم وهم بوضع هادئ وقدموا إعتذارهم عما بدر منهم وثمنوا حسن تعاملنا معهم لحل الموضوع بصورة ودية وسلمية، وقد عرفوا في حينها بأن الأمريكان كانوا متهيئين على المجئ إلى الجامعة لغرض إعتقالهم أو تعريض حياة المئات من منتسبي الجامعة ولكن بإتباع الحوار والدبلوماسية وسرعة حسم الأمر  منعت  حدوث المواجهة.
لذلك أبلغتهم بأن مسؤولي الجامعة مستعدون لسماع مقترحاتكم لتطوير الجامعة ولدعم توجهاتكم الوطنية عند إبلاغنا بها وسيكون مكتبنا مفتوحا أمامكم لزيارتنا في أي وقت لغرض التنسيق معكم في الأمور المهمة وتجنب الفتن كما قال الله سبحانه وتعالى :

بسم الله الرحمن الرحيم

)فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ( ،( يونس 85)

 وبهذا تمكنا من منع حدوث كارثة أو حرب ضد طلبتنا والآخرين لأن الأمريكان خلال فترة ضرب المدن العراقية كانوا في حالة إستنفار وربما لجأوا لإستخدام الطائرات و المصفحات لتعريض حياة من كان موجودا قرب مدخل الجامعة  أو غيرها، لأن مشكلة الأمريكان بأنهم يتعاملون بالقوة مع الأمور وليس بالحوار ولايعرفون نفسية العراقيين اذ يعتقدون بأن الشعب العراقي شعب محتل بينما هو شعب ذو حضارة عريقة يعشق الحرية والتحرر من الدكتاتورية والإحتلال

الفصل الخامس: الحرس الجامعي

مرت جامعة بغداد أسوة بمناطق بغداد المختلفة بوضع أمني صعب كانت تعمل على إحداثه بعض الجهات ولديها أهداف معينة خاصة مسألة أرباك دوام الطلبة والتدريسيين. وقد كنا والحمد لله على معرفة ببعض تلك الأهداف بعد أن عشنا طوال حياتنا في العراق منذ ولادتنا في عام 1953  (ماعدا فترة الدراسة العليا لخمس سنوات في نيوزيلنده). وسمعنا عن الحياة بالعراق في ظل الحكم  الملكي قبل عام 1958 وعشنا أجواء ثورة 14 تموز بقيادة الشهيد  الزعيم عبدالكريم قاسم (1958-1963)  الذي رحل الى دار الآخرة وهو لايملك إلا بضعة دنانير ويسكن دارا مؤجرة. ثم الأنقلابات الدموية والحروب الصاخبة والحصار الإقتصادي وحربا الخليج الأولى والثانية  وغزو القوات الأجنبية للعراق عام 2003. حتى كادت أسماعنا تتوقع من المذياع، بعد حدوث وشوشة أو توقف قليل، بأن نشيد )الله أكبر والله فوق المعتدي( سنسمعه  وأن بيان رقم واحد سيذاع بحدوث انقلاب جديد !
 لذا كانت معرفتنا بخبايا السياسة التي حكمت العراق من خلال العيش في الواقع العراقي بدلا من الإعتماد على قراءة الكتب ودراسة التاريخ التي لاتذكر الحقائق في معظم الأحيان والتي ساعدتنا بتفهم وحل كثير من المشاكل.
 لذلك عندما كان معظم العراقيين فرحين بعد إنتهاء العمليات العسكرية  في 2003 وإعتقدوا بأن الهدوء سيسود حياتهم بعد تلك المصائب.                  أتذكر في احدى مراسم العزاء لأحد أقربائي في يوم 12/4/2003 تحدثت مع من كان حاضرا في المأتم بأن هنالك خمسة الى سبعة سنوات قادمة ستكون قاسية جدا على العراقيين، وقد ضحك كثير منهم على هذا الرأي بعد أن لاحظوا الهدوء وأن بعض الجنود الأمريكين يلعبون  كرة القدم مع هواة اللعبة من الشباب  العراقيين في ساحات بعض أحياء مدينة بغداد خلال الفترة الأولى من غزوهم العراق وربما تذكروا كلامنا لاحقا.                                                                                       
أثناء بداية الدوام في رئاسة جامعة بغداد وبقية الكليات في نهاية نيسان عام 2003 وجدنا القوات الأمريكية تتواجد في بوابات مدخل الجامعة وفي أماكن أخرى داخل الجامعة وفي مداخل بقية الكليات. لذلك اتخذ الأستاذ الدكتور سامي المظفر رئيس الجامعة (17/5/2003-25/9/2003) ومساعداه العلمي (كاتب المقالة) والإداري (الأستاذ الدكتور نهاد الراوي) وبقية عمداء الكليات الذين يشكلون مجلس الجامعة قرارا بتعيين الحرس الجامعي وبأعداد كبيرة. خصوصا وأن الجامعة كانت تتمتع بإستقلالية كاملة بأمورها الأدارية والعلمية لغرض إحلال الحرس الجامعي محل القوات الأمريكية بشكل تدريجي. وكان للدكتور محمد العتابي (مدير قسم المتابعة والتنسيق، أعفي من منصبه في عام 2006 وأستشهد في منزله في 19/10/2007) والسيد كاظم جلوب(مسؤول الحرس الجامعي في مجمع الجادرية, أختطف  من قبل مسلحين وأستشهد في نيسان 2006)  دورا مهما وشجاعا بمتابعة الحرس الجامعي والحفاظ على أمن الجامعة.  لذا إعتبرنا على سبيل المثال مقتل أحد الجنود الأمريكين قرب نادي الطلبة ومقتل آخر داخل بوابات الجامعة فرصة لإفهام الأمريكيين بأن هنالك رفض كبير لوجودهم في بوابات وأروقة الجامعة و سيتعرضون الى إغتيالات جديدة وأن الحرس الجامعي قادر على حفظ أمن الجامعة. فإستجابوا لهذا الطلب في مجمع الجادرية بعد أن لاحظوا الخطر وأن الحرس الجامعي نشيط ومتواجد بشكل جيد. ولكن بقي  تواجد الجنود الأمريكيين في مداخل بقية الكليات وخاصة في مجمع باب المعظم وأماكن أخرى في أبي غريب والوزيرية والأعظمية حتى عام 2004.         

وبعد أعفاء الأستاذ الدكتور سامي المظفر من منصبه، أستمر الأستاذ الدكتور موسى الموسوي منذ تعيينه رئيسا للجامعة في 30/9/2003 وكذلك بقية أعضاء مجلس الجامعة بنفس الهمة بالإهتمام بأمور أمن الجامعة وتعيين الحرس الجامعي. وبوجود فترات التدريبات العسكرية التي كان يتلقاها الحرس الجامعي داخل الجامعة، بالرغم من أنها كانت قصيرة، لأن معظم الحرس الجامعي تدربوا خلال خدمتهم في الجيش العراقي أومعسكرات التدريب الشعبي، إقترحت ضرورة إجراء حملات تثقيفية للحرس الجامعي لمدة شهرين وبشكل دوري تتضمن محاضرات يلقيها أساتذة  جامعيون من كليات العلوم السياسية وكليات التربية وغيرها حول حقوق الإنسان ومفهوم الحرية ومحاضرات عامة في أساليب التعامل الإنساني والحضاري مع المواطنين وأهمية وحدة العراقيين ودور الحرس الجامعي الوطني بالحفاظ على أمن الجامعة لغرض التحرر من الإحتلال وإحلالهم محل الجنود الأمريكان. وقد حضرت افتتاح  بعضها و ألقيت بعض المحاضرات. وكان جميع أفراد الحرس مستمتعا بتلك المحاضرات ومندمجا مع التدريسيين وثمنوا أهميتها خصوصا وأنهم عادوا الى مقاعد الدراسة بعد أن افتقدوها منذ فترة طويلة إذ أشعرتهم بأهميتهم ودورهم في الجامعة.

ومن أغرب الذكريات أنه في الفترة التي بدأ بها بتشكيل مجلس الحكم(12/7/2003-1/6/2004) والبدء بتعيين الوزراء إستلمت الجامعة عدة تهديدات تحذر الجامعة  من الإستمرار بالدوام وخص التهديد بالقتل  مسؤولي رئاسة الجامعة وعمداء الكليات لإستمرارهم بمناصبهم والحقيقة كنا نتوقع الهدوء بعد أن تجاوزنا فترة الحاكم المدني بول بريمر. لذا قررنا أن نستمر بالدوام  وحثثنا الطلبة والتدريسيين  على ذلك  علما بأن معظمهم  لم يتوقفوا أو يتغيبوا وازدادوا قوة وصلابة، وكنا نردد قول الله تعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم

(قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (سورة التوبة51)

 ولكننا قلصنا فترة دوام الدراسات المسائية لنجعلها تنتهي في الساعة الخامسة أو قبل ذلك وحسب ظروف الكليات. وزود مسؤولو الجامعة بمسدسات للدفاع عن أنفسهم واصطحاب حرس جامعي في سياراتهم لذا أصبح من غير المستبعد أن تجد الأستاذ الأكاديمي يحمل سلاحا بعد أن كان يحمل  قلما، ويرافقه الحرس الجامعي بعد أن كان يرافقه طلبته أومساعدوه في المختبرات، وأن سيارته ممتلئة بالأسلحة بدلا من الكتب والأجهزة  العلمية. وتواجدنا  ليلا مع الحرس الجامعي، عوضا عن التواجد في المختبرات العلمية، لغرض رفع معنوياتهم وحثهم على اليقظة والحذر.
 وقد استغربنا كثيرا على اليقظة العالية التي يتمتعون بها حتى اني حضرت مصادفة تعرض إحدى بوابات الجامعة إلى هجوم مسلح  وسماع اطلاقات نارية كثيفة وكيف أن الحرس انقضوا على ذلك المكان بهمة عالية وكأن لسان حالهم يقول:

وإذا لم يكن من الموت بد     فمن العجز أن تموت جبانا

 حتى أنهم خلال تلك الفترة الحرجة رفضوا الذهاب الى بيوتهم لغرض الإستراحة واستمروا بالدوام ليلا ونهارا حفاظا على أمن الجامعة. لذلك كنا نثمن تلك المشاعر  من خلال توجيه كتب الشكر وصرف مكافآت مالية خصوصا للمتواجدين في نقاط  التفتيش التي تتميز بانضباط عال. وأثبت العراقيون أنهم يزدادون قوة وصلابة كلما واجهتهم مشاكل طارئة.

وقد حدثت مشاكل أمنية كثيرة واحتجاجات طلابية واسعة خصوصا عندما يدخل الجنود الأمريكان داخل الكليات لغرض تفتيش بعض الأماكن أو ألقاء القبض على بعض الطلبة. وكانت الجامعة ترفض دخول الأمريكان من خلال  توجيه احتجاجات مباشرة للمعنيين أو تدوين كتب رسمية ولكن ليس في الأمر  حيلة في ذلك الوقت. لذلك كانت أسوأ لحظاتنا عندما نشاهد سيارات (الهمر) العسكرية الأمريكية تتجول أحيانا في شوارع الجامعة.

الفصل السادس: إضرابات الطلبة

رغم الهدوء النسبي الذي تميز به الطلبة خلال عام  2003 في سلوكيتهم إلا أنه حدثت إضرابات ومشاكل في دوامهم كان عدم الوعي بخطورة المرحلة التي يمر بها العراق الدور الكبير في حدوثها، إضافة الى دور بعض الجهات التي لاترغب بإستقرار الوضع الجديد ودوام الطلبة في الجامعات. لذا سنتناول بعض الحوادث المهمة خلال عامي 2004 و2005 في هذا  الفصل.
وأتذكر في مجمع كليات باب المعظم حدثت بعض الأحداث خلال عام 2004 التي تبدو الآن أنها عادية  وبسيطة ولكنها كانت خطيرة في حينها وكادت أن تسبب مشاكل أمنية صعبة وتحدث إنقطاع الطلبة عن الدوام. وعلى سبيل المثال كانت هنالك موظفة تعمل بعقد مؤقت من قبل الأمريكان في إستعلامات المجمع. وقد شكى الطلبة والحرس الجامعي منها وأرسلت الجامعة عدة كتب تطالب بإعفائها من مهمتها ولكن الأمريكان أصروا على بقائها. لذا فإن بعض الطلبة قاموا بزيارتنا في مكتبنا، وكما وعدناهم بسماع مشاكلهم لغرض حلها، وأبلغوني إستياءهم من وجودها وأنهم سيقومون  بإضرابات أو تعريض الموظفة الى الخطر. وبعد أن تفهمت حجم المشكلة وإمتناع الأمريكان من الإستجابة رغم محاولات الجامعة طلبت من مسؤول الحرس الجامعي في باب المعظم مضطرا إبلاغ القائد العسكري الأمريكي لمنطقة باب المعظم بالإجتماع معه لأول مرة وآخر مرة في إحدى كليات مجمع باب المعظم حول هذا الموضوع.
  وأثناء الأجتماع معه أخذ يتحدث حول   أهمية وجود الموظفة لحفظ الأمن وأنهم قاموا بتعيينها ولايحق للجامعة الطلب بإعفائها  وغيرها من التبريرات غير المقنعة. لذلك تمالكت أعصابي بصعوبة لتحقيق مطلب الجامعة وعندها أبلغته:
 بأن وجود تلك الموظفة وتعيينها غير أصولي لأنها طالبة في الجامعة ( لقد كانت طالبة بالدراسات المسائية ويجوز لها العمل وقلت له ذلك لغرض إحراجه لأن الأمريكان لايعرفون  ذلك) وهذا مخالف للتعليمات الإدارية للجامعة كما أن وجودها يهدد دوام الطلبة الذين قرروا القيام بإضراب  وربما سيعمل البعض على تعريض حياتها للخطر.
  وعندها قال: بأنها تحت حمايتهم ولايمكن التعرض لها من قبل أية قوة. فأخبرته: وكيف تستطيعون  إيقاف أو معرفة تلك القوة لأنها ستعمل وفق خططها السرية. لذا  فإن جامعتنا تحملكم المسؤولية الكاملة  بالحفاظ على حياة الموظفة والمسؤولية الكاملة بإمتناع الطلبة عن الدوام وحدوث الإضراب  ومشاكل أمنية في مجمع كليات باب المعظم.
 وأنهيت الأجتماع غاضبا وغادرت متوجها الى مجمع الجامعة في الجادرية وبعد وصولي الى هناك إتصل بي مسؤول الحرس الجامعي في باب المعظم ليبلغني بأن الأمريكان إستجابوا لطلبنا وأن قرار أعفاء الموظفة قد صدر.
 لذا إنتهت المشكلة وتوجه الطلبة الى القاعات الدراسية لغرض أخذ المحاضرات العلمية وعاد الهدوء النسبي ثانية.

ومن المشاكل الأمنية الأخرى الصعبة التي حدثت في كليات مجمع باب المعظم  عندما أقام مجموعة كبيرة من الطلبة إحتفالا أمام مقر كلية اللغات بمناسبة تسنم الدكتور إبراهيم  الجعفري رئاسة الحكومة بموافقة معظم عمداء الكليات. وحسب ماذكره الطلبة وقبل نهاية الحفل فوجئ الجميع بأن أحد الحرس الجامعي للسيد عميد كلية الصيدلة يحضر الى مكان الحفل  وهو يحمل مسدسا ويطالب بإيقاف الأحتفال . وتطور الأمر إلى إلقاء القبض عليه وتجريده من سلاحه من قبل الحرس الجامعي لكلية اللغات وأحدث شجارا معهم وقام بتهديد الحاضرين بالانتقام منهم. وفي مساء ذلك اليوم 3/5/2005 أستشهد الطالب “مسار سرحان ” رئيس رابطة الطلبة الجامعيين  في كلية الصيدلة بالقرب من مسكنه في السيدية إذ  كان أحد أهم منظمي الإحتفال. وحيث أن الطالب “مسار سرحان” طلب من السيد عميد كلية الصيدلة موافقته على الأحتفال فرفض ذلك وحدثت مشادة كلامية بينهما. فأتهم الطلبة عميد   الكلية وحرسه بذلك خصوصا وان الحرس الجامعي الذي أشهر مسدسه في الاحتفال وهدد الطلبة هو من حماية عميد كلية الصيدلة. وفي اليوم التالي اقتحم الطلبة (وربما معهم عناصر غريبة كما قيل  في حينها) مقرات عمادات الكليات، وخاصة مقر عمادة كلية الصيدلة وكلية  الآداب، وحطموا زجاج النوافذ ومكاتب العمداء وأغلقوا جميع النوادي وقامت الشرطة العراقية، التي حضرت متأخرة، بتفريق الطلبة. وحيث أن بعض الطلبة هددوا السيد العميد بالثأر منه وانه لم يكن موجودا في وقت الهجوم على مكتبه، لذلك اضطر السيد العميد السفر إلى خارج العراق والطلب بإحالته على التقاعد.  وبصعوبة كبيرة تمكنت الجامعة من السيطرة على الوضع وإستئناف الدوام في كليات مجمع باب المعظم بعد أن أصدر معالي وزير التعليم العالي الأستاذ الدكتور سامي المظفر قرارا بتنسيب الأستاذ الدكتور موسى الموسوي عميدا  لكلية الصيدلة  وكالة إضافة الى منصبه رئيسا للجامعة. حيث تواجد في مبنى عمادة كلية الصيدلة لحل الاشكالات في تلك الكلية.

وأمام الأعتداءات التي تعرضت لها كلية الآداب والتهديدات التي واجهها السيد عميد الكلية وبعض رؤوساء الاقسام. أعلن عميد الكلية الأستقالة ثم بعد عدة أيام  قرر  مجلس كليتها الأستقالة أيضا بالرغم من قرب أداء الأمتحانات النهائية للعام الدراسي 2004-2005 بحوالي أسبوعين,  وحاول السيد رئيس الجامعة ومساعده العلمي ( كاتب المقال) الأجتماع مع أعضاء المجلس والطلب منهم العدول عن قرار الأستقالة والأستمرار بالدوام خصوصا وأن الأمتحانات النهائية للطلبة أصبحت قريبة ولكنهم رفضوا وأصروا على الأستقالة. وأمام هذا التدهور الكبير في دوام كلية الآداب الذي إن استمر سيعمل على تدهور الدوام في بقية الكليات وربما الجامعات الأخرى خصوصا وانه حصل في بداية تشكيل الحكومة الأنتقالية برئاسة الدكتور إبراهيم الجعفري واستلام الأستاذ الدكتور سامي المظفر منصبه وزيرا  للتعليم العالي. وبعد إجتماع السيد الوزير مع رئيس الجامعة بخصوص  الأستقالة الجماعية لمجلس كلية الآداب ووضع حل لأسباب عدم دوام الطلبة. ولهذا قررمعالي الوزير اصدار أمر بتعييني عميدا  لكلية الآداب وكالة اضافة إلى منصبي ويكون دوامي في كلية الآداب. وعندما استلمت هذا الأمر عرفت بأن المهمة صعبة ودعوت  الله توفيقي بها  لإصلاح الأمور امتثالا بالآية الكريمة:

بسم الله الرحمن الرحيم
(قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)، (هود 88)
 لذا ذهبت في صباح اليوم التالي إلى كليات مجمع باب المعظم فوجدت الأمور مضطربة خصوصا في كلية الآداب. وعليه أجتمعت أولا بالطلبة لأتعرف على المشاكل التي حدثت فوجدت  لديهم أسبابا كثيرة  الكثير منها غير منطقي لذا أخبرتهم:
 بإن إصرارهم على هذه المطالب ستضطر الوزارة  إصدار قرار بتعطيل دوام الكلية لمدة عام وسوف يحرمون  من التخرج هذا العام أو التحول الى مرحلة جديدة بالنسبة للمراحل غير المنتهية وتحيل الطلبة الذين سببوا تلك المشاكل الى لجان تحقيقية ربما ستوصي بفصلهم من الدراسة.
 وعندها شعر الطلبة صعوبة موقفهم.
 وقالوا: ساعدنا لتجاوز الأزمة ونحن مستعدون لعمل ماتقترحه علينا.
 فقلت لهم: أختاروا أحدكم ليعتذر أمام مجلس الكلية وبإسمكم عن المشاكل التي حدثت وسأحاول الطلب من المجلس تغيير قراره شرط أن تتعهدوا بالدوام وعدم إثارة أي مشكلة، فوافقوا على ذلك.
 وعقدنا اجتماعا رسميا مع  أعضاء مجلس كلية الآداب المستقيل بحضور ممثل الطلبة وطلبت طرح آرائهم ووجهات نظرهم والمشاكل التي سببت استقالتهم فقدموا ما لديهم، وبعدها قام ممثل الطلبة بالاعتذار بشدة عما حصل وعاهد المجلس بإن الطلبة يعتذرون عما حدث وأن بعض الأعمال كانت من تدبير طلبة من خارج الكلية ومستعدون الآن للدوام وعدم اثارة أي مشكلة وشكرت ممثل الطلبة على حضوره قبل مغادرته قاعة الأجتماع.
 ثم باشرت بالتحدث لأعضاء المجلس أذ استغرق الأجتماع أكثر من ساعتين.
 وأخبرتهم: بإن معالي الوزير يهديكم أطيب تحياته ويشكركم ( والحقيقة كان معالي الوزير مستاء من هذه الاجراءات وكان يتوعد عقوبتهم اذا أصروا على الاستقالة من مناصبهم) ويرجو منكم الأستمرار بالدوام خصوصا وأن كليتكم أعرق وأهم كلية في جامعة بغداد وان استقالتكم ربما تسبب تعطيل الدوام في بقية الكليات لأن كليتكم هي القدوة دائما.
فقال الكثير منهم: لانداوم حتى يلقى بعض الطلبة في السجن. فطلبت منهم إعطاءنا مهلة شهر لغرض تكملة الامتحانات وسنقوم خلال هذه الفترة بالتحقيق في الموضوع وإحالة المتهمين إلى القضاء. ومع هذا أستمر الرأي على قرار الاستقالة بدون وضع الطلبة في السجن أولا.
 فقلت لهم: لامانع من ذلك ولكن سيستغل الطلبة ذلك  ويقومون بإضرابات في معظم كليات الجامعة وربما الجامعات الأخرى ليطالبوا بإخراج الطلبة من السجن أو عدم الدوام وسنضطر في حينها للإستجابة لمطلبهم مرغمين وأرجو إعتبار هؤلاء أبناءكم وقد أساءوا التصرف. وطلبت امهالنا فترة شهر لغرض اكمال الامتحانات وبإمكانكم الاستمرار على الإستقالة بعد ذلك.
 ومن حسن الحظ وافق الجميع على هذا الإقتراح وبصعوبة كبيرة وذهبوا إلى أقسامهم حيث أن أنهم رؤوساء أقسام لغرض طبع الأسئلة الامتحانية والتهيئة لإجراء الأمتحانات. وبعد صدور ذلك القرار بعودة أعضاء المجلس الى الدوام في مناصبهم، لاحظت الفرحة الكبيرة على شفاه الطلبة  وقاموا بتعليق على  لوحة الإعلانات كتب الشكر والتقدير والطلب من بقية الطلبة الدوام لغرض إكمال الامتحانات  إذ كان الطلبة ينتظرون نتائج الاجتماع بلهفة.
 وفي عصر ذلك اليوم رفعت سماعة الهاتف لأتصل بمعالي وزير التعليم العالي الأستاذ الدكتور سامي المظفر لتهنئته على عودة مجلس كلية الآداب على الدوام وكذلك الطلبة وإن الأمور جيدة في مجمع باب المعظم.
 وقلت له: بأنك ذكي باختيار من يحل المشاكل مع الطلبة، وضحك كثيرا على هذا التعليق إذ تربطني معه علاقة زمالة منذ كان رئيسا لجامعة بغداد وكنت مساعدا علميا وشكرني على جهودي. لذا استمر الطلبة بالحضور الى قاعات الامتحانات حيث تواجدت يوميا بالدوام في الكلية وكنت أحضر في تلك القاعات الامتحانية التي استطعنا بالفترة الحرجة والقصيرة من توفير مستلزمات التبريد والإنارة الجيدة في كافة القاعات الأمتحانية. ووجدت الجميع حريصا على استكمال أداء الأمتحانات وأستمر مجلس الكلية بالدوام. والحقيقة شعر اعضاء مجلس الكلية بمسؤولية كبيرة لانجاز مهماتهم.
 وبعد انتهاء تلك الفترة الحرجة التي استغرقت أكثر من شهر وقبل بداية العطلة الصيفية  طلبت منهم في آخر أجتماع أن يختاروا من بينهم عميدا بالوكالة ليدير أمور الكلية لأن مهمتي قد انتهت في كليتهم وسأتواصل معهم كلما دعت الحاجة وأن هنالك أعمالا كثيرة لي في رئاسة الجامعة. فوافقوا على انتخاب الدكتور فليح الركابي( الذي كان يشغل منصب معاون عميد كلية الآداب للشؤون العلمية منذ عام 2003) عميدا لكلية الآداب وكالة لتمارس الكلية دورها الرائع بالحفاظ على تماسك الدوام في مجمع كليات باب المعظم ومن الجميل  أن تكون هذه آخر أزمة تمر بها كلية الآداب طوال الفترة الماضية.  
لذلك وبشكل موجز كان الوضع الأمني للجامعة صعبا ويزداد خطورة  خصوصا في عامي 2004 وحتى نهاية  2005 حيث أثبت مسؤولو الجامعة والتدريسيون والطلبة والموظفون قدرتهم على الإستمرار بالدوام رغم التهديدات الشخصية التي وجهت لهم والمشاكل الأمنية الكثيرة التي عانوا منها.

الفصل السابع : عودة المرقنة قيودهم والمفصولين السياسيين

ما أن فتحت الجامعة أبوابها في مايس 2003 حتى فتحت عليها مئات المعاملات المعطلة إذ أن كثيرا من الطلبة تم ترقين قيدهم منذ فترة زمنية طويلة لهروبهم إلى خارج العراق أو تركهم الدراسة لأسباب سياسية كما أن القسم الآخر صدرت أوامر جامعية بقبولهم للدراسات العليا ولكن تم فصلهم لورود معلومات أمنية عنهم بإن لديهم أشقاء أو أقرباء حتى درجة القرابة الرابعة من أحزاب دينية أو سياسية أو لديهم تبعية لدول أخرى. لذلك كانت  فرصة لهم للمطالبة بالإلتحاق بدراستهم. لذا وافقت الجامعة على النظر بمسألة عودتهم  للدراسة.   وكلف قسم شؤون الطلبة بإستلام معاملات الطلبة بإستثناء الذين تم ترقين قيدهم بسبب الغش أو قضايا إنضباطية، ويتم التأكد من صحة طلبهم ووثائقهم من خلال الإطلاع الكامل على الكتب الرسمية الصادرة والموثقة في رئاسة الجامعة و أقسام تسجيل الطلبة في الكليات.
 وقد كان للسيدة تماضر عبداللطيف رئيسة قسم شؤون الطلبة دور مهم في تدقيق تلك الطلبات وحتى اضطرت أحيانا للتوجه إلى إدارة التسجيل في الكليات لتدقيق بعض الحالات. وقد أشعنا في وقتها اصطلاح “المسطرة” والتي نعني بها بإن هنالك مسطرة واحدة للتعامل مع كافة العراقيين دون التمييز فيما بينهم ومن تنطبق عليه تلك المسطرة ينال حقة. لذلك صدرت أوامر جامعية بعودة المئات إلى مقاعد الدراسة بعد أن أجبرتهم الظروف على هجرها لفترة طويلة. وكنا نجد الفرحة الغامرة على وجوه الطلبة بعد إستلامهم تلك الأوامر، وسرورهم الآخر هو حسن التعامل معهم وإنجاز معاملاتهم بفترة قصيرة لذلك سمع الجميع تعليقاتهم بأن هذا هو العراق الجديد الذي يعطي كل ذي حق حقه مع وجود المساواة  والعدل فيما بينهم إمتثالا  لقول الله تعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم

 (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) ،(النساء 58)

من المشاكل التي برزت في الجامعة شأنها شأن غيرها من دوائر الدولة هو وجود عدد كبير من موظفي الجامعة الذين أجبروا على ترك العمل بسبب انتمائهم لأحزاب دينية أو سياسية في العراق أنذاك وهاجروا خارج  البلد أو بسبب قرابتهم للمنتمين لبعض الأحزاب. لذا فإن إجراءات عودة المفصوليين السياسيين لوظائفهم استغرقت وقتا طويلا. إذ صدرت تعليمات وزارية بأن يقدموا تلك المعاملات ثم يتم دراستها من قبل لجان خاصة في رئاسة الجامعة لغرض تحديد إستحقاقهم. وباشر العشرات منهم بتقديم معاملات عودتهم للوظيفة مع تقديم الأدلة التي صعب على بعضهم تقديمها لمرور فترات زمنية طويلة على تركهم العمل التي أتلفت تحوطا لإجراءات أمنية قد تتخذ ضدهم في حينها.
 أما المشمولون بإجتثاث البعث من التدريسيين والموظفين فقد خص الحاملين على درجة عضو فرقة فأعلى، أما الدرجات الحزبية الأخرى فإستمرت بالدوام بالجامعات أسوة ببقية دوائر الدولة.  وقد أصدرت وزارة التعليم العالي خلال فترة مجلس الحكم أوامر  بالتصرف بالدرجات الوظيفية للذين شملهم قرار الإجتثاث على الرغم من مطالبة الوزارة لاحقا بتقديم معاملة الطلب بعودتهم إلى الجامعات. ولكن بعد فترة زمنية إستحصلت وزارة التعليم العالي (وأعتقد كذلك وزارة التربية) بالموافقة  على عودة من يحمل درجة عضو فرقة في حزب البعث من تدريسيين وموظفين وكان عددهم  في وزارة التعليم العالي حوالي 1630.
 لذا فإن جامعة بغداد وقعت في أحراج لأن هنالك نسب كبيرة منهم حوالي 700 لدى ملاكها وإنها طبقت تعليمات الوزارة بالتصرف بالدرجات الوظيفية الخاصة بهم في فترة سابقة. وعندما بدأوا بمراجعة الوزارة حول عودتهم أبلغتهم بأن الجامعة مسؤولة عن ذلك وعند مراجعة الجامعة أخبرتهم بأنه لاتوجد الدرجات الوظيفية بعد أن أبلغتنا الوزارة بالتصرف بها. وبعد عودة الكثير من التدريسيين والموظفين المشمولين بالإجتثاث للدوام في الجامعات الأخرى (لأن أعدادهم كانت قليلة) أصبحت المشكلة واضحة في جامعة بغداد. وفي إحدى الفترات وكنت في حينها رئيس جامعة بغداد بالوكالة بعد سفر الأستاذ الدكتور موسى الموسوي رئيس الجامعة في مهمة علمية خارج القطر، وبعد أن تأزم الأمر في حينها وعرضت المشكلة أمامي قررت أن أجد حلا لها. فأجتمعت بالمسؤولين عن موضوع التعيينات والأمور الإدارية بضمنهم الأستاذ الدكتور نهاد الراوي  مساعد رئيس الجامعة للشؤون الإدارية ورؤساء الأقسام المالية والإدارية وإستفسرت منهم عن مصير الدرجات الوظيفية للمشمولين بالإجتثاث( لكون هذا الموضوع بعيد عن مجال عملي كوني مساعد رئيس الجامعة للشؤون العلمية) . فأجابوني بأن الجامعة طبقت قرار الوزارة وتصرفت بالدرجات ووزعتها على الكليات لغرض تعيين تدريسيين وموظفين جدد. عندها أبلغتهم بأن الوزارة موافقة على عودة المشمولين بالإجتثاث لذا يجب تبليغ الكليات بعدم التصرف بتلك الدرجات الوظيفية، وأن الجامعة  ستعوض عن تلك الدرجات الوظيفية من الوزارة لاحقا. وبعد أن تم التأكد بأن تلك الدرجات لازالت موجودة طلبت إصدار أمر جامعي بعودتهم الى الكليات ولكن بنفس الوقت طلبت أصدار أمر جامعي آخر بعودة المفصولين السياسيين الذين قدموا مستندات عودتهم للوظيفة منذ فترة طويلة وكان موضوعهم لم يحسم بعد. لذلك قمت بالتوقيع بنفس الوقت على الأمرين الجامعيين وليساهم الجميع  بخدمة بلدهم العراق.
 وبعد أن صدرت الأوامر أخبرني الموظفون بإنهم لاحظوا دموع الفرح تنهمر من عيون  كثير من المفصولين السياسين عندما إستلموا أوامر عودتهم إلى كلياتهم بعد أن تركوها منذ عدة سنوات.
 واتصل بي عصر ذلك اليوم الأستاذ الدكتور موسى الموسوي رئيس الجامعة من خارج العراق ليسألني عن الموضوع بعد أن وصلت اليه الأخبار، وعندما  أوضحت له المشكلة والإجراءات التي إتخذناها ثمن موقفي بحل الإشكال وقال لديك الصلاحيات بذلك لأنك الآن تمتلك وتمارس صلاحيات رئيس الجامعة.

الفصل الثامن :الأمور العلمية في جامعة بغداد

بالرغم من أهمية ترتيب وضع الجامعة الأمني من أجل مباشرة الدوام بعد إحداث عام 2003 ،إلا أن ترصين الجامعة من الناحية العلمية نال إستحقاقه تحت ظل  الظروف الصعبة. لذا وضعنا ثلاث خطط: القصيرة (العاجلة) والمتوسطة والطويلة المدى، وتم إنجاز الخطة الأولى بشكل تام إذ باشرت الجامعة بالدوام و أنهينا العام الدراسي 2002/2003 بإجراء الإمتحانات النهائية. وبدأنا الخطة المتوسطة إذ عملت الجامعة على إجراء دراسة سريعة للقوانين والتعليمات الجامعية السابقة لغرض رفع المستوى العلمي والحد من الظلم والتمايز وقد اُتبعت معظم التعليمات والضوابط  لأنها جاءت منذ عام 1952 بعد تأسيس الجامعة وتحمل خبرة طويلة وعُدل القليل من التعليمات الإدارية. وكان هذا من أهم سبل نجاح الجامعة هو تشذيب القوانين والأنظمة القديمة وليس الغاؤها كما توقع كثير من الأكاديميين. حتى أنه في احدى مشاركاتي لمناقشات مجلس احدى الكليات ذات الدراسات الإنسانية وكنت أتحدث عن ضرورة ترصين المناهج الدراسية وفق العلوم الحديثة السائدة في العالم ولكن بعض أعضاء المجلس ذكروا بأن الكلية يفترض أن تنتظر نتائج الإنتخابات البرلمانية لترى طبيعة الحكم الذي يسلكه العراق لغرض وضع المناهج الدراسية الملائمة. فأجبتهم في حينها التزموا المنهج العلمي الرصين بعيدا عن توجهات الحكومة العراقية الجديدة لأننا يجب أن نخطط للدولة العراقية وليس لتوجهات الحكومات المتعاقبة.
 أما الخطة طويلة المدى فتتضمن التخطيط لإرسال طلبة البعثات والزمالات الدراسية وتدريب بعض الطلبة خارج العراق وإعادة تأهيل التدريسيين وتحديث المكتبات والمختبرات العلمية بما يلائم التطورات التي شهدها العالم والتي كانت الجامعات بعيدة عنها منذ الثمانينات وفتح كافة أوجه التعاون مع مختلف الجامعات العربية والأجنبية.
واحتل الإهتمام في التخطيط  للدراسات العليا والأولية إذ قمنا بإعادة النظر بكافة الضوابط والتعليمات والمناهج السابقة وحددنا شرط المؤهلات العلمية كأساس للقبول والغاء الدرجات الإضافية أو الإمتيازات الخاصة التي كان يتمتع بها البعض . وعلى سبيل المثال  حددنا  الحد الأدنى لقبول طلبة الدراسات العليا بمعدل 70% بدلا من 65% الذي كان سائدا مع توفر شرط العمر واجتياز إختبار امتحان كفاءة اللغة الأجنبية حيث كانت جامعتنا تتمتع بالإستقلالية. لذا فإن معدل الطالب ومايحصل عليه بالإمتحان التنافسي كانت هي الأساس لغرض القبول. وكان للدكتور محمد السراج رئيس قسم الدراسات العليا في الجامعة (2003-2007) والذي شغل لاحقا مدير عام دائرة البحث والتطوير في وزارة التعليم العالي، دور مهم في تنظيم شؤون الدراسات العليا في جامعة بغداد إذ عمل جاهدا مع أعضاء قسمه من أجل إتباع برامج الحاسوب لغرض تحديد أسماء الطلبة المقبولين بعد أن قامت الجامعة بسحب كافة مستمسكات الطلبة من الكليات لغرض تدقيقها وبرمجتها آليا لتعلن أسماء المقبولين بعدالة تامة دون تدخل أية مؤثرات أخرى. لذلك عندما يعترض أحد الذين لم يتم قبولهم كنا نقول له تفضل وادخل على برنامج الحاسوب الموجود في قسم الدراسات لترى سبب عدم قبولك وشعر الجميع في حينها بأن العدالة طبقت على الجميع امتثالا لقول الله تعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتائ ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ،(النحل 90)

كما جرى الإهتمام بشرط اجتياز الطالب إمتحان كفاءة اللغة الأجنبية ولأهمية هذا الإمتحان ترأست شخصيا  تلك اللجنة لغرض تطويرها وتأمين سلامتها. لذلك كنت أحضر في قاعات الإمتحانات التي تجرى عادة كل أسبوعين أو شهريا ومتابعة تصليح الدفاتر الإمتحانية وظهور نتائج الإمتحانات. ومن الطريف أنه كان قد تم تحديد موعد امتحانات الطلبة في يوم الخميس وكان حضوري  في قاعات الأمتحانات مهما جدا لذلك حضرت في يوم الخميس المصادف 6/4/2006 في الساعة الثانية عشر ظهرا في قاعات كلية التربية للبنات بعد أن أكملت عملي في رئاسة الجامعة. وبقيت أتجول في القاعات حتى الساعة الواحدة ظهرا وبعدها إعتذرت  من أعضاء اللجنة عن البقاء لفترة أطول في القاعات لوجود أعمال مهمة في ذلك اليوم. وغادرت الكلية ليعرف أعضاء اللجنة لاحقا وسط دهشتهم بأن  في الساعة الرابعة من عصر ذلك اليوم كان موعد زفافي !!.

أما تدريب الطلبة  خارج العراق للصفوف غير المنتهية فقد إحتل اهتماما كبيرا لدينا , ولذلك فقد حضرت إجتماعات المجلس العربي لتدريب طلاب الجامعات العربية الذي عقد في سلطنة عمان وفي جامعة السلطان قابوس للفترة من 9-11/3/2004 لأستغل بها فرصة رجوعي بالمرور على السلطنة من مهمة تدريب كنت من ضمنهم للقيادات الجامعية قامت بها جامعة برمنغهام الإنكليزية. وتتم عادة فرص تبادل تدريب الطلبة مابين الجامعات العربية ولكوني لاأحمل أي عدد من الفرص لغرض تدريب طلبة عرب في جامعة بغداد لأستبدل بها مع الآخرين بسبب الظروف الأمنية الصعبة التي يعيشها العراق في ذلك الوقت. واستثمرت فرصة ترأسي احدى الحلقات النقاشية في ذلك المؤتمر لأوجه كلاما للأخوة رؤساء الجامعات أو مساعديهم الحاضرين في الإجتماع بأن العراق  كان من مؤسسي هذه اللقاءات وقد ساهم بدعم الجامعات العربية واليوم يحز بأنفسنا بأن يقوم الفرنسي أو الياباني وغيرهما بدعم الجامعات العراقية بينما يتفرج أخوتنا  العرب في كافة جامعات الدول العربية على حالنا ولم يقدموا أي دعم لجامعاتنا لذا فأن أي فرصة نحصل عليها من الأخوة العرب تعادل لدينا الأضعاف مقارنة بجامعات الدول الأجنبية لأنها تشعرنا بأخوتنا معكم، ونحن نمر الآن بظروف قاسية لم تسمح لنا بجلب أي فرص للتدريب لنتبادل بها مع بعضكم. وبعد أن انهيت حديثي الذي شعرت بأنه كان مؤثرا على الأخوة العرب لأني حركت به  مشاعرهم العربية. قامت بعض الجامعات بالتبرع بفرص تدريب دون مقابل وكان لنائبة رئيس جامعة عين شمس المصرية وجامعة مصرية أخرى دور مهم في الحصول على أغلبية الفرص. وطلبت بعد رجوعي للجامعة بأن تحدد أسماء الطلبة لغرض التدريب خارج العراق وفق الدرجات التي حصلوا عليها بالسنوات الثلاثة الأخيرة. لهذا توجه حوالي ثمانين طالبا بالعطلة الصيفية في تموز 2004 ليتدربوا  لمدة شهرين في الجامعات المصرية والسورية والأردنية والسودانية وسلطنة عمان وغيرها.
 أما في عام 2005 فقد عقد الإجتماع في الجزائر وكنت متحمسا للحضور لغرض جلب فرص جديدة ولكن وجدت الجامعة محرجة بتوفير بطاقة السفر الى الجزائر بسبب عدم وجود صلاحية صرف بطاقات السفر للموفدين عندها أخبرت رئاسة الجامعة بأني لن أسافر  لتضيع علينا فرص في ذلك العام والأعوام اللاحقة لأن نظام دعوة الوفود في تلك الإجتماعات تتم بتغطية تكاليف السفر من قبل الجامعات وليس من المجلس العربي.
 أما في مجال البعثات والزمالات الدراسية والدورات التدريبية فقد كنا حريصين على الحصول عليها لتطوير كفاءة أعضاء الهيئة التدريسية من الناحية العلمية. وكنا نتبع أسسا منطقية لغرض تحديد المرشحين وتسهيل مهمة حضور المؤتمرات العلمية التي تقام في مختلف دول العالم، إذ في كثير من الأحيان يحصل المرشح على كتاب الأيفاد بنفس يوم مراجعته للجامعه لضيق وقت حضور المؤتمر.
وطلبنا من الوزارة تفعيل نظام البعثات الدراسية الذي توقف منذ فترة طويلة بسبب الحروب والحصار الإقتصادي وقد خصصت الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة معالي الدكتور أياد علاوي (28/6/2004-2/5/2005) مبالغ جيدة لهذا الموضوع. حيث أكتملت معاملات القبول والمباشرة بإرسال الطلبة خلال فترة حكومة معالي نوري المالكي، حتى تم الأهتمام بهم واقتربت الرواتب التي يتقاضاها طلبة البعثات والزمالات الدراسية من العراق برواتب الدبلوماسيين.
 ومن الأمور التي أتذكرها في هذا الجانب بأنه زارني في مكتبي عضو أحد المنظمات “الخيرية” لغرض توفير فرص لزمالات دراسية وفرحت لهذا اللقاء وأخبرني بأن تقوم الجامعة بترشيح خمسة طلبة من الذين كانوا أوائل في الدراسة الإعدادية الذين قبلوا في جامعة بغداد وهم الآن في المرحلة الأولى  من الدراسة الجامعية  لغرض إرسالهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية لنيل شهادة البكالوريوس ولفترة أكثر من خمس سنوات. وبعد مناقشة الموضوع معه تبين بأنه مهتم فقط بالطلبة الأوائل في الثانوية وقد زار عدة جامعات عربية لتسمية هؤلاء الطلبة واعتقدت حينها بأن هذا العمل خلفه أسباب أخرى تهدف إلى الحصول على الطلبة المتفوقين في كافة الدول العربية لغرض ادماجهم بالمجتمع الأمريكي أو الغربي وهم بهذا السن المبكر من حياتهم، لهذا طلبت منه وبما أنهم جمعية خيرية علمية فلتحول تلك المبالغ لغرض إرسال خمسة تدريسيين لدراسة الدكتوراة أو بحدود 30 تدريسيا للتدريب لمدة 6 أشهر في الجامعات الرصينة لغرض إطلاعهم على الأجهزة والتطورات العلمية بدلا من إنتقاء الطلبة الخمسة الأوائل الذين يدرسون  حاليا على شهادة البكالوريوس في كلية الطب ذات المستوى العالي والسمعة الطيبة في كافة دول العالم. فلم يوافق وأخبرته بأن هذه الفرصة سوف لانجني منها أي شئ مفيد لأننا سنخسر طلبة متميزين وعلى الأكثر سوف لن يعودوا إلى العراق لأن هذا البرنامج يحمل أمورا  أخرى خصوصا وهم بعمر الثامنة عشر عاما ويتكيفون  بسرعة مع الحياة الغربية كما ستعرض عليهم إغراءات كثيرة للإستقرار في أمريكا أو غيرها وهم يمثلون   الآن صفوة الطلبة العراقيين، لذا استغرب ذلك الشخص لهذا الحوار وقال لم يذكره لي أي مسؤول عربي آخر طوال مناقشاتي معهم، وقد عرفت بأنه عربي ويحمل جنسية ثانية لدولة معادية للعرب ولكنه يبدو يعمل مع بعض الجهات الأجنبية المشكوك بحبها للعرب والمسلمين.
 وإذا رأى  عدد من القراء أن الأمر يمكن معالجته لضمان عودة هؤلاء الطلبة للبلد بتحميلهم كفالات مالية تدفع عند عدم العودة فهذا لايفيد لأن الجامعات الأمريكية ستعرض عليهم من الأموال أضعاف ذلك كما حدث في حالات كثيرة. وعليه فأنا أنصح بعدم إرسال طلبة لدراسة البكالوريوس في الجامعات الأجنبية إلا لدراسة اللغة الأجنبية التي يصعب على الكثير دراستها بتميز داخل العراق .

وقد تم الإهتمام بالمكتبات العلمية وتحديث الكتب والمجلات العلمية المتوفرة فيها. وكانت المكتبة المركزية في جامعتنا الأم تعاني الأهمال وعدم التحديث بسبب أنشغال البلاد بالحروب، بينما عانت كثير من مكتبات الكليات من الحرق والدمار والنهب مابعد سقوط النظام السابق وما رافقه من احداث متسارعة حتى أصبحت تعاني من مشكلتين مزدوجتين هما: التدمير والخراب لاحقا ومشكلة تقادم المصادر والمراجع وعدم التحديث سابقا. وأن ندرة التخصيصات المالية ساعدت هي الأخرى على ذلك. إلا أن جامعتنا  وبجهود السيد رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور موسى الموسوي وبجهودنا المبذولة والسيد أمين المكتبة المركزية الدكتور ماجد عبدالكريم في الجامعة ومناشدتنا المنظمات الدولية ذات الصلة والمؤسسات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني، استطعنا أن نرفد الجامعة بالممكن من المصادر والمجلات الحديثة. كما شاركت الجامعة بعدة معارض لشراء الكتب لأن معظم الكتب المتوفرة في الجامعة والكليات تعود لمرحلة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. وقامت الجامعة بالإشتراك مع جامعات غربية لغرض إطلاع طلبتنا بواسطة الحاسوب بما يعرف بنظام المكتبة الألكترونية على الكتب المتوفرة في مكتباتهم. أما دعم الجهات الأجنبية فقد حصلت بعض الكليات على مصادر حديثة من تلك الجهات  ولكن أهم دعم هو ماقام به الدكتور صفاء الحمداني وهو عراقي ومقيم في إحدى الدول الغربية واتصل بي شخصيا لغرض تزويدنا بكتب وأجهزة علمية ورحبت بفكرته وإطمأن بسلامة وصولها بعد أن تحرى عن  هذا الموضوع. وقام بجمع آلاف الكتب العلمية الحديثة مع بعض الأجهزة العلمية التي يكلف شراؤها أكثر من مليون دولار وارسالها الى جامعة بغداد بدون أن تكلف الجامعة دولارا واحدا إذ لم تتطلب إيفادا أو تكاليف سفر لي أو لغيري وحتى أجور شحن الحاويتين اللتين أرسلهما كانت مدفوعة من قبل الجامعات التي قامت بإهدائها.
 أما أستخدام التعليم الألكتروني عن بعد فقد حصلت علية الجامعة ولأول مرة بجهود الدكتور بهاء إبراهيم كاظم معاون عميد كلية هندسة الخوارزمي(2003-2006) وشغل لاحقا رئيس مركز التطوير والتعليم المستمر في الجامعة، إذ نسق مع أحد الأساتذه العراقيين المغتربين في كندا. وتمكنت لاحقا من الأتصال به وأشكره على هذه المبادرة العراقية الرائعة لنحصل على عدة محاضرات علمية مباشرة لطلبتنا  ولتدريسينا من الجامعات الكندية، وحتى أتذكر بأن أحد تلك المحاضرات التي القاها  الأستاذ العراقي كانت في فجر أحد الأيام لأختلاف التوقيت مابين العراق وكندا.

الفصل التاسع: في رحاب السيد السيستاني

تحت ظل الظروف الصعبة التي عاشها العراقيون بعد الإحتلال الأمريكي وحلفائه للعراق عام 2003 تطلع الكثير منهم  إلى قيادة حكيمة للتقليل من آثار الهيمنة الأجنبية وإيجاد مخرج من تلك الأوضاع القاسية، وخلال تلك الفترة المهمة ظهر دور للمرجعية الدينية في النجف، وبرزت شخصية آية الله العظمى السيد  علي السيستاني كأهم مرجع ديني.  إذ إنه لايتصرف في الشؤون الاجتماعية المتعلقة بمصادر الأمة وأعراضها وأموالها وممتلكاتها وسيادتها كأي سياسي  أو قيادي في الساحة العراقية بل يتصرف باعتباره الأب الروحي لكل العراقيين الذين يبحثون عن أهداف الحرية والأمن والأستقرار. كما أوضح سماحته هذا التوجه في كثير من الأحيان ومثلا بالقول لوفد مؤسسة الإمام الشافعي عند زيارتهم لمكتبه في مدينة النجف: أنتم لستم يدي بل انا يدكم وان هذا المنهج الوحدوي الذي تنطلقون به الآن هو الذي نؤمن به من اليوم الأول.

كان السيد علي السيستاني من أبرز تلامذة السيد الخوئي نبوغا وعلما وفضلا وأهلية، ولد في ربيع الأول من عام 1349 للهجرة المصادف آب (أغسطس) سنة 1930 ميلادية في مدينة مشهد الأيرانية في أسرة علمية دينية ملتزمة، وقد درس العلوم الابتدائية والمقدمات والسطوح وأعقبه بدراسة العلوم العقلية والمعارف الإلهية لدى جملة من أعلامها ومدرسيها حتى أتقنها. وحضر دروس بحث الخارج في مدينة مشهد المقدسة واستفاد من فكر العلامة المحقق الميرزا مهدي الأصفهاني ، ثم انتقل إلى الحوزة العلمية الدينية في مدينة قم على عهد المرجع الكبير السيد حسين البروجردي في عام 1368 هجري(1949 ميلادي)،  وحضر بحوث علماء وفضلاء الحوزة آنذاك منهم السيد البروجردي والسيد الحجة الكوهكمري .ثم غادر إلى  مصدر العلم والفضل للحوزات  العلمية في النجف الأشرف عام 1371 هجري (1952 ميلادي)، وحضر دروس العلماء من أمثال السيد الحكيم والشيخ حسين الحلي والإمام الخوئي فقها وأصولا لأكثر من عشر سنوات، كما لازم بحث الشيخ الحلي دورة أصولية كاملة.
 حصل عام 1380 هجري (1961ميلادي) على درجة الأجتهاد في شهادتين موضحتين بالثناء الكبير على فضله وعلمه، إذ حازعلى هذه المرتبة الأجتهادية العالية بشهادة العلماء وهو في الحادية والثلاثين من عمره. عمل  السيد السيستاني كأستاذ بالبحث والتدريس في الحوزة العلمية في النجف منذ عام 1381 هجري (1962 ميلادي). ويذكر أحد تلامذته الذين عاشوا معه لفترة طويلة بأنه يحترم الرأي، ويتبع الأدب في الحوار، ويعتبر التدريس كرسالة سماوية لابد من مزاولتها بروح المحبة، والعناية التامة بمسيرة الطالب العلمية والعملية، وأنه ورع ومتواضع.

ومنذ اليوم الأول لسقوط النظام السابق ودخول القوات الأمريكية وحلفائها البلاد في نيسان ( أبريل) عام 2003 والسيد السيستاني  يستأنس السياسيون بآرائه وهو يدير الأمور التي يلجأون اليه بها بعقلية وحكمة ودراية وواقعية كبيرة، ولوكان يفتقد هذا الهدوء  لغرقت البلاد في محيط من الفتن والحروب والمواجهات العرقية والقومية والطائفية. كان لابد من ممارسة سياسية وفتوى شرعية هادئة عاقلة فيها من الاتزان والواقعية والعقلانية، ما يقود المرجعية إلى موقعها الحقيقي في حركة الأمة ومايقود الأمة إلى دورها في سياق التحول الإجتماعي والسياسي المنشود.
كان المرجع السيد السيستاني يشعر أن المعركة من أجل الإستقلال بحاجة إلى عقلية عليا ومرجعية سياسية ودينية متظافرة، وجهود كل الأطياف والقوى والاتجاهات السياسية والإجتماعية في البلاد، وإستخدام الأساليب المتحضرة والديمقراطية والمدنية سبيلا لتجنيب العراق المزيد من الدماء وإزهاق أرواح الأبرياء. هذا التوجه يواجه بالأستنكار والأستهجان من قبل أولئك الذين يريدون المزيد من سفك دماء العراقيين لكي يحولوا البلد إلى ساحة واسعة ومفتوحة وغير مقيدة بقانون لتصفية الحسابات وقتل الخصوم وإرباك القانون والنظام وذبح الناس وإدخال العراق في فوضى، إذ ان بعض الأطراف من خارج وداخل العراق لاتريد للعراق أن يستقر لأن استقراره لا يصب في مشروع الطائفية التي يريدونها لتجتث كل عناصر الأخاء والتعايش والأنسجام المذهبي الديني والتأريخي الذي طبع مشهد العراق منذ بداية تشكل البلاد بحدودها الجغرافية والسياسية والأجتماعية والدينية.
 فكانت مجمل فتاويه تحرم قتل النفس البريئة وتمنع  التعامل مع الإحتلال والأحتكاك به حتى انه رفض مقابلة الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر وغيره من السياسيين الأمريكين، وتذكير قياداته وجنوده وضباطه بأنهم محتلون في كل لحظة. ومن جهة أخرى مقرون بالعمل مع القوى السياسية العراقية سواء في مجلس الحكم أو خارجه لتسهيل شؤون أبناء الشعب العراقي الإدارية والقانونية والإقتصادية والإجتماعية وتمكينهم من مهمتهم الوطنية وعدم وضع العقبات والعراقيل في طريق نجاح تللك المهمة.
 
وفي مطلع عام 2004 وجهت إلى مجلس جامعة بغداد دعوة للالتقاء بهذه الشخصية الجليلة التي كانت تحتل المرتبة الأولى بالأهمية فقد كان لهذا العالم دور أساسي بإشاعة السلم بين المواطنين العراقيين بعد إن حاولت عدة جهات أثارة النعرة الطائفية وأخذت تقتل المواطن إعتمادا على الهوية وبناء على اسمه ولقبه وانتمائه المذهبي، وأن أكثر مافعله هو دعوة الشيعة إلى ضبط النفس  حتى وصل الأمر إلا إن بعض  المواطنين توجهوا لمقابلة السيد السيستاني  وأبدو حزنهم بأن بعض قوافل تشييع الموتى في طريقهم  لدفنها في النجف الأشرف يتم الأجهاض عليها من قبل مسلحين، وطالبوا في حينها بإعطائهم فتوى شرعية بالهجوم على المدن التي تأوي المسلحين، فقال لهم وبشكل واضح:
 لوكان لي 100 ولد وتم قتل 99 منهم بهذه الطريقة فسوف لا أوصي الأبن الأخير بقتل الآخرين وبشكل عشوائي وأوصاهم بالتمسك بالآيات الكريمة:

بسم الله الرحمن الرحيم
وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ،( النساء 93).
وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ( الأسراء 33).

 وتحت أجواء الرغبة بمقابلة  السيد السيستاني ولتلبية دعوته الكريمة، توجه أعضاء مجلس جامعة بغداد إلى مدينة النجف الأشرف في صباح أحد ايام مطلع عام 2004 برئاسة الأستاذ الدكتور موسى الموسوي رئيس الجامعة ومساعد رئيس الجامعة (كاتب المقال) ومعظم عمداء الكليات. ووصلنا إلى المنطقة القديمة “وكما تسمى إداريا” حيث تقع محلة تراثية تسمى بالبراق حيث يسكن السيد السيستاني منذ مجيئة إلى النجف عام  1952 ميلادي في بيت قديم وبسيط، المار بها يظن نفسه يسير في الخمسينيات من القرن الماضي لما يرى من بناء قديم وشوارع ضيقة تتسع لحوالي شخصين  وهي قريبة من مرقد الأمام علي عليه السلام ومقبرة النجف. وبعد أكمال بعض الإجراءات  الأمنية وإبلاغنا بعدم أجراء التصوير، دخلنا مباشرة إلى الصالة حيث وجدنا سماحته يجلس على الأرض المفروشة بسجاد بسيط وقديم. وبعد دخولنا نهض ليستقبلنا ويحتضن الجميع بمودة وبشاشة.
وقد لاحظت تعجب الجميع كيف أن هذه الشخصية التي يتحدث الكثيرون عن دورها الديني والسلمي في كافة أنحاء العالم تعيش عيشة بسيطة وبحياة الكفاف والبساطة والتواضع  بينما يعيش غيره من وعاظ السلاطين عيشة الأثرياء والمترفين سواء في مسكن أو  في ملبس أو  في مأكل أو في مشرب، فقد سمعنا من تلامذته والمقربين اليه بأنه يصر على أن يعيش كما يعيش أبسط الناس بل يعيش كأضعف الناس لكي يكون قدوة حسنة حتى يحس بألم المحرومين، فكان هذا السيد يقدم المعونات والمساعدات لفقراء ومستضعفي العالم وينفق على إنشاء المؤسسات العلمية والدينية والخيرية بينما يعيش عيشة الكفاف.
 
رحب بنا ودعانا للجلوس فجلسنا معه على الأرض ليبدأ السيد رئيس الجامعة كلمة شكر على تلك الدعوة ويقوم بالتعريف بأعضاء الوفد،  فطلب السيد السيستاني الإستماع الى ملاحظات ومقترحات الحاضرين، وبعد الإنتهاء من ذلك كله، بدأ السيد السيستاني حديثه بهدوء وحسب ماأتذكر حيث ثمن الدور الكبير والرسالة التي نقوم بها في المجتمع وأنه يقع على عاتق التدريسي تنشئة جيل جديد يحمل الأخلاق والعلم، وإن الله سبحانه وتعالى أوصى بالعلم والعلماء وان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال بأن: (مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء).
 وأكد على أن رسالة التعليم هي الأعظم في المجتمع، ثم تطرق إلى ضرورة اخراج المحتل بتكاتف الجميع وعدم إتاحة الفرصة له لتفريق أبناء الشعب وضرورة اللجوء إلى الأنتخابات التي تحصن الجميع من الدخول في فتنة، فالمحتل وحسب توضيحه يحاول دائما أن يحرك طرفا ضد الطرف الآخر من خلال الحديث عن المواقع التي يشغلها، فاذا كان حجم الموقع قليل يقول له: لقد أخذ الطرف الآخر حصتك ويحاول أن يفهم الطرف الثاني أن حجمه أكبر ومن المفترض أن يحصل على موقعه بشكل افضل وهكذا تتولد الفتنة، وأوضح أهمية نبذ الشعور الطائفي بين السنة والشيعة بالقول: إذ ان على الشيعة أن لايقولوا أخواننا السنة بل يقولوا هم أنفسنا.
  كما أوصى بضرورة أفهام الطلبة بأن وقت بقاء المحتل لابد أن يكون محدودا وأن نضرب لهم أمثله و لأولادنا وبناتنا ونوصيهم بذكر ذلك لزملائهم، مثل ثورة الجزائر ضد الفرنسيين وصمود الشعب الفيتنامي ضد الأمريكان وغيرها من الأمثلة التي تزرع الثقة في نفوس الأبناء والطلبة.
 وبعد حوالي ساعتين من بدء اللقاء ودعنا السيد بمعانقة  الحاضرين، وحاولنا  تقبيل يده فرفض وقال: لابد أن تقبل أيديكم لأنكم العلماء وأن  رسالتكم التربوية والعلمية أهم من غيرها. وأثناء عودتنا إلى بغداد سمعت من أعضاء الوفد بأن من يلتقى بالسيد السيستاني يرى فيه شخصية فذة يتمتع بالخصائص الروحية والمثالية التي حث عليها أهل البيت عليهم السلام والتي تجعل منه ومن أمثاله من العلماء المخلصين مظهرا جليلا لكلمة عالم رباني.

بعد خروجنا من زيارته ومقارنة ماسمعناه مع الوضع العراقي الذي نعيشه تيقنا بأن المرجعية الدينية والسيد السيستاني خاصة يتعامل مع الواقع السياسي الراهن في العراق بفطنة وحنكة وواقعية،  ومثلا حين طالب في بداية دخول الإحتلال بأن يكتب الدستور بأيدي  عراقية وأهمية اختيار لجنة عراقية منتخبة لكتابته، وبإجراء انتخابات شعبية حقيقية على اساس البطاقة التموينية السابقة، فهو لم يطالب بأنصاف طائفة والأنتصار لها وعلى حساب حق الطوائف والأتجاهات  الأخرى قدر ماكان ولايزال يطالب بضرورة تأكيد رغبة الشعب العراقي كله في ممارسة حقه الدستوري والأنتخابي، وأن يؤخذ رأيه في كل المشاكل والقضايا المصيرية وفي المقدمة منها حقه في تشكيل مجلس صياغة دستوره، أن السيد السيستاني طالب بإجراء الأنتخابات كون المسألة الدستورية جوهرية في حياة أية أمة وفي أي تحول استراتيجي  ونوعي من الأستبداد والقمع ودولة الشخص الواحد إلى التعددية والديمقراطية والعدالة الأجتماعية، وهنا يتألق سماحة المرجع في ساحة العمل السياسي الوطني كفقيه وقيادة ابوية تشترط لنقل السلطة وكتابة الدستور  واستعادة الدولة  الكرامة من خلال أنتخابات حرة ومستقلة يساهم في أقامتها كل ابناء الشعب العراقي من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه.

ولكن تبقى مسؤولية الجميع وفي المقدمة منهم السياسيون  بالإصغاء إلى نصائح المرجعية الدينية الرشيدة وآراء العلماء المخلصين وإستثمار تلك الأنتخابات في إدارة الدولة العراقية بالشكل الصحيح. ومن المؤسف أن هذا لم يتحقق للآن رغم مرور بضع سنوات “لأن هنالك من يحاول أن يبني بينما يحاول البعض الآخر الهدم” وأصبح حالنا كلاعبي جر الحبل فكل طرف  يرغب بجر الحبل إلى جهته.

 ونعتقد بأن حل هذه العقبات يمكن تجاوزها بإعتمادنا على الله و بإتفاقنا على دستور يضمن وجود  حكومة قوية وحازمة وعادلة تتمتع بصلاحيات واسعة توحد من خلالها العراقيين للسير بهم إلى  الأمام، والتقليل من آثار الحرية الجديدة المطلقة التي لم نجني منها سوى الفوضى. 

الفصل العاشر:موعد مع رئيس جمهورية العراق

في حياة الإنسان تمر الكثير من  المواقف ولايمكث في الذاكرة الإ القليل  لإعتبارات كثيرة، ومنها موضوع ورقتي لهذا الفصل.
 ففي الساعة الثامنة من صباح أحد الأيام من شهر حزيران عام 2005 أخبرني الأستاذ الدكتور موسى الموسوي رئيس جامعة بغداد  بأن فخامة رئيس جمهورية العراق الدكتور جلال الطالباني يريد مقابلة رئيس الجامعة ومساعديه العلمي (كاتب المقال) و الإداري في مكتب ديوان رئاسة  الجمهورية  في الساعة العاشرة صباحا، لمناقشة بعض الأمور التي تخص الجامعة وإمكانية تطويرها ودعمها في كافة المجالات. وبالرغم من حرصي على مقابلة هذه الشخصية العراقية الوطنية، وكان رئيس الجامعة يتوقع ردة فعل تعبر عن بهجتي، ولكن جوابي جاء على عكس كل توقعاته !
ذلك  لأنني أجبته  بالإعتذار !
تعجب الموسوي , وحين إستفسر عن السبب   قلت له : لدي إجتماع مهم في نفس موعد الزيارة مع السادة معاوني عمداء كليات جامعة بغداد وبحضور رئيس قسم الدراسات العليا (الدكتور محمد السراج) بخصوص شرح وتوضيح آلية التقديم وأسس قبول الطلبة للدراسات العليا للعام 2005/2006، وقد وصل قسم منهم مبكرا إلى مبنى رئاسة الجامعة لحضور ذلك الإجتماع , وليس من اللائق الغاء الإجتماع في هذا الوقت المتأخر .
فتقبل السيد رئيس الجامعة عذري وذهب برفقة الأستاذ الدكتور نهاد الراوي مساعد رئيس الجامعة للشؤون الإدراية. وأبلغا فخامة رئيس الجمهورية شكري على الدعوة وإعتذاري عن الحضور بسبب إنشغالي بإلتزامات علمية تخص الدراسات العليا  وتقبل الرجل ذلك الإعتذار برحابة صدر.

والحقيقة بقى هذا الموضوع في الذاكرة ويمكن الإستدلال منه الأمور التالية:
 
1- ثقتنا العالية بأن فخامة رئيس الجمهورية سيتفهم موضوع  الأعتذار عن  الحضور لأنه مسؤول دولة يحب العلم والعلماء ويقدر معنى الإخلاص بالعمل ولاتهمه فحوى اللقاءات بقدر أهمية مردودها الإيجابي لخدمة العراق.
 2- إبتعادنا عن مظاهر الخوف والطمع التي يشعر بها المسؤولون لتلبية مثل هذه الدعوات لثقتنا بأن فخامة رئيس جمهورية العراق هو أعلى موظف في الدولة العراقية وليس رئيسا للأبد .
3-تفهم فخامة رئيس الجمهورية لأسباب إعتذارنا وتيقنه بأن إجتماعنا مع السادة معاوني العمداء له الأهمية الكبيرة في تعزيز ووضع أسس قبول طلبة الدراسات العليا، فهو يعرف أهمية الدراسات العليا ودورها في بناء العراق وأن التهيئة المبكرة لها أمر مطلوب.
4- حسن الظن الذي يتمتع به فخامة رئس الجمهورية بالآخرين وقد حذرالله سبحانه وتعالى من سوء الظن عند الناس اذ أنها سببت مشاكل كثيرة في حياتنا  وأن بعض الظن أثم  كما قال الله سبحانه وتعالى:

 بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ،(الحجرات 12).

5- إستغرابي بأن موضوع زيارة لفخامة رئيس الجمهورية يبلغ بها بشكل علني ومع تحديد الوقت باليوم والساعة ؟؟؟ لأن مثل هذه اللقاءات “وكما أعتدنا” لايفصح عنها ابدا، ويخبر الشخص فقط بأن لديه موعد !!!! ليؤخذ الى ذلك المكان دون علمه بأنه سيقابل  رئيس الجمهورية لذا فأنه يجهل تماما الموعد والطريق وأسم  ذلك المكان، خصوصا تحت الظروف الأمنية الصعبة والخطرة التي كان يعيشها العراق في عام 2005.

6-إطمئنان السيد رئيس جامعة بغداد  بأن إبلاغ ذلك الإعتذار سوف لن يسبب له اي مشاكل أدارية مع فخامة رئيس الجمهورية وقبوله الإعتذار بسهولة.
7 – مدى الحرية التي منحت لنا من قبل السيد رئيس الجامعة وثقته العالية بمن يعمل معه.
8- مقدارالحرص الشديد الذي يتمتع به السادة معاوني عمداء الكليات للشؤون العلمية والدراسات العليا، اذ حضروا مبكرا  الى رئاسة الجامعة في الجادرية قبل بدء الإجتماع بأكثر من ساعتين خوفا من إنسداد الطرق لأسباب أمنية التي قد تحرمهم من حضور ذلك الإجتماع كما كانت تحدث في كثير من الأحيان في تللك الفترة.
9- قيمة احترام المواعيد المعقودة حتى مع المسؤولين الأقل سلما وظيفيا.

ولذا  فنحمد الله تعالى بأنه اطال في عمرنا لنعيش تحت الأجواء الديمقراطية الجديدة التي تجعل أكبر رجل في الدولة ينظر إلى مايفيد البلد  وليس إلى ما يخصه ويرفع من شأنه اعلاميا. وأن تدريسيي ومسؤولي الجامعة يحددون لقاءاتهم وإجتماعاتهم حسب المصلحة العامة وليس حسب عنوان ومنصب مسؤول الدولة، ويلتزمون بمواعيدهم المعقودة من أجل تحديد مواصفات الطلبة الذين سيدرسون في الدراسات العليا، ليساهموا لاحقا ببناء ونهضة العراق ليمارس دوره الريادي بعد أن أجبرته الحروب التي مر بها والحصار الأقتصادي والأحتلال من الغياب عنه لفترة طويلة.
 فقد كنا نسمع بأن هذه العلاقة الديمقراطية قد تحدث بين موظفي الدولة ورئيس الجمهورية  في الدول الغربية أو المتطورة حضاريا وعلميا ولكننا لم نكن نتوقع حدوثها في دول العالم الثالث وفي العراق خاصة.

 فتحية لكل القادة المخلصين الذين يجعلون من مناصبهم عنوانا للخير والعمل الصالح واحتراما لرأي ومصلحة الآخرين، بدلا من استغلالها من أجل الإضطهاد والتكبر والجبروت اقتداء بما قاله الله سبحانه وتعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ،(النساء 173).

الفصل الحادي عشر: إغتيال وتهديد التدريسيين

إن من أصعب الأمور التي  تواجهني عند كتابة هذه المذكرات هو التطرق إلى إغتيال التدريسيين حيث أن الحديث عنه يذكرنا بأصدقاء أعزاء، ومما يحز بالنفس إننا بإغتيالهم فقدنا كفاءات علمية أصبح العراق بأمس الحاجة إلى دورهم العلمي للنهوض به. كما أن التطرق له يواجه احتمالات متعددة من موضوع لايمكن تحديد أسباب حدوث هذه الظاهرة المفجعة. وقد كانت هذه المشكلة من أهم وأخطر المشاكل التي واجهها العراق والجامعات العراقية بعد إحتلال العراق عام 2003. ففي تلك  الأيام بدأت ترد إلينا الأخبار الحزينة بإغتيال أحد التدريسيين على أيدي مسلحين مجهولين لانعرف توجهاتهم أو أهدافهم وكل مانسمعه بأن هنالك بعض الجهات تؤجر بعض المرتزقة مقابل مبالغ مالية قليلة بحدود 300 دولار لتجهض على أحد تلك الكفاءات  العلمية. وكانت  تلك المبالغ لاتسلم للقاتل إلا بعد التأكد من أن الضحية قد تمت وفاته. لهذا فإن حوالي 99% من الذين تم أغتيالهم فارقوا الحياة ولم يترك الجناة موقع الحادث إلا بعد التأكد من ذلك، كما إنها تؤكد الحرفية العالية التي يتميزون  بها وأنهم تدربوا جيدا للإجهاض على حياة الآخرين وقد خالفوا قول الله تعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم

وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ،(الأسراء 33)

أما تحديد الأسباب الكامنة وراء تلك الإغتيالات فهي متعددة فقد تعود إلى أمور طائفية أو حزبية أو عمل جهات أجنبية أو تصفية حسابات سابقة أو لأحداث أرباك في دوام الجامعات الذي سينعكس على الوضع الأمني العام الذي يعيشه العراق، لأن إغتيال عالم يكون مؤثرا على الوضع العام من إغتيال كاسب أو موظف، لذا فإن وسائل الأعلام تتناول ذلك الحدث بشكل واسع ليثير الرعب في قلوب الناس. وعليه فإن كثيرا من التدريسيين غادروا العراق خوفا على سلامتهم وخسرنا بسبب ذلك كفاءات علمية مهمة سواء من إستشهد منهم أو سافروا إلى خارج القطر.
وقد أشارت التقارير التي نشرتها شبكة الأخبار العربية في 18/3/2009 إلى أن عدد الكفاءات التي أستشهدت في العراق منذ  دخول قوات الأحتلال إلى العراق عام 2003 تجاوز 550 في كافة الوزارات. أما أحدث تقارير وزارة التعليم العالي العراقية لعام 2009 فأكدت إستشهاد أكثر من 250 أستاذا جامعيا مسجلين على ملاك الوزارة وأن أكثر من نصف الضحايا يحملون لقب أستاذ أو أستاذ مساعد وحدث أكثر من نصف الإغتيالات في جامعة بغداد ثم جامعة البصرة والموصل والمستنصرية.
ويمكن تصور حال معظم التدريسيين وخاصة من لديه مسؤولية علمية أو إدارية في الجامعة بأنه يوميا عندما يخرج صباحا من دار السكنى الى الجامعة يستعين بإلله بأن يحفظه من الشر والأشرار ويقرأ شهادة الأسلام، وعند الرجوع للسكن يحمد الله ويشكره على السلامة .
 
ومن الذكريات التي لاتنسى هو تعرضي شخصيا لمحاولة إغتيال في منتصف عام 2005  أثناء عودتي من الجامعة إلى دار سكناي. وحدث قبل ذلك بيوم أن قام أحد الأشخاص بالإستفسار عني من أحد أهالي المنطقة التي أسكنها  إن كنت  أحد المسؤولين وفي أي دائرة  أعمل؟. إذ من سوء الصدف بأن يحدث عطل في السيارة التي أستخدمها نوع صالون وتخصص الجامعة لي  بتلك الفترة سيارة من نوع بيكب دبل قمارة التي قد تدل بأن صاحبها مسؤول في الدولة، عندها أخبره ذلك الشخص بأني أستاذ جامعي فقال له ذلك الشخص: كلا إن لديه اثنان من الحرس يجلسون في سيارته وهي من  نوع بيكب دبل قمارة. وعندما وصلني ذلك الحديث وعن طريق المصادفة قررت عدم الرجوع الى دار سكناي في اليوم التالي.
  وفعلا حدث ماتوقعته وعند مرور سيارتي إلى منطقة سكناي ووقوفها لإيصال الحارسين الجامعيين كانت هنالك سيارتان بانتظارهما ونزل منهما عدد من المسلحين وتوجهوا إلى محل جلوسي في السيارة. وقام السائق جعفر عبدالحسن بالانطلاق بسرعة وعدم إعطائهم فرصة إطلاق النار على المكان المحدد لجلوسي مما أحدث إرباكا لديهم . و أضطر المسلحون الركوب بسيارتهم لغرض اللحاق بالسيارة، وجرت مطاردتها في الشارع العام والشوارع الفرعية وسط أنظار الناس الذين اوقفوا سياراتهم وكانوا ينتظرون  وقوع جريمة القتل كما يحدث في كل حوادث الإغتيالات ومع الأسف لأن الناس أصبحت تتفرج على جرائم القتل. وأثناء ملاحقتهم أطلق الحارسان الجامعيين عدة عيارات نارية في الهواء لغرض إبعاد الخطر، لذا فإن المسلحين لم يحصلوا على فرصتهم وغادروا المكان. والحمد لله لم يتعرض السائق ولا الحارسان الجامعيين الى أية أضرار وقد أنقذنا الله حيث يبدو بإن هؤلاء المسلحين نسوا أو تغافلوا قول الله تعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم
وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ،( النساء 93)

كما أن السائق تعرض مرتين إلى حادث إختطاف وسرقة سيارتين حديثتين تابعتين لجامعة بغداد، كان يقودهما لوحده إذ لم أكن موجودا فيهما، بعد أن هددوه  وأجبروه  باستخدام السلاح بتركهما للحفاظ على حياته. وفي عدة مرات وأثناء ذهابي لزيارة الكليات كنت أطلب من الحرس الجامعي عدم مصاحبتي في السيارة خوفا على سلامتهم وكذلك شعوري بان وجودهم لا أهمية له، إذ ان المسلحين الذين يقوموا بالإغتيال يفتحوا اطلاقات النار بشكل مفاجئ بحيث لاتتوفر غالبا أية فرصة للحرس بالرد عليهم.

ومن الأمثلة على تلك الأغتيالات سأورد بعض ماتعرض له أعز اصدقائي وزملائي الذين كانوا كحالي مستقلين من الأنتماء لأي حزب أو تيار وشعارهم هو حب العراق وأهله والتضحية من أجلهما. ومنهم الدكتور رعد محسن المولى رئيس قسم علوم الحياة في كلية العلوم/جامعة بغداد  الذي تعرض إلى عملية هجوم من قبل مسلحين على منزله في حي البنوك في بغداد الذين دخلوا الى داره  في غروب يوم 19/11/2005 مع بعض المراجعين المرضى لغرض علاجهم بالطب الشعبي الذي كان يمارسه في داره. ومجرد دخول هؤلاء المسلحين فتحوا النار من بنادقهم  ليسقط الدكتور رعد المولى شهيدا في صالة استقبال الضيوف وسط  صراخ أطفاله الخمسة وزوجته.  ويقال بأن هؤلاء المسلحين فروا بعد أكمال العملية الأجرامية وسط أنظار أهالي المنطقة ليختفوا في أحدى الدور السكنية للمنطقة التي يسكنها.
 ومن الذكريات التي لاتنسى هو زيارة الدكتور رعد المولى لي بعد سماعه تعرضي لمحاولة الأغتيال ليهنئني على السلامة وقال لي في حينها بعد أن رويت له الحادث “أنت الشهيد الحي” وأصبح بعد ذلك هو “الشهيد المقتول”.
 ومن المصادفات العجيبة والحزينة بأن تنظم الجامعة حفل تأبيني على استشهادة داخل مبنى رئاسة الجامعة في الجادرية وأن من يقوم بالقاء كلمة الجامعة الدكتور نهاد عبدالرحمن الراوي مساعد رئيس الجامعة يسشتهد لاحقا، إذ اعتذرت عن القاؤها في حينها اذ كنت رئيس جامعة بغداد بالوكالة لتاثر مشاعري بفقد صديقي الشهيد الدكتور رعد المولى. وأن من يلقي كلمة الرابطة التدريسية الدكتور عصام الراوي يستشهد ايظا في عام 2007. وأن من تولى تنظيم الأحتفال الدكتور محمد العتابي يستشهد ايظا. وكذلك  استشهد مسؤول الحرس الجامعي السيد كاظم جلوب عام 2006 الذي نظم تواجد الحرس الجامعي في تلك الأحتفالية.

أما الصديق الثاني فهو الأستاذ الدكتور نهاد عبدالرحمن الراوي مساعد رئيس الجامعة للشؤون الإدارية المنتخب في مايس عام 2003، وكان من أكثر الأصدقاء توقعا لتعرضي وتعرضه لمحاولة الأغتيال حتى انه كرر على مسامعي عدة مرات بأنه سيظهر يوما ما خبر متحرك “وفقط بنصف سطر” في القنوات الفضائية على إغتيالنا. وقد حصل ذلك فعلا له ورغم الأحتياطات الكثيرة التي أتخذها بتغير موعد دخوله وخروجه من البيت والجامعة وسياقة سيارته نوع صالون بنفسه وعدم ارتداء بدلة ونزع ربطة العنق ورغبته بالإبتعاد عن المشاكل التي تحدث في الجامعة ذات الخلفية الطائفية او الدينية او الحزبية وكنت أذكره بمفهوم الآية الكريمة:

بسم الله الرحمن الرحيم
قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ،(يونس 49)
 
ولكنه إغتيل في ظهر يوم 26/6/2007  بعد أن اكمل دوامه في الجامعة وكان يسوق السيارة بنفسه وتجلس بجواره ابنته الكبرى. أذ تابعه بعض المسلحين وهو على جسر الجادرية باتجاه مدينة البياع ليطلقوا علية رصاصات ليسقط شهيدا في حضن ابنته التي أمتلأت ملابسها  وجسمها بدم والدها.

أما تعرض الدكتور محمد كاظم العتابي الذي كان يشغل منصب مدير قسم المتابعة والتنسيق في الجامعة والذي اعفى من منصبه عام 2006، فقد كانت مفجعة. أذ هجم على داره في حوالي الساعة السابعة من صباح يوم 19/10/2007 عدد من المسلحين وبعد اكمالهم عملية تفتيش الدار وسرقة بضع آلاف من الدولارات التي وجدوها في داره ثم أختطفوه حيث عثرت عائلته على جثته ليسقط  شهيدا دون معرفة الأسباب وراء تلك العملية.

تهديد التدريسيين

أما التهديدات الخطية التي أستلمها التدريسيون على أساس إنها من الطلبة فقد كانت كثيرة إذ يوضع داخل ظرف تهديد خطي مع اطلاقتين ناريتين يهدد صاحبها ذلك التدريسي بأنه في حالة عدم نجاح الطلبة سيغرس هاتين الطلقتين في صدره. وقد جلب كثير من التدريسيين تلك الأكياس ليطلعني عليها وكنت أطمأنهم بأن الطالب غير قادر على تنفيذ إغتيال على أساس رسوبه في الامتحان وأن تلك الاغتيالات خلفها جهات معينة. وطالبتهم بالأستمرار في الدوام لأنها لاتشكل خطرا حقيقيا بعد أن أطلعهم على تهديدات سابقة لبقية التدريسيين وفعلا لم يتعرض والحمد لله أي من منهم إلى حوادث إغتيال وإنما كان الهدف منها هو الابتزاز وخلق فوضى عامة.
ومن الذكريات الغريبة التي صادفتها بعد  تسلمي منصب عميد كلية الآداب بالوكالة في منتصف عام 2005 إضافة الى منصبي، سمعت بإن الطلبة يمارسون الغش في الأمتحانات وعندما استفسرت من التدريسيين عن سبب عدم منعهم ذلك، قالوا بأن الطلبة يهددوا من يمنعهم بالقتل. فعندها أصدرت قرارا وبتوقيعي بأن تطبق القوانين الإنضباطية ضد الطالب الذي يقوم بالغش في الأمتحانات، وطلبت من اعضاء اللجنة ابلاغ التدريسيين والطلبة بأني المسؤول عن أية أجراءات تتخذ ضد المخالفين له، لذلك اعطى هذا الاجراء قوة للتدريسيين بتطبيقة ووجدنا بعض حالات غش في اليوم التالي وأتخذنا الأجراءات الانضباطية ضدها لذا فأن حالات الغش تم منعها.

لكن أشد حالات التهديد بلغت عندما أستلم في عام 2005 حوالي 40 تدريسي في كليات مجمع باب المعظم تهديدات خطيه بعدم دوامهم بحجة إنتمائهم لطائفة معينة او لحزب البعث وشاعت أقوال في حينها على أساس بإن معالي الدكتور إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء في حينها يود استبعاد هؤلاء التدريسيين من الجامعات لأسباب طائفية . فعرفت في حينها بأنها فتنة يراد منها خلق مشاكل تربك دوام الجامعات وأداء الامتحانات النهائية وقد سمعت تلك الأقوال من تدريسيين مهددين جاؤا لمقابلتي عندما كنت عميدا لكلية الآداب بالوكالة وأدوام في مجمع باب المعظم .

وأخبرتهم في حينها بأن هذه إدعاءات غير حقيقية وأن الدكتور إبراهيم الجعفري أوصى في آخر اجتماع له مع مجلس جامعة بغداد عندما كان نائب رئيس الجمهورية (خلال فترة الحكومة العراقية المؤقته من 28/6/2004-2/5/2005) التعامل بلطف ومودة وأن تكون المساواة مع كافة العراقيين وبغض النظر عن الطائفة أو القومية او الحزب الذي ينتموا له، وضرب مثالا في حينها بأن لو راجعكم أحد أبناء صدام حسين غير المتهمين فعليكم أن تعطفوا عليه وتعطوه حقه أسوة ببقية العراقيين.
وعلى ضوء تلك التهديدات عقدت اجتماعا مع أعضاء لجان الروابط الطلابية في مجمع كليات باب المعظم لأناقش الموضوع معهم وأوضح لهم مخاطر تلك التهديدات وإن من يقوم بذلك فإنه،
أولا: يؤيد ويحترم الحاكم المدني بول بريمر أكثر من تأييده وأحترامه  للحكومة العراقية برئاسة الدكتور إبراهيم الجعفري.
 وثانيا: هو ضد توجيهات المراجع الدينية التي توصي بالوحدة ورص الصفوف من أجل خروج المحتل. وإن وجود بعض التدريسيين الذين كانوا بعثيين سوى من بقى منهم بالتدريس او عاد بعضهم لاحقا هو ضمن موافقة وتنفيذا لقرارات الحكومة العراقية. عندها استغرب بعضهم على ملاحظاتي.
 فقلت لهم: بأن الجامعات كانت هادئة خلال فترة إدارة  الحاكم المدني بول بريمر ولكن المشاكل والتهديدات ازدادت بعد إجراء الأنتخابات وإستلام الحكومة العراقية المؤقته  السلطة في البلد. كما أن رجال الدين يستنكروا دائما مثل هذه الأعمال. وأن مسألة بقاء او عودة الآخرين للتدريس ليس من أختصاصكم أو مسؤوليتكم. وأجاب  كثير من الطلبة بإنهم بريئون عن كتابة تلك التهديدات وأنهم سيتعاونون مع رئاسة الجامعة من أجل حفظ النظام والأمن في الكليات.

لذا طلبت من السادة العمداء بالأتصال بالتدريسيين المهددين بأهمية الدوام وان ماوصلهم من تهديدات ماهي إلا  لإحداث فتنة وفوضى وأرباك  في دوام الجامعات وعليه بلغوا تحياتي لهم  وأخبروهم بأن من يداوم منهم له فضلان علينا ومن لايداوم له فضل واحد وستصلهم دفاتر الامتحانات إلى بيوتهم لغرض تصحيحها، بعد أن أشيع في وقتها ( تطبيقا لنظرية المؤامرة) بأن الغاية من ابعاد بعض التدريسيين هو طائفي ولغرض إعطاء بعض الطلبة درجات عالية من قبل تدريسيين آخرين. وبعد يوم من ذلك توافد قدوم أولئك التدريسيين الى الكليات تباعا دون حصول أي حادث ضدهم وقد إلتقيت عددا منهم وشكرتهم  على وطنيتهم وإخلاصهم والأستجابة لطلبنا.

وكخلاصة لموضوع إغتيال التدريسسين فيبدو بأنه ينفذ من عدة جهات وعلى سبيل المثال ففي الوقت الذي ثمن بعض الحاضرين: بأني مستقل  ولا أميل في تعاملي مع أية طائفة او حزب عندما سأل عن مسيرتي في الجامعة من قبل بعض الاشخاص في احد المساجد، نرى ان جهة اخرى استهدفتني لشعورها باني مسؤول في الدولة بالرغم من عدم معرفتها بأسمي او عملي او طبيعة سلوكي. كما تمت تصفية نسبة كبيرة من التدريسين الذين لديهم مسؤوليات إدارية في الكليات أو الجامعات.  وأستهدف بعض التدريسيين لظهورهم في وسائل الأعلام والتلميح بإنهم مع توجهات الحكومة العراقية.
 لذلك كان الظهور في وسائل الأعلام يحمل خطرا وكان معظم التدريسيين يتجنبوا من التصريح للقنوات الفضائية في الأمور السياسية أو الإجتماعية أو حتى العلمية.

الفصل الثاني عشر: الراحل الدكتور نهاد الراوي

على الرغم من إننا إعتدنا  على سماع أنباء الإغتيالات اليومية التي يعيشها العراق  والتي يذهب ضحيتها الأبرياء وأصحاب الكفاءات العلمية تعطيلا لمسيرة العلم ,
الا إنني لم اصدق ماسمعته أذناي هذه المرة!!
فلقد كان  الخبر الفاجع هو  إغتيال الأستاذ الدكتور نهاد محمد الراوي مساعد رئيس جامعة بغداد للشؤون الإدارية ظهر يوم الثلاثاء الموافق 26/6/2007
وأي خبر!!؟
وأي إنسان أخذ الموت !!؟
كان وقعه شديدا، لذا  صعقت عند  وروده ,
 تذكرت في تلك اللحظة القاسية والموجعة إنه طالما كان يحدثني بأن سيظهر يوما ما مانشيت نعينا على شاشات التلفاز لما كنا نعيشه من مخاطر يومية وتهديدات الظلاميين !!
فكان له ماتوقع!!
 لقد كان صديقا وزميلا لنا طوال الأربع سنوات الماضية بعد أن انتخبنا في عام 2003 كمساعدين لرئيس الجامعة وعرفنا الراحل  عن قرب محبا للعراق وفيا لترابه يطمح في بنائه كوطن للجميع
ولمست منه طوال تلك الفترة الأخلاق العالية والطيبة والتواضع والنفس الكريمة وحب الآخرين والرغبة بمساعدة الجميع دون إستثناء والنزاهة والإعتدال والكفاءة العلمية، وكان بعيدا  عن الطائفية و العنصرية ويحلم بالعيش بعراق متقدم  يضم كل  العراقيين تسوده الألفة والمودة ورغبتنا  في المساهمة ببناء عراق جديد  رغم المصاعب الكبيرة التي واجهناها ألا أن هنالك قوى إرهابية لاتريد  ذلك ولاتسمح لأبنائه الخيرين بالمساهمة في اعماره بعد الخراب الكبير الذي حل به .

رحم الله فقيدنا الغالي برحمته الواسعة واسكنه فسيح جناته والهمنا وذويه الصبر والسلوان وكأن لسان حالنا يردد من الصين “حيث نعيش في حينها” من شعر كتبه الشاعر الأستاذ نجاح عبد الخالق لرثاء أحد أصدقاونا الشهداء والذي القيناه في يوم 29/12/2005 بمناسبة إحتفالية ذكرى  مرور 40 يوما على إستشهاد الدكتور رعد محسن المولى إذ اقامت الأحتفالية كلية العلوم/جامعة بغداد التي كان الشهيد المولى رئيس لقسم علوم الحياة فيها :
 
أفي كل يوم لي حبيب أودع              فحزن وآلام وشجو وأدمع
تقرح قلبي من زمان أعيشه             به الشر مأمون به الخيرمفزع
فيا ليت أصوات المنية أسمعت          وياليت أبواق المنية تقرع
وياليت من ساءوا تقطع شملهم          فبيدوا من الارض الفسيحة  قطعوا
عزيز على قلبي وقومي مودعا         لأبكي من حلوا الفؤاد واودعوا
فلو ان في كل الحروف شفاؤنا         كتبت بما يشفي الغليل وينفع
ولو أن في حبل المنية حيلة             جمعت لها أيد تفل وتقطع
فلم يبق الا الصبر كأس أناله            أزق بمافيه مرارا واكرع
وأسهر ليلي لا مسلي غيره               أعد نجوما طالعت وتطلع
أبا زهراء ياخير شعر أقوله             وأمضي بذكراه أعيد وارجع
نموت وتبقى في النفوس مخلد           يردد في كل البقاع ويسمع
فأن نال منك الغدر تبت اكفهم           فأن لك الجنات باب مخلد
جرحت فؤادي في رحيل وليته          بقاء به ادنو اليك وأهجع
بكتك القلوب الطهر كل دموعها         فكل القلوب الطهر تبكي وتدمع
لك الخلد مادامت على الارض عيشه    نروح ونغدي في ثراها ونقطع
أأنساك لا نامت عيون قريرة              ولا طاب عيش في الحياة ومرتع
مشيت وأديت الامانة مؤمنا              أمين له تهفو القلوب وتسمع
وماضقت عن امر عظيم ثوابه          ولا جئت تشكو من كبير وتجزع
أبا زهراء ماضاع دم نزفته              ستورق أمال وتنمو وتطلع
ويكبر اولاد شقيت لسقيهم                زهور اذا تنمو وتعطي وتمرع
أبا زهراء عذرا اذا النار أشعلت         فؤادي فكان الشعر نارا تلفع
سقى الله أرضا قد نزلت بثريها          ترحم عليك الله والناس اجمع

الفصل الثالث عشر: مستوى الجامعات العراقية لازال بخير

تعرضت الجامعات العراقية الى ظروف قاسية وصعبة ربما لم تتعرض لها أي جامعة في العالم، فقد عانت الإهمال خلال سنوات الحروب التي مر بها العراق(1980-1991) وظروف الحصار الاقتصــادي (1991-2003) وتوقفت تقريبا أتصالاتها مع بقية جامعات العالم، إذ لم يتم ارسال طلبة البعثات او الزمالات الدراسية او التفرغ العلمي للتدريسين الا في أعداد قليلة .أضافة الى فقرها للمختبرات والاجهزة العلمية ألحديثة والمراجع العلمية والمجلات  الدورية كما عانت من هجرة كثيرمن حملة الشهادات العليا والكفاءات العلمية بشكل أساسي بحثا عن مستوى معاشي افضل لغاية سقوط النظام في عـــــام 2003 . وبالرغم من  تحسن الدخل الشهري للتدريسين في عام 2004 بدأت هجرة ذات سبب أخر هو تجنب التهديدات والمخاطر الامنية التي تعرض لها التدريسين ومع الأسف استمرت بوتيرة متصاعدة.
وقد توفرت لنا فرصة في الثلاثة سنوات الاخيرة (2003-2006) بالاطلاع الميداني على كثير من الجامعات العربية والأجنبية من أجل تعزيز المستوى العلمي لجامعة بغداد. وقد فوجئنا بأن مستوى جامعاتنا لازال بخير وأفضل والحمد لله من كثير من الجامعات العربية وهذا قد يعود الى الأسباب التالية:

اولا: أن أسس بناء التربية والتعليم العالي  في العراق قوية فهي مهما تعرضت إلى ظروف صعبة فأنها لاتؤثر فيها كثيرا.

ثانيا: أن الشخصية العراقية جادة ومتلهفة للتعلم وشجاعة لذلك نراها أستمرت في منهجيتها التعليمية رغم الظروف الصعبة التي مرت بها.

ثالثا: يتميز التدريسين العراقيين بالحرص والجدية والرغبة في تطوير الذات وتشهد بذلك لهم كل الجامعات العربية التي يدرسون فيها لذلك فأن نسبة عالية من عطائهم العلمي أستمر رغم الظروف الصعبة التي يعانون منها.

رابعا: قيام الدولة العراقية منذ تأسيسها بإرسال طلبة البعثات الدراسية الى الدول المتقدمة خصوصا بريطانيا وامريكا وبلغ ذلك ذروته الذهبية خلال الفترة (1977-1980) مما عزز من علمية التدريسيين والباحثين.

خامسا: إعتماد كثير من الكليات وخاصة في جامعة بغــداد (الجامعة الأم) في بداية نشأتها على الجامعات الأجنبية الرصينة من خلال وضع المناهج العلمية واستعانتها بالكفاءات الأجنبية من اجل التدريس فيها.

أن الملاحظات الواردة في اعلاه لاتعني بأننا راضين عن المستوى العلمي الحالي للجامعات العراقية فلدينا تصورواضح عن الواقع والطموح ولكن اوضحنا ذلك لبعض الكتاب الذين لم يدرسوا الواقع جيدا ويشنوا احيانا  هجوما على الجامعات العراقية ومستوى خريجوها، إذ يكفي الجامعات العراقية فخرا بأن اساتذتها ساهموا بتأسيس كثير من الجامعات في الدول العربية خصوصا اليمن وليبيا والأردن،  وقد سمعتها أكثرمن مرة من رؤساء بعض هذه الجامعات العربية بأن مصائب قوم عند قوم فوائد.

الفصل الرابع عشر: العراق بلد بدون يوم وطني
                            
تحتفل كافة شعوب العالم بذكرى يوم محدد كعيد وطني لها إذ يمثل لها ذكرى مهمة أما عن تأسيس دولتها أو استقلالها أو أي حدث يشكل اهمية وطنية لذلك البلد، وتبرزأهمية مثل هذا اليوم الوطني عند التعامل في المحافل الدولية حتى انه أصبح من الاسئلة الصعبة والمحرجة التي طالما تواجه العراقيين حاليا وخاصة العاملين في الأوساط الدبلوماسية على الرغم من اشتراك معظم  العراقيين في عيد ميلاد واحد هو “الأول من تموز” حيث أنه عيد ميلاد معظمهم، الا انهم بدون عيد ميلاد لدولتهم.

لذا نناشد مجلس نوابنا الموقر بحل هذا الاشكال وتحديد يوم وطني يجمع عليه العراقيون ليعبر عن وحدة هذا الشعب بكافة طوائفه وقومياته وأديانه.وقبل تحديد ذلك لابد من استعراض أهم الأحداث الوطنية التي مر بها العراق لاختيار أهمها:

اولا: : أعتماد يوم 25 تشرين الاول عام 1920 أذ في هذا اليوم تم تشكيل أول وزارة وطنية في العراق برئاسة محمد النقيب، وهنالك الكثيرمن يعترض على هذه الوزارة لانها لم تمثل كافة اطياف الشعب العراقي

ثانيا : تحديد يوم 23 آب 1921 اذ تم فيه تتويج الملك فيصل الاول كملك دستوري على العراق، ولا اعتقد بأن هذا التأرخ سينال رضى كثير من العراقيين خصوصا وان هنالك ردود فعل نفسية وسلبية لدى الشعب العراقي تجاه النظام الملكي.
ثالثا: أعلن مجلس عصبة الأمم المتحدة في الثالث من شهر تشرين الاول من عام 1932 قبول العراق عضوا في عصبة الامم، وتبودلت برقيات التهاني بهذا الحدث الكبير بين الملك جورج الخامس ملك بريطانيا، والملك فيصل الاول ملك العراق، وكان العراق اول قطر يتحرر من الانتداب ويدخل عصبة الامم التي فرضت الانتداب.

رابعا: ذكرى 14 تموز عام 1958  تلك الثورة التي قادهاالشهيد الزعيم عبدالكريم قاسم وأطاحت بالتبعية الأجنبية ولكنها فتحت المجال لصراعات وأنقلابات دموية عانى منها الشعب العراقي طوال أكثر من أربعة عقود كما ان تلك الثورة ارتبطت بانقلاب 17-30 تموز 1968 أذ تسمى عادة (أعياد تموز).
خامسا: هنالك رأي متداول باتخاذ يوم 9 نيسان عام 2003 عيدا وطنيا, صحيح أنه يوم مهم في تاريخ العراق أذ تم فيه القضاء على النظام الدكتاتوري ولكن ومع الاسف تم ذلك من خلال احتلال العراق من قبل امريكا وبعض الدول الحليفة لها، لذلك فأن اعتباره عيدا وطنيا  يحمل عدم الرضا في نفسية العراقيين ويمس كرامتهم ويواجه السخرية من قبل كثير من مواطني شعوب العالم.
سادسا:تحديد تاريخ 15 كانون الثاني 2006  اذ شارك في هذا اليوم العراقيون جميعهم في انتخابات برلمانية حرة وفق دستور دائم مصوت عليه من قبل الشعب.

 أن الحدثين المذكورين في  الفقرتين  (اولا ) و(ثانيا) اعلاه على الرغم من ظهورهما في ظل الإرادة البريطانية إلا أنهما تحققا كثمرة لكفاح الشعب العراقي الذي أعلن ثورة وطنية مسلحة عام 1920 وضح فيها مطاليبه واهدافه الوطنية لذلك نقترح أما اعتماد ذكرى ثورة العشرين التي انطلقت شرارتها الاولى في 30 حزيران 1920 كعيد وطني( National Day) أذ ساهمت تلك الثورة بشكل ملموس في اضعاف الروح الطائفية بين الشيعة والسنة التي تضخمت كثيرا في فترة الحكم العثماني والصراع التركي –الايراني، و من خلالها تعززت  روح الاخوة والتضامن بين أفراد الطائفتين وبقية مكونات الشعب العراقي والتي نحن في امس الحاجة لها في الوقت الحاضر كما فرضت على المحتلين البريطانين تغير مخططاتهم والتعجيل باقامة الدولة العراقية الحديثة. او أختيار يوم 3/10/1932 يوم وطني لأن فيه دخل العراق عصبة الأمم المتحدة وانتهى من فترة الأنتداب البريطاني.

الفصل الخامس عشر: الحرية المطلقة ومصداقية كتابنا
 
 
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ – (الصافات24 )
 
كغيري من الاكاديمين فرحت لتوفر الحرية وممارستها في العراق  بعد سقوط النظام عام 2003 على الرغم ,ومع الاسف,  انها جاءت بعد دخول القوات المحتلة، لشعوري بأن وجود الحرية وخاصة في مجال الإعلام  هي الضمان الأساسي لتقدم الشعوب، وأنها أحد اسباب التطور الشامل الذي تعيشه الدول المتقدمة لأنها  وبأختصار تفجر طاقات وامكانيات أبنائها فبدلا من التطبيل والتهويل للفرد، يتولى الأعلام الإيجابي كما هو الحال في الدول المتقدمة  تشخيص الإيجابيات لغرض تعزيزها وبيان السلبيات لغرض معالجتها،
بدأت  خلال الفترة الماضية المواقع الألكترونية بنشر مقالات الكتاب وخاصة العراقيين ولكن ومع الأسف ظهرت مواضيع لبعض الأخوة الكتاب أستغلوا فيها مساحة الحرية الكبيرة المتاحة لهم، وظهرت لهم مقالات ليست  بمستوى طموحنا بعيدة كل البعد عن الواقع الذي يعيشه و يعرفه العراقيون والنظر فقط الى النصف الفارغ من الكأس، وهمها هو تشويه سمعة كثير من الشخصيات الدينية والوطنية او التطرق الى مسائل شخصية لا لسبب ربما سوى إنتمائها لطائفة او قومية او حزب او ظهرت بعد سقوط النظام  الذي يبدو بأن البعض لازال يحن ويتباكى عليه ولو بشكل غير مباشر، ومع ماكنا نتوقعه بأن هنالك اختلال سيحدث  في العراق في ممارسة الديمقراطية لأن من يعيش تحت ظل دكتاتورية مطلقة عقودا من الزمان من الصعب عليه أن يستوعب حرية مطلقة ولدت لديه بجرعة قوية ومفاجئة.
فمن خلال عملي كمساعد لرئيس جامعة بغداد سابقا بعد أن تم انتخابي عام 2003 واجهنا مشاكل كثيرة مع الطلبة اذ ان بعضهم أخذ يتدخل في الأمور العلمية والإدارية للكليات بحيث  ان عددا كبيرا   منهم إعتصم او تظاهر ضد التدريسي الفلاني الذي يدرسهم المادة العلمية أو ضد رئيس القسم أو العميد ويرغبوا  باستبدالهم باخرين وبعد مناقشتهم عن دوافع ذلك قالوا انها الحرية!!! عندها سألتهم من هو اكثر حرية الطالب الفرنسي والبريطاني ؟أم الطالب العراقي؟  فاجابوا : بل الفرنسيون والبريطانيون فاخبرتهم باني سألت هؤلاء الطلبة أثناء زياراتي لبلدانهم بانه هل يحق لهم انتخاب او تبديل رئيس القسم او العميد او رئيس الجامعة؟  فاخبروني بأنهم لايتدخلوا في ذلك لانه من اختصاص الكلية أو الجامعة  ولا علاقة لهم به.
 لذلك أوضحنا لطلبتنا بأن مفهوم الحرية ليس هو التحلل من جميع النظم والضوابط الكفيلة بتنظيم المجتمع وإصلاحه وصيانة حقوقه وحرماته، فتلك هي حرية الغاب والوحوش الباعثة على فساده وتسيبه  وان ذلك يسئ الى المجتمع عامة بأشاعة الفوضى والفساد فيه وتحطيم القيم، وأن الحرية الحق هي التمتع بالحقوق المشروعة التي لا تناقض حقوق الآخرين ولا تجحف بهم. وتذكرت حكاية أحد المعلمين الذي اخبرني انه في فترة معينة من فترات العراق صدرت تعليمات مشددة ومفاجئة بمنع ضرب الطلبة وعندما طبقوا تلك التعليمات لاحظوا بان كثيرا  من الطلبة لم يستوعبوا ذلك واثر سلبيا على أدائهم الدراسي ومن الطريف ان بعضهم يفتح يديه استعدادا للضرب بمجرد حديث المعلم معه أو المرور بقربه، إذ انهم لم يخضعوا  بفترة تدرج أو توعية في تطبيق التعليمات وحتى الله سبحانه وتعالى لم يحرم الخمر بشكل مطلق في بداية  نزول الوحي بل تدرج في شدة التحريم من منع تناولها اثناء الصلاة.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ)(النساء 43)
الى اجتنابها بشكل تام ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(المائدة 90).
لذلك فأن بعض كتابنا وجدوا أنفسهم في ليلة وضحاها أحرارا فيما يكتبوا واعتقدوا بانهم احرار حتى بكتابة التلفيق والافتراء، المهم بالنسبة لهم هو صدور مقالاتهم في مواقع مشهورة يهاجموا بها شخصيات كبيرة وربما على اساس ان الشخصية الكبيرة لايهاجمها إلا الكاتب الكبير  وكأنهم نسوا بأن الله ذكر في القرآن الكريم (وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ  ) (الجاثية 7) و (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ)  (النحل 105) وان من دواعي الكذب عند البعض هو الطمع والعداء والحسد من خلال   تلفيق التهم وتزويق الأفتراءات والأكاذيب على من يعادونه او يحسدونه وقد عانى الصلحاء والنبلاء الذين يترفعون عن الخوض في الباطل ومقابلة الأساءة بمثلها كثيرا من مأسي التهم والافتراءات وكأن لسان حالهم يقول:
وذي سفه يخاطبني بجهل           فأنف ان اكون له مجيبا
يزيد سفاهة وأزيد حلما             كعود زاده الأحراق طيبا

ويقال ان رجلا شتم أحد الحكماء، فأمسك عنه، فقيل له في ذلك قال : (لا أدخل حربا الغالب فيها أشر من المغلوب)  كما حذر القرآن من السخرية  فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(الحجرات11 ) وقال الإمام الصادق (ع) (من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه ،وهدم مروّته، ليسقط من أعين الناس ، أخرجه الله تعالى من ولايته  الى ولاية الشيطان, فلا يقبله الشيطان) وعنه (ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  (لاتطلبوا عثرات المؤمنين، فأنه من تتبع عثرات المؤمنين تتبع الله عثراته, ومن تتبع الله عثراته يفضحه ولو في جوف بيته).
والغريب في الأمر إستمرار هذه الحالة من قبل بعض كتابنا  طوال هذه الفترة على الرغم من ان معظم طلبة جامعاتنا استوعبوا بمرور الزمن حدود الحرية التي يتمتعوا بها ، وشعارهم هو  مادام  هنالك فوضى عامة في العراق فلتستغل باقصى طاقة  وكأن باقي دول العالم لاتعيش مشاكل وان شخصياتها معصومة من الخطأ إلا ماندر، وكذلك توهم مؤوسسي تلك المواقع بأنهم بذلك يساهمون في حرية النشر  ويتباهون بالكم الذي ينشرونه وبألقاب وأسماء الكتاب  الذين ينشرون لهم حتى  صارت مواقعهم منارا ومنبرا لمن هب ودب، ومن الغريب بعد ان تناقش  احد مسؤولي بعض  المواقع عن المقالات الرديئة فيتعجب ويقول وهل ان هذا الكلام منشور في موقعي؟؟؟؟ فيبدو بأن اطمأنانه للأمور جعلته لا يراجع تلك النصوص قبل نشرها ومن أجل إصلاح  ما افسده الدهر  نقترح مايلي:

اولا: ان يتذكر كاتب المقال اثناء كتابتة بأنه سيكون مسؤولا امام الله (يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ  ) (غافر 52) عن كل كلمة كتبها وان يخشى عقاب الله (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ  )  (فاطر 28) واذا كانت الغيبة او البهتان في اذن شخص توجب سيئة فما بال نشرها وتوثيقها امام مئات الالوف او الملايين احيانا.

ثانيا: أن يعي كتاب المقالات المسؤولية الأخلاقية الكبيرة الملقاة على عاتقهم كونهم مثقفين ومن المفروض ان يحترموا الكلمة التي يكتبوها ويدققوها ويتحروا مصداقيتها قبل تدوينها.

 ثالثا: يقوم  مسؤولو المواقع أو العاملون معهم بمراجعة  المقالات جيدا قبل الموافقة على نشرها لأن مسؤوليتهم كبيرة أمام الله وامام القراء والقانون وهم شركاء في نشر الافتراءات او البهتان لأنها تظهر في مجالسهم (مواقعهم).
 
رابعا : تفعيل  التشريعات القانونية  التي يحق فيها لمن يتعرض الى افتراءات رفع دعوى قضائية ضد الكاتب وموقع النشر.
 
خامسا : تخصص في المواقع فقرة في اخر المقال لغرض نشر الردود  وظهورها تباعا مع المقالات في نفس الوقت كما يفعله على سبيل المثال مواقع أيلاف والنور ووكالة انباء براثا لكي يعرف اصحاب المقالات بان هنالك اقلاما ستنتقد مقالاتهم.

سادسا : التأكد  من الأسماء الحقيقية لأصحاب المقالات والسيرة الذاتية لهم لأن البعض  يختفي وراء أسماء مستعارة تهربا من مسؤولية النشر.
 
سابعا  : يتولى اصحاب الاقلام النظيفة الرد على المقالات الرديئة وعدم ترك الساحة فارغة لهم وان يفتح لهم المجال بذلك من خلال نشر الردود اذ ان بعض المواقع تمتنع من نشر الردود بحجة حرية الراي وتجنب المشاكل.
 
مع وافر حبي وتقديري للأقلام الصادقة التي تبتغي قول الحقيقة والأصلاح ونتطلع الى ذلك اليوم الذي لا يوجد فيه أتجاه معاكس لقول الحقيقة وعمل الخير  مع أهمية وجود اختلاف الفكر والرأي لأننا نطمح بأن نؤسس للأتجاه الذي يحفز على العمل الصالح  الذي يرضي الله سبحانه وتعالى ويخدم الانسانية (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة 105) صدق الله العظيم.

الفصل السادس عشر: زيادة رواتب الموظفين حل أم مشكلة؟

تحدثنا في الفصل الرابع عشر عن الحرية المطلقة ومصداقية كتابنا ودور الإعلام الإيجابي في الدول المتقدمة الذي يعمل على  تشخيص الإيجابيات من أجل تعزيزها وبيان السلبيات لغرض معالجتها  وأهمية الإبتعاد عن الإعلام السلبي الذي هدفه هو تشويه الحقائق وسمعة الآخرين إذ أن كثيرا  من الكتاب ينظر فقط الى النصف الفارغ من الكأس وبمقالتنا هذه سنحاول النظر الى النصف الممتليء منه بعناية ونحاول أن نعطي بعض المقترحات من أجل تقليل حجم  النصف الفارغ والمساهمة في بناء الدولة العراقية إذ تقع المسؤولية على الجميع  في دعمها و تقويمها وأن الحكمة تقول أشعل شمعة خير من ان  تلعن الظلام.  
يعد التخطيط أداة من أدوات الإدارة الصحيحة والمهمة في إدارة الدولة إذ أنه عملية إتخاذ قرارات لتحديد إتجاه المستقبل من خلال معرفة أين نحن الآن؟ وأين نريد الوصول؟ وكيف نصل الى مانريد؟ وأن العمل بدون خطة يصبح ضربا من العبث وضياع الوقت إذ تعم الفوضى والإرتجالية ويصبح الوصول الى الهدف بعيد المنال وإن التجارب التي مررنا بها خلال الفترة السابقة خير دليل على أهمية التخطيط الذي كان مفقودا في كثير من مفاصل الحياة.
لذا  يجب علينا أن نستفيد من تلك الاخفاقات التي مر بها العراق والتي أوصلتنا الى مانحن فيه،   إذ طالما شعر المواطن والموظف بشكل خاص بالتفاوت الكبير بين أبناء العراق بالحقوق والواجبات تحت ظل الأنظمة السابقة وكان يتمنى، بل يحلم، بأن يمهله الله من العمر ليرى العدالة تسود الجميع، وقد فرح معظمهم بعد سقوط النظام لأن هنالك آمالا معقودة على السياسيين الجدد خصوصا إن معظمهم عانى من الظلم وعدم المساواة بين أبناء الشعب، وإن التخطيط والعدالة سيكونا السمة الاساسية لبناء العراق الجديد والابتعاد عن القرارات التي  تتخذ دون دراسة معمقة، ولكن المواطن رغم صدور كثير من القرارات التي حسنت من مستواه المعاشي وحققت له جزءا  من العدالة التي افتقدها لعقود من الزمن إلا انه يصاب أحيانا بخيبة أمل بسبب صدور بعض القرارات  التي تنظر الى فئة معينة او طبقة معينة من المجتمع دون  التخطيط للدولة العراقية وعلى سبيل المثال منح امتيازات بزيادة مخصصات بعض موظفي وزارات الدولة دون غيرها.
لذا نقترح على حكومتنا الموقرة الأهتمام بالأمور التالية:
1: إعتماد مبدأ التخطيط الشامل المتكامل اي التخطيط الاستراتيجي للدولة العراقية وبشكل مبسط اعتماد حالة لاعب الشطرنج الماهر الذي ينظر الى كافة ادوات اللعبة قبل تحريك احدهما. 
: 2 إعطاء دور مهم لوزارة التخطيط لتتمكن من ممارسة مهماتها في تخطيط سياسة الدولة ومتابعة تنفيذها في كافة قطاعات الدولة لأنها المسؤولة عن اعداد خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتعبئ لتنفيذها الموارد الاقتصادية والبشرية.
: 3 يجب النظر إلى كافة قطاعات الدولة نظرة ابوية واحدة دون تفضيل احدهما على الاخر لأن كل منهما يكمل دور الآخر.
 : 4 التقليل من الرواتب والامتيازات التي تمنح لدرجة المدير عام صعودا أو مايعادلهم من المواقع المهمة في الدولة وتحديد فترة بقاؤهم في المنصب، لأننا نرغب بان يستلم المفاصل الأساسية في إدارة الدولة العراقية أو ممثلي شعبها في مجلس النواب, قادة مضحون هدفهم خدمة الشعب العراقي بحيث يشعروا بهموم الآخرين وان الكرسي الذي يجلسوا عليه لا يجلب لهم إمتيازات بحيث يمنعهم من الاستغناء عنه، وعدم خلق تفاوت كبير بين أبناء الشعب.
 5: تفعيل تطبيق قانون التقاعد الذي صدر مؤخرا والذي كان عادلا و شاملا لكافة موظفي الدولة وبالذات التقيد بالسن القانوني للأحالة على التقاعد، لأن ذلك سيوفر فرص عمل للشباب والحفاظ على كرامة الموظف الذي امضى عمره في خدمة الدولة بعد تأمين الراتب التقاعدي الملائم لمعيشته مع أمكانية الاستفادة من خدمات البعض من خلال تنظيم عقود عمل في دوائرهم بعد أحالتهم على التقاعد لمعالجة الحالات الاضطرارية.
 6: الإبتعاد عن النقابية من قبل السادة الوزراء والمستشارين وان لايرفعوا من امتيازات بعض موظفي وزارتهم دون النظر الى بقية الفئات لأن النظر الى الدولة العراقية يجب ان يكون اولا.
: 7 يجب الانتباه الى ان اعطاء امتيازات لموظفي وزارة معينة يجعل موظفي بقية الوزارات يطلبوا الإنتقال اليها وبأي وسيلة ممكنة وهذا ماحصل فعلا من انتقال معظم حملة الشهادات العليا من مختلف الوزارات الى وزارة التعليم العالي بعد مضاعفة الرواتب عام 2006، وأذا طبقت القرارات الجديدة بمضاعفتها مرة ثانية ربما من النادر ان نجد اصحاب الشهادات العليا في بقية الوزارات وكأن دورهم فقط في وزارة التعليم العالي للتدريس في الجامعات وليس لهم دور علمي وبحثي واستشاري في بقية قطاعات الدولة.
: 8 يمكن للدولة من رعاية وأستقطاب أصحاب الشهادات العليا والكفاءات العلمية في عموم مؤسسات الدولة من خلال وضع سلم معين بزيادة الرواتب إعتمادا على نوع الشهادة والخبرة التي يحملوها بحيث نضمن العدالة للجميع.
: 9 وضع أسس عامة وعادلة للرواتب الشهرية لموظفي الدولة تعتمد على الشهادة واللقب العلمي أو الوظيفي والمنصب وسنوات الخدمة والحالة الزوجية و عدد الاطفال وغيرها من الأسس التي تضمن العدالة واستمرار اصحاب الخبرة في مؤوسساتهم وشعورهم بالرضا والأرتياح لأن العدالة تحقق الامن النفسي للأفراد والجماعات.
 : 10 في ظل التخطيط يطمئن الجميع الى ان الأمور التي تهمهم قد أخذت بنظر الأعتبار أذ انها تقلل من الفساد الاداري الذي من اسبابه الرئيسية الشعور بالغبن والحاجة المادية لتمشية الامور المعاشية، وبأتباع أي وسيلة خصوصا وان معالي رئيس الوزراء العراقي أعلن بأن العام القادم 2008 سيشهد أن شاء الله محاربة للفساد الاداري وان معرفة الاسباب ومعالجتها افضل من الاهتمام بالظاهرة فقط إذ ان الوقاية خير من العلاج.
11 :يمكن للوزارات وضع بعض الخصوصيات لغرض زيادة الانتاج و تشجيع الموظفين على العمل في ظروف خاصة مثل إعتماد مبدا الحوافز المالية و اضافة مبالغ كأجور نقل لموظفي المناطق النائية او الذين يمارسوا إعمال خطرة أو اجور أعمال إضافية وساعات محاضرات او غيرها.
: 12 تحديد مخصصات ممارسة مهن متميزة والتي لم تشمل بالزيادات السابقة كالأطباء البيطريين والمهندسين والمهندسين الزراعيين او غيرهم، خصوصا وأن العراق مقبل على تأسيس مشاريع أستثمارية صناعية وزراعية وعمرانية، ووضع مخصصات ممارسة الحرف مثل للميكانيكي والحداد والنجار والكهربائي وغيرها التي تحتاج الى خبرتهم وجهودهم.
: 13 يجب إدراك تأثير زيادة الرواتب  على بقية موظفي الدولة والإقتصاد بشكل عام وحتى على  موظفي القطاع الخاص،  فمن حيث المبدأ فان الراتب هو مقابل انتاج الموظف ويراعى فيه أيضا تكاليف المعيشة ومايكون من غلاء وتضخم في الأسعار، إلا ان مايحدث  في معظم الاحوال هو ان الزيادة في الرواتب تؤدي الى مزيد من الغلاء اذ ان القيمة الحقيقية للراتب لاتتغير بل ربما تتناقص  مالم يصاحب ذلك زيادة  في الانتاج يبرر الزيادة في الرواتب، ولهذا لابد ان يواكب زيادة الرواتب إتخاذ إجراءات لمنع تسرب هذه الزيادة من جيوب الموظفين الى جيوب التجار ولو ان منطق السوق أقوى عادة من منطق اي حكومة.
: 14 وضع الخطط الكفيلة ببناء الشقق السكنية وتوزيعها على المواطنين والموظفين بشكل خاص وبإيجار مناسب لأن توفيرالسكن يحتل أهمية كبرى في حياة الموظفين وأستقرارهم النفسي و إستثمار طاقاتهم.
: 15 تكون الزيادة على شكل مبلغ مقطوع بدل النسب المئوية من مقدار الراتب لغرض تقليل الفجوات بين الرواتب العالية والرواتب القليلة ودعم ذوي الدخل المحدود.
: 16 الأهتمام بمفهوم الدخل الشهري للموظف بدل الراتب الشهري لأن الأول يتضمن الراتب الشهري ومجموعة الحوافز والأنشطة وساعات العمل الاضافية التي يقوم بها الموظف من اجل تحسين مستواه المعاشي وزيادة انتاجيته.
فلا يكفي أن ترتفع الرواتب لكي تتحسن اوضاع بعض الموظفين لتؤثر سلبا على بقية موظفي الدولة والإقتصاد بشكل عام، فالأهم من ذلك هو أن تكون هناك خطط واضحة وأجراءات شاملة لتحسين الدخل الشهري و الوضع المعيشي للموظفين بغض النظر عن نوع الوزارة التي يعملون بها من خلال أعتماد  مجموعة العوامل والمعايير التي تحقق الرضا والعدالة لدى الجميع، وليس المساواة ولو ان رضاء الناس غاية لاتدرك.

الفصل السابع عشر:الموظفون وخفافيش الظلام
 
(وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)  صدق الله العظيم (التوبة 105 )

غمرتني فرحة كبيرة بعد  صدور قرار مجلس الوزراء العراقي في اليوم الثاني من السنة الميلادية الجديدة 2008، والتي نتمنى  أن يسود بها الأمن فيها بالعراق و تتحقق خلالها  الوحدة الوطنية والأستقلال ويتم فيها البناء والأعمار ومكافحة الفساد الإداري، والذي يخص تحسين رواتب الموظفين من خلال أقرار مسودة تعديل قانون الخدمة المدنية الموحد  لسببين أساسيين:

أولا: لأنه صدر في الوقت الملائم بعد  تنامي الطلب على الإحتياجات الأساسية للمواطن  وإرتفاع تكاليف المعيشة في العراق، إذ أصبحت الرواتب  عاجزة عن تلبية متطلبات الحياة رغم إجراء عليها الكثير من الزيادات خلال الأربع أعوام المنصرمة   إلا إنها  لازالت لاتوازي مستوى التضخم  الإقتصادي الذي هو ضعف في القوة الشرائية للعملة ،وزيادة أسعارمختلف المواد الغذائية و السلع الأستهلاكية وأجور النقل خصوصا بعد التحسن الكبير الذي طرأ على أسعار النفط في الأسواق العالمية، آملين أن تعمل تلك الزيادات بالرواتب  على التخفيف من معاناة الموظفين ذوي الدخل المحدود خصوصا وان الدولة  أعلنت بأنها ستدعم زيادة الرواتب بخطوات اقتصادية لضمان إلا تكون سببا في إحداث تضخم وزيادة في الأسعار، بحيث نضمن وصول تلك الزيادة بالرواتب الى جيوب الموظفين بدلا من جيوب التجار.

كما إن معظم التعديلات جاءت وفق الأسس التي إقترحناها في الفصل السابق (زيادة رواتب الموظفين حل أم مشكلة ؟)  والتي أوصلناها الى بعض الجهات المسؤولة في الدولة فقد راعت التعديلات الجديدة  العدالة في كثير من الجوانب وإهتمت بالموظفين حديثي التعيين ذوي الدرجات الدنيا من السلم الوظيفي ونظرت الى كافة الموظفين نظرة أبوية واحدة وميزت بعضهم على بعض إعتمادا على أسس منطقية  كمؤهلاتهم ونوع الشهادة الدراسية التي يحملونها والخبرة الوظيفية والحالة الأجتماعية والمنصب والموقع الجغرافي للعمل والخطورة وغيرها، إذ حققت نسبة كبيرة من الرضا لدى عموم الموظفين وشعور الموظف بأن السادة المسؤولين غير بعيدين عن معاناته اليومية وهمومه المعاشية وليس إهتمامهم بإمتيازاتهم الشخصية التي طالما  يسمع بها  من خلال وسائل الأعلام، و بنفس الوقت تغض  هذه الوسائل الطرف بالتطرق الى تلك القرارات الجديدة التي تزرع الإطمئنان والأمل في النفوس التي أتعبتها الحروب والحصار الاقتصادي والدكتاتورية وظروف مابعد الإحتلال والصراعات الداخلية وتدهور الأمن وضعف الخدمات العامة، ولكن هنالك بعض الجوانب التي لم تذكر في المسودة مثل تقليص رواتب المسؤلين ذوي الدرجات العليا، وتحديد رواتب الحد الأدنى لحاملي شهادة الدبلوم (سنتان بعد الاعدادية) والدبلوم عال (سنة أو سنتان بعد الشهادة الجامعية) وضرورة الإبتعاد عن النسب المئوية بزيادة الرواتب من خلال وضع مخصصات مقطوعة لغرض إستفادة ذوي الرواتب القليلة وتقليل الفروقات الكبيرة بين رواتب الموظفين، وتحديد مخصصات عدد الأولاد ومخصصات مقطوعة لأصحاب الحرف وغيرها من الأمور التي يمكن تعديلها و إضافتها لاحقا.

إلا إننا لازلنا نسمع بعض الأصوات النقابية التي لاترغب بسيادة العدالة ويودون  أن تتميز فئاتهم على غيرها لذا على حكومتنا الموقرة أن تمضي بنهجها الأبوي التخطيطي والعادل بتطبيق  تعديلات قانون الخدمة المدنية الموحد على جميع موظفي الدولة العراقية دون تمييز لموظفي فئة أو وزارة معينة دون غيرها.

ثانيا: لشعوري بنجاح وجدوى الإعلام الإيجابي تحت الظروف الإستثنائية التي يعيشها العراق لغرض التبصير بالأمور التي تخدم المجتمع والمساهمة قدر الأمكان وكل من موقعه وحسب طاقته في بناء العراق  وتضميد جراحاته، وكبديل للدور التثبيطي ولانقول التخريبي  الذي لازال يمارسه، ومع الأسف، بعض الكتاب نتيجة إنتهاجهم الأعلام السلبي من خلال نسج وترويج الأكاذيب والأفتراءات وتوزيع الشتائم والقذف على كل من يتصدى للعمل السياسي أو القيادي في العراق، إذ أحسست بأن هنالك شمعة قد أضيئت وسط الظلام الذي ساعد على نمو وظهور وانتشار كثير من خفاقيش الليلَ  الذين لاهم لهم سوى وضع العصي والمطبات في طريق القافلة  التي ستستمر بالسير باذن الله  لتبني عراقا مستقلا موحدا يشارك في بنائه وقيادته  الجميع (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ) ( الرعد 17).

الفصل الثامن عشر: لماذا يثير بعض كتابنا الطائفية والعنصرية ؟

(دعوا الفتنة نائمة لأنها عندما تستيقظ فسوف يندم العراقيون)

ظهرت في  بعض القنوات الفضائية و المواقع الألكترونية ، خلال الفترة الماضية وبعد توفر الحرية المطلقة في العراق ،عددا من  الندوات والمقالات هدفها إثارة النزعات الطائفية والعنصرية من قبل بعض الكتاب ليعبروا فيها عن حرية التشهير والإفتراء والدس والطعن، بدلا من حرية الرأي التي تمارس عادة في الدول المتقدمة لغرض الأصلاح والتطوير، وكان من أشدها هجومهم على القرآن والأنبياء والصحابة والأئمة الأطهار  والرموز الدينية والوطنية ،والدعوة للطائفية  والعنصرية بمختلف الوسائل، وعلى سبيل المثال، ادعاء بعضهم بأن أصل غالبية العراقيين وخاصة سكان الجنوب ليس عربيا بإدعاءات وافتراءات لاتمت الى الحقيقة والواقع الذي يعرفه الجميع ووصفوا وكأنهم كائنات جاءت من القرون الوسطى أو الكواكب الأخرى والطعن بوطنيتهم ومواقفهم الوطنية والقومية المشهودة ، اذ شاركوا في كل الحروب الوطنية والقومية وقد تصدوا ببسالة للأحتلالين البريطاني عام 1920 والأمريكي عام 2003 ،ولأن لكل فعل رد فعل، فقد رد عليهم آخرون بمقالات أو ندوات قد تشجع على تفتيت لحمة الشعب العراقي وتمزق أوصاله بعد أن تحركت لدى البعض منهم المشاعر الطائفية التي هي عبارة عن رد فعل المظلوم تجاه الظالم وعن إحتماء الفرد بجماعته الفرعية (طائفته) لمقاومة ظلم تمارسه الدولة أو يمارسه المجتمع.

فالطائفية لاتبنى على الإختلاف في الرأي وإنما تبنى على التعصب المبتذل للرأي، إنها ترفض التعايش مع الآخر وتهدف إلى إقصائه وتهميشه وهي لاتقبل المشاركة العادلة وإنما تمارس الإستحواذ على كل شئ، إذا هي قضية سياسية إجتماعية بالدرجة الأولى. كما إن الطائفية لاعلاقة لها في الواقع بتعدد الطوائف والديانات إذ من الممكن تماما أن يكون المجتمع متعدد الطوائف الدينية أو الأثنية من دون أن تؤدي إلى مشاعر الحقد والتفرقة إذا ماتم توجيه المجتمع بالولاء للدولة والقانون الذي يمثله كما تشهده معظم دول العالم.
وبودي أن أبين إن رسالة المثقفين التي من المفروض القيام بها هي ليس تحريك واثارة النعرات الجاهلية والطائفية والعنصرية بل من المفترض أن تجود ألسنتهم و أقلامهم بما يخدم لحمة الشعب العراقي وتضميد الجراحات التي نزفت كثيرا لا أن يهيجوا بل يفتحوا جروحا جديدة، ونحن نعرف إن اصحاب المبادئ والمثقفين لا تأخذهم الأحقاد التي تعمي عادة بصائرهم عن الحق والحقيقة.
وأن نبتعد عن العصبية التي هي مناصرة المرء قومه أو أسرته أو مذهبه أو معتقده فيما يخالف ماأمرنا الله به وينافي الحق والعدل إذ إنها من أخطر النزعات وأفتكها في تفريق شملنا وإضعاف طاقاتنا الروحية والمادية وقال رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ( ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية) و (من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية،بعثه الله تعالى يوم القيامة مع أعراب الجاهلية) وقال صلى الله عليه وآله وسلم ( إن الله تبارك وتعالى قد أذهب بالإسلام نخوة الجاهلية، وتفاخرها بآبائها، ألا إن الناس من آدم، وآدم من تراب، وأكرمهم عند الله أتقاهم).
 وأصدق شاهد على واقعية الإسلام لأنه دين السلام والتسامح بأستنكاره النعرات العصبية المفرطة وجعله الإيمان والتقى مقياسا للتفاضل أذ أن أبا لهب وهو من صميم العرب وعم النبي صرح القرآن بثلبه وعذابه وذلك بكفره ومحاربته لله ورسوله بينما قرب رسولنا اليه وأمتدح بلال الحبشي وصهيب الرومي وكان سلمان فارسيا، بعيدا عن الأحساب العربية، وقد منحه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وساما خالدا في الشرف والعزة، فقال (سلمان منا أهل البيت) وما ذلك إلا لسمو إيمانه، وعظم إخلاصه، وتفانيه في الله ورسوله.
إن العصبية الذميمة التي حذرنا الاسلام  منها هي التناصر على الباطل والتعاون على الظلم والتفاخر بالقيم الجاهلية أما التعصب للحق والدفاع عنه والتناصر على تحقيق المصالح العامة كالدفاع عن الدين وحماية الوطن وصيانة كرامات المواطنين وأنفسهم وأموالهم فهو التعصب المحمود الباعث على توحيد الأهداف والجهود وتحقيق العزة والكرامة. وقد قال الله سبحانه وتعالى
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات13 ).

من إستقرأ تاريخ الشعوب وتتبع العلل والأسباب في تأخرهم وتمزقهم وإحتلالهم من قبل الآخرين توصل الى الإستنتاج بأن النزعات العنصرية والطائفية والعرقية هي السبب في ذلك، إذ تنخر الطائفية عظام كل مجتمعاتنا التي يجب علينا جميعا نبذها ومحاربتها لا أن نثيرها ونمهد لها.
ولنستفيد من سلوكية شعوب العالم المتحضرة التي تخلت عن العنصرية  ولنتعلم من تجربتها فكيف أصبحوا لاينظروا الى لون أودين أوطائفة أو عرق المواطن بل الى كفاءته وعمله ووطنيته وأخلاقه، وللنظر بتمعن إلى الميثاق الدولي لهيئة الامم المتحدة فقد نصت المادة (2) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون تمييز، كالتمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي السياسي، أو الأصل الوطني،أوالاجتماعي.
وقد جاء في إعلان الأمم المتحدة الخاص بالقضاء على التمييز العنصري بكل أشكاله الذي صدر في 20/11/1963 إن التمييز بين البشر على أساس العنصر أو الدين أو الأصل الإثني هو جريمة في حق الكرامة الإنسانية، وأكدت الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري بكل أشكاله التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1965:
 إن الدول الأطراف  في الاتفاقية تتعهد بحظر التمييز العنصري والقضاء عليه بكل أشكاله وبضمان حق كل إنسان في المساواة أمام القانون فيما يتعلق بالحقوق الإنسانية والحريات الأساسية.
كما تشجب جميع الدعايات والتنظيمات القائمة على الأفكار أو النظريات القائلة بتفوق أي عرق أو أية جماعة من لون أو أصل اثني واحد، أو التي تحاول تبرير أو تعزيز أي شكل من أشكال الكراهية العنصرية والتمييز العنصري، وتتعهد بإتخاذ التدابير الفورية الإيجابية الرامية إلى القضاء على كل تحريض على هذا التمييز وكل عمل من أعماله، وتتعهد خاصة، تحقيقا لهذه الغاية ومع المراعاة الحقه للمبادئ الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللحقوق المقررة صراحة في المادة 5 من هذه الاتفاقية،بمايلي:

أ) إعتبار كل نشر للأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية، وكل تحريض على التمييز العنصري وكل عمل من أعمال العنف أو تحريض علي هذه الأعمال يرتكب ضد أي عرق أو أية جماعة من لون أو أصل أثني آخر، وكذلك كل مساعدة للنشاطات العنصرية، بما في ذلك تمويلها، جريمة يعاقب عليهاالقانون.

ب) إعلان عدم شرعية المنظمات، وكذلك النشاطات الدعائية المنظمة وسائر النشاطات الدعائية، التي تقوم بالترويج للتمييز العنصري والتحريض عليه، وحظر هذه المنظمات والنشاطات واعتبار الاشتراك في أيها جريمة يعاقب عليها القانون.

وقد مرت شعوب العالم بحروب طاحنة بسبب التمييز العنصري كما حدث في جنوب افريقيا وامريكا وكثير من الدول إلا أن جنوب أفريقيا تعيش الأن بأمن وسلام بعد أن تخلت حكومة البيض الأقلية عن السياسة العنصرية التي كانت تنتهجها وكلنا نسمع ونشاهد هذه الأيام كيف ان امريكا تحولت من دولة للتمييز العنصري بين البيض والسود في القرن الماضي الى دولة ربما يقودها ويصبح رئيسها رجل من عائلة افريقية مسلمة هو باراك حسين أوباما بعد ان نال ترشيح كثيرا من الولايات الامريكية.

لذا على المواقع الألكترونية ووسائل الأعلام الأخرى عدم الترويج للأفكار التي تسئ للدين والمذهب والمقدسات ، والإبتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري أو الإساءة للرموز الدينية والوطنية بحجة حرية الرأي، وعلى كتابنا أن يبتعدوا عن إثارة النعرات الطائفية والمناطقية والعشائرية، لأنهم يمثلوا الشريحة الواعية في المجتمع.

 أما الذين لايفيدهم النصح وتأصلت لديهم الأحقاد ربما لاينفعهم إلا ما إقترحناه في أحدى الندوات التي اقيمت في جامعة بغداد بعد سقوط النظام، بأن تؤسس في العراق مصحات أو مراكز نفسية خصوصا للمتعلمين منهم لغرض إجتثاث رواسب الماضي، ولكن تظهر الحيرة والمشكلة مع البعض الذين يعيشوا خارج العراق ولم يتأثروا بالمستوى الحضاري والتقدم الذي تعيشه الدول التي يقيموا بها، لذا نتمنى من الله أن يهديهم الى الطريق السليم ويشفيهم مما إبتلوا به من عقد وأمراض نفسية خلال العقود القاسية الماضية التي مر بها العراق،  وقد قال الله سبحانه وتعالى (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ) (محمد 29 ).

وألا يحق لنا أن نطالب بترك الفتنة نائمة بل لنساهم بالقضاء عليها لمصلحة جميع العراقيين كما ذكرنا من موعظة (دعوا الفتنة نائمة لأنها عندما تستيقظ فسوف يندم العراقيون)  اشتققناها من قول نابليون عندما أشار الى ترك العملاق الصيني نائما الذي يعيش الآن سكانه في أخوة صادقة وبدولة واحدة رغم انتمائهم إلى 56 قومية ولديهم أعداد كثيرة من اللغات والأديان والطوائف والمعتقدات، بعد ان منحت السلطة المركزية القوميات الإدارة الذاتية  للحكم و سمحت لهم بممارسة الطقوس الدينية والخصوصيات الثقافية و القومية.

الفصل التاسع عشر، نوري السعيد: كن عمليا ولاتكن مثاليا

كان هنالك ضابط عراقي يتمرن في الكلية العسكرية التركية على فنون القتال وليس على فنون السياسة، والذي أصبح فيما بعد شخصية سياسية لعبت دورا مهما في حياة العراق ومنطقة الشرق الأوسط. وقد كانت طبيعة التمرين بأن ذلك الضابط مسؤول بالدفاع عن المدينة التي يتواجد بها ضد هجوم خارجي، ولكون تربيته كانت مثالية فقد وجد بأن الأسلحة المتوفرة لديه غير كافية ولاتستطيع أن تقاوم الهجوم. ومن مبدأ أنساني قرر أن يسحب قواته لمواجهة القوات الهجومية خارج المدينة، وعندها أوقف الكولونيل الألماني المسؤول عن التمرين الأستمرار بالتمرين ليلقي محاضرة تستغرق أكثر من ساعتين وليعطي ذلك الضابط درسا مهما في حياته وأن يبلغه:
 كن عمليا ولاتكن مثاليا وأن القائد الناجح يجب أن ينتصر في الدفاع عن قريته بالموارد المتاحة لأنها مسألة واجب وطني ومن أجل ذلك يجب على القائد أن يستخدم عقله وطاقته بما وضع بين يديه.
وبقيت هذه الحكمة راسخة في عقليته وهو الباشا نوري السعيد (1888-1958) الذي اصبح رئيسا لأربعة عشر وزارة عراقية للفترة 1930-1958 الذي قال:

 لقد أعطاني كلام  الكولونيل الألماني الفكرة التي خصصت لها حياتي فيما بعد وهي أن تكون  عمليا وأن لاتكون مثاليا، ومن ينتقدونني دائما يريدون مني أن أكون مثاليا، فإذا كل شئ يأتي كما تشتهي فما نفع مصطلح القدرة؟ استخدم ما هو تحت يديك، ولاتنتظر حتى يكون كل شئ مثاليا حتى تتحرك، وتفقد في النهاية فرصتك.

أما منتقدوه فيعتبرونه أهم شخصية سياسية لعبت دورا خطيرا في تاريخ العراق خلال الحكم الملكي الذي أمتد من 1921 لغاية 1958 إذ كانت بريطانيا تعتبره رجل المهمات الخاصة والكبرى للمصالح البريطانية في العراق ومنطقة الشرق الأوسط.

 وقد قام هذا الضابط  فيما بعد  بأدوار سياسية مهمة في حياة العراق والوطن العربي ولو نظرنا كمنصفين لوجدناه أنه كان واقعيا في نظرته للوضع العربي والأمور السياسية خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي.
 وعلى سبيل المثال فقد ذكر الكاتب العراقي سهيل العباسي “بأن مجلة الف باء نشرت في منتصف الثمانينيات من القرن السابق وثيقة تشيرالى ان الباشا يرحمه الله قد استدعى السفير البريطاني انذاك في بغداد عام 1957 وتكلم معه بقوة وجراءة معاتباً حكومته على رفض انضمام الكويت (قبل ان تكون دولة) إلى الاتحاد الهاشمي بين العراق والأردن قائلاً له ان الأردن دولة فقيرة ومواردها محدودة جداً وان انضمام الكويت إلى هذا الاتحاد يضيف له قدرة اقتصادية قوية تمكنه من منافسة الجمهورية العربية المتحدة التي تكونت   من اندماج مصر وسوريا.
 ثم قال له بالحرف:
انكم قد خذلتمونا واحرجتم موقفنا وفي الوقت الذي نسعى فيه إلى ان نوثق علاقتنا معكم ونريد دعمكم لا تنفذون ذلك وانكم قد انشأتم اسرائيل في وسط العالم العربي وقدمتم لها دعماً قويا جداً واستعدتم شعوبنا علينا واتهمونا بالعمالة لكم وليس هذا الموقف الذي نتوقعه منكم، نحن الحكام الذين اسسوا احلافاً عسكرية معكم وانشأوا اقوى العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية مع دولكم في الغرب، ثم اردف قائلاً : ستقوم ثورة في العراق بالتخلص منا والمجيء بحكام وطنيين اكثر منا ولا يتعاونون معكم بالمطلق كما نتعاون نحن وسيؤدي ذلك إلى ضياع مصالحكم التي نرعاها لاننا نؤمن بافكاركم وان التخلي عنا سيؤدي إلى مجيء حكام اخرين تتعرض من خلالهم مصالحكم إلى الخطر.

وسيأتي يوماً اقتل وتسحل جثتي بالشوارع لا لشيء الا انني اتعاون معكم لمصلحة شعبي ولكنكم لا تقدرون مغزى ذلك ثم قال: ولولا خشيتي من تقول الناس علي واتهامي بالخوف لكنت غادرت العراق ومعي عائلتي لاعيش اخر ايام عمري في قرية من قرى اوربا وادون مذكراتي عن ذلك.
هذه النبوءة تحققت وتعرض هذا الرجل السياسي لوطني إلى ذلك وهو الذي قالت عنه يوماً (مس بل) حينما رأته لاول مرة قادماً من الحجاز مع الملك فيصل الاول لإستلام العرش العراقي بعد ان اطالت النظر اليه وقالت كلمتها المشهورة (بعد ذهابه)”:
اما ان نكسب هذا الرجل أو نترك العراق
وكان يفكر دائما في تطوير العراق الذي بإعتقاده كان عاجزا عن التخلص من الفقر – كان النفط مدفونا في أرضه-  وبناء الدولة لايتم إلا بإستعانته بالدول المتقدمة وكانت بريطانيا في مقدمتها، وكان ينظر للحياد الأيجابي الذي دعا له الرئيس جمال عبدالناصر نظرة سلبية لأنه يعتقد:
 (أن التاريخ سيلعن من يتلاعب بعواطف الجماهير، مقابل التضحية بالمصالح الوطنية لأن الحياد قد يكون كارثيا) وكان يكرر القول: (للعرب خياران، أما التحالف مع الغرب أو التحالف مع موسكو).
 ومن غير المعروف أو الشائع لدى العرب وحتى العراقيين بأن نوري سعيد هو من مؤسسي الجامعة العربية وهو الذي يقول بعد نكبة عام 1948 بأنه:
(يجب على إسرائيل حل مسألة اللاجئين قبل أن تتوقع أن يجلس العرب معها) وقد دعا في عدة مناسبات علنية إلى ضرورة تطبيق قرار الأمم المتحدة للتقسيم الصادر عام 1947 من أجل حل القضية الفلسطينية.

ولو عدنا الى أدبيات إرتباط  السياسة بالمفهوم المثالي نراها غير قابلة للتطبيق اي عدم الواقعية أو العملية فيما يطمح إلى تحقيقة، لذا تم اللجوء لأعتماد الواقعية السياسية التي لاتعني الأستسلام للأمر الواقع، وأنما هي علم تهدف قواعده إلى التعامل مع الواقع بحكمة، وتقصد تحويله وتغيير معطياته بما يخلق واقعا آخر أفضل وأبقى.

 لكن ليس بالإمكان في جميع الأحوال استرداد الحق المغتصب بالحوارات السياسية، بل لابد أحيانا من اللجوء إلى القوة المسلحة التي تعني استخدام الواقعية او الأمور العملية لحل المشاكل، كما حدث في تحرير الجزائر من الإحتلال الفرنسي أو هزيمة الأمريكان في حرب فيتنام وخروج العراق من أرض الكويت. لذا نجد أن قرارات الأمم المتحدة بشأن أنهاء الإحتلال الأسرائيلي للأراضي العربية المحتلة ظلت حبرا على ورق لأنها لم تجد القوة التي تفرض تنفيذها جبرا وتجعل اسرائيل ترضخ لأرادة المجتمع الدولي اذ أن مسيرة القضية الفلسطينية لم تنطلق على اساس الواقعية السياسية وأنما على أساس التسليم بالأمر الواقع.

لو نظرنا إلى الحكمة والواقع العملي العراقي والعربي الذي نظر له نوري سعيد وإلى الواقعية السياسية لتجاوزنا كثيرا من المشاكل والكوارث التي أبتلى بها العرب والعراق خاصة مثل نكبة عام   1948 ونكسة عام   1967 وحروب الخليج وإحتلال العراق في عام  2003. واستمرار إسرائيل بإحتلال القسم الأكبر من الأراضي الفلسطينية والجولان السوري وبعض المناطق من لبنان، ولحصل الفلسطينيون على دولة فلسطنية مستقلة منذ عام 1947 بدلا من حكم ذاتي ناقص السيادة، بعد أن طبقنا مثاليتنا دون اقترانها بدراسة الواقع العربي. فلانحن استخدمنا السلاح بشكل كفوء وأيجابي لتحقيق طموحاتنا، ولا لجأنا للواقعية السياسية للحصول على بعض الحقوق وإنما كان كلامنا أكثر من أفعالنا، وصدق الصينيون عندما قالوا (اللسان للعرب واليدين للصينين).
 ولو طبقنا الحكمة التي سار عليها نوري السعيد لجنبنا العراق الدخول  في حروب عبثية لم يجن منها سوى ملايين الضحايا والدمار الشامل في الأمور النفسية والمادية والديون المالية الباهضة التي ربما سيعجز حتى أحفادنا من تسديدها لأخواننا الكويتين والسعوديين. ولو جربناها ،ولو بعد فوات الأوان، لاستطعنا كشعب عراقي واحد أن نساهم ببناء العراق بعد إحتلاله عام 2003، ولكن معظم الأحزاب القديمة أو الجديدة أو الطائفة أو الفكر الديني أصبحت مثالية في متطلباتها وحاول قسم منهم التشبث بالماضي بدلا من استيعاب الواقع الجديد الذي يعيشه العراق وإعطاء الآخرين الفرصة في إدارة الدولة العراقية لينعم الجميع بالأمن ويشعروا بأخوة الوطن الواحد وليبنوا بلدهم أسوة ببقية شعوب العالم.

كما أن المثالية طغت حتى على سلوكية الأفراد والمجتمع خاصة بعد سقوط النظام السابق، فبعضهم سرق ممتلكات الدولة ظننا منهم بأنها ممتلكات السلطة المبادة، والبعض الآخر لم يقتنع بمشاركة الآخرين معه في الحكم وكأن ادارة العراق تختص بفئة دون غيرها لذلك حمل السلاح لإقصاء الآخرين تحت مسميات وطنية. والبعض الآخر  وعندما سمحت الظروف الجديدة التي جاءت بعد إحتلال العراق وتوفر مناصب إدارية وقيادية مهمة أن يشغلوها دون النظر إلى واقع مؤهلاتهم، واعتقدوا بأنها فرصة ذهبية لتكريم الذات بمعزل عن مصلحة المجتمع.

 وتجد طروحات هذه الفئات الثلاثة ومشاريعهم مثالية ولم تكن عملية لتنقذ المجتمع نحو الأفضل لذلك يجب على جميع العراقيين أن ينظروا إلى الواقع الذي نعيشه نظرة عملية فقد جربنا المثالية  في حياتنا وأصبح واقعنا العام :
 بأن يوم أمس أفضل من اليوم وسيكون هذا اليوم أفضل من غدا.

الفصل العشرون: تصريحات مجانية وأحذية مثقوبة
عندما  يكتب أحدنا  مقالا عن موضوع ملفق أو كاذب ولايعرف آثاره السلبية  فسيحاسبنا الله تعالى على افتراءاتنا ونخسر سمعة الآخرين وإحتقارنا لذاتنا لأن جانب الخير في أنفسنا سيفرز لنا ذلك(ونفس وماسواها، فألهمها فجورها وتقواها،قد أفلح من زكاها،وقد خاب من دساها) (الشمس 7-10) اضافة إلى أضرارها في مسيرة وطننا الذي هو بأمس الحاجة الى الأقلام النظيفة.
وقد نطلق تصريحا  أو قولا لأحدى القنوات او وكالات الأنباء او للصحافة ولا نعرف الأضرار الجسيمة التي سيحدثها ذلك وسأورد مثلا حديثا بهذا الخصوص فأثناء أنعقاد دورة الألعاب الأولمبية في بكين عام 2008 إنشغلت القنوات الفضائية والصحف والمواقع الألكترونية  الصينية خاصة بتصريح أطلقته العداءة العراقية دانة حسين حيث قالت لأحدى القنوات الفضائية  الصينية  بأنها تملك حذاء رياضيا مثقوبا فوصل الخبر الى بقية الوكالات العالمية، لأن العالم يعيش اليوم في قرية صغيرة، حتى ان أمرأة امريكية أعلنت لأحدى الوكالات الأمريكية بأنها قد تبرعت لها  بحذاء !!! وقامت بقية الوكالات بالتمجيد بهذا التكريم العالمي، اما شركات تصنيع الأحذية فقد أتصلت بالملحقية الثقافية/ سفارة جمهورية العراق في بكين لتعرب عن رغبتها بمساعدة العداءة العراقية بزوج من الأحذية الحديثة، وهكذا اصبح حديث الحذاء المثقوب  هو الخبر البارز من بين أخبار البطولة، والحقيقة وجدنا من الصعوبة تحليل الأسباب التي دفعت العداءة العراقية لمثل هذا التصريح فهل تصرفت بشكل عفوي وغير مقصود أم  أرادت  أن تجمل معاناتها لتبرر عدم أستعدادها والآخرين بتحقيق شئ في ذلك الأولمبياد الرائع، ولكنها نسيت أو تناست ردود الأفعال السلبية التي أحدثتها فأضرت بسمعة بلدها أولا. لذلك يجب على مسؤولي الوفود توجيه أعضاء الوفد بتجنب التصريحات التي تخلق أزمة لامبرر لوجودها كما أن للكلمة التي نطلقها قدسية كبيرة لذا يجب أن نكون حذرين في تصريحاتنا.
ومن تمعن في أحداث المشاكل الأجتماعية والأزمات المعكرة لصفو المجتمع وجد أن منشأها في الأغلب بوادر اللسان لذلك فأن تعويده على الحديث الصادق والمهذب ضرورة حازمة يفرضها أدب الكلام وتقتضيها مصلحة الفرد والمجتمع. وقد دعى الله سبحانه وتعالى عباده إلى التحلي بأدب الحديث وطيب القول (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن أن الشيطان ينزع بينهم، إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا) (الأسراء 53) وقال تعالى (ياأيها الذين آمنوا أتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم)(الأحزاب 70-71). وجاء رجل الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يارسول ألله أوصني، قال: أحفظ لسانك، قال: يارسول الله أوصني، قال: أحفظ لسانك قال يارسول الله أوصني، قال: أحفظ لسانك، ويحك وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم).
اما عند نشر مواضيع في المواقع الألكترونية والصحف فالحذر يكون أشد لأن من يكتب ويدون الكلمة وينشرها فهو أكثر مسؤولية من إطلاق التصريح العلني ، ومع الأسف فأن كثيرا من الكتاب أخذ بتدوين الأمور التي تعجب هواه ولاوجود مصداقية حقيقية لها حتى برزت ظاهرة جديدة اسمها “كتاب الأسماء المستعارة” الذين لاهم لهم سوى الهجوم على شخص أو طرف معين وأطلاق الأكاذيب الكثيرة.
إن كتاب الأسماء المستعارة والملثمة جعلوا بعض كتاب الأسماء الحقيقية التوقف عن الكتابة لكي لاتصبح أسماؤهم مجاورة لأسماء أولئك الملثمون ويسلموا من تسميتهم بكتاب موقع كذا، فأنظروا ماذا جنت تلك الكتابات الهابطة لثقافتنا غير السب والشتم والطعن، متى ستظهر صحوات ثقافية توقف هذا الأنهيار الذي يعاني منه الوسط الثقافي العراقي بمنع هؤلاء المحرضين والكتاب من بث سمومهم، وهل نحن غير جديرين بالحرية المطلقة التي نعيشها وكيف لانستغلها من أجل التقويم وليس السب والشتم والتشهير التي قد تفسر كونها أمراضا نفسية او حملات تستهدف أشخاصا معينين او عرقلة مسيرة الدولة العراقية.
لذا نقترح على رؤوساء المواقع الألكترونية ووسائل الأعلام المختلفة التأكد من شخصية الكاتب قبل السماح لمقالته بالنشر وعدم نشر المقالات التي تسئ للدين والمذهب والمقدسات والوطن والإبتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري أو الأساءة للرموز الدينية أو الوطنية بحجة حرية الرأي، وعلى كتابنا أن يبتعدوا عن أثارة النعرات الطائفية والمناطقية والعشائرية لأن رسالتهم سامية، فأن وجود حرية التعبير هي الضمان الأساسي لتقدم الشعوب وأنها أحد أسباب التطور الشامل الذي تعيشه الدول المتقدمة اذ إنها تشخص الأيجابيات لغرض تعزيزها وبيان السلبيات لغرض معالجتها، وعليه فإن مسؤولية المثقفين هي نبذ الأعلام السلبي والدعوة والمساهمة بتأسيس إعلام إيجابي يقول الحقيقة ويدعم تطور المجتمع ويصلح ماأفسدته الظروف الصعبة التي مر بها العراق، ويحفز على العمل الصالح الذي يرضي الله سبحانه وتعالى ورسوله ويخدم الإنسانية (وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون).

الفصل الحادي والعشرون : دروس من ظاهرة باراك  حسين اوباما
 
لم أرغب بالتطرق الى ماسيفعله أوباما في أمريكا أو بالعالم كما ذكره بعض الكتاب لأشجع المتفائلين او أواسي الحزانى على فقدان السياسة البوشية، ولكن غايتي هو إستنباط بعض الدروس من رحلة باراك حسين أوباما، فلم يكن أوباما سليل العائلة الثرية اوالملكية التي توصل أبنها الى سلطان الملك ولا أحد أبناء الرؤساء ليمهد له أن يصبح الخليفة من بعد موته ،ولا صاحب أموال لتشفع له في الدنيا او سليل طبقة اجتماعية او عائلة لها حضور أجتماعي ومالي او غيرها من الفرص التي تمهد للفرد بالوصول الى غايات عظمى، بل أنتصر أوباما بكفاءته وقابليته وجهوده الشخصية أنه ابن المجتمع الذي أخترق كل العقبات ليصل الى رئاسة الأمبراطورية الأمريكية. فلنتعرف وبشكل موجز عن تاريخ هذه الشخصية اللامعة لنستنبط منها العبر والدروس.

 بدأ حسين اوباما الأب المسلم مشواره كراعي غنم في بلدة أليغو النائية في كينيا وفي عام 1959 حصل على منحة دراسية الى جامعة هاواي بسبب ذكائه وتفوقه، وبعمر 23 سنة تعرف على طالبة أمريكية مسيحية بيضاء بعمر 18 سنة، ورغم الرفض الشديد الذي واجهه بسبب مشروع الزواج غير المتجانس عرقيا إلا انه تم  عام 1959 وولد باراك في 4/8/1961 ، وهذا دليل على مايتحلى به حسين اوباما من جرأة وعزة نفس وهي السمات نفسها التي ميزت باراك في نضاله السياسي، ولكن  هذا الزواج لم يدم وقتا طويلا وبعد سنتين ترك  حسين اوباما أسرته الجديدة من أجل متابعة الدراسات العليا في هارفرد أولا، وبعد ذلك من أجل العمل كأخصائي اقتصادي في الحكومة في كينيا.
 وكان باراك في السادسة من عمره عندما تزوجت والدته للمرة الثانية من موظف إندونيسي يعمل في صناعة النفط وانتقلت العائلة الى إندونيسيا حيث أمضى باراك اربع سنوات في الدراسة في العاصمة جاكرتا، وفي نهاية المطاف، عاد الى هاواي وألتحق بمدرسة ثانوية حيث كان يعيش مع جديه والدي أمه ،وفي كتابه “أحلام من ابي” يصف أوباما هذه المرحلة في  حياته على انها فترة مهمة حيث كان يكافح لفهم إرثه العرقي المختلط، والذي كان لايزال غير مألوف نسبيا في أمريكا، ولعل جذوره التي كانت مترسخة في الثقافتين السوداء والبيضاء هي التي ساعدت في إكساب أوباما الرؤيا الشاملة التي جاء بها الى السياسة بعد عدة سنوات وهي رؤيا تتفهم وجهتي النظر معا لذلك “كان يتمتع بقدرة على دمج حقائق تبدو متناقضة وجعلها مترابطة” اذ انه يعيش في بيت أصحابه بيض يعملون على تنشئته، وينظر اليه الناس على انه شخص أسود.
 وفي حفل تخرجه عام 1983 للحصول على شهادة البكالوريوس في الآداب من جامعة كاليفورنيا وصف تفكيره بالقول: (في الوقت الذي حان فيه موعد تخرجي من الجامعة كانت تتملكني فكرة مجنونة، هي انني سأعمل من الجذور الأساسية للمجتمع لإحداث تغيير). وفي عام 1985 توجه الى مدينة شيكاغو وعمل كمنظم مجتمعي مع كنائس محلية في الجزء الجنوبي من المدينة، وهي منطقة للأمريكين الأفارقة  الفقراء، ووجد أوباما متعة في تحقيق بعض النجاحات الملموسة في هذا  العمل مانحا سكان الجزء الجنوبي صوتا في قضايا مثل أعادة البناء الأقتصادي والتدريب المهني  وجهود تنظيف البيئة، ونظر الى دوره كمحفز يحشد مواطنين عاديين في جهد يبدأ من الطبقة الدنيا لصياغة أستراتيجيات محلية أصلية للتمكين من الحقوق السياسية والاقتصادية،  لذا ذكرها في احدى خطاباته بقوله ( في هذه الأحياء تلقيت افضل تعليم، وفيها عرفت فيها المعنى الحقيقي لديني المسيحي).
 
 وبعد ثلاث سنوات من هذا العمل توصل أوباما الى قناعة بأن لتحقيق تحسن حقيقي في مجتمعات مسحوقة من هذا القبيل، فإن الأمر يتطلب مشاركة على مستوى أعلى في ميداني القانون والسياسة، لذا إنتظم للدراسة في كلية الحقوق بجامعة هارفرد وتخرج منها بدرجة شرف في عام 1991. وعاد أوباما الى مدينة شيكاغو حيث مارس المحاماة دفاعا عن الحقوق المدنية وقام بتدريس القانون الدستوري في جامعة شيكاغو.
وفي عام 1992 تزوج من ميشيل روبنسون وهي خريجة اخرى في القانون من هارفرد، وعمل بجد في تسجيل الناخبين في شيكاغو لمساعدة المرشحين الديمقراطيين ومن بينهم بيل كلنتون. ومع التزام شديد متواصل بالخدمة المدنية.

 قرر أوباما في عام 1996 ان يعلن أول ترشيح له لمنصب إنتخابي وفاز بمقعد عن شيكاغو في مجلس شيوخ ولاية الينوي. ومن بين انجازاته التشريعية على مدى السنوات الثماني التالية في مجلس شيوخ الولاية كان اصلاح تمويل الحملات الإنتخابية وتخفيضات ضريبة الدخل للفقراء العاملين وإدخال تحسينات على نظام القضاء الجنائي للولاية. وفي نوفمبر 2004 فاز في انتخابات الكونغرس الأمريكي عن ولاية الينوي بنسبة 70% من أجمالي اصوات الناخبين في مقابل 27% لمنافسه الجمهوري، ليصبح واحدا من أصغر أعضاء مجلس الشيوخ الامريكي سنا وأول سناتور اسود في تاريخ مجلس الشيوخ الامريكي. وفي عام 2008  رشح نفسه في الانتخابات الرئاسية الامريكية ، واصبح المرشح الرسمي للحزب الديمقراطي ، وخاض صراعا مع جون ماكين قاده للوصول الى البيت الأبيض بعد فوزه عليه في 4/11/2008.
 لذا سيدخل في العام القادم الرجل الأسود إلى البيت الأبيض ليحكم أمريكا والعالم بعد أن كان يمنع من إدارة مدرسة، كما ستدخل معه زوجته وتجلس في أرجاء البيت الأبيض بعد ان كانت تبقى واقفة في حافلة نقل الركاب من أجل جلوس أمرأة بيضاء محلها، كما ستلعب وتمرح أبنته في  حدائق البيت الأبيض بعد أن كانت تحرم من دخول روضة أو مدرسة ابتدائية مخصصة لأطفال البيض.
 
ويتبادر الى أذهاننا هذا السؤال:
 هل تستطيع دول العالم الثالث أو الدول العربية أن تلد أوبامات؟
 الجواب نعم أنها مستعدة لولادة الآلاف منهم ولكن نظامها الأجتماعي والسياسي لايتيح لأوباماها بالأستمرار بالإبداع , انها دول تقتل كفاءاتها بأساليبها المتعددة، فهل سنرى ذلك اليوم الذي تستطيع دولنا فك العقبات أمام شبابها من أجل أكتشاف كفاءتهم والإستفادة من تجربة أمريكا الديمقراطية، وقد ذكرنا وتوقعنا في مقال سابق المنشور في عدة مواقع اليكترونية  في شباط 2008  وبعنوان ” لماذا يثيربعض كتابنا الطائفية والعنصرية؟” الموجودة في هذا الكتاب بالفصل   السابع عشر (بأن النزعات العنصرية والطائفية هي السبب في تأخرنا وتمزقنا واحتلالنا ولننظر الى بقية شعوب العالم  …. وكلنا نسمع هذه الأيام كيف ان أمريكا تحولت من دولة للتمييز العنصري بين البيض والسود في القرن الماضي الى دولة ربما يقودها وسيصبح رئيسها رجل من عائلة افريقية مسلمة هو باراك حسين أوباما ).
 
متى تنتهي ظاهرة الرئيس الذي يأتي  نتيجة  إنقلاب عسكري او الأمير من عائلة محددة؟ ومتى تنتهي أسطوانة  الرئيس الذي يحكم مدى الحياة ؟، وظاهرة توريث الرئاسة للأبناء ؟ ومتى ياتي اليوم الذي تنتهي به العصبيات الدينية والطائفية والقومية والقبلية ؟، وهل نتذكر كلام رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم (ألا ان الناس من آدم ، وآدم من تراب ،وأكرمهم عند الله أتقاهم).
 أنظروا الى واقعنا بدأنا نهجر الأخرين لأنهم لايلتقون مع بعضنا في الدين او المذهب او القومية، متى نستبدل معايير البداوة والجاهلية بمعايير الأخوة والمواطنة والأنسانية؟.
وساورد لكم مثلا ففي أيام شبابي التقيت برجل قيادي في أحد الاحزاب القومية التي ترفع شعار “وحدة الأمة العربية” وكان كثيرا مايذكر هذا الشعار ويفتخر به ولكني كنت أرى بأنه يمجد قريته وسكانها  وينبذ القرى او المناطق المجاورة لمحل قريته ويتصرف ببداوة واضحة فقلت لزملائي: انظروا لهذا التناقض انه يريد ان يوحد الأمة العربية ولكنه لايحب أن يوحد افكاره مع أصحاب القرى المجاورة لقريته وهو دائم الهجوم عليهم .
 
إذا يجب  أن نغير ما بأنفسنا قبل أن نغير واقع بلداننا ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال 53) ، ولنستفد من ظاهرة أوباما ولنسحب العنصرية والطائفية والقبلية من أفكارنا بنفس الحماس الذي نطالب به  أوباما بسحب قواته عن العراق لأننا بتطبيقنا للأولى نجبره على اتخاذ قرار الأنسحاب وبملء ارادتنا و لتنعم ولتزدهر مجتماعاتنا كما ازدهر غيرنا الذي مر بحروب عالمية وإنقسامات عرقية عميقة.

بسم الله الرحمن الرحيم
( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) صدق الله العظيم 

السيرة الذاتية
 
الاســــم: أ. د. حاتم جبار عطيه الربيعي
Prof. Hatim J. Attiya

المنصب الوظيفي الحالي: مستشار ثقافي  عراقي /بكين (2006-2011)
 المنصب الوظيفي السابق: مساعد رئيس جامعة بغداد    (2003-2006)
التولـــد : بغداد 1953  

الحالة السياسية: مستقل

الشهــادة : دكتوراة فسلجة نبـات /  جامعة لنكن/نيوزلندة عام  1985 

المؤسسات العلمية التي عمل بها:
    1. 1976-1980 هيئة التعليم التقني / مدرس مساعد
1980.2 -1985 جامعة لنكن/نيوزلندة-طالب دراسات عليا
1985.3- 2004 جامعة بغداد/كلية الزراعة/ مدرس- أستاذ
2004.4- 2006 جامعة بغداد/ كلية العلوم/أستاذ
2003.5- 2006 مساعد رئيس جامعة بغداد للشؤون العلمية (منتخب)

اللقب العلمي : حاصل على لقب الأستاذية منذ عام 1999

 الكتب المترجمـة:
 1- فهم إنتاج المحاصيل الجزء الأول (1989) مترجم من الانكليزية
2- فهم إنتاج المحاصيل الجزء الثاني (1989) مترجم من الانكليزية

الكتب المؤلفة:
1- منظمات النمو النباتية: النظرية والتطبيق (1999)

2- أوراق الصين (تحت النشر)

البحوث المنشورة:
نشر 48 بحث علمي  في مجلات عالمية وعربية وعراقية
وساهم بحضور أكثر من  70 مؤتمر علمي داخل وخارج العراق
 ساهم بنشر عدة مقالات في المواقع الالكترونية  والصحف  العراقية

الدراسات العليا:
 الإشراف على  17 أطروحة دكتوراة  و 15 رسالة ماجستير   في جامعة بغداد

المسؤوليات العلمية:
1. 1995 -2003 مسؤول الموسم الثقافي في كلية الزراعة
2. 1997-2003 ممثل كلية الزراعة وجامعة بغداد في منظمة ايكاردا الدولية
3. 1987-2004 عضو لجنة الدراسات العليا واللجنة العلمية
4. 2001-2005 عضو لجنة الترقيات العلمية
5. ساهم بمناقشة اكثر من  80 أطروحة دكتوراة أو ماجستير في الجامعات العراقية
6. 2003-2006  مساعد رئيس جامعة بغداد للشؤون العلمية (منتخب)
7. 2006/10/21حتى وقت كتابة المذكرات  مستشار ثقافي في الملحقية الثقافية العراقية /بكين
 البريد الإلكتروني الشخصي:
[email protected]