منعطف خطير عاشته الأمة، ومهمته حقن دماء المسلمين وحفظ دعائم الدين، كرم وشجاعة، قلب نابض بحب الباريء، تعطر بأخلاق جده وأمه وأبيهن رابع أصحاب الكساء عليهم السلام، ولأن الطغاة لا ميثاق لهم ولا عهد للمنافقين، فقد إعتزل الناس سلامة للأمة، لكنه هيأ العالم لقضية أخيه الحسين (عليه السلام)، فإستوعب حالة الأمة وأشغلها بصبره وحكمته، وتصديه للمنحرفين والمارقين، ووجه طاقاتها الموالية لأهل البيت (عليهم السلام)، مطالباً بالحرية والإصلاح في أمة جده (صلواته تعالى عليه وعلى آله).
ولادة النور الأول ها قد حضرت، في بيت مسكون بالحق، والأمن، والمحبة، والعدالة، والورعن إنه بيت النبي وعلي وفاطمة (صلواته تعالى عليهم أجمعين) ليسميه (حسن) كما أمره الباريء (عز وجل)، إبتسامة تشق طريقها عبر الدموع، والبيت العلوي يشع أنواراً قدسية مستبشرة بوليدها المجتبى، فما أجملها من جائزة! وما أروعها من عطية! يتوهج ضوؤها ببيت النبوة، فأشرقت شمس أبي محمد الحسن، السبط الأول للمصطفى المختار، ليكون مع أخيه الحسين، سيدا شباب أهل الجنة (صلواته تعالى عليهم أجمعين).
قد تكون إشكالية الصلح مع معاوية، هي الحدث الأبرز بحياة الإمام الحسن (عليه السلام)، حتى أن بعض المسلمين كانوا يلقون التحية عليه، قائلين: السلام عليك يا مذل المؤمنين، لكنهم لا يفقهون شيئاً بهذه المسألة، ولا يدركون حيثياتها الغيبية، التي ستكون بصالح الأمة، وأن تهيئ الأمة بإمامها الحسن المجتبى، ويحفظ تعاليم الدين، حيث أدى دوره الكبير في أخطر مرحلة، من مراحل تأريخنا الإسلامي، وبمواقفه الرسالية والمبدئية، حقن دماء أمة النبي (صلواته تعالى عليه وعلى أله وسلم).
أكرام للفقراء والمساكين والإيتام، سائر مقدام على نهج أبيه أمير المؤمنين ويعسوب الدين، تحلى بمكارم الأخلاق التي بُعث بها جده النبي الكريم (عليه الصلاة)، وإجتمعت في شخصيته كل عناصر الفضيلة والكمال، فحارب بكل صبر وحكمة، حلفاء الشيطان ومخربي قواعد الدين، لكنه كان ينبه أيكون النصر عاجلاً، وعلى المدى القصير؟ لكن الإمام أراد نصراً آجلاً، شاملاً خالداً، محركاً لأجيال التأريخ الموالية لأهل البيت (عليهم السلام) فهم معدن الرسالة، وبيت النبوة يدور الحق معهم أينما دار.
لقد ورث أبو محمد الحسن المجتبى (عليه السلام)، الحكمة، والمرؤءة، والرفعة من بيت المباهلة المحمدي، وإرتوت شجرته من ينبوع الرسالة ومنهل النبوة، وكان ينادي بأن البقيع، هو المكان الذي ولدت فيه روحي، وأوصى أن يدفن فيه، لأنه على علم بما سيحدث حال وفاته، من تعرض المنافقين لنعشه الشريف بالسهام، ورفضهم أن يدفن مع جده عليهما السلام، وغضب على أولئك الذين يجتهدون، في إطفاء نور الله بأفواههم وأفعالهم النكراء، لكن الباريء عز وجل متم نوره، ولو كره الكافرون.
البقيع أو الغرقدين يشع نوره المتألق وضياؤه المشرق، رغم أنوف الحاقدين الذين هدموا صروحه، لكن دون جدوى فما زالت قبورهم المقدسة، موئل الطالبين والزائرين، يفدون عليها وكلهم أمل، في أن يشرق فجر قائم آل محمد، ليطير البقيع مبايعاً منقذ البشرية، ويملأها قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، على أن أمامنا الحسن (عليه السلام)، ينتظر الفرج بظهور الحجة أرواحنا لمقدمه الفداء، ليثأر لمظلومية أهل البيت (عليهم السلام)، فكانت دماء الإمام السبط الحسن، ثورية اللون إستشهادية العطاء.