لا تزال قضية الإمام الحسين (ع) محور للجدل الديني والاجتماعي والسياسي بالرغم من عمر تلك الحادثة الدموية التي تعرض لها سنة 61 هـ وتتابعت عليها حقب التاريخ السحيق ، حيث لا تزال الشعارات التي رُفعت عقب تلك القضية شاخصة نصب العيون وحاضرة في النفوس تستعر في الوجدان وتلتهب في الذاكرة وجرح عربي نازف مافتئ نازفاً يتوسد الخاصرة ، إن الدور الذي قام به الإمام الحسين (ع) في ثورته أيقظ إرادة الأمة من سباتٍ طويلٍ وأخرجها من دائرة القلق والتردد والخوف من البطش والجبروت إلى إتخاذ مواقف ثابتة جريئة تجاه مستقبلها والحفاظ على المبادئ والقيم التي جاءت بها الشريعة المحمدية الغراء … لتتحول مجزرة القتل فيما بعد إلى حرب ثأرية وعقائدية ومصيرية لم تضع أوزارها حتى يومنا هذا فما تكاد تخلو حقبة زمنية إلاّ وتشهد فيها ثورات ومطالبات وانتفاضات ولعل محور كل حركة وإنتفاضة وثورة هو القيام للجهاد الذي يجسد المحور الرئيسي لثقافة تستلهم منها كل ثورات الثائرين ضد الظلم ورموزه من الطغاة ، فكانت شعارات الثائرين تجسيداً لكل عناوين الثورة الحسينية وحتى في عناوينها الثأرية من أقطاب الظلم والطغاة والمتتبع لهذا الحدث التاريخي والمنعطف الخطير في تأريخ الأمة الإسلامية لوجد أن هنالك ترابطاً وثيقاً وصلة متلازمة لكل الثورات التي تلاحقت بعد ثورة الإمام الحسين(ع)
التي أصبحت فيما بعد نقطة فاصلة في مسيرة الأمة الإسلامية وانقسامها إلى معسكرين تجلى الأمر في أدبيات ثورات الإصلاح المطالبة بالتغيير وإحقاق العدالة وإنقشاع الظلم والفساد الذي تجلبب رموزه بوشاح الدين والتدين ….إن لغة الدم والمطالبة بالثأر لن يتأتى عنها سوى المزيد من إراقة الدماء والإيغال في الويلات والثبور فللحروب تداعياتها ثكالى وأيامى وأيتام و…. وما من منتصرٍ فيها فالرابح فيها خسران خصوصاً إذا إصطبغ الصراع بنزعةٍ عقائدية تتوارثها الأجيال … والأدهى والأمّر إذا كانا طرفي النزاع الشعب أو فئةٌ منه وبين السلطة ومما يزيد المشهد تعقيداً إذ كانت تلك السلطة ورموزها مؤدلجة بفكرٍ مختلف أو تنتمي لعقيدة مختلفة أو اتجاهات أخرى ضد إتجاهات الثائرين أو القائمين بالثورة فلغة الدم لها لعنتها وبشكلٍ إستثنائي في المجتمعات العربية التي تحكمها الأعراف والتقاليد التي تغيب القانون بل وتتقاطع حتى مع الشرع في أحيانٍ أخرى ، فإذا علا صوت السلاح تلاشى صوت العقل والحكمة … إن ما حدث مؤخراً من تداعيات خطيرة نتيجة اقتحام الجماهير الثائرة للمرة الثانية المنطقة الخضراء شديدة التحصين وتصدي القوات الأمنية بإطلاق النار على المتظاهرين العُزّل واراقة الدماء على أسوارها …
الأمر الذي سينجم عنه تداعيات قد تلوح بوادرها وفق مؤشراتٍ خطيرةٍ وأحداثٍ كبيرةٍ قد تحدث على شكل ردات فعل انتقامية تأخذ منحى جديد في خطى الثورة ، رغم توصيات اللجان التنظيمية التي تستمد توجيهاتها من قبل قائد الإصلاح الثوري السيد مقتدى الصدر بأن الثورة يجب أن تبقى سلمية حتى نهاية المطاف … لكن لا احد يستطيع أن يتنبأ أو يتكهن بالأحداث المتسارعة للمواقف وحِدْتِها وما قد ينجم من ردات فعل خاصةً وقد سبق حدث إقتحام الخضراء الثاني تصريحات متشنجة لمسؤولين ضد المتظاهرين وما رافقها من شحن وتأجيج سياسي وتلويح باستخدام القوة …إن أسلوب السلمية التي اتبعها المتظاهرون طيلة فترة التظاهرات والإعتصامات المستمدة لشرعيتها وفق الدستور الدائم لجمهورية العراق لسنة 2005 إستناداً إلى الفقرة ثالثاً من المادة 38 والتي نصت على حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، جديرٌ بالذكر أن التظاهرات شهدت تعاطفاً شعبياً واسعاً سيما القوات الأمنية والعسكرية التي شهدت بإنضباط التظاهرات في سابقةٍ مشرفة قل نظيرها… لكن سلمية التظاهرة البيضاء تم إفراغها وتجريدها من طابعها السلمي بعد أن إستمرت الحكومة في المماطلة وتسويف طلبات المتظاهرين المطالبة بمحاسبة المفسدين وتوفير حياة حرة كريمة للجميع ووأد المحاصصة في الوزارات والمناصب التي كان لها أسوء الأثر على البلاد والعباد ، فما كان من الحكومة إلاّ أن قمعت التظاهرات بالرصاص الحي وحولتها إلى ثورة حمراء مصبوغة باللون الأحمر ولتشهد نقلة خطيرة في مسيرة الثورة ولونها الأبيض ورايتها العراقية .. جُل ما نخشاه هو العواقب التي لا تحمد عقباها إن جاءت العاصفة الثورية الصدرية وتحولت إلى ثورة مسلحة ستحرق الخضراء ومن فيها وخصوصاً إن استعانت أطراف الحكومة بحماية حصونها ومعاقلها بقوى خارجية تتمثل بمحتل جديد يفرض سلطة الحكومة التي فقدت شرعيتها الدستورية والأخلاقية والقانونية وأصبحت مطلوبة للشعب بجريمة القتل العمد لأبناء شعبها ….