23 نوفمبر، 2024 4:07 ص
Search
Close this search box.

لماذا لا تتحقق الرغبات في الحال؟

لماذا لا تتحقق الرغبات في الحال؟

تتلاشى الكراهية فقط حينما نكون قادرين على محبة ما نكره، وبالمثل نصبح أكثر قوة عندما نقبل نقاط ضعفنا، ونسامح الآخرين فقط حينما نسامح أنفسنا، وأننا نسامح أنفسنا فقط حينما نسامح كل جزء منا وخاصة تلك الأجزاء التي لا نحبها. إن العالم بكل عدوانيته وخشونته وفظاظته ليس هو الذي بحاجة إلى التغيير بل أنفسنا، وليس ثمة تقدم حقيقي أو انتقال ممكن إلى مستويات أعلى من العيش إذا كنا نعتقد أن سبب مشكلاتنا هي التأثيرات الخارجية. القبول الذاتي لكل ما نقوم به، بضمنه مواهبنا واخفاقاتنا وفتح عيوننا وقلوبنا لكل شخص آخر له مواهبه الخاصة واخفاقاته. إن ارتكاب الأخطاء ممكن أن يكون نافعا، كعدم ارتكابها. إن الكثير من الاختراعات حدثت عبر الأخطاء. الأخطاء تجعلنا نعمل الأشياء بطريقة مختلفة في المرة القادمة،إنها تمنعنا من الخروج عن الدرب وتجعلنا نتجنب الألم. بعد أن يتخيل الإنسان هدفه، عليه أن يعيّن طريقا مستقيما لتحقيقه دون النظر إلى الشمال أو اليمين. ويتعين عليه أن يقصي مخاوفه وشكوكه. المخاوف والشكوك هي عناصر الانحلال التي تكسر الخط المستقيم للجهود. المخاوف والشكوك لا تحقق شيئاً أبداً، إنها على الدوام تقود إلى الفشل. الهدف، الطاقة، قوة الفعل، وجميع الأفكار القوية كلها تتعطل حينما تزحف المخاوف والشكوك. يتعين عليَّ الإشارة هنا ليس في نيتي الخوض في غمار بحور العوالم الغريبة على القارئ العربي، إلا أنَّني أحببتُ أن أُشاركه ببعض الأفكار التي استخلصتها من خلال قراءاتي المختلفة وخاصة في حركة العصر الجديد New Age Movement والبوذية والهندوسية. إذا أردت أن أكون أكثر دقة أن جميع هذه الأفكار لا تعود لي في أصلها إلا أني في الوقت نفسه ليس من السهل عليَّ تتبع آثارها، ومتى وكيف اندمجت في نفسي.
الأفكار والهدف
ما لم ترتبط الأفكار بهدف ما لن تكون هناك انجازات ذكية. اللاهدف في الحياة رذيلة، الأشخاص الذين ليس لديهم هدف مركزي من السهولة أن يقعوا فريسة القلق، الخوف والإشفاق على الذات. على الشخص أن يتبنى أهدافا شرعية في قلبه ويضع الخطط لتحقيقها، عليه أن يضع الهدف كنقطة مركزية لأفكاره. قد يتخذ الهدف أو الرغبة شكلَ مثال روحي أو موضوع دنيوي على وفق طبيعة الشخص في ذلك الوقت. تنبع إرادة تحقيق الرغبة من معرفة بأنه بوسعنا أن نعمل ونفعل. الشك والخوف أعظم عدوين للمعرفة، والشخص الذي لا يقوم بذبحهما أنه
يدمّر نفسه في كل خطوة. الذي ينتصر على مخاوفه وشكوكه ينتصر على إخفاقه. العوائق أو التجارب غير السارة تواصل إزعاجها لنا طالما نحن نغذيها بطاقة المقاومة، الشعور بأننا ضحايا التقدير المتدني للنفس أو الشعور بالخوف، رؤية أنفسنا بأننا بمعزل عن الآخرين والعالم. لقد أتاح لنا الله معرفة كل شيء بشأن الأمور التي نعتقد بأنها ليست نحن، مع هذه الحقيقة أننا كل ما ندرك ونستقبل وأن العالم هو مرآتنا. إذا ما رأيت الموت حينما يموت شخص ما فإنكَ أو إنكِ ترين جزءاً منك يبدو ميتا أو أصلا أنه ميت. ربما تكون العاطفة التي تأججت ذات يوم للحياة، أو الحب الذي تكنه للشخص الذي تزوجته قد اضمحل في العالم الأثيري. بالمقابل إذا ما رأيت الحياة عندما يموت شخص ما فإن ذلك بسبب قبولك لسرمديتك الخاصة. إنكِ أو إنكَ تملك القوة التي تقرر كيف يبدو أو يظهر العالم نفسه لك. إنها طاقتك وموقفك هو الذي يقرر سواء فيما إذا كان العالم ودياً أم غير ذلك.
مشكلة الرغبات
علينا القول إن الرغبات تقرر أفعالنا، على مستوى آخر أن الرغبات هي شكل من الأفعال. حتى لا يُساء فهمنا بأننا حلقنا بعيداً في عالم الخيال، يجب أن نقول يتعين علينا بذل الجهود المتواصلة والكدح والطرق على موضوع رغباتنا حتى تتحقق، وأن نكون ذوي عزيمة ونتحلى بروح الإصرار والمثابرة، أو كما يقول المعلم الروحي فيفي كنانده أن نكون مثل طائر وضع بيضه على شاطئ وأخذته الأمواج فها هو يحاول شرب ماء البحر كله كي يستعيد البيض. بعض الرجال يبدو أنهم يجذبون لأنفسهم النجاح، القوة، الثراء، التحقق بجهد واع قليل، بينما البعض الآخر بمشقة كبيرة، ومع ذلك تفشل فئة في مقاربة طموحاتها بالمرة. لماذا يحدث هذا؟ السبب لا يمكن أن يكون جسميا فحسب. الفارق هو ذهني، مرتبط بالعقل، الفكر هو قوة خلاقة. المُكُون الأساسي والاختلاف الوحيد بين الرجال والنساء هو الفكر. الفكر هو من يتغلب على كل صعوبات البيئة والعوائق التي ترتمي في درب الرجال والنساء.
لماذا لا تتحقق الرغبات في الحال؟
يقول الحكيم راما تيرثاRama Tirtha “إن الرغبات تتحقق بسرعة إذا ما كانت قليلة العدد، وستُسمع الصلوات إذا ما مزج الشخص وعيه بالوعي الإلهي بينما هو يفكر في تحقيق رغباته، في النهاية كل الرغبات ستتحقق”. إننا نستنتج بأن الرغبات مختلفة في القوة، كما أنها مختلفة في الصعوبات التي تلاقيها بصدد ما تسأل عنه. في حياتنا اليومية كم هو شائع أن الشخص الذي نرغب فيه يختلف عما كنا نتوقع بعد أن نعرفه أو نعرفها جيدا. إن رغبتك مبنية على الصورة التي كونتها عن الشخص، عندئذ كيف ستتحقق رغبتك؟ في بعض الأحيان ثمة عوائق قد تكونت في ماضينا، تلك العوائق هي التي تمنعنا من النجاح، فإذا ما أدركنا منشأ هذه العوائق ولماذا حدثت عندئذ سنتجاوز ظروفها ويكون من الأسهل تحقيق رغباتنا. إن أشياء العالم الجيدة لا تعود إلى أشخاص مفضلين، أنما إلى الكل وأنها تأتي إلى الذين يتمتعون بحكمة كافية للتمييز بأن الأشياء الجيدة هي لهم ويقاربونها بجرأة
كافية. يفقد الشخص الكثير من الأشياء الجيدة لشعوره بأنه لا يستحقها- إن هذه الأشياء أو الهبات أو النعم أكبر مما أستحق- هكذا لسان حال الشخص لكونه يفتقر إلى الثقة ليطلبها ويحوزها. على أي مستوى، مهما يكن الشيء الذي تريده طالما كان مشروعا فإنك لا تطالب إلا بحقك، وكلما كنت جادا في طلبك تكون أكثر ثقة في تسلمه، مستخدما إرادة أكبر للحصول عليه. ثمة رغبات لا تقدم لنا الفائدة حينما تتحقق ولا تخدم تقدمنا الذهني وتطورنا الروحي. في كتاب الخيط الأحمرThe Red Thread يتحدث المؤلف في أحد الفصول عن الشبق الجنسي، ذاكرا قصة امرأة شهوانية تدعى Miaoyi لتحقيق رغبتها بالجماع استحضر بوذا جسد شاب وسيم لإغوائها. في البداية عايشت Miaoyiنعمة خالصة، لكن بعد يوم كامل من ممارسة الجنس أصبحت منهكة فأرادت الحصول على بعض الطعام والراحة. لم يلن الشاب لسؤالها قائلا لها: بأنه ليس بوسعه الراحة قبل أن يكمل إثني عشر يوما من الممارسة. تواصلت هزات Miaoyi الجنسية والتي تحولت بعد وقت قصير إلى كابوس. بعد مرور أربعة أيام من التخمة الجنسية شعرت كما لو أن سيارة سحقت جسدها. بعد خمسة أيام كما لو أنها بلعت كرات محمية من الحديد، بعد ستة أيام كما لو أن سهاما خرقت قلبها. الآن هي مشمئزة كلية، فأقسمت بأن لا تمارس الجنس ثانية. شعر الشاب بالغضب، متهما إياها بإفساد منهج تدريبه. حينما شعر بالعار من فشله، أخبرها بأنه سيقتل نفسه، إلا أنها لم تحرك ساكنا لإيقافه. ودون أن ينهض من فوقها قطع حنجرته، راشا الدم على جسدها. لقد أصيبت بالفزع حينما أدركت بأنها ليس بمقدورها أن تفصل جسدها عن جثة الشاب التي بدأت بالتعفن، منحلة بسرعة إلى عناصرها الأولية، بحيث بعد مرور سبعة أيام لم يبق من الجثة سوى العظام المنتنة الملتصقة بجسد المرأة كما لو أنها لُحمت بمادة لاصقة. من أعماق يأسها تذرعت المرأة للآلهة لكن بوذا هو الذي ظهر وخلصها.
تحقيق الرغبات
في بدء الكلام عن تحقيق الرغبات بودي الإشارة بأن هناك نظريتين أو وجهتي نظر أساسيتين قاربتا موضوع تحقيق الرغبات، الأولى: ترى أن التعلق والتفكير المتواصل في الحصول على ما نرغب يجعلنا نجسّد موضوع رغبتنا على أرض الواقع المادي بسرعة، أي المثابرة في تخيل الظروف والتجارب التي نطمح أن نرى أنفسنا فيها، غاضين بصرنا في الوقت ذاته عما نرغب. وجهة النظر الثانية: التخلي أو الزهد في ما نرغب بعد أن نكون قد تخيلنا موضوع رغبتنا لوقت كافٍ. هذه المقاربة ترى بأن الرغبة هي شيء مادي، وطالما أننا نفكر على الدوام في رغباتنا فإننا نقبض عليها ولا ندعها تتحرر، لذا علينا أن ننفصل عن موضوع رغبتنا كي نتيح لها فرصة التحقق. السعادة الحقيقية لا يمكن شراؤها بالأشياء المادية كالمال والماس والذهب والفضة، ليس بوسع هذه الأشياء أن تجعلك سعيدا. السعادة الحقيقة هي حالة ذهنية. من الممكن أن يكون في حسابك مليون دولار وأنك ما زلت تشعر بالفقر الروحي والمادي، والعكس صحيح ربما أنك لا تملك شيئا لكنك ثري؛ روحيا ومعنويا وشخصيا وعقليا، أي لديك قدرة التفكير والاختلاط بالناس ومساعدتهم فضلا عن حيازتك المعرفة والمواهب الأخرى التي تجعلك جذابا وسط محيطك. إن سر السعادة مختلف، السر هو طالما أنك تبحث عن السعادة وتنشدها فهي تهرب منك، وكلما
تجاوزت رغبتك وأحسست بأنك اكبر وأسمى من موضوعها كلما أخذت الأشياء تنجذب إليك وتريدك وتبحث عنك. يُحكى ثمة وزير لملك أمضى وقتاً طويلاً في التأمل وهو يردد ” مانترا” معينة،( المانترا – هي كلمة أو لفظ أو جملة معينة يقولها الشخص مرة وأخرى من أجل تركيز طاقاته والاتصال بطاقات عليا) لقد ردد الوزير المانترا أكثر من مليون مرة راغبا في رؤية إلهة الجمال في جسدها المادي. إلا أنها لم تظهر له. فشعر باليأس وقرر التخلي عن الحياة الدنيوية والاعتزال في إحدى الغابات. وبينما هو يخطو هناك، ظهرت إلهة الجمال له. فقال لها، أرجوك، ابتعدي عني، لقد أمضيت سنوات كثيرة وأنا احلم برؤيتك، وبعد أن تخليت عن كل شيء فها إنك تظهرين. فردت عليه أن سبب ذلك هو أنك لم تبعدني عن ذهنك طوال كل ذلك الوقت، والآن بعد أن زهدت بي وأزحتني من ذهنك فها إنني أمامك، إلا أن الوزير نأى عنها قاضيا سنوات حياته الباقية في العزلة والتأمل.
التفكير الإيجابي
الهدف الحقيقي من هذه الحياة ليس جمع المال، أو استخلاص المتع الحسية، أو الحصول على الشهرة، الأولاد، النساء، والمال والذهب والماس. إنك تخسر كل الخسارة إذا ما توحدت أو تماهيت مع هذه الرغبات وجعلتها هي هدفك الأساسي. الهدف الحقيقي في هذه الحياة هو معرفة النفس والسيطرة على العقل من أجل بناء عالمك الذهني وتقديم شيئا ما للناس والحياة، لا الاستهلاك النرجسي والتفكير الأناني. في كتاب The Red Thread الخيط الأحمر يتحدث المؤلف عن الرغبة الجنسية في البوذية، ثم يروى حكاية رجل ثري فقد القدرة على مواصلة الفعل الذكوري، في أحد الأيام بينما هو يجلس أمام داره رأى 500 ثور في طريقها إلى الإخصاء، قال محدثا نفسه، ها إني رجل غني لكني غير قادر على ممارسة الجنس، وإن قطيع الثيران هذا سيلاقي المصير ذاته بعد قليل، دعني أشتري هذه الثيران وأخلصها من عملية الاخصاء، وبالفعل اشتراها وحررها. من الغريب أن قدرته الجنسية عادت إليه في الحال. بالطبع من وجهة نظر البوذية، أعني مفهوم الكارما Karma ترى أن الرجل جنى ما زرع، إنه قام بفعل خير كبير وجعل هذه الحيوانات تستمتع بما وهبت فجنى في الحال ما قد زرع، أيّ نتيجة فعله. إن بعض الناس لأن منظورهم سلبي للحياة والآخرين سيثبطون عزيمتك بتعليقاتهم ومقارباتهم السلبية إذا ما أخبرتهم أنك تريد أن تغيّر بعض الصفات التي لا ترغب فيها أو تمتلك صفات إيجابية لتضيفها لشخصيتك. أو أنك بدأت تقرأ في هذا المجال أو ذاك. في الحقيقة يتعين عليك الابتعاد نهائيا عن الناس السلبيين والأشخاص غير المرغوب فيهم. لذلك من الأفضل أن تحتفظ بهذه الأمور لنفسك ولا تُشرك الآخرين بما تقوم به خاصة في البداية، من السهل إطفاء النار الصغيرة.
تكون الأفكار إيجابية حينما تتركز على ما يلي: النجاح، التحقق، الإنجاز، التغلب على الصعوبات، الانضباط النفسي، الازدهار، القوة، الشجاعة، الكرامة، المثابرة، الغرض، الصبر، الحكمة، الإخلاص، الثقة، الإيمان، الأمل، الحب، البهجة، السلام، الصحة والسعادة.
تكون الأفكار سلبية حينما تتركز على ما يلي: الإخفاق، الصعوبات، الحظ السيئ، المشقة، الكراهية، الحسد، اشتهاء ما للغير، الشهوة الحسية، الأنانية، النرجسية، البؤس، الشقاء، المرض والموت.
إذا ما ركزت أفكارك على الأفكار الإيجابية لبضع دقائق وتركت خيالك يعانق بحرية معنى كل كلمة متفهما ماذا تعني فإن إحساسا بالقوة سيتخلل وجودك كله، هذا يدل على أن القوة اللانهائية للعقل اللاشعوري أُستثيرت وأخذت تعمل. جميع هذه الصفات الإيجابية التي تمثلها هذه الكلمات هي في داخلك.
بالطريقة نفسها إذا ما ركزت أفكارك على الصفة السلبية كالعجز أو الشقاء أو الكسل أو اللاجدوى مثلا، فبعد دقائق قليلة ستصبح مكتئبا وبطاقة منخفضة. إذا ما ركز عقلك على الخوف فستملؤك المخاوف والأشباح.
الإنسان الذي تملأ قلبه الكراهية يجلب الكراهية لنفسه، الإنسان الذي يترع قلبه الحب يكون محبوبا.. الشخص المخلص والنزيه يحاط بأشخاص لهم هذه الصفات، والعكس صحيح. الشخص الذي يزرع أفكارا شريرة ويصلي كي يباركه الرب هو بوضع الفلاح الذي يزرع الحنظل ويتوقع أن يجني حنطة. لذا فإن نجاحك وسعادتك وصحتك تعتمد على نوع الأفكار التي تستضيفها. إذا ما فكرت بشكل إيجابي ستصبح إيجابيا وسيحالفك النجاح والعكس صحيح. السؤال الذي يطرح نفسه الآن.. كيف نسيطر على تفكيرنا بحيث لا نسمح إلا للأفكار الإيجابية أن تقيم وتختمر وتعشش فيه؟؟؟ الجواب: عبر الحذر الدائم والمراقبة المستمرة لوعينا. في كل مرة تحاول فكرة ضعيفة أو لا قيمة لها الدخول إلى عقلك، ارفض وجودها في عالمك الذهني واستبدلها بفكرة مناقضة لها وبهذا ستكون سيدا لبيتك وقبطانا لروحك.
اجتذاب الطاقات العليا
بوسع التوكيدات الإيجابية أن تساعدك وتغيّر حياتك كلها، عبر خلق النماذج والأمزجة التي ترغب فيها. بواسطة تكرار الأقوال المدروسة جيدا يمكنك أن تطور مفهومك عن نفسك وتحقيق تقدم كبير في طريقك. بشكل عام زيادة جاذبيتك ونجاحك. ينبغي عليك التمسك بمفهوم إيجابي عن نفسك، لهذا السبب أن استخدام التوكيدات الإيجابية مفيد إلى حد بعيد. التوكيدات هي عبارات أو جمل أو أقوال أو كلمات نرددها لأنفسنا أو للآخرين مرة وثانية فأخرى. في الحقيقة أننا نستخدم قوة التوكيدات كل يوم في حياتنا بشكل شعوري أو لا شعوري. لسنوات عديدة أننا نكرر تلك الأقوال والكلمات ملصقين بها المعاني في أفكارنا أو من خلال الإصغاء للحديث مع أنفسنا، إن ذلك ساعد في تشكيل حياتنا كما نعرفها الآن.
من سوء الطالع الكثير منا يقارب سن البلوغ بمفاهيم سلبية عن النفس. إننا نُنتقد بشكل دائم أو فظ من قبل والدينا وأساتذتنا أو من أشرف على تنشئتنا. إن بامتلاكنا مفاهيم إيجابية عن أنفسنا والعالم الخارجي يتيح لنا التوحد أو الاندماج في طبيعتنا الروحية كي نشعر حقا بأننا كائنات سامية. إذا شعرت بأنه ليس باستطاعتك القيام بعمل ما وتنتقد نفسك على الدوام، وتنوح على ما ليس بمقدورك عمله بإمكانك أن تغيّر وتعيد صياغة حقل قوى اللاشعور لتكون في خدمتك. إننا بسبب مواجهتنا الصعوبات فإن نظرتنا للحياة والعالم أصبحت سلبية ونشعر بأننا ليس بوسعنا شق طريقنا الخاص. الكثير منا يفترض بأن هذا الشيء لا يمكن تغييره وليس باستطاعتنا النجاح. إلا أنّ الحقيقة كما أنه بمقدورنا تقوية عضلات أجسادنا بالتمارين والتغذية الجيدة يمكننا إعادة صياغة اللاشعور وتغيير مكوناته عبر استخدام قوة التوكيدات واجتذاب الطاقات والاشخاص والظروف التي نرغب فيها. إليك هذه
التوكيدات: ” سأكون ما أريد أن أكون. وسأعمل ما أريد أن أعمل.” إنني قادر على تحقيق ما اخطط له” “بوسعي أن أكون مبدعا وأتجاهل أصوات النقد التي أسمعها في داخلي”. ” إنني من أكثر الناس روعة في هذا العالم” ” إن روحي على الدوام تُجدّدني”. من المفيد أن تكتب توكيداتك في دفتر ملاحظاتك أو مباشرة في الحاسوب عدة مرات في اليوم. أيضا رددها ذهنياَ أو بصوت مسموع لدقائق وأنت تمشي أو تستحم، أو أثناء جلسات تأملك ثلاثة أوقات: في الصباح وعند منتصف النهار وقبل النوم. من الأفضل أن لا تُخبر أحدا بما تقوم به لكي لا تشتت الطاقة التي تقوم ببنائها من أجل تجسيد ما تريده على أرض الواقع.
قدر الإنسان
حينما نتكلم عن قدر الإنسان فإننا لا نعني إنسانا خاصا، وإنما نتكلم عن أنفسنا ونحن نتوغل في القرن الواحد والعشرين. الإنسان يقرأ الصحف والكتب والأديان ويلتقي الأصدقاء محاولا إيجاد بوصلة يهتدي بها وهو يتقدم إلى أمام في درب الحياة لمعرفة ما الذي يحدث في العالم وفي نفسه. جميع الأديان جاءت لتبين للإنسان النصف الآخر من الحلقة أو الدورة.. أنك ولدت في هذا الجسد المادي القابل للتغير، المرض، الشيخوخة والفناء. وفي يوم ما ستغادر هذا العالم. لكن هذا الجسد المادي ليس جوهر الإنسان على الرغم من نسيانه أحيانا جوهره الإلهي وتطابقه مع الأول. من هذه النقطة يبدأ الاختلاف وتتشعب ظاهرة الخلق. اليهودية والمسيحية والإسلام تنظر لمراحل حياة الإنسان بشكل أفقي: ولادة- طفولة- مراهقة- بلوغ- نضوج- كهولة- شيخوخة- موت. وترى أيضا بأن الله خلق الإنسان من أجل العيش والعبادة لمرة واحدة على الأرض. بعد الموت سيكون هناك حساب والأخيار سيدخلون الجنة الأشرار النار. بينما ترى البوذية والهندوسية الشكل الدائري للحياة، في البدء خلق الرب روح الإنسان لتحقيق أهدافا معينة تُتوّج بالاستنارة، الاستنارة أو النرفانا أو إدراك النفس جميع هذه الكلمات تعني الشيء نفسه، هي الهدف الرئيس في البوذية والهندوسية من الحياة الأرضية. حينما يتحقق الهدف تنتقل الروح إلى عوالم أخرى هرمية التطور- تتخذ الروح أجساد بشرية عديدة عبر التجسدات المختلفة على الأرض وبعد أن تحصل على الاستنارة تندمج ثانية في الرب. الحياة على الأرض محدودة جدا مقارنة بفخامة الكون، لذا من الوهم التخيل بأن الإنسان هو مركز الكون. يخبرنا العلم بأن الأرض تعود إلى المجموعة الشمسية التي تقع على حافة مجرة درب التبانة التي تتكون من بلايين النجوم. ومجرة درب التبانة هي إحدى مجرات لا تحصى يتخللها فراغ هائل. وعلى الرغم من هذا الاتساع ثمة شيء داخل الإنسان يبلغه بأنك جزء ضروري ومتأصل في هذه الفخامة حتى لو أنك نسيت هذا بسبب توحدك مع الجسد البشري الفاني.
ثمة ثلاث مدارس فكرية بصدد القدر، أبرزها هذه الأيام تقول ليس ثمة شيء يدعى قدر. يفترض هذا الخط من التفكير أن الإنسان يملك الإرادة الحرة. جميع نجاحاتنا واخفاقاتنا وأفعالنا تخضع للقرارات التي نتخذها. إذا ما قمنا بقرارات سليمة وعملنا على وفقها لا أحد يمنعنا من تحقيق ما نريد، إذا ما فشلنا فإن السبب يعود لخطأ من قبلنا. إننا نملك الاختيار باتخاذ قرارات مستخدمين حرية إرادتنا. المدرسة الثانية والتي تبدو أكثر منطقية تقول إنك حر بإتخاذ الخطوة الأولى، لكن ما أن تتخذها فإن الخطوة الثانية لا يمكن تجنبها. على سبيل المثال اذا ما أردت زراعة
شجرة، فطالما أنك لم تقم بزراعة البذرة فلديك اختيارات كثيرة، ربما أنك تغير رأيك ولا تزرع البذرة بالمرة. لكن ما أن تقوم بالبذار فليس بوسعك الحصول على ثمرة مختلفة، إذا ما زرعت شجرة تفاح فلا تتوقع أن تجني ” رمان” طبعا اذا حالفك الحظ وأثمرت الشجرة.
المدرسة الثالثة ترى أن قانون karma ” الكارما”- الكارما كلمة سنسكريتة تعني الفعل وثماره- هو الذي يسود الحياة، وأن كل ما يحدث في حياتنا نتيجة لافعالنا. ليس بوسع الشخص الهروب من نتيجة أعماله وأفكاره وكلماته، إنها تتبعه أينما حل مثل ظل الطائر.
الإنسان هو سبب السعادة والكوارث في حياته، إنه يحصد عبر السنوات بالضبط ما يزرع، الحياة عادلة ويكافأ الشخص على وفق أعماله. إن قدر الإنسان في الحاضر هو ما زرع في الماضي وإن كان بعيدا. إن قدر الإنسان ليس عقوبة له أنما يجلب للشخص التجارب العلاجية التي يحتاجها كي يتعلم الدروس التي أخفق في تعلمها بالماضي ويحصل على الحكمة. الهدف جيد من زاوية نظر عليا على الرغم من المعاناة والتجارب المؤلمة التي تصاحبه. الإنسان ليس بوسعه مقاتلة أو تجنب القدر بنجاح، لكن بإمكانه التخلص من عجلات القدر بواسطة العيش بشكل متناغم مع القانون الإلهي، تنبغي الإشارة هنا بأن معظم مشكلات الإنسان ليس سببها القدر أنما قتاله ضد أو محاولته مقاومة الخطة الإلهية.
وكما أن بعض الأشجار تحتاج إلى وقت أطول حتى تنمو فإن بعض الأعمال بحاجة إلى أوقات مختلفة كي تثمر، وبعضها يحتاج إلى وقت طويل جدا يتجاوز مدة حياة الإنسان. في هذا الحال فإن الشخص سيجني ثمار أفعاله في حياة مقبلة أو قادمة. الآن نأتي إلى وجهة نظر العلم الحديث التي تقول بأن الكون برمته في تواصل. يعني ذلك لا يوجد جزء معزول عن بقية الأجزاء، وان كل حدث في الحياة ناتج عن تراكم أحداث لا تحصى في الماضي جعلت هذا الحدث ممكنا. وحتى قطرة الماء في اكبر المحيطات لها أهمية ومعنى في الخطة الكونية. يدل هذا على أن من المستحيل على الإنسان تغيير مجرى الأحداث لأن أسبابها لا تكمن في نطاق تفكيره بل في الكون كله.
تقنية نفيل
قدم نفيل إلى أميركا من جزيرة باربدوس البريطانية مطلع القرن الماضي، كان ممثلا وسيما وذا شخصية آسرة. لقد شعر بأن الاشتغال في زراعة السكر في بلده ليس مقدرا له، عالم أوسع وتطور روحي هو ما يحتاج إليه، فقدم إلى أميركا وهو في السابعة عشرة من عمره ليدرس الدراما. بعد سنوات قليلة، نشر كتابه ” اعتقاد الإنسان هو حظه” ولقد شعر بعض المقربين منه منذ ذلك الحين ثمة قمم ضخمة من الإنجازات والشهرة تنتظره في المستقبل. لقد عايش تجارب واسعة ومختلفة وهو في بداية شبابه. لقد أقام في مدينة نيويورك في البدء، ثم أبحر بشكل واسع بصحبة راقصة إلى إنجلترا، هناك حدث التحول في حياته، أصبح متفتحا بعمق للميتافيزيقا والغيبيات والتصوف. يتوجب علينا القول هنا بأن( نفيل) كان ناجحا جدا في عالم المسرح ومرتبه الأسبوعي منه حوالي 500
دولار في ذلك الوقت أي في عام 1925، إنه لم يهجر خشبة المسرح لإخفاقه، هذا شيء مهم لنعرفه، لتبديد الوهم الذي يقول إن الفاشلين فقط هم الذين يلتجئون لعالم الغيب والتقشف والتصوف. ليس التقييم الواعي لأنفسنا هو الذي يُعول عليه، بل ما نستشعره في أعماقنا وقلوبنا، وهذا للأسف غير معروف لمعظمنا، ما نحسه في الجانب اللاشعوري للنفس. نفيل يسمي هذا الوعي بالكينونة وما يستشعره الناس بصددنا. ربما أشعر بأنني حشرة في أعماقي، ومهما حاولت شعوريا تعويض هذا النقص اللاشعوري وأوحي لنفسي بأنني عملاق سيعرف العالم بأنني حشرة. من جهة أخرى، ربما يكون تقييمي الشعوري لنفسي متدنيا جدا لكن تقديري الحقيقي اللاشعوري لنفسي كما يظهر على سبيل المثال في الأحلام رائع والذي آجلا أم عاجلا سيفوز. بوسعنا تلخيص الأفكار الأساسية التي جاء بها نفيل في هذه النقاط: أولا، إن العالم الخارجي للإنسان هو نتاج خياله، سواء كان ذلك شعوريا أم لا شعوريا. وان الإنسان حر في أن يتخيل أي شيء يرغب فيه وبهذا يخلق واقعه الشخصي على الرغم من أنه قد ينسى الأصول التخيلية للأحداث التي تقع له. ثانيا، الأمزجة والمشاعر، حيث يقول ما معناه بأن الأمزجة ليست نتيجة ظروف حياتنا فحسب أنما هي أيضا مسببات لتلك الظروف. أيضا يقول في هذا الشأن ليس الإنسان بحاجة إلى انتظار الأمزجة الجديدة كي تنمو وترتفع في نفسه بل بإمكانه خلق الأمزجة السعيدة بفعل الإرادة. ثالثا، حالة الوعي التي نحن عليها في استقبال تجاربنا اليومية مهمة، طبعا يشمل هذا ما نفكر ونرى ونسمع ونقول ونعمل ونعايش الخ لسبب إذا كنا نعايش تجاربنا بوعي يسهل علينا رفض التجارب غير السارة في حياتنا وتعزيز وتشجيع التجارب والأمزجة التي نريدها، رابعا، إعادة رؤية وعيش تجارب اليوم الذي نحن فيه- طبعا التقنية تعمل ونافعة حتى على الماضي البعيد- بعين عقلنا، يعني هذا عند انتهاء يوم أنشطتنا وقبيل أن نخلد للنوم، نستعيد أحداث اليوم ونستبدل بخيالنا التجارب غير المحبوبة بتجارب محبوبة والإحساس كما لو أن الذي نتخيله هو الذي حدث على ارض الواقع المادي. ليس بوسع عقلنا التمييز بين ما هو متخيل وما هو حقيقي، المثال الذي يحضرني الآن هو حينما يتخيل الشخص تناول ليمونة في خياله فإن لعابه يسيل كذلك حينما يتخيل مشاهد جنسية فإنه يشعر بالاثارة الحسية. إذا كان لدى الشخص مقابلة للحصول على وظيفة أو أي لقاء آخر واخفق في الحصول عليها فإنه بإعادة عيش أحداث اللقاء في خياله سيستبدل الحدث غير المرغوب فيه بالحدث المراد وبهذا فإنه سيغير الإشعاع السلبي للتجربة بآخر إيجابي. وإذا لم نستبدل الحدث فمن الممكن أن تتكرر التجربة السلبية مرة وأخرى. ولهذا الأمر علينا أن نثقف ونربي خيالنا ونتزود على الدوام بأسلحة المعرفة والحكمة والعلم والنضوج لكي نحكم على تجاربنا وحياتنا وتغييرها وإلا سنكون فريسة لظروف الحياة بينما نحن في حقيقة الأمر كائنات مفكرة تتمتع بحرية الاختيار.
خاتمة
إنني لا أتوقع أن يتبع القارئ خطاي في كل ما أقول، بل أترك له الحرية الكاملة في استخدام أفكاره وارادته لتفحص الأفكار وتبنيها إذا ما كانت تنسجم مع تفكيره الشخصي. بناء الشخصية من أعظم الأمور التي يتعين علينا رعايتها. لقد قيل بأن الشخصية هي الشيء الوحيد الذي بمقدورنا أخذه معنا حينما نغادر الحياة الأرضية.
عزيزتي أو عزيزي ابق في ذهنك صورة واضحة المعالم لما ترغب، إذا ما أردت المال، فتخيل كمية كبيرة منه تنصب على طاولتك، إذا كانت الصحة ما تحتاج إليها امسك في عين ذهنك الداخلية صورة رائعة لها، مهما يكن الشيء الذي ترغب فيه، ابتكار شيء ما، الحب، الأصدقاء، الحصول على منزل، أرض، النجاح في العمل. دع هذه الصور الذهنية تثير عقلك متوغلة إلى أعماق لا شعورك. اشعر كما لو أنك أصلا تملك ما ترغب فيه وانبثق من ذلك الموقف. ارفض المرض، الفقر، الجهل، التطيّر، التشوش، الاكتئاب، الكسل، الاعتماد على الغير، لتسهيل عملية التصور إليك هذا التمرين.. انظر إلى باب الغرفة التي تجلس فيها، بخيالك تتبع آثار الخشب الذي صنع منه، خطوة فخطوة، عملية فأخرى، مرورا بمعمل النجارة، الشجرة، الغابة، البذرة. التلاميذ المتقدمون فحسب هم الذين بوسعهم السيطرة على قوى حياتهم عبر الوسائل الذهنية، الأقل تقدما حينما يُهاجمون بواسطة الأفكار الضعيفة والشريرة عليهم الاستيقاظ وعمل شيء مختلف وابعاد عقلهم عن الموضوع المحرّم والاهتمام بموضوع جديد لتركيز انتباههم عليه. أن تقرأ وتضع جانبا ما تقرأ لا يساعدك ذلك كثيرا، عليك أن تتبنى الأفكار بعد أن تمتحنها جيدا، لتكون جزءا من عالمك الذهني وحياتك اليومية. إن سعادتك لا تعتمد على أي شخص، إنها تعتمد كليا على حالتك الذهنية، وبمقدورك أن تصنع ما تريد، إنك تملك حرية الاختيار وقل لنفسك إنني سعيد لكوني اخترت ذلك. لقد أشرت إلى الطريق، سأدعك الآن وحيدا لا يصحبك في السفر سوى بذل الجهد والتدريب، في التدريب ستدخل حقول الصمت حيث تتلاقى الأفكار غالبا.
كاتب عراقي مقيم في أميركا
[email protected] 

أحدث المقالات

أحدث المقالات