( وخشية الانوناكي تطيل ايامك على هذه الارض)….أسطورة سومرية.
(ما رجائي إنّما الهاوية بيتي وفي الظلام مُهدت مضجعي قلت للفساد انت ابي وللديدان انتِ امّي واختي. اذن اين رجائي. رجائي من يراه. إنّه يهبط الى ابواب ألهاوية)…. العهد القديم: أيوب، الاصحاح 10: 19-22.
(عندما تحين النهاية فإن من اتبع البهتان سوف يُرَدُّ إلى أسوأ مقام، ومن اتبع الحق فسوف يُرَدُّ إلى أسمى مقام)…… زرداشت-نشيد الغاثا.
(من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية)…..السيد المسيح.
(وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُمْ بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)….. سورة الجاثية – الآية – 24
الانسان يخاف من المجهول اكثر من خوفه من العدم. فقد تساءل الانسان منذ القدم بعد ان اكتسب الوعي نتيجة تطوّر دماغه، ما المصير بعد الموت؟ اين سنذهب بعد الموت؟ ماذا سيحدث بعد الموت؟
عقائد ما بعد الموت مرت بمراحل تطوّرية عديدة بعد اكتساب الانسان الوعي، الاجابات جاءت مختلفة باختلاف العصور التي مرّ بها الانسان عبر تاريخ الحضارة الانسانية.
في سلسلة مقالات ( أساطير ألأولين ) سنحاول القاء الضوء على مختلف عقائد ألإنسانية المتعلقة بما بعد الموت عبر رحلة تبدأ باساطير الحضارة السومرية والبابلية والآشورية وألزرداشتية ومعتقدات الاديان الابراهيمية ( اليهودية والمسيحية والاسلام).
6- ألإسلام:
في الحلقة الرابعة من سلسلة عقائد مابعد الموت عند تناولنا لعقائد مابعد الموت في الديانة الزرداشتية قلنا أنّ عقائد ما بعد الموت الزرداشتية احدثت انقلابا فكريا في المعتقدات الدينية ونلاحظ تأثيراته في الديانات الابراهيمية (اليهودية والمسيحية والاسلام)، فلأول مرة يتعرّف الفكر الانساني على مبدأ الثواب والعقاب في ألآخرة، ويُمكن تقسيم عقائد ما بعد الموت الى ما قبل الزرداشتية والى ما بعد الزرداشتية.
فعند دراستنا لعقائد ما بعد الموت في الدين الاسلامي نجد بأنّها تأثرت بشكل أساسي بالعقائد الزرداشتية كعقيدة عذاب ألقبر ومرحلة البرزخ التي هي مرحلة وسطى بين القبر ويوم القيامة، وكذلك عقيدة الثواب الذي ينتظر المؤمنين الصالحين في الجنّة والعقاب الذي ينتظر الكفار الطالحين في الجحيم، كما لا يُنكر التاثيرات المسيحية على عقائد ما بعد الموت الاسلامية فيما يتعلق بالجنّة والجحيم والتي بدورها كانت متأثرة بالمعتقدات الزرداشتية.
ففي العقيدة الاسلامية كما في الزرداشتية، تبعث الاموات من مرقدها الى يوم الحساب فيوضع امام كل انسان ميزانه الذي يوزن حسناته وسيئاته، فمن زادت حسناته فالى نعيم دائم ومن كثرت سيئاته الى جحيم مقيم.
نستطيع تقسيم المراحل التي يمر بها الميّت في العقيدة الاسلامية الى ثلاثة مراحل:
المرحلة الاولى:
تبدأ بعد دفن الميّت حيث يأتيه ملكان ويسألونه بلسان عربي فصيح من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ وما كتابك؟
إن استطاع الميّت الاجابة على جميع هذه الاسئلة بصورة صحيحة فيتّسع قبره ويصبح كروضة من رياض ألجنّة، وإن فشل في ألإجابة فيعذّب من قبل الملكين ( منكر ونكير) عذابا شديدا يشيب من هوله الولدان.
وهناك عدة آيات ذُكِر فيها عذاب القبر في القرآن منها : (( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ))…الأنعام: من الآية93.
وكلمة اليوم في (( الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ )) تشير الى الفترة التي تعقب خروج الروح مباشرة ، وعبارة (( تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ )) إشارة إلى عذاب القبر.
ومنها: (( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ))…ألسجدة:21. العذاب ألأدنى المقصود به في ألآية هو عذاب ألقبر.
ومنها قول ألقرآن عن آل فرعون : (( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ))… غافر:46. اي يُعرضون على النار قبل وبعد قيام الساعة ( في القبر ثمّ يوم القيامة ).
وكذلك ألآية : (( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ))… ألأنفال:50 . اشارة الى الملكين المكلفين بتعذيب الكفّار في ألقبر.
ألمرحلة ألثانية:
تبدأ بعد نفخ ألصور فتقوم ألقيامة وتبدأ المحاكمة فيشهد على ألإنسان أعضاء جسمه فمن أوتي كتابه بيمينه (اي يكون أعماله ألصالحة أثقل في ألميزان من أعماله ألسيئة) فقد أفلح ويجازى بألجنّة، ومن أوتي كتابه بشماله (اي يكون أعماله ألسيئة أثقل في ألميزان من أعماله ألصالحة) فيكون مصيره إلى جهنّم خالدا فيها.
في سورة النحل، ألآية 56، يقول ألقرآن عن يوم القيامة: (( تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ ))، ويقول كذلك في سورة النحل ألآية 93: (( وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ))، ولكن آيةً في سورة الرحمن تنفي حدوث السؤال للإنس والجن يوم القيامة ففي ألآية 39 من سورة الرحمن: (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ)، فهنا نلاحظ تناقضا واضحا في العقيدة، فكيف يُمكن الجمع بين هذه الآيات التي تثبت الحساب، والأخرى ألتي تنفيه؟
(( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم . يوم ترونها تَذْهَلُ كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذابَ الله شديد))… الحج: 1-2. هذا وصف لأهوال يوم ألقيامة وتشبيه له بحدوث الزلازل ألأرضية.
(( يوم تمور السماء موراً . وتسير الجبال سيراً ))…الطور: 9- 10. وصف آخر ليوم ألقيامة
(( ويسألونك عن الجبال، فقل ينسفها ربي نسفاً . فَيَذَرُها قاعاً صفصفاً . لا ترى فيها عِوَجاً ولا أمتا ))… طه: 105-107. اي انّ الجبال تفقد أرتفاعاتها وتتحول الى أرض مستوية لا أعوجاج في شكلها.
ألمرحلة ألثالثة:
وفيها يستقر فيها الفائزون في جنّة عرضها السموات والأرض، والخاسرون يُساقون ألى جهنم خالدين فيها ابدا.
أوصاف ألجنّة في ألفرآن:
في ألجنّة حدائق وفاكهة من جمييع الأنواع ولحم طير، وأنهار من خمر ولبن وعسل وحوريات أثداءهن كواعب ( اي مشدودة وغير متدلية ككعب ألرِجل في صلابتها) وتكون الحوريات في ألجنة متماثلة في ألاعمار:(( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا *حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا *وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا *وَكَأْسًا دِهَاقًا *لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا *جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا * ))… سورة ألنبأ، ألآيات 31-36.
كما يوعَد ألمؤمِن بألخدمة مِنْ قِبل غلمان ذو حُسن وجمال فائق:
(( وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَـلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِـَانِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ * قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَنٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً ))… الإِنسان: 14-20، يقول ألمُفسِّر أبن كثير في تفسير هذه ألآية ما يلي:
أَيْ يَطُوف عَلَى أَهْل الْجَنَّة لِلْخِدْمَةِ وِلْدَان مِنْ وِلْدَان الْجَنَّة ” مُخَلَّدُونَ ” أَيْ عَلَى حَالَة وَاحِدَة مُخَلَّدُونَ عَلَيْهَا لَا يَتَغَيَّرُونَ عَنْهَا لَا تَزِيد أَعْمَارهمْ عَنْ تِلْكَ السِّنّ وَمَنْ فَسَّرَهُمْ بِأَنَّهُمْ مُخَرَّصُونَ فِي آذَانهمْ الْأَقْرِطَة فَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْ الْمَعْنَى بِذَلِكَ لِأَنَّ الصَّغِير هُوَ الَّذِي يَلِيق لَهُ ذَلِكَ دُون الْكَبِير ” إِذَا رَأَيْتهمْ حَسِبْتهمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا ” أَيْ إِذَا رَأَيْتهمْ فِي اِنْتِشَارهمْ فِي قَضَاء حَوَائِج السَّادَة وَكَثْرَتهمْ وَصَبَاحَة وُجُوههمْ وَحُسْن أَلْوَانهمْ وَثِيَابهمْ وَحُلِيّهمْ حَسِبْتهمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا وَلَا يَكُون فِي التَّشْبِيه أَحْسَن مِنْ هَذَا وَلَا فِي الْمَنْظَر أَحْسَن مِنْ اللُّؤْلُؤ الْمَنْثُور عَلَى الْمَكَان الْحَسَن قَالَ قَتَاده عَنْ أَبِي أَيُّوب عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : مَا مِنْ أَهْل الْجَنَّة مِنْ أَحَد إِلَّا يَسْعَى عَلَيْهِ أَلْف خَادِم كُلّ خَادِم عَلَى عَمَل مَا عَلَيْهِ صَاحِبه…. أنتهى.
(( مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَـرُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَـفِرِينَ النَّارُ ))… الرعد: 53. أي أنّ ألطعام لاينفذ وألظلال دائمة في ألجنّة.
(( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا من كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ )) … محمد: 15. هنا مقارنة بين ما يشربه أهل ألجنّة (مَّاء غَيْرِ آسِنٍ، وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ وخَمْر و عَسَلٍ مُّصَفًّى ) وما يشربه أهل ألنار (مَاء حَمِيمًا) اي ألماء الحار، أمّا طعام أهل ألجحيم فهو ألغسلين، وهو ما يخرج من الثوب ونحوه بالغسل ثم استعمل في كل جُرح، واستعمله القرآن في كل ما يسيل من جلود أهل النار، (( ولا يحض على طعام المسكين * فليس له اليوم ها هنا حميم *ولا طعام إلا من غسلين * لا يأكله إلاّ الخاطئون * ))، سورة ألحاقّة…..ألآيات 34-37 .
(( فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ )) …الغاشية: 10 16.
(( يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ))… الحج: 23.
(( عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَـهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ً )) …الإِنسان: 21.
(( مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِىٍّ حِسَانٍ))… الرحمن: 76.
(( مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الاَْرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً ً ))… الإِنسان: 13.
(( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى مَقَامٍ أَمِينٍ * فِى جَنَّـتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَـبِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَـهُم بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَـكِهَةٍ ءَامِنِينَ ))… الدخان: 51 55.
(( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ا لْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ))… الزخرف: 70- 74 .
(( فِيهِنَّ قَـصِرَتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ))… الرحمن: 56 58.
(( وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا حتى اذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ))… الزمر- 73
في حديث لرسول الإسلام:
(( الجنة لها ثمانية أبواب والنار لها سبعة أبواب ))، (عالم الموتى حسب الاساطير السومرية عالم حصين خلف سبعة جدران عالية وسبع بوابات حصينة عليها حراس شداد غلاظ).
والجنة درجات أعلاها الفردوس الأعلى، وهو تحت عرش الرحمن، ومنه تخرج أنهار الجنة الأربعة الرئيسية، نهر اللبن – نهر العسل – نهر الخمر – نهر الماء.
أعلى مقام فى الفردوس الأعلى هو مقام الوسيلة، وهو مقام ألرسول محمّد، ومن سأل الله له الوسيلة حلت له يوم القيامة ، ثم غرف أهل عليين، وهى قصور متعددة الأدوار من الدر والجواهر تجرى من تحتها الأنهار ويتراءون لأهل الجنة كما يرى الناس الكواكب والنجوم فى السماوات العلا، وهى منزلة الأنبياء والشهداء والصابرين من أهل البلاء والأسقام والمتحابين فى الله.
وفى الجنة غرف (قصور) من الجواهر الشفافة، يرى ظاهرها من باطنها وهي لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وبات قائما والناس نيام.
ثم باقى أهل الدرجات وهى مائة درجة ، وأدناهم منزلة من كان له ملك مثل عشرة أمثال أغنى ملوك الدنيا .
أنهار الجنة وأشجارها :
وللجنة أنهار وعيون، تنبع كلها من الأنهار الأربعة الخارجة من الفردوس الأعلى، وقد ورد ذكر أسماء بعضها فى القرآن والأحاديث النبوية منها :
نهر الكوثر :
وهو نهر أعطي للرسول محمّد فى الجنة ويشرب منه المسلمون في الموقف يوم القيامة شربة لا يظمأون من بعدها أبدا، وقد سميت إحدى سور القرآن باسمه(سورة ألكوثر)، ووصفه نبي ألإسلام بأنّ حافتاه من قباب اللؤلؤ المجوف وترابه المسك وحصباؤه اللؤلؤ وماؤه أشد بياضا من الثلج وأحلى من السكر وآنيته من الذهب والفضة.
عين سلسبيل :
وهى شراب أهل اليمين ويمزج لهم بالزنجبيل.
عين مزاجها الكافور :
وهى شراب الأبرار .
وجميعها أشربة لا تسكر ولا تصدع ولا تذهب العقل بل تملأ شاربيها سروراً ونشوة لا يعرفها أهل الدنيا .
أشجار الجنة :
وجميعها سيقانها من الذهب وأوراقها من الزمرد الأخضر والجوهر وقد ذكر منها:
شجرة طوبى :
قال عنها ألرسول بإنها تشبه شجرة الجوز وهي بالغة العظم فى حجمها وتتفتق ثمارها عن ثياب أهل الجنة في كل ثمرة سبعون ثوبا ملوّنا من السندس ( الحرير الرقيق ) والإستبرق ( الحرير السميك ) لم ير مثلها أهل الدنيا ينال منها المؤمن ما يشاء، وعندها يجتمع أهل الجنة فيتذكرون لهو الدنيا ( اللعب والطرب والفنون ) فيبعث الله ريحا من الجنه تحرك تلك الشجرة بكل لهو كان فى الدنيا .
سدرة المنتهى :
وهي شجرة عظيمة تحت عرش الرحمن ويخرج من أصلها أربعة أنهار ويغشاها نور الله والعديد من الملائكة وهي مقام ألنبي ابراهيم، ومعه أطفال المؤمنين الذين ماتوا وهم صغار يرعاهم كأب لهم جميعا .
وأوراقها تحمل علم الخلائق وما لا يعلمه الا الله، وفي الجنة أشجار من جميع ألوان الفواكه المعروفة فى الدنيا ليس منها إلا الأسماء أما الجوهر فهو ما لا يعلمه الا الله ..
وقد ذكر من ثمار الجنة:
التين – العنب – الرمان – الطلح ( الموز ) والبلح ( النخيل ) والسدر ( النبق)، وجميع ما خلق الله لأهل الدنيا من ثمار .
صفة أهل الجنة :
يبعث الله الرجال من أهل الجنة على صورة أبيهم آدم جردا (بغير شعر يغطى أبدانهم)، مردا (طوال القامة ستون ذراعا أى حوالى ثلا ثة وثلاثون مترا)، مكحلين فى الثالثة والثلاثين من العمر ، على مسحة وصورة يوسف وقلب أيوب ولسان محمد (أي يتكلمون العربية) وقد أنعم الله عليهم بتمام الكمال والجمال والشباب لا يموتون ولا ينامون. ونساء الجنة صنفان…
الحور العين :
(( فِيهِنَّ خَيْرَتٌ حِسَانٌ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَّقْصُورَتٌ فِى الْخِيَامِ ))… الرحمن: 70- 72.
وهن مخلوقات لأهل الجنة ..وصفهن الله فى كتابه العزيز: (كأنهن الياقوت والمرجان)، (وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون)، (كأنهن بيض مكنون) ،وهن نساء نضرات جميلات ناعمات لو أن واحدة منهن اطلعت على أهل الأرض لأضاءت الدنيا وما عليها وللمؤمن منهن ما لا يعد ولا يحصى .
قال رسول ألإسلام في حديث: (إن السحابة لتمر بأهل الجنة فيسألونها أن تمطرهم كواعب أترابا فتمطرهم ما يشاءون من الحور العين)
نساء الدنيا المؤمنات اللاتى يدخلهن الله الجنة برحمته :
وهؤلاء هن ملكات الجنة وهن أشرف وأفضل وأكمل وأجمل من الحور العين لعبادتهن الله فى الدنيا.
وفى حديث لرسول ألى أم سلمة :
(أن فضل نساء الدنيا على الحور العين كفضل ظاهر الثوب على بطانته )، وقد أعد الله لهن قصورا ونعيما ممدودا ..أعطاهن الله شبابا دائما وجمالا لم تره عين من قبل ..
قال نبي ألإسلام في وصفهن:
(أن المؤمن لينظر إلى مخ ساقها -أي زوجته- كما ينظر أحدكم إلى السلك من الفضة فى الياقوت كأنهن فى شفافية الجواهرعلى رؤوسهن التيجان وثيابهن الحرير).
المولودون فى الجنة :
وإذا أشتهى أحد من أهل الجنة الولد والإنجاب، أعطاه الله برحمته كما يشاء، وهذه رحمة لمن حرم الإنجاب فى الدنيا.
وقال نبي ألإسلام :
(اذا اشتهى المؤمن الولد فى الجنة كان حمله وسنه، أي نموه الى السن الذي يرغبه المؤمن فى ساعة كما يشتهي).
أوصاف ألجحيم في ألقرآن:
إنَّ ألعذاب وألرعب في جهنّم ألموصوف في ألقرآن يرتجف من هوله ألقلوب هلعا:
(( أَذَٰلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ *إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ * ))…سورة ألصّافات ألآية 62- 68، فأصحاب ألجحيم يأكلون مِن شجرة أسمها ألزقّوم وفاكهة هذه ألشجرة تشبه رؤوس ألشياطين.
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ))…سورة ألتحريم 16.
(( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ))…سورة ألنساء ألآية 56.
(( الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلَنا فسوف يعلمون. إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يُسحَبون. في الحميم ثم في النار يُسجَرون))…غافر: 70-72.
إنّ تصوير العذاب النفسي يبرز في مظاهر ذلتة وخنوع وسواد وجوه أصحاب ألجحيم، التي تبدو كأنها قِطَعٌ من الليل المظلم.
(( والذين كَسَبُوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، وترهَقهم ذلّة مالهم من الله من عاصم، كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مُظْلِماً، أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون))…يونس:27.
في حديث المعراج يرد بأن النبي اطلع على النار عندما طلب إلى مالك خازن النار أن يرفع الطبق عنها ليرى ما بداخلها ، ليتضح للنبي فيما بعد أن أكثر أهل النار من النساء.
ومقابل خازن النار يوجد في الجنّة خازن للجنان ( رضوان ) وهناك ملك الهواء وملك الأرزاق وملك الماء وتذكّرنا هذه التسميات بآلهة حضارات الرافدين في العالم السفلي.
ألمعذبون في الجحيم سيتكلمون مع المتنعمين في ألجنّة حسب ألآية 50 من سورة ألأعراف، (( ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ))، أي أنّ حواس ألأنسان في ألآخرة تكون فعّالة في ألآخرة.
خاتمة:
بعد هذا ألإستعراض لعقائد ما بعد ألموت لحاضارات وادي ألرافدين ( السومرية والبابلية والآشورية)، وعقائد ألدين ألزرداشتي وألأديان ألإبراهيمية ألثلاث ( اليهودية والمسيحية وألإسلام ) نجد بأنّ هناك تطوّر متسلسل في عقائد ما بعد ألموت ونظرة ألإنسان إلى ألعالم ألعلوي وألعالم ألأسفل. هنالك تشابه ملحوظ بين الحضارات ألرافدينية ألثلاث في هذا المجال، فألرافدينيون لم يؤمنوا بوجود ألثواب والعقاب في ألعالم ألأسفل فهناك يتساوى ألصالح والطالح ولكن مع وجود بعض ألفروقات في ألموقع والمعاملة حسب موقع ألميّت في ألحياة فألملوك مثلا لهم أماكن خاصة في ألجحيم ألرافديني، ولكنّ ألجميع في ألعالم ألأسفل يكونون في حالة شبحية.
لا يوجد في عقائد ما بعد الموت ألرافديني ثنائية ألجنّة وألجحيم، ولا ثنائية ألثواب وألعقاب، في ألاساطير ألرافدينية نلاحظ بأنّ إله ألخصب ( أنانا أو عشتار) أو أبنها ( تمّوز أو ديموزي) يؤسر أو يُختطف من قبل آلهة ألعالم ألأسفل ويبقى هنالك لفترة معينّة ثمّ يصعد ألى ألأعلى، هذا ألتناوب له علاقة بألمواسم ألزراعية من خريف وصيف وربيع وخريف، فألإنسان ألرافديني كان همّه ألأول طعامه ألأساسي ألقمح ودورة حياته فبعد موسم ألحصاد كانت تقام ألمآتم ألتي ترمز ألى جفاف ألأرض وموت الهة ألخصب ونزولها الى ألعالم ألأسفل، أمّا في موسع ألربيع فكانت ألأحتفالات تتسم بطابع ألسعادة وألفرح لقيام آلهة ألخصب من ألموت وتحرره من ألعالم الأسفل.
عقائد ما بعد الموت والعالم الاخر في التوراة هي امتداد لعقائد السومريين والبابليين. فعالم الموتى هو عالم سفلي تذهب اليه ارواح الموتى جميعا دون تمييز.فنجد فيه القديسين والناس العاديين معا. وليست عملية الموت الّا مرحلة تقود الفرد من حالة الى اخرى من احوال الوجود، عن طريق مفارقة الروح للجسد.
انّ الارواح تكون متساوية في مصيرها كما هو الامر في ثقافة وادي الرافدين: فلا بعث هناك ولا حساب ولا ثواب ولا عقاب، بل وجود ثقيل راكد، واستمرار لا فرح فيه ولا نشوة.
عقائد ما بعد الموت الزرداشتية احدثت انقلابا فكريا في المعتقدات الدينية ونلاحظ تأثيراته في الديانات الابراهيمية (اليهودية والمسيحية والاسلام)، فلأول مرة يتعرّف الفكر الانساني على مبدأ الثواب والعقاب في ألآخرة ويطفو إلى ألسطح ثنائية ألجنّة وألجحيم.
في مسيرة المسيحية الاولى في القرون الثلاث بعد الميلاد، حيث ارتبطت بكونها فرقة يهودية جديدة، تخبّط الفكر اللاهوتي قبل ان يتوصل لقرار حاسم في البعث وخلود الروح وشمولية الثواب والعقاب، فكانت فكرة خلود الروح تقتصر على المؤمنين الذين اتّحدوا بالمسيح فأعطيت لهم به الحياة، شأنها في ذلك شأن ديانات الاسرار التي كانت شائعة في الامبراطورية الرومانية في تلك الآونة كالاورفية وغيرها، حيث كان الالتصاق بمخلّص هو (ديونيسيوس أوغيره) شرط للخلاص وللحياة الجديدة.
وأخيرا فإنّ عقائد ما بعد الموت في الدين الاسلامي وصلت إلى مرحلة ألنضج بتأثير العقائد الزرداشتية و التاثيرات المسيحية فظهرت العقائد بصورة أوضح وبتفاصيل مضافة عجيبة عليها، كعقيدة عذاب ألقبر ومرحلة البرزخ، وكذلك عقيدة الثواب الذي ينتظر المؤمنين الصالحين في الجنّة والعقاب الذي ينتظر الكفار الطالحين في الجحيم.
إن دين ألإنسان بدأ بعبادة ألأنثى (ألأم ألكبرى) في ألعصر ألبيالوتي( قبل ميلاد المسيح بعشرة آلاف سنة) فكانت هي رمز ألخصب وألعطاء وألذي أرتبط في خيال الإنسان ألقديم بعطاء ألأرض بعد أكتشاف ألإنسان الزراعة وإنشائه ألقرى ألزراعية، ولكن بعد أنشائه ألمدن ألحضرية وألدولة وحكم ألمجتمعات ألحضرية من قبل ألملوك قام ألذكور بإنقلاب على ألأديان ألأمومية، فظهرت إلى ألوجود الآلهة ألذكور وألأديان ألذكورية كأليهودية وربيبتها ألإسلام.
في ألمقالات ألقادمة سنتطرق الى مواضيع ألتكوين وخلق ألعالم وخلق ألإنسان في أساطير وادي ألرافدين وتأثيرات هذه ألاساطير على ألأديان أللاحقة وسنحاول كشف جذور بعض أسفار ألكتاب ألمقدّس ( ألتوراة وألإنجيل ) والقرآن.
المصادر:
ألتوراة
ألإنجيل
ألقرآن
ألاحاديث ألنبوية
مغامرة العقل الأولى…… فراس السوّاح
ميلاد ألشيطان…… فراس السوّاح