لاتزال مخلفات الحرب ماثلة في العراق، فيما طبولها لم تسكت، ويبدو أن آثار الدمار ستظل جاثمة على هذه الأرض، مذكرة بويلات ما جرى عليها، في حين تتجمد الحركة على وقع إجترار الماضي بمآسيه، دونما أن ننفض عن كواهلنا غبار المعارك، ونصحوا من كبوتنا.
كنا نتطلع الى واقع أفضل، ونتأمل التغيير، بعد سنين عجاف، لكن ما درينا أننا سنرتد على أعقابنا، ونجد في الحاضر شراً أشد من ماضيه، ونبكي على ذلك اليوم الذي كنا نبكي منه، وبدت تلك الصور التي كنا نستعرضها في مخيلتنا عن تجارب مثيلة لدول دمرتها الحروب، كيف نهضت من جديد، وحققت نصراً في سوح البناء بعد هزيمتها العسكرية، حتى أخذنا نصنف مدننا بالتناظر، بحسب طبيعة كل مدينة، صناعية كانت أم سياحية أم تأريخية، حتى البحار التي لانطل عليها بتنا نحلم بها كشكل من أشكال المدنية الحديثة.
وكانت اليابان من أكثر النماذج التي تمنينا أن نحتذي بها، فقد خرجت من الحرب العالمية الثانية مهزومة، بعد أن أعلنت استسلامها الذليل للقوات الأمريكية من دون قيد أو شرط الا بقاء الإمبراطور رمزاً لليابان، مدناً محروقة، ومصانع مدمرة، واسطولاً بحرياً غارقاً، ومقابر جماعية دفن فيها 3 ملايين ياباني.
ومن وسط ذاك الركام، خرجت اليابان دولة عظمى، ليس كقوة عسكرية، ولا ترسانة أسلحة محرمة وتقليدية، وإنما بإقتصاد قوي، وصناعة متقدمة، واحتياط نقدي ضخم، وسياحة تمثل مورداً مهماً من موارد الإقتصاد الوطني، وما وصلت اليه كانت بدايته التقليد، ثم أضفت اليه ابداعات العقل الياباني، لتعطيه خصوصية المكان والمنشأ.
ويترجم اليابانيون معركتهم المضادة بتلك القصة التي تحكي عن ذلك الياباني الذي وضع رأسه على الوسادة في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية ولم يستيقظ الا في أواخر القرن الماضي فيجد طوكيو الحديثة بعماراتها الشاهقة، وسياراتها الفخمة، وسكانها المترفين، وصناعاتها الألكترونية، فصرخ منفعلاً : لقد إنتصرنا في الحرب.
إنها صفحة مهمة من صفحات المواجهة، تتطلب منا أن نعد لها عدتها، بعيداً عن جعجعة السلاح، لخوض غمارها من أجل بناء وطن أنهكته الحروب وازتنزفت موارده البشرية والمادية.والسلام ختام.