لا اذكرُ شيئاً جديداً إذا قلت ان من اهم مرتكزات المصالحة الوطنية في البلدان التي تشهد حروب أهلية أو نهاية حكم دكتاتوري هي تقديم تنازلات (مؤلمة) من قِبل جميع الأطراف لإتمام عملية المصالحة في البلد المعني، وهذا ما حصل واقعاً في الكثير من الحالات (شهد العالم أكثر من -60 – عملية مصالحة وطنية في مختلف الدول)، قد يحدث ان بعض الأطراف تمتنع عن تقديم تلك التنازلات اعتماداً على قوتها العددية أو العسكرية أو أستقواءاً بامتداداتها الاقليمية، ولكن لهذا الامتناع ثمن كبير يدفعه الشعب، خسائر بالأرواح والأموال، بل ضياع مستقبل البلد نفسه، بالنهاية يضطر الممتنع، أو بالحقيقة قيادات الممتنعين، الى تقبل الامر الواقع وتقديم تلك التنازلات ولكن المشكلة بعد دفع ذلك الثمن الذي لا يمكن تعويضه ابداً.
في الحالة العراقية، لا تزال الكثير من الجهات المؤثرة لا ترغب بتقديم التنازلات المطلوبة لأسباب كثيرة بعضها ظاهر معلن وأخرى مخفية غير معروفة، هذا الامر أدى بطبيعة الحال الى عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي يشهده البلد حالياً، وما يحصل من احداث مفجعة أهم دليل على ذلك، والامر مرشح لمزيد من التصعيد ولمزيد من المآسي التي سيدفعها الشعب العراقي نتيجة لعدم إتمام هذا الملف.
ربما يسأل بعض الناس: وماذا تعمل (لجنة المصالحة الوطنية في العراق)؟
من وجهة نظرهم، انهم عملوا الكثير، لكن المعترض على عملهم يقول: رغم كل ما يقال عن أهمية الدراسات النظرية في مختلف المجالات وبالخصوص في عملية المصالحة لكن ما يحدث في الواقع يقول ان تلك الدراسات والستراتيجيات لم تحدث أثرها الفعلي في المجتمع، والدليل على ذلك هو ما يحدث في العراق من شماله الى جنوبه، اذن لابد من الانتقال من الجانب النظري البحت والدخول، بعد أكثر من (13) سنة من التغيير، في الجانب العملي، واعتقد ان اللجنة تعرف اكيداً هذا الموضوع واعتقد ايضاً انها تعرف من يعرقله.
لكني اقولها وبشكل واضح:
بعد كل ما جرى، حان الان وقت تقديم التنازلات (المؤلمة) من جميع الأطراف وخاصة من (أم الولد) لنصل الى المصالحة الحقيقة المؤدية الى السلام الدائم في البلد.
*[email protected]