في قرى الطين ، قلوبنا هناك ، وزورق الصيد ، وروث البقرة .
وهناك ..مكياج حياتنا حمرة خد العاقول .
وطبيب لم يعرف الجامعةَ في حياته وأشياء من سومر جاءت بعربة قطار
وسافرت بصحيفة يسارية .
في قرى الطين ..
صوفيا لورين بعباءتها السوداء تبيع قيصرَ لشيخ العشيرة
وشيخ العشيرة بجنسية أيطالية ..
وأيطاليا جاءت الى سومر بخوذ الجنود
فَطالبْنا الأسكندرَ بديةٍ
فأعطانا بلاداًمحتلة وذكرياتٍ عن زمن لن يعود أبداً……!))
من قصيدتي ( صوفيا لورين وقرى الطين ) / ديوان ( موسيقى الجسد الألماني)
روما ظهيرة الصيف فيها يشبهُ قيظً البصرة ، لكن حدائقها وبساتينها بدون أراجيح جذوع النخلْ ، بدون نواعير ، بدون بيت من الطين وقبةٍ من خزف اللقا الاثرية غلفوا به قبة لسيدة هاشميةٍ ماتت في ليل الاهوار ، وكرامتها أن النبي جدها ، وجدتُها فاطمة الزهراء .
أتجول في المدينة الرومانية العريقة ، البناتُ من الضوء ما يُعمي الشوق للعطر في نظرة ذكر جاموس في قرية ( سدخان ــ المعيدي ) .
ــ من سماكَ سدخان ؟
يقول أبي : جدْ جدُك كان أسمه سدخان ، وجدتُكَ ( غرموشة )عشقت سيخياً هندياً من جند الكركة ، تزوجته ، تَشيعَ هو ، وجدتُكَ عشقت بسببه بهارات دلهي ، ويقال : هو من علم سكان قرى الماء من هور الواوية في قلعة صالح الى هور الحمار ، أن يضعوا على مرقة السمك صلصة الطماطم والكركم الاصفر . عندها شعروا بلذة الطعام في نكهة التوابل ، وقبلهم كانت ايطاليا قد ارسلت حجاجها الى الهند ، ورحالتها ماركو بولو الى الصين من أجل الغرض نفسه.
المدينة تأخذني اليها ، حدث أسطوري ، من حر أور الى نسائم روما التي كنا لا نراها سوى في افلام صوفيا لورين وراكيل وولش وجوليا ناجيما وانتويو ساباتووالأخوين ترنتي ودمية الخشب الشهيرة بينوكيو.
لكن السفير الايطالي في بغداد وقد زار القطعات الايطالية المرابطة في أطراف الناصرية ، وقد قابلناه كمثقفين نطالب بحماية اثار أجدادننا السومريين من معاول السُراق واللصوص منحنا مكرمة من سيادته احتراما لشجاعتنا في الطرح بأن نكون ضيوفا للخارجية الايطالية في رحلة ترويحية لمدة اسبوعين في روما .
نقلتنا طائرة عسكرية من قاعدة أور الجوية الى الكويت ، ومن هناك نقلتنا طائرة تحمل جنودا مجازين الى قاعدة عسكرية الى روما ، ثم قالوا لنا هناك مجد القيصر ، وهنا انتحرت كيلوباترا ، فانتحروا انتم بجمال النساء والأثر التاريخي لواحدة من اعظم امبراطوريات الكون.
أنا لم أخترْ إلا من يسكن خيالي ( وجه صوفيا لورين ) .
تلك فتنتنا وطفولتنا على شاشات السينما ، أيام كان الوغد الذكوري يحركُ فينا شجن رغبتنا لتجاوز طبقتنا الاجتماعية التي كانت بمستوى بيوت الطين ، ونتمنى ما هو فوق طاقتنا ، تلك المرأة ذات العطر الاغريقي الشامخ ، تلك التي يكتشف معها المعدان خبايا التأريخ بين سيف الأسكندر و( شومية )* المعيدي التي يقود فيها قطيع الجاموس عندما ( يحرنُ )* في مغادرة قيلولته في الماء الراكد.
أسأل عن الممثلة الايطالية ، لأكتشف أن الكبار فقط من يعرفها ، أما الشباب فلا يعرفوا سوى الليدي غاغا ، ومادونا وانجيلا جولي ، لا احد منهم يعرف جينا لولو برجيدا وراكيل وولش وأرسولا اندرسن التي سرقت كل دهشتنا الغامضة في فيلمها الاكشن الشمس الحمراء 1971 مع آلن ديلون وجارلس برونسون.
سألت واحدة ، ضحكت وقالت : أسألني عن صدري هذا ، هل اختزن ضوء الشمس على الرمال وصار اسمرا كأفريقيةٍ شهية . هل انت افريقي .؟
ــ ليست زنجيا حتى أكون افريقيا ، أنا من العراق من بلاد ميزوبوتاميا ؟
ــ هناك من هم بشكلكَ من تزاوج افريقية وأوربي . تعال نفعلها معا وننتج صبيا بسمرة ميزوبوتاميا ، هناك حيث كان في بابل الكثيرمن الجنود وجوههم برونزية من الذي يشتريهم ملوككم الشبقون ، قرأت عن هذا مرة في كتاب التأريخ المدرسي.
تعال ، ليلتي معكَ بالمجان ، فقط نطفتك في جوفي ثم أذهب اينما تريد ، حتى اني لن اعرفكَ حين اصادفكَ مرة اخرى ، وطفلكَ سأسجلهُ بأسم جدتي ماريا ، تعرف ماريا ، هم أم يسوع ، وإذا كان ذكرا سأسميه يوليوس ، فأنا اعشق القيصر لأنه يذكر المرأة بجبروت القوة في الحرب والفراش ، هكذا كان مع كليوباترا في الوسادة ومع اعداء روما في ساحة الحرب.!
هربت منها ، فأنا أكره من يريد أن يسرق مني ( ضناي ) *حتى لو كان سفاحاً ، لألتحق بأصدقائي الذين جاءوا معي في هذه الرحلة ، ونجلس في مقهى ، المصلي فينا يشرب شاي النبتون ، والعِلماني يشرب البيرة ، ونهار روما يراقبنا بأشفاق ، وهناك في الافق البعيد قبر أبي وجنوبيته الصامتة التي لم تعْ من الدنيا سوى مفردات التعامل في عالم الرز الشِتال وقطعان الجواميس ومتى أراد امي لمودته يحدثها بعينيه فتفهم.
روح أبي في أيطاليا ، تطوف في فضاء الكأس ، وتتجول بين المعالم الرومانية ، وتتخيل الغرابة في هندسة الكنائس والملائكة المنحوتة برخام خواطر أنجلو ، فأتذكر جامع القرية المبني من القصب ، في وسط الماء والمفروش بحصيرة من خوص النخل وبساط نسجته أمي التي كانت واحدة من اروع نساجات سومر، حيث تبتكر اشكالها الخرافية داخل رسومات نسيجها ، ومرات وبفطرة عجيبة تنسج اشكالا أقرب لوجوه اله أور ، ووجوه اميراتها ،
ومرة هبت ريح شتائية طار معها جامع القرية القصبي ، ومعه تبللت البسط ، حيث عامت والدتي في منتصف الليل مستعينة بضوء القمر لتجلب البساط الجميل قبل أن يبتعد أو يغرق في قاع الهور ، أما بناية الجامع فقد عقب ابي قائلا : الله بناه ، والله هدمه .وغدا سنباشر بناء جامعا جديدا.!
بين الكاتردائية التي تفتح القلب ، وذلك الجامع القصب الذي طار مع العاصفة في ليلة مقمرة ، حيث يقول أبي : أن عواصف الليالي المقمرة هي من صناعة ضجر النائمين في تراب التلال البعيدة في عمق الاهوار حيث يمنع الاقتراب منها لأن ( الطناطل )* تسكنها.
آه ، صدر تلك الايطالية التي تمنت نطفة من ذكورة الجنوب السمراء يسكن فيه الطنطل ايضا ، لهذا خفت وهربت ، والايطاليون الذين جاءوا ليحتلوا الزقورة والمساحات المحيطة فيها كانت لهم وجوه طناطل مخيفة خاصة عندما اشتبكوا لأول مرة مع افراد من جيش المهدي في شوارع المدينة.
الآن عرفوا أن يمنعوا طناطلهم من التجوال داخل المدينة ، وادخلوا سفيرهم ببدلته السموكن واصغاءه العميق ، ومكارمه السخية التي كانت على شكل سفرات ترويحية الى روما ، وأنا نلت واحدة منها ، وفي خيالي صورة المكان في لحظته الساحرة.
أوربا .حلمي الابدي ، وصورة مخيلة القراءات الاولى لبراندلو وروفائيل البرتي والساحر المدهش ايتاليو كالفينو…
لااحد يعرفه هنا ، ولايعرفون صوفيا لورين وحتى هم لم يعرفوا المطرب الريفي شخير سلطان.
لا يهم ، دعهم لايعرفون …
أبي يعرف ، وقد قرأ قبل ذلك الكتاب الطلسمي لكالفينو الذي اسمه ( مدن لا مرئية ) .وكان معجبا بشخصية الأمبراطور المغولي قبلاي خان ، فيما كنت انا مسحورا بشخصية ماركو بولو
أضحك :أبي لم يدخل مدرسة في حياته ، عاش معدياً أصيلاً ، ومات معدياً اسطوريا ، أنا فقط من قرأ ( مدن لامرئية ) ، وكان وقتها قد فقد ثلاثة ارباع نظره ، وفي يوم ما أردت أن أسمعه نصوصاً من هذا الكتاب ، ابتسم وقال : عندما كانت معي ذاكرتي وعيناي ليس لدي سوى كلمات صلاتي ، وبعض جمل الغزل من أجل ولادتك، أما الجواميس فقد كنت اكلمها بلغة خاصة اغلبهُ صفير وتمتمات ورثتها من ابي ، وابي ورثها من اجداده ، ويقولون انها لهجة الناس الذين كانوا يعيشون في الاهوار قبل الاف الاعوام ، قارئ المجالس الحسينية القادم من الناصرية قال لنا مرة : أن اللغة التي نكلم بها الجواميس هي لغة نوح…..!
كالفينو ، وأبي ، وروما ، وقرى المعدان وصوفيا لورين ، لاشيء يسكني غير تلك الأسماء ، الطافية على نهر ذاكرتي كما تطفوا الأسماك النافقة جراء سقوط قذائف المدافع النمساوي في حروب الاهوار.
مات الكثير من أصدقائي . اتذكرهم الآن في ظهيرة المدينة الرومانية واغلبهم مثلي كان عاشقا لقبلات صوفيا لورين وراكيل وولش ، وصبرية بنت حافوفة القرية ، التي كانت تعشق كل ليلة مقمرة شابا معدياً كما كانت عشتار الالهة السومرية تفعل ذلك.
أسبوعان من الدهشة والثمالة وخلط الصور في شفاه نادلة ورسامة وممثلة طنجاوية تسكن في روما من عشرة اعوام ولاتحمل اوراقا رسمية ، ومعا استذكرنا بهجة ما ضاع منا في الأندلس ، ومعا بكينا ، فظنت قريتنا وهي تسمع نحيبي الثمل في ليل الوسادة الستن أني ابكيَّ من اجل جامعنا الذي طار في مهب الريح ، ولكنه عاد في اليوم الثاني ونقوش البساط السومرية تزين أرضه ، وقتها ارغمني ابي وانا في الخامسة من عمري أن اتعلم الصلاة ، كي تزداد اعداد المؤمنين في القرية ، ولا تجرء الريح على قلعة مرة اخرى من قاع الماء وتذهب به بعيدا.
روما هي روما …
غدا اعود الى المدينة…
الى القرية الحالمة بعودة الماء ونشوة القصب وعودة البط الصيني.
سأعود ، وكانت معي أمنية لألتقط صورة مع صوفيا لورين ، وحين تمنيت على دليل سفرتنا أن يوصلني اليها قال : لقد هرمت وانزوت في مكان لايعرفهُ أحد؟