تبطل أية قوة من دون الله، ويتفند أي طرح ينافي تعاليمه؛ تلك هي فطرة المؤمنين، الذين وجدوا في إنهيار الطاغية المقبور صدام حسين، سانحة تاريخية لأعادة إنتشال العراق، من درك هاوية الباطل، الى علياء جادة الحق.. نورا يعيد بهاء حلم مؤجل منذ 17 تموز 1968.. الانقلاب الهمجي، الذي تواصل مع سلسلة خسف العسكر بالدولة.. دولاب دم، لا توقف له.
تكاثف التاريخ، مثل هواء ثخين، إكتظ به الفضاء.. خانق، يعتصر ابناءه، وهم يرون جبروت صدام يترنح؛ وقد هزم الجيش طريدا من غزوه الكويت؛ فبادروا الى محاولة دفعه، يعجلون سقوطه؛ لكنهم هم الذين تهاوى صرحهم، بدعم تلقاه صدام من إرادات عظمى، تجلت صراحة، في دول إقليمية، منعت إنهيار حكمه، برغم عداءها معه؛ لأسباب “أثنية – طائفية”.
وقفوا الى صفه، ضد الشعب العراقي، تحت هاجس لئيم: “صدام ضعيف، ولا حكم طائفة معينة” إنضموا له، وإنسحيت معهم أمريكا، التي كانت تقاتله بشغف مجنون، قبل ثلاث ساعات من إشتعال فتيل الانتفاضة الشعبانية، في آذار 1991، بل حتى المنظمات الانسانية “ضمت روسها” متغاضية عن الفظاعات البشعة، التي إرتكبها مجموعة من ساديين يتلذذون بذبح الناس بعد تعذيبهم.. إذلالا.
ما يعني ان الانتفاضة نجحت بإستفزاز الدول العظمى، وإستوقفتها للتفكير بنا، كمتغير رياضي قادر على اعادة توزيع حدود المعادلة؛ لأن العراق بلد ذو معايير غرائبية متطرفة، يقدم الدلائل المقنعة، بتصوفه الرباني مع ذات الشخصية، التي يتنكر لها، متنصلا من عهود الولاء، وهو غير عارف، لماذا هام وجدا بتقديس شخصية، لم تقدم له عونا، ولماذا ناصبها العداء، ذات وهن ألم بها.
هؤلاء هم العراقيون، وتلك هي تركيبتهم “السوسيولوجية – الاجتماعية” لذلك صفى الاضداد عداواتهم؛ للإجهاز على الانتفاضة؛ لأنها خارج سياق المخطط الكوني الذي يهيمنون به، على مستقبل العالم،…
لكن الثوار عاشوها بإعتبارها دعوة إلهية تلقوها من جلال الله، إستجابوا لها، ولم يستجيب القدر، الا بعد 13 عاما، على يد الجيش الامريكي؛ بشكل بلبل الموقف وأحرج المجريات، قياسا بما لو تحرر العراق، على يد شعبه، أوان الانتفاضة…
لكن تأتي متأخرة، خير من من الا تأتي، ما يجعلني محيطا بتمام الفكرة: “الحمد لله لأن أمريكا أسقطت صدام، لكنها ليست مشكورة، ولا فضل لها علينا؛ لأنها أسقطته لأسبابها الخاصة.. شأن بينها وبين صنيعتها.. عامل عق الأسطة، أو أسطة إستغنى عن صانعه.. لسنا معنيين بشكرها؛ الذي كنا سنغدقه مدرارا عليها، لو لم تخذل الانتفاضة”.
فضلا عن بشاعة الهمجية، في الاجهاز على الانتفاضة، والعالم المتحضر يتفرج، تُرِكنا ثلاثة عشر عاما، لرحمة طاغية سادي.. مهووس بالدم وتعذيب الاخرين، ينكل بالشعب العراقي كله، مكرسا “العقوبات الدولية – الحصار” أضعافا مضاعفة.. اوهنت العظم ودقت اللحم وخارت لها القوى وإهتزت العزائم، مستخذية، فالجوع ابو الكفار.. والكل إصطف مع الجوع الكافر “ما دام الصف الآخر يسجد من ثقل الاوزار” كما قال الشاعر مظفر النواب في قصيدته الشهيرة “الوتريات”.
إنتفاضة شعبان، إنبثقت شرارتها الأولى بعفوية الانسان التلقائي، إذا ما إحتقن، ولو ان تدفق زخم هذا الانفلات من ربقة الارهاب الصدامي، عاد عسكرياً محنكاً، حاول تصنيع خامته، ولم يفلح، وسعى الى طمأنة الدول العظمى الى مصالحها في العراق ومحيطه الدولي، ولم يتقبلوا منه شعبه قربانا.. بل صار مسخا وقرقوزا.. عرض عليهم ان يقاتل لهم إيران مرة ثانية، فسخروا منه، حصروه في كماشة السقوط، رويدا رويدا، الى ان نضجت الفاكهة، فقطفوا تمثاله، من ساحة الفردوس، ظهيرة الاربعاء 9 نيسان 2003.
لكن “مشيناها خطا كتبت علينا.. ومن كتبت عليه خطا مشاها” فقدر العراقي ان يتحمل شخصية هوجاء مغرمة بالـ “مكاون” يعقبه فاسدون، يضعون الشعب أمام خيارات أحلاها مر.
قبح الله الوجه المتضامن مع جبنه، وحيى الله الشجاعة التي انقذت شعبا من نفسه.. أقالت عثراته، وكل عام وشهداؤها، في مراقي الجنة خالدون.