24 ديسمبر، 2024 2:35 ص

الفيلم الوثائقي ( في أحضان امي ) … شراكة الإبداع والألم

الفيلم الوثائقي ( في أحضان امي ) … شراكة الإبداع والألم

( اعتمادا على التجارب التي خاضها محمد جبارة الدراجي مخرجا وعطية جبارة الدراجي منتجا لأفلام ناجحة منذ عام 2005 في فيلم ( أحلام )، ( حب وحرب ورب وجنون ) و ( أبن بابل )، نجدهما أكثر تماسكا ونضجا في تجربة عطية البكر إنتاجيا ومحمد الرابعة إخراجيا )، هذا هو التعريف الذي جاء تحت ملصق فيلم (في أحضان أمي ) في الدليل الرسمي لمهرجان أبو ظبي السينمائي من 13 إلى 22 أكتوبر 2011، هذا الفيلم المؤثر في حكايته التي تمس مجموعة من الأطفال الأيتام في دار أيتام ( البيت العراقي الأمن ) يديره ويشرف عليه السيد هشام الذهبي بإمكاناته الشخصية وجهوده غير العادية دون مساعدة من أية جهة حتى ما قبل نهاية الفيلم، وتلك هي لب حكايته التي لن أتحدث عنها هنا بل سأظهر أدوار كل من عمل على إنجاح الفيلم إنسانيا وواقعيا قبل الناحية الفنية، لأن الأخيرة ليست من اختصاصي . فقد أحسست وأنا في صالة العرض بجزء من معاناة شعبنا بعد الاحتلال عام 2003 والمتمثلة في ما يقارب جيلا كاملا من الأطفال الأيتام، أحسست بوجودهم بيننا برغم غربتنا لنشاركهم آلامهم وأحلامهم وآمالهم بالعيش الكريم،  فكأنني لامست رؤوسهم وربّت على أكتافهم ليعود الفضل في ذلك إلى الأستاذ هشام الذهبي وإنجازه العظيم في جمع 36 يتيما من الشوارع وإيوائهم … هذا الرجل إن تكرر فسيكون لدينا أمل كبير في سد فجوة الألم التي تجتاحنا كالطوفان منذ الاحتلال الاميركي لعراقنا الحبيب، وليعود الفضل أيضا للمخرجين الأخوين (عطية ومحمد ) في تصوير وتوثيق ما حدث لهؤلاء الأطفال على مدى سنتين بشكل مبكٍ وباعث للأمل بنفس الوقت … هؤلاء الثلاثة هم من الشباب العراقي مدعاة للفخر والاعتزاز وقدوة، يستحقون تسليط أضوائنا عليهم بعد أن غمرتهم أضواء السجادة الحمراء والقنوات الفضائية في أبوظبي بحفاوة وكرم لافتين .
وددت أن يكون لي حديث خاص مع الأستاذ هشام الذهبي لتوضيح بعض من نواحي تجربته في هذا الفيلم بعيدا عن الأمور الفنية التخصصية فقال بداية : ( كان شعورا جميلا بعد انتهاء تصوير الفيلم يؤطره الأمل والتفاؤل بما سيتمخض عن هذا العمل من نتائج قد تكون نقلة نوعية في حياة هؤلاء الأيتام … بالتأكيد كان شاقا ومتعبا وخصوصا في الأيام الأولى للتصوير كوننا لم نتعود على ذلك وخاصة الأيتام، فكان وجود الكاميرات يقلقهم إلا أنه بمرور الوقت أعتدنا على وجودهم ووجود كاميراتهم بيننا لمدة سنتين، هو وقت إنجاز الفيلم ). ويضيف حين سألته عن المنفعة التي قدمها الفيلم للدار وللأيتام : ( إن من أهم الخدمات التي قدمها الفيلم هو توثيق عمل الدار خلال مدة التصوير حيث أظهر للعالم أجمع حجم معاناة الأيتام في العراق وأن هناك أناسا لديهم من الإنسانية الشيء الكثير بحيث تحملوا كل العبء خلال هذه السنوات وهم متطوعون لهذا العمل، وكذلك أثبت أن العزيمة والإصرار كفيلة بصنع المعجزات … إن نجاح الفيلم ليس بجائزة تمنح له وينتهي الأمر، بل أن نجاحه يتمثل بإعجاب الجمهور العريض الذي تواصل معي حتى هذه اللحظة ويسعى بشتى الطرق لتقديم المساعدة اللازمة للأيتام، وكذلك الاهتمام الكبير الذي حظينا به خلال تواجدنا في أبوظبي فقد استطعنا أن نغير نظرة الكثير من الناس بإظهارنا للوجه الإنساني للعراقي والمتمثل بالباحثين ومدير الدار وكل المتعاطفين مع قضيتنا لذلك جاءت قناعاتي بالفيلم من ردة فعل الجمهور والنقاد ولأنه نقل واقع حال الأيتام في الدار وليس تمثيلا فأني أتمنى أن يتم أنتاج أجزاء أخرى للفيلم توثق ما يصل إليه كل هؤلاء الأيتام في المستقبل وخصوصا سيف بطل الفيلم ) .
الأستاذ هشام حاصل على شهادة الباكالوريوس في علم النفس من الجامعة المستنصرية وحاليا يحضر للماجستير وطموحه الحصول على الدكتوراه في مجال تخصصه ، وبرغم بعده عن مجالات الإعلام كافة إلا إنه استخدمه لتسليط الضوء على قضيته خدمة للأيتام، لذا سألته عن جدوى ذلك وعن مشاريعه المستقبلية في هذا الإطار، فأجاب : ( إن المنفعة الإعلامية هي مسألة نسبية تحكمها الظروف المتمثلة بالانتماء وحجم الإنسانية التي يتمتع بها الإعلامي والأهواء الشخصية وحتى العلاقات الشخصية عندما يتناول موضوع الأيتام، لأن البعض مثلا قد كتب عن الفيلم قبل العرض فحكم مسبقا عليه بسبب كرهه أو حقده على المخرج متناسيا الحالة الإنسانية التي نقلها واختارها المخرج عن الأيتام . لكنها حالة فردية لا تقارن بالكم الهائل مما قيل إشادة بالفيلم ) . وأضاف : ( نقوم الآن بالتحضير لعمل أوبريت عن حلم اليتيم العربي نطمح أن يشارك فيه مجموعة من الأيتام من بعض الدول العربية، بالإضافة إلى مجموعة من الإعمال الفنية التي سنقدمها في يوم اليتيم المصادف للأول من أبريل وهو نشاط سنوي . كذلك نقوم بإجراء بعض الاتصالات للحصول على دعم مادي كي نصور آخر أغاني سيف التي بثها موقع كتابات مشكورا بالصوت وسنعيد إنتاجها توزيعها بشكل أفضل وتصويرها بعد أن نالت إعجاب الكثيرين . وللعلم أن كل مشاريعنا متوقفة على حجم الدعم المادي الذي سنحصل عليه خصوصا بعد إعلاننا عن خططنا المستقبلية والتي ستتضمن أيضا أوبريتا سيوثق لحال أيتام العراق خلال الثلاثين سنة الماضية عبر الحروب والحصار وصولا للحاضر ) .
من الجدير ذكر الرابطة الجميلة والتوافق الذي جمع هشام مع الأخوين الدراجي، فكانت شهادة رائعة من هشام بحق الأخويين : ( بالتأكيد أن علاقتنا هي الأساس ونقطة الانطلاق، ولا أخفي عليكم بأنني كنت رافضا لفكرة التصوير خوفا من استغلال الأيتام للدعاية أو لضرب جهة سياسية معينة ولكن بعدما لمست حجم الإنسانية التي يحملها الأخوين وافقت على التصوير كوني شعرت بأن قضيتي بأيد أمينة وهذا ما أنجح الفيلم لأننا كنا مكملين لبعضنا ) .
في نهاية حديثي معه ذكرّته بالنقد اللاذع الذي طاله والفيلم والذي نشره أحد الصحفيين العراقيين في جريدة الإتحاد الإماراتية بتأريخ 7 أكتوبر وكذلك نشر على موقع كتابات، كي يرد على تلك الاتهامات، فقال : ( أنا لم أقرأ أو أسمع أي نقد باستثناء واحد هو ما أشرت إليه سابقا والذي ليس له علاقة بالنقد السينمائي بل هو من منطلق شخصي والدليل على ذلك أن هذا الناقد تهجم على المخرج في الدورة السينمائية السابقة برغم كل الجوائز والتكريم الذي يحظى به محمد الدراجي والذي أراه مفخرة لكل العراقيين بل لكل العرب وهذا ما صرح به أحد النقاد العرب لي حيث قال : ( أنتم فخر لكل العرب وليس للعراقيين فقط ) … وأذكر هنا ما قام به الفنان الكبير سامي قفطان بعد انتهاء العرض حيث نزل من المدرج وقبلنا جميعنا قبل المؤتمر الصحفي وأمام الجمهور وطلب منا التعاون مستقبلا فكان تكريما رائعا لنا ) . أما بالنسبة للناقد فقد أجاب الذهبي مباشرة على اتهاماته : ( لقد جعل الجميع محتارا فيه وأنا أولهم كوني لم استطع تصنيفه في أية خانة، هل هو طبيب نفسي أم ناقد سينمائي أم صحفي ؟ . فإن كان طبيبا فليعلم أن التوحد لا يعني الانطواء كما أخبرني هو بنفسه بل أن التوحد هو خلل في النطق وعدم القدرة على الكلام بصورة اعتيادية وكذلك عدم القدرة على التواصل الاجتماعي وهذا بعكس ما لمسناه من سيف الذي كان في البداية يتشاجر مع أقرانه بسبب مناداتهم له باسم أمه وهذا معناه أنه يتواصل مع من حوله فأي شخص حتى لو كان بالغا لصدرت منه نفس ردة الفعل، ومرضى التوحد لا يتم علاجهم إلا عن طريق برنامج غذائي خاص وهو عكس ما حصل لسيف فهو لا يعاني من التوحد والدليل على ذلك ما وصل إليه من نجومية وتفوق دراسي وهذه معلومات للناقد وللعامة للاستفادة منها . وللعلم فإن الناقد أعتذر لي وأمام الفنان الكبير سامي قفطان وبعض من الإعلاميين زملائه عن نعته لسيف بالتوحد، وهذا وحده يكفيني ويكفي الجمهور ويعرّفهم بأن ما كتبه ليس نقدا وإنما هو حقد. أما فيما يخصني  فقد قلت له وللجميع  بأني لست ممثلا وإنما صاحب رسالة إنسانية وعلي إيصالها إلى الجميع، وبأني متحمل لأي عقبات أو تجاوزات قد تعترضني لأنني منذ أن تصديت لهذه القضية وأنا في حرب دائمة ومن عدة جهات من أجل إفشال مسعاي ذلك الذي لن يثنيني عن المواصلة برغم عقباتهم ونقدهم الهدام ) .
انتقلت بالحديث صوب عطية الدراجي الذي كان منشغلا جدا مع الصحفيين أحيانا والقائمين على المهرجان أحيانا أخرى، فكان مرحبا كعادته بالحديث معي حول الفيلم والذي آثرت أن يكون مختصرا ومحددا نظرا للأحاديث الكثيرة التي أجراها مع الصحافة طوال فترة المهرجان . سألته عن كيفية تبلور فكرة الفيلم من بدايته وعن دوره ودور محمد، فأجاب : ( بعد أن انتهيت من تصوير فيلم ابن بابل كانت بالنسبة لي فترة راحة، وبعد عدة أيام التقيت بمجموعة من الأصدقاء فتطرق أحدهم إلى وجود بيت مساحته 72 مترا مربعا للأيتام في مدينة الصدر يحتوي على غرفتين للنوم والأكل واللعب والدراسة يسكن فيه 32 طفلا يتيما، في البداية لم أصدق، فأخذت العنوان وذهبت للدار فكان الأمر مرعبا بالنسبة لي . على أثرها تعرفت بالسيد هشام الذهبي وطلبت منه أن أصور فيلما عن الدار فجاء رفضه في بداية الأمر، لكن بعد فترة اتصل بي ووافق على العمل ) . أما بالنسبة لدور أخيه محمد الدراجي فقال 🙁 في الحقيقة أنا لم يكن ببالي أن أكون مخرجا لأن عملية الإنتاج تجعلني أستغني عن الإخراج فمسؤولية الفيلم أخيرا تقع على المخرج، لكني كمنتج مع محمد الدراجي كنا نتشاور بانتاج الفيلم من بداية الفكرة لغاية التسويق، أي كنت على علم ودراية بكل التفاصيل إضافة إلى أن العمل مع مخرج كمحمد الدراجي يغنيني عن أمور كثيرة فقد كان دوره كمخرج جاء بالمرحلة الثانية من إنتاج الفيلم وخاصة في المونتاج وهندسة الصوت وتصحيح الصورة ) . من أكثر المعوقات والصعوبات في تصوير الفيلم كانت بحسب عطية الدراجي ( التصوير في دار بهذه المساحة الضيقة مع عدد هؤلاء الأطفال كلها صعوبات، فالأطفال غير متعودين على الكاميرا فهم غير محترفين كممثلين، فعندما كنا نصور بعض الأطفال يبقى البقية منهم غير ملتزمين مما يضطرنا إلى إعادة المشهد عدة مرات ) . كلمة أخيرة لعطية كانت أمنيات صادقة للأطفال حيث قال : ( كل الذي قدمناه بالفيلم يعد قليلا بحق هؤلاء الأيتام، ومن هذا المنطلق بقيت على اتصال بهشام وبعض الأطفال متمنيا أن أقدم لهم أكثر و أكثر كي لا يبقى هشام متحملا حملا ثقيلا كهذا لوحده، طامحا أن يكونوا أكثر أمانا في مسكنهم الجديد كي يبقى مشروعهم مستقلا بعيدا عن أية مشاكل لحياة أكثر أمانا ) .