مؤشرات جدية تلمح لواقع جديد اخر سيطرأ على الخارطة الجيوسياسية للعراق، يتمثل باقليم يضم كركوك والسليمانية.
فخلال الخمسة اشهر الماضية عاشت طوزخورماتو حدثين خطيرين، اخرها يوم 24 نيسان 2016 ذهب خلالها الكثير من الشهداء والجرحى وهدمت الكثير من بيوت التركمان واحرقت ممتلكاتهم. في حين بقيت الاحزاب والكتل التركمانية المشتتة كعادتها منشغلة بهمومها الصغيرة.
على الجانب الاخر كانت هناك تحركات سريعة من قبل الاكراد الذين ادركوا بوجود تهديد لمصالحهم القومية فوضعوا خلافاتهم الى جانب ليجلسوا على طاولة واحدة تلم شملهم. فقد بدأت مباحثات بين الغريمين الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير طبعا بمباركة دول اقليمية ليخرجوا ببيان وتحديدا يوم 17 مايس معلنين اتفاق الحزبين على مجموعة من النقاط تحدد مسارهم المستقبلي ضمن منظور الخارطة الجديدة المتوقعة للمنطقة، الى جانب مجموعة من القرارات منها العمل بصورة مشتركة داخل برلماني الاقليم والبرلمان العراقي وداخل مجالس المحافظات، فضلا عن المشاركة بقائمة واحدة في الانتخابات المقبلة.
سبق ذلك وتحديدا في 12 مايس طلب نجم الدين كريم محافظ كركوك من واشنطن بضم كركوك الى اقليم كردستان قائلا، انه “ان الاوان لتنفصل كركوك عن بغداد وتعود الى اقليم كوردستان.” وكأن كركوك كانت في يوم ما جزءا من الاقليم الذي نشأ تحت رعاية امريكا وتركيا بعد 1991! مضيفا ومتحدثا كمواطن امريكي “لا يجب ان يضحي الجنود الامريكيون بحياتهم من اجل الحفاظ على وحدة دولة لا يريد اهلها بقاءها موحدة”.
في الفترة نفسها زار قوباد طالباني نائب رئيس حكومة إقليم كردستان قوات البيشمركة في قضاء طوزخورماتو مصرحا بان القضاء جزء لايتجزأ من كردستان.
قد يعرف البعض من القياديين والسياسيين التركمان و يتجاهل اخرون أن توقيت هذه التحركات جاء متزامنا مع مشروع مطروح للمنطقة وسيناريو لإعادة التقسيم وبمباركة بعض الدول الاقليمية، وان تصريحات المسؤولين الاكراد والتحركات الاستثنائية للاحزاب الكردية جزء اساسي من المشروع الذي يهدف في جزءه الخاص بشمال العراق الى ولادة اقليم يضم كركوك والسليمانية وكلار وصولا الى ديالى، لكن تفاصيل هذا المشروع لم يتم الاتفاق عليه لوجود اراء متضاربة منها:
أ- ان تكون كركوك اقليما خاصا كمرحلة اولى ثم تنضم فيما بعد بالاتفاق مع السليمانية لتشكيل حكومة واحدة مشتركة.
ب- تحويل قضاء طوزخورماتو الى محافظة، بعد انفصالها من صلاح الدين كمرحلة اولى ثم انضمامها الى الاقليم الجديد.
ت- انفصال مجموعة من القرى والقصبات من محافظة ديالى خاصة تلك المشمولة بالمادة 140 وانضمامها الى الاقليم الجديد فيما بعد.
كيفما ستصبح الخريطة الجديدة في المنطقة سياسيا او ديموغرافيا فان التركمان جزء اساسي منها، ولكن اين الوجود التركماني السياسي والعسكري والاقتصادي من هذه التغيرات؟
اقول ان فقدان استراتيجية تركمانية موحدة وتشتت الكتل التركمانية وعدم الاتفاق على مرجعية واحدة وضبابية الاهداف التركمانية ستكون لها نتيجة كارثية لمستقبل الوجود التركماني في العراق. هذه مسؤولية يتحملها ممثلي الشعب ورؤساء الاحزاب والمؤسسات التركمانية التي استسلمت للواقع المفروض واكتفت بنشاطاتها الاعلامية بين اجتماع مع اعضائها او استقبال وتوديع وزيارة الجرحى او تقديم كسوة العيد او الظهور بالزي
العسكري تارة والوطني تارة اخرى، او تصريح ناري لأحدهم في احدى القنوات التلفزيونية لم يقتنع هو نفسه بما صرح به! نتسائل اين التركمان عن كل مايحصل؟ هل يعرف السياسيين التركمان مايجري في مناطقهم وكيف ستئول اليه في الايام القادمة؟ اية استراتيجية تعتمد عليها تلك الاحزاب للحفاظ على اراضي وحقوق التركمان ووجودهم القومي في العراق؟
على الرغم من تشابه تاريخ العراق بماضيه وحاضره الدموي وتشابه الادوار والتقلبات السياسية والحكم الغير المستقر، بقيت السياسة التركمانية رهينة عنصرية الحكومات المتعاقبة من جهة و اخطاء السياسيين التركمان على مر التاريخ من جهة اخرى، فمنذ انتهاء الحكم العثماني وصولا الى عراق ما بعد 2003 ، فشل التركمان في اعتماد استراتيجية مناسبة للتعامل مع الحكومات المتعاقبة متكئين على اوهام خارجية، متخيلين معجزة ما تحدث في زمن ما لتعيد اليهم حقوقهم، فمازال البعض من المغفلين يعيشون على تلك الاوهام ويتخيلون السلطان بجيوشه الجرارة يأتي من وراء الحدود ليعيد الحق الى نصابه!
مع تطور الفكر والية العمل السياسي وتغيير المفاهيم والنظم الدولية التي لاترحم المغفلين ولاتعترف بالشعوب المشتتة، فضلا عن تحول العراق من الحكم الديكتاتوري الى الواقع الجديد، فان فرصة الخلاص التي في الاساس لا تقدم لأحد ما على طبق من ذهب، بدأت تتقلص امام التركمان وقريبا سنصحوا جميعا على واقع جديد يفرض علينا بالقانون وبدعم القوى العالمية الكبرى، فإن كنا لا نستطيع ادارة سياسية براغماتية في عراق اليوم، ولا نستيطع مقاومة اطماع الاكراد التي لا تحظى بمشروعية دولية حتى هذه اللحظة فكيف سنفعل ذلك عندما يحصلون على مشروعية دولية؟ أي سلطان هذا الذي يمكنه أن يقارع العالم كله من اجل سواد عيوننا، إن كان أمرنا يهمه البتة!
اليوم اتفقت الاطراف العراقية الفاعلة جميعا بعربها وكردها على رسم الخارطة الجديدة للعراق عموما والمناطق التي يعيش فيها التركمان
خصوصا. بعض جوانب هذا الاتفاق اعلن عنها والبعض الاخر خافية إلا على الضالعين والمحترفين في فن السياسة.
أمام كل هذا فإن من حق كل تركماني عراقي أن يتسائل، إن كانت كل تلك الدماء المسالة والبيوت المحروقة والعوائل التركمانية الحائرة بين الهجرة والنزوح، إن كانت كل هذه المصائب غير قادرة على جمع السياسيين التركمان على طاولة واحدة، إذا أما ان تكون كل تلك المصائب التي تمر على التركمان مجرد اوهام لا علاقة لها بالواقع أو أن كل هؤلاء السياسيين واحزابهم وتشكيلاتهم مجرد اشخاص وكيانات وهمية كارتونية لا علاقة لها بالواقع.
والحليم تكفيه الاشارة.