17 نوفمبر، 2024 4:45 م
Search
Close this search box.

تركيا دولة داعش

تتلاحق الأحداث سراعاً في تركيا عقب محاولة الإنقلاب على النظام الحاكم فيها، والتي جاءت بعد أن شهد العالم عدداً من التفجيرات الإرهابية المتتالية في مدن وعواصم عديدة. ما زالت تلك المحاولة تثير الشكوك حول توقيتها وأسبابها، ومصادر تنظيمها..كذلك حول من يدعمها ويساندها، والإجراءات التي اتخذت وتتخذ ضد من اتهموا بالتورط فيها. وخلال تلك المحاولة، لاحظ العالم من ظهروا فجأة ليتصدوا لها بعنف، وحرصوا بشدة على قمعها، وبعد حين تولى بعضهم عملية القصاص من عدد من الجنود المتهمين ودون محاكمة.. وقد أظهرت الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام المتنوعة بشاعة تلك المناظر، واستغرب الكثيرون سرعة ردود الافعال، وأساليب القصاص الوحشية تلك، إذ لم يدخر أردوغان جهداً، ولا وقتاً، ولا وسيلة، في حملة الاعتقالات الواسعة والمهينة التي أمر بها، لعناصر من الجيش، والشرطة، والقضاء وغيرهم، أعداد هائلة لها مكانتها وتأثيرها في بنية الدولة، دون أدنى محاولة لمعرفة الأسباب، والمطالب، على أساس وجود قوانين تمنحهم على الأقل حق الدفاع عن أنفسهم، في دولة تعد كما تدعي متحضرة!! والمفارقة أن أردوغان يعيد حساباته ليعمل بعقوبة الإعدام بعد أن الغيت، تملقاً للدول الأوربية في محاولة لإثبات إنسانية وعدالة القوانين التركية في التعامل مع المواطنين، وبالتالي لنيل تعاطف الغرب مع تركيا، وقبولها في الإتحاد الأوربي. واحدة من الأقنعة التي لبستها لفترة طويلة لتحقيق تلك الغاية، فضلاً عن الإدعاء بأن تركيا دولة علمانية!!. بينما بدى واضحاً التخبط والتناقض فيما يتبنى الأتراك غالبيتهم من آيديولوجيات ومعتقدات وسلوك اجتماعي طغى عليه التعصب والعنف في كثير من المواقف، محاكياً نظامه الحاكم الذي اعتمد السياسة القمعية في معالجته لكثير من القضايا..كذلك الإدعاء بتحقيق التنمية الاقتصادية خلال عهده الطويل في السلطة، ليتناسب مع ما يفترض أن يحققه حزبه في العدالة والتنمية، وإن كانت فعلاً، فتنمية على حساب العدالة. كل ذلك مما جعل الغرب غير واثق بهذا النظام، ولا بالجماهير التي تتبعه. أظهرت هذه الحادثة زيف تلك الإدعاءات وغيرها، وكشفت للعالم دكتاتوراً كان مستترا، أظهر بشاعة نظامه الآخذ بالتنمر، وما عاد يحفل بسقوط أقنعته، بل أسفر عن فظاظته، ونزعاته العدوانية ضد كل مخالفيه، ومن ينبذون سياسته

الداخلية والخارجية. ومن ثم، ليحقق الحلم بامبراطورية عثمانية جديدة تعيد عهد تلك المقهورة في ظل المساعي والدعوات الخبيثة لخونة العروبة والاسلام من حكام العرب، لتنصيبه خليفتهم!، وربما لغيرهم! بعد الرفض المهين الذي تلقاه من الدول الأوربية، وبعد أن صار جلياً تورطه في دعم تنظيم داعش الذي مني بهزيمة ساحقة في العراق وسوريا. فكرة ربما قديمة، أو وليدة الموقف نشأت وكبرت بسرعة، فكانت وراء تلك المحاولة الانقلابية المعد لها سلفاً، أو الطارئة.. جعلت أردوغان يتخذ قرارات سريعة بإقصاء كل من أراد بذريعة أو دون ذريعة. والمتوقع أن تتسع رقعة الاعتقالات، وتتلون أساليب القمع، وإعادة لحساباته ومواقفه من تنظيم داعش لتصبح أكثر جدية وعملية…
لقد أخذت ملامح الدولة التركية الجديدة تتضح، ربما سيتفاجأ الأتراك أن جيش بلادهم قد تم استبداله بتنظيم داعش الإرهابي ليصبح هو الجيش الرسمي للدولة الموالي لما يسمى بحسب أحلام أردوغان وداعميه “خليفة المسلمين”، جيش قوامه آلاف من المرتزقة ممن درسوا الإرهاب في مدارس بني سعود المشبوهة في أرجاء العالم، فضلاً عن السلفيين والمتشددين الأتراك، جيش عقيدته تكفيرية، يعتمد القتل عقوبة للمخالفين، والتنكيل بكل من يعارضهم، أو يشكوا مجرد الشك في ولائهم ونواياهم ضد أفكارهم التكفيرية. ربما سيجد الاتراك أنفسهم قد تم تجنيدهم جميعاً ليكونوا تحت إمرة خليفتهم المزعوم، وبالتالي لن يكون هنالك معارض لحكم أردوغان، وتدخله في شؤون الدول المجاورة التي يراها البعض اليوم ليست بالقوة المناسبة، فيحاول أن يضفي عليها صفة الشرعية بشكل أو بآخر، ليتدخل بقوة وبشدة أكبر، وتمنحه مسوغاً لتحقيق أحلامه في ما يسمى بدولة الخلافة الإسلامية على نهج من يرتأي..،
 أحلام كبيرة قد تشمل التوسع عربياً، وأوربياً وربما عالمياً. تركيا هي دولة داعش الظلامية التي يسعى لتحقيقها، مقابل الدولة الجديدة المتوقع قيامها في العراق، والتي يدافع عنها الحشد الشعبي مع قوات الجيش النظامي، تدفعهم الروح الإيمانية العظيمة، وولاءهم الكبير لوطنهم، وحرصهم على الدفاع عنه ومقدساته، فأثبتوا في دفاعهم عنها ضد الدواعش أنهم الأقوى رغم الإمكانات المادية المحدودة، والدعم العالمي الضعيف، والمتجاهل في أحيان كثيرة. ربما لم يشعر العالم بمدى الرعب الذي عاشه أردوغان ونظامه الحاكم من تلك الحقائق والوقائع الحاضره أمامه في اندحار الدواعش، إلا أنه يتصرف بما يرى أن فيه ضمان لبقائه مدة أطول في الحكم، وليس غريباً أن يعمل على توريثه كما يفعل الطغاة المتشبثين بالسلطة عادة. وبلا شك، فإن بعض من دول الغرب، والصهيونية العالمية يهمها جداً وجود مثل هذا النظام، هي ضالعة وضليعة في صناعة الكثير من هذه الأنظمة، إذ كذلك لها أحلامها في المنطقة. أياً كانت الظروف والمبررات، وأياً كانت العوامل التي تكمن وراء ما حدث في تركيا مؤخراً، فيبدو أن أردوغان قد ابتدع نظاماً جديداً لتحقيق أحلامه المريضة، هو مزيج من نهج أموي دموي، ومنحى تعصبي هتلري، وعنجهية وحماقة صدامية..، من كل ما شهده العالم من حكومات وأنظمة تعسفية، ليشهد اليوم نظاماً دكتاتورياً جديداً يسانده كل أشرار العالم، هو النظام الأكثر دموية.

أحدث المقالات