ركام هائل من المسلسلات والبرامج الرمضانية ذلك الذي تدفق علينا كسيل العرم وإقتحم علينا بيوتاتنا وعشوائياتنا وربما خيام نازحينا ومهجرينا وكامبات لاجئينا ايضا برغم الحزن الذي يعترينا إذ لابد لفسحة من أمل وترفيه تتسلل إلينا خلسة ننسى بها أوجاعنا المتراكمة وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ، ركام إجتاح أجهزتنا الذكية والغبية على حد سواء، فضلا عن مواقع التواصل الاجتماعي وصفحاتها وروابطها الشخصية خاصتنا من دون إستئذان ، منها الجيد ومنها الرديء، الصالح للعرض والطالح ، منها الرصين إخراجا وتصويرا واعدادا وتأليفا ومنها الضعيف على جميع الأصعدة أو في بعض من مفاصلها ، منها ما أفسد علينا نهاراتنا و ليالينا وشغلنا عن عباداتنا خلال الشهر الفضيل ، ومنها ما زادنا متعة بريئة ونصحا وصلاحا وتوجيها وإيمانا ، برامج ومسلسلات لا وقت لدينا لمتابعتها كافة بطبيعة الحال إلا أن النقاش الحامي بشأنها في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة فضلا عن صحافة المواطنة أغنانا عن متابعة بعضها في رمضان على الأقل ريثما يتم إعادة عرضها بعده لاحقا ، من تلك البرامج على سبيل العد لا الحصر برنامج ، الصدمة ، الذي حظي بشعبية واسعة برغم المؤاخذات على بعض حلقاته وطروحاته وإتهامه بفبركة قسم منها ، مسلسل ، سيلفي ،الذي تعرض كالمعتاد لإنتقادات حادة، كاميرا رامز بيلعب بالنار الخفية وماهي بخفية ولا يحزنون ، يقابلها كاميرا هاني في الأدغال الخفية بس بالأسم ايضا ، أفراح القبة ، ونوس ، جراند أوتيل، نيللى وشيريهان، الحصان الأسود ، الكيف، ، ليالى الحلمية ، صد رد ، الاسطورة ، باب الحارة، بجزئه الثامن والذي يصدق فيه قول أحد اللاجئين السوريين في بلاد المهجر ( سورية خلصت ومسلسل باب الحارة لساتو ما خلص ابن عمي !!) ، فوق مستوى الشبهات، شهادة ميلاد،مأمون وشركاؤه وغيرها الكثير مما لامجال لتعدادها في هذه العجالة.
إلا إن مالفت انتباهي حقيقة لا مجاملة من بين هذا الكم الهائل المتفاوت في قيمته الدرامية والإنتاجية والفنية والذي تراوح بين الغث والسمين هو برنامج الدكتور احمد خيري العمري ، ( سبع دقائق لتغيير العالم ) بحلقاته الـ 30 التي قدمت بمجملها عصفا ذهنيا للمتلقي تخطى حاجز “الصدمة ” قوة وتأثيرا مع انه عرض في قناة العمري الخاصة على يوتيوب لضيق الوقت ، حيث تم تصويره كما علمت قبل عشرة ايام فقط من بداية رمضان ولو اتيح للبرنامج فرصة العرض في إحدى القنوات المعتبرة فضلا عن التصوير المتأني بفترة مريحة كنظيراته من البرامج الأخرى لحظي بشهرة اوسع على مستوى العالم العربي ، اقطع بذلك ، مضيفا ، انه سيفوز بقصب السبق ولاشك في المستقبل القريب عقب مشاهدة تلي رمضان بعد نفض غبار البرامج التي زاحمته خلال الشهر الفضيل .
برنامج العمري الرائع يصلح بعصفه الذهني منهج حياة بإعتماده على إستفزاز المشاعر أولا وإزالة الحجب الكامنة في اللاوعي والتي تعيق المقدرة على التغيير والهمة اللازمة للإصلاح الذاتي والمجتمعي ثانيا ، تمهيدا لإطلاق المارد الروحي المستسلم للأسر في دواخلنا ليقول قولته ويفعل فعلته على أرض الواقع ويحقق مراده بشجاعة تخترق الحجب ان لم تمزق التابوهات المصطنعة التي قبع الكثيرون منا خلف قضبانها الآسرة مستسلمين بإرادتهم لسجانيها الموهومين والمتوهمين تارة وبتأثير الوعي الجمعي للإمة المصاب بالنكوص والإحباط والكساح بتأثير مباشر وغير مباشر من إعلامها التخديري او التدميري تارة أخرى ، نعم لقد كان مخاض البرنامج عسيرا ووقت تصويره تمهيدا لبثه قصيرا ، إلا انه أنجب لنا في نهاية المطاف : سيلفي مع جبل أحد، عود الثقاب لا يكفي، اللات والعزى مجدداً، البحث عن معجزة، والي روما 2022، شعوب عاطفية بطبيعتها!، رعاياك يا مولاي، قسمتي ونصيبك، فاشلون ولكن!، الباشا مركز الكون، الباقي من الزمن ساعة! وغيرها من الطروحات الجديدة والمعاصرة على شاكلة تلك التي عرف بها ابن الحدباء العمري مذ كتابه الأول الذي أثار ضجة فور صدوره ( البوصلة القرآنية ) والذي ناقش إبحارا ليس كسواه من محاولات سابقة تمخر عباب بحرلجي ماله من قرار بحثا عن الخارطة المفقودة للأمة ، مرورا ببقية مؤلفاته الرصينة وبرنامجه الشهير ” لا نأسف على الإزعاج”.
البرنامج الجديد شكلا ومضمونا ” سبع دقائق ” الذي صممه ، نوف الراجحي، واعده وقدمه الدكتور احمد خيري العمري ، لخصه الأخير بكلمات قال في جزء منها : ” انه برنامج فِكري توعوي لا يُمكن تَصنيفه كبرنامج ديني بشكلٍ مُباشر، ترتكز فكرته على وجود طُرق فكرية سَلبية مُعوقة وَمُعطلة للعقول،اشبه ما يكون بتطبيقات الهواتف الذَكية التي تُعطل عملها والتي نعمل جاهدين و نحاول إزالتها من خلال (سبع دقائق لتغيير العالم ) ” .
شكرا من القلب للطبيب العراقي المبدع ، احمد العمري ، لقد كفيت ووفيت وأمتعت وأحسنت في طروحاتك القيمة التي إتسمت بالجرأة والحيادية والتجرد والى مزيد من التألق والإبداع وبالأخص ان العالم العربي بل والإسلامي ايضا بانتظار روايتك عن الصحابي الجليل ، بلال الحبشي ، المزمع طرحها مع عرض فيلم الرسوم المتحركة الأضخم “بلال” الذي فاز بجائزة افلام الأنيميشين في مهرجان كان 2016 .
واختم بتساؤل مؤرق جدا طرحه العمري في دقائقه السبع ” .. هناك من يذهب للجوء في الغرب حرفياً، ويجد سقفه وما يسد رمقه عندهم، ثم لا يزال يقول: إنهم أنجاس وحطب جهنم ونحن أفضل منهم..وَإنهم…وإنهم… من أنت يا باشا..؟!” بالفعل من انت ياااااااااااباشا ؟!
اودعناكم اغاتي