22 نوفمبر، 2024 9:56 م
Search
Close this search box.

رؤية اجتماعية للفساد … 

رؤية اجتماعية للفساد … 

أصبح الفساد اليوم أكثر مفردة تترد في الشارع السياسي والشعبي ، وعلى مستوى العامة من الناس ، وتتنافس مع مفردة الارهاب على التخريب وتدمير المجتمعات والاوطان ، ولذلك كان صحيحا وصف الاثنتين بانهما وجها عملة رديئة واحدة… ومع الاسف الشديد لا تزال دول عربية واسلامية منذ مدة طويلة تقع ضمن قائمة الدول الاكثر فسادا في العالم ، رغم الثروات الهائلة التي تتمتع بها بعض هذه المجتمعات ، ويفترض أن تكون محصنة بفعل القيم والمبادىء التي تدعي الايمان بها … فقد تجد مبررا لدولة فقيرة مثلا أن يكون فيها فساد كبير ، ولكن كيف تجد عذرا لفاسد في دولة غنية ، ويتقاضى راتبا ضخما مع توفر كل مستلزمات الحياة له ..؟..
فليس هناك ما هو أخطر على الدول والمجتمعات اليوم من الفساد ، لأنه يخترق أثمن شيء في الانسان ، ويسقطه وهو الاخلاق ،عندما يسمح الفاسد لنفسه أن يأخذ ما ليس له حق فيه ، وبذلك لا يصح أن يؤتمن حتى على عياله … وعندما يصل الفساد الى درجة أن يكون ظاهرة خطيرة في دولة ما ومفردة تتردد كثيرا ، يعني ان القانون غائب ، أو عجز من أن يحد منه ، أو لم يكن مؤثرا في القضاء عليه ، أو لبراعة من يرتكبه في الافلات منه ، أواخفاء معالم الجريمة …
وفي حالة غياب القانون ينبغي أن يأتي دور المجتمع ، في انزال القصاص العادل بالفاسد بعزله اجتماعيا، وخلق بيئة مضادة للفساد وتفعيل القانون الاجتماعي ، أو ما يسمى بالعرف من خلال فرض العقوبة الاجتماعية ، وهي أمضى الاسلحة في القضاء على أي ظاهرة غريبة عن طبيعة المجتمع وتقاليده وقيمه ومنها الدين … فلا يجوز ان يسكت المجتمع عن الفساد … فعندما تنشر الرشوة والمحسوبية والفئوية والكتلوية وتتغلب المصلحة الخاصة الضيقة مثلا ، تضيع المصلحة العامة ، ويصبح التجاوز على القانون شطارة ، والتنافس بين الفاسدين على الاستحواذ على المال العام ( مشروعا او جائزا ) وفرصة ينبغي استثمارها للمصلحة الخاصة .. وفي هذه الحالة يصبح التجاوز مسالة طبيعية لغياب القانون والقبول الاجتماعي به ، كما حصل في التعامل مع الشارع والارصفة ، والمساحات الفارغة ، وهي ملك عام لكل الاجيال وقس عليها ما يماثلها من امثلة في التجاوز على المال العام … وفي هذه الحالة يكون من المستحيل الاصلاح ، لانه يضر ليس بالفاسدين في الدولة فقط ، وانما بمن فسد من المجتمع ، أو من إرتضى التعامل مع تلك الظواهر الفاسدة ، وقبل بها وأصبحت في ( حكم الطبيعية ) في المجتمع ما دام يغض النظر عنها .. وعندها يصبح من الصعوبة بمكان اصلاح الحاكم الفاسد ، او محاسبته ، لان فساده كان من فساد المحكومين على حد ما ذهب اليه الزعيم المصري سعد زغلول .. وهذا اخطر حالات الفساد… ولهذا فانه يصبح لزاما تفعيل العرف الاجتماعي ، لانه الملاذ
الاخير لمحاربة الفساد بسبب ضعف القانون ، وفضح الفاسد امام الملأ ، وعزله اجتماعيا ، وكشف حقيقة وضعه المادي السابق عندما لا يكون بمستوى يساعده في تحقيق طفرة مالية كبيرة بسرعة لا تتناسب مع ذلك الماضي ، وتفعيل مبدأ ( من أين لك هذا ) اجتماعيا بعد أن فشلت الجهات المعنية من تحقيق مضمونه رسميا… ويكون للاعلام ومنظمات المجتمع المدني دور مؤثر في هذا الاسلوب الجماعي … وبذلك تكون محاربة الفساد قيمة مجتمعية عليا ، لها فعل اقوى من القانون عندما لا ياخذ مجراه في اجتثات الفساد والفاسدين تحت أي سبب …

أحدث المقالات