دائما احتاج الى التمر في غذائي ، ليس فقط لفوائده الغذائية الكثيرة بل لأنه في مذاقه يعيد اليَ مذاق الوطن البعيد .البلد الذي كان يحوي على نخيل اكثر من نفوسه .بحيث عام 1967 كانت حصة كل عراقي نخلتين .
الأن في 2016 يكاد يكون حصة كل عراقي عثق واحد ناقص تمرتين …!
السبب ان الحروب قطعت رؤوس النخل دون رحمة ، وكان للمدافع وقنابلها وسُرف الدبابات وحفر المواضع بين البساتين سبب في هذا النقص الحاد .فالبصرة في حرب الثمان سنوات كان عدد الشهداء من أشجار النخيل يضاعف كثيرا اعدادها من الشهداء البشر .وربما هذه المقارنة ظالمة .فالانسان كما يقول ماركس رأسمالنا الأثمن .إلا ان العلاقة التاريخية بين النخلة والرافدين تحمل ذات مشاعر الدمع في الفقدان الذي يصيب البشر في الحرب.
ومثلما مزقت الشظايا اجساد الجنود والناس البسطاء .مزقت الشظايا جذوع النخل وسعفه وامتزج التمر بالبارود ، فصار للحرب طعم السكر في مرارة شهادة الوفاة التي كانت تصاحب نعوش الشهداء وتسلم من جيب المامور الى ذوي الفقيد …….!
وهكذا تتحمل الحروب وصانعيها وزر استشهاد النخل وقلة اعداده .وهو مع الانسان يتقاسم ضريبة محنتها في الحالتين ( معتدية او معتدى عليها )…!
في عام 2003 قام الحاكم المدني ( رئيس جمهوية العراق ــ لعام كامل ) بول بريمر بزيارة مناطق الأهوار وكان على موكبه في كل مدينة ان يمر بالمقرات الأدارية للأقضية والنواحي وكان يرسل كشافا للمكان ومعه مترجما للتهيئة للزيارة وتفحص المكان امنيا ..وفي واحدة من تلك المقرات اجبر المترجم المسؤولين على قطع شجرتي نخل امام بناية الناحية بحجة انهما يعيقان وقوف الموكب بسيارته التي وصلت اعدادها الى مئة سيارة وعندما قال احد الموظفين القدمى :انهما البرحيتان الوحيدتان في المدينة بين اصناف النخل وان ابيه هو من زرعهما قبل 50 عاما عندما كان بستانيا في دائرة الناحية .
قالوا له سلامة الحاكم المدني اهم من تاريخ ابيك والبرحي .
قفزت دمعة مستترة من الخوف في عيني ذلك الموظف وبدم بارد تم قطع النخلتين …..!
هذا يعني ان زمن بريمر لم يكن اقل رحمة على نخيل العراق وضاعف ذلك هجوم الملح والعطش الذي استأسد سياسيا على العراق وتم تقليل حصته من المياه الاتية من تركيا .فكان ان لبس العطش والملح اردية المغول واخذ يذبح البساتين بدون رحمة .فمن ثلاثين مليون نخلة الى بضعة ملايين وقد اكون مفزوعا اذا قلت انهن سوف لن يتجاوزن الثلاثة ملايين ..
وكنت ذات صباح قبل عامين ونيف اتحاور في جلسة خاصه مع الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد وزير الموارد المائية في مكتبه بوزارته عن قلقي ازاء موت النخل وما تفعله دول المنبع ، حتى وصل بي الأمر لأقول مع نفسي :اعطوهم كركوك ولاتجعلوا كل العراق يموت عطشاً..!
عقب الوزير على قلقي :انه يحمل هذا الهم والعطش الذي شمل المكان كله بشره ونخيله وقصبه واسماكه وطيوره.
الآن اتذكر تلك البرحيتين الشهيدتين واتحسر على النقص الحاد في نخيل العراق ولاآبالية الحكومة ازاء هذا النقص الحاد ، فمثلا في ستينات القرن الماضي كان 70 في المئة من استيراد اوربا للتمور آتيا من العراق ، وكل العراقيون فاطري الآذان الرمضاني من عراقي منفى ( السيدة زينب ) كانوا يفطرون بتمر معلب مستورد من المنطقة الشرقية في السعودية او بساتين الأهواز في ايران.
هذا يعني ان بلدا يعجز ان يوفر التمر لفطور شعبه المهجر لهو بلد ينبغي ان يراجع حساباته مع البرحي والخستاوي والزاهدي والبريم والكنطار والشويثي واللولو والخضراوي وباقي الأصناف لأنهم ينبغي ان يعلموا ( في الحساب الروحي لتاريخ العراق ، النخل بثمن النفط ) فأذا كانت نعمة البترول نقمة على الشعب ،فأن النخل كل تواريخه كانت نعمة على العراقيين وكان مخلصهم الأول من محن المجاعات والحصارات والحروب .ويتذكر العراقيين في الزمن القريب كيف تحول التمر ليحشى في النساتل بدلا من الكريمة والجوز واللوز ..وحتى وصل الامر ليكون التمر المادة الاولية في صناعة البوظا لعدم توفر السكر والحليب والفانيلا …لأن الأمم المتحدة عاقبت رعونة احتلال الكويت وغزوها بجعل حليب النيدو ذكرى قديمة لطفولة العراق وبوظته.!
المهم الآن لو تفتش كل اسواق اوربا لن تجد تمرا عراقيا ، وها انا اتسوق التمر التونسي والجزائري ولاارى للتمر العراقي مكانا وذلك يصنع في بلعومي غصة والم وحشرجة .فمن 70 بالمئة الى صفر بالمئة .
أذن اين ذهب تمر العراق ونخيله …!