على الرغمِ منْ أنّ حرب المدن هي من اصعب انواع الحروب , وتأتي بالمرتبة الثانية بعد حرب ” الغابات والأدغال ” كالحرب الفيتنامية – الأمريكية التي انتهت في منتصف سبعينيات القرن الماضي , وبقدر تعلّق الأمر بمعركة الفلوجة والأطراف والجهات المشاركة فيها ” وطنيا واقليميا ودولياً ” بغضّ النظر عن نسبة المشاركة النوعية ! والكميّه , إلاّ انه من الملاحظ أنَّ حجم القوات او ” القَطَعات ” المتواجدة لقتال الدواعش وتحرير المدينة هو اكبر واكثر بكثيرٍ جداً مما يتطلّبه سياق المعارك قياساً الى نسبة مقاتلي داعش واوضاعهم الدفاعية الخاصة والمنتشرة والمخفية داخل الأحياء السكنيّة للمدينة وأزقّتها . ومن الطبيعي والمعروف أنَّ العدو سوف لا يلتزم بمبدأ او مفهوم ” الدفاع الثابت ” وإنّما سيعتمد اسلوب الحركة والتنقّل والتمويه . أهم وأشدّ الأسلحة في هذه المعركة هو استمرارية الإستطلاع و التصوير الجوّي وذلك ما يتحكّمُ به الأمريكان بالدرجة الأساسية ” ولربما بالدرجةِ التي تليها ايضاً ” , السلاحُ الفعال الآخر الذي يلي ما سبقه ” ويعتمد عليه “
هو الطلعات والغارات التي تشنّها المروحيّات الأمريكية ” الأباتشي بشكلٍ خاص رغم محدودية عددها المتواضع عمدا .! ” وتليها ضَربات طيران الجيش العراقي بهذه الهيليكوبترات , والتي تعتمد بشكلٍ بارز على كفاءة الطيارين وخبرتهم وعدد ساعات طيرانهم منذ أن تخرّجوا كطيّارين < وتتطلّب الضرورة وبأقصى مداها تزويد وإعلام الطيارين العراقيين بأساليب التمويه او ” الغش والإختفاء ” حسب المصطلح العسكري , والذي تستخدمه وتطوّره داعش بكفاءةٍ مشهودة .! , ويلي ذلك بالطبع دور القاذفات والمقاتلات لكلا سلاحي الجو الأمريكي والعراقي ويعتمد في ذلك على الخرائط والتصوير الجوي وقصف الأهداف المتحركة مِنْ قِبل الطيارين .< تعبويّاً > : – مدفعيّة الهاون ” مورترز ” وبمختلف مدياتها , وإعتماداً بالأساس على ضبّاط الرصد وجرأتهم في التقّدم الى اقصى ما ممكن ” ولا أحدَ يراقبهم في ذلك .!! ” لها الدور الفعّال في ضرب مواقع العدو اذا ما جرى استخدامها بكفاءة وكثافة ميدانيّه .!أمّا صواريخُ ” ارض – ارض ” التي شوهدت صورٌ لها , وكذلك المدفعية الثقيلة فلها تأثيرٌ محدود من خلال استخدامها بين جيوش ومعاركٍ تقليدية في جبهات الحرب النظامية , والى ذلك فتتأتّى هنا أهمية وضرورة دور او ادوار القوات الخاصة والمغاوير وعمليات الإنزال الجوي المفاجئة بالمروحيات على أن يغدو التواصل والتماس والإتصال الأرضي معها لفترةٍ محسوبة , فأنها تسببّ إرباكاً هائلاً للعدو خارج نطاق كلّ حساباته .! وبجانبِ ذلك وغيره ايضا , ودونما إنتقاصٍ لكبار القادة العسكريين الذين يقودون العماليات الحربية في الفلوجة , فأنَّ القادة الميدانيين من أمراء الألوية والأفواج , فأنّ الجانب الستراتيجي في إدارة المعركة يقعُ على عاتقهم بشكلٍ أساس .
2 من الخطأ الذي لايُغتفرأنْ يغدو توصيف مسار ومجريات المعركة ” التي لم تنتهِ بعد ” من خلال او عِبرَ قادةٍ و مصادرٍ عسكرية متعددة وكذلك ” شبه عسكرية .! ” فمّما يستفيد منه العدوّ وكذلك ما يتسببّ من تشويشٍ فكري وذهني لدى الجمهور المتلقيّ هو تباين وحتى التناقض في دقّة المعلومات والتصريحات اللائي يدلون بها ” مَنْ لا دلوَ بالشأن الحربي المهني ” , والى ذلك فأنّ السادة الذين يطلقون العنان لألسنتهم في التصريحات النارية حول مجريات المعركة , عليهم الأخذ بنظر الإعتبار أنّ العمليات العسكرية هي كرٌّ و فرّ وقد تتكرر لأكثر من مرّة , عليهم أن يدركوا ولأقصى الحدود بأنّ العبرة ليست في احتلال الهدف او تحريره وإنما بالحفاظ عليه .
3 معركة الفلّوجة القائمة الآن محسومة لصالح القوات العراقية وبكلّ المقاييس , ولولا قيام العدو الداعشي بزرع كميات كبيرة من الألغام والعبوات الناسفة والتي تتطلّب تأنٍّ في تفكيكها وازالتها , وكذلك وجود اللآلاف من المدنيين داخل المدينة , لكانت المعركة قد انتهت قبل هذه الأيام .
4 كلّ ما جرى خلال الأيام السابقة من اجراءات الإحاطة والتطويق والتخلّص من المعوّقات الفنية التي نصبوها الدواعش , وبالإضافة الى عمليات القصف الجوي المتنوعة لضرب مراكز وتجمعات ومخازن اسلحة واعتدة العدو , فأنه خطوات تمهيدية فحسب , فالمعركة لمْ تبدأ إلاّ عند الشروع بالإقتحام والأشتباك مع العدو في مدياتٍ محددة , ولا ريب أنّ الأجراءات التمهيدية هذه قد اضعفت من قدرات داعش وكبّدته ما كبّته من خسائرٍ بالأرواح والمعدّات فضلاً عن تأثيرها على الوضع النفسي لهم
.5 هنالك ذرّات من الغبار على صورة مجريات وادارة هذه المعركة , وتتجلّى في حضور بعض قادة الأحزاب الى المواقع الخلفية والبعيدة عن الميدان لغرض التقاط صور وافلام فيديوية وكأنّ لهم الدور الفاعل والحاسم في تقرير نتيجة المعركة .! وقد غدت هذه الأساليب كنوع من المزايدة الإعلامية المتدنية , واعطت مفعولاً معاكساً في رؤى الجمهور
.6 الأمر الوحيد الذي تشوبه بعض علائم الإبهام هو طبيعة الحالة التي تلي استعادة الفلوجة , وما يفرزه ذلك في اعتبارات عدّة , وقد يغدو اكثرها صعوبة هو كيفية التعرّف على مَن تعاونوا مع الدواعش سابقاً بشكلٍ او بآخر ولربما ينعكس ذلك على بعض الذين يُشتبه بهم , ثمّ يأتي دور الخدمات الأدارية واللوجستيه المفترض تقديمها للسكان , كما من غير المعلوم اذا ما ستقوم الحكومة بمنح تعويضاتٍ لأصحاب المنازل التي دمّرها القصف الجوي والمدفعي , والواقع أنّ كافة المحاصرين في داخل الفلوجة إنما بحاجة ماسّة لتعويضاتٍ ماليّة ولأسبابٍ شتّى .