18 ديسمبر، 2024 7:18 م

كتب من أرشيف كتابات

كتب من أرشيف كتابات

 

أيوب سابقا
كنا في عالم كتابات ، يوم كان لنا قلم ولنا جرأة في نقش الحروف على السطور 
من سنين مضت ، كنا نهوى الكتابة ، وننسج حكايات حب وآهات ، في وطنٍ كلفنا الكثير الكثير …
بدأنا مع كتابات ، من أول أيامها ، ومضينا فيها ، في خضم تلك الأحداث والتناقضات والصراعات ، وفي ذلك الزمن الصعب الذي لن يتكرر .
كان محرر الموقع السيد أياد الزاملي خير أخ وساند وناصح .
بعد تلك السنين جمعنا قصاصات أوراقنا ، واصطفت سطورنا مع بعض ، فصارت كتاباً ، ثم آخر … وفي الطريق كتاب ثالث ينتظر الولادة .
شكراً للسيد أياد الزاملي
شكراً كتابات
***
الكتاب الأول / زقاق الألم … صفحات سجين من زمن البعث
الكتاب الثاني / القط زوربا العظيم … في عراق الحب والحرب
***
بعض الآراء عن الكتابين
مجلة الاسبوعية العراقية / العدد 174 / صفحة 43
http://www.alesbuyia.com/inp/view.asp?ID=28005
عن مؤسسة العارف للمطبوعات في بيروت، صدر للكاتب والروائي فاضل عباس «أيوب» كتابان؛ الأول بعنوان «زقاق الألم – صفحات سجين من زمن البعث» رواية سيرة، مستلة من قصة حقيقية عاش تفاصيلها مؤلفها قبل سقوط الطاغية في العام 2003، في حين وقع روايته الثانية تحت عنوان «القط زوربا العظيم – في عراق الحب والحرب»، رواية ساخرة تحكي قصة حياة قط في عراق البعث، منذ سيطرة الفاشية على الحكم في شباط الأسود؛ أوائل ستينيات القرن المنصرم حتى سقوط هذا النظام في العام 2003، متناولاً تأثيره الفكري والثقافي والاجتماعي في مجتمع حولته الحروب المتوالية عليه إلى كيان يبحث عن ثغرة في أفق مسدود.
جدران وشعارات
في رواية «زقاق الألم» يسلط عباس الضوء على سيرة حياة مناضل لم يقو على احتمال طغيان الحاكم فآثر التمرد عليه؛ رواية ستكون شاهدًا على سيادة الإجرام البعثي في حق أبناء العراق. تتناول الرواية قصة طالب في الجامعة التكنولوجية، قرر مع رفاقه في العام 1986 أن يكتبوا على جدران أقسام جامعتهم عبارات ضد البعث آنذاك، بينها «يسقط نظام العفالقة…. صدام جزار… الموت للبعث…. عاش العراق… الموت للطغاة». كلمات استحالت بفعل الإرهاب الشوفيني وقسوة جلاوزة البعث، إلى سراديب وسجون انفرادية، وتعذيب كاد يحطم كل أمل في الحياة. إلا أن الايمان بحرية العراق، كان، دومًا، النبع الشافي للآلام هناك. رحلة البطل في الرواية تبدأ من لحظة الكتابة الأولى، لتصل إلى ذروتها في الخروج من محاجر الاعتقال، مرورًا بمعتقلات عدة كالفضيلية و أبو غريب وغيرهما، ثمّ مهزلة مسرحية ما يسمى بمحكمة «الثورة».
 إنها مأساة فرد مثل جيل كامل، انتهت بقرار عفو عن المدانين الأكراد، وكان بطل رواية «زقاق الألم» واحدًا منهم. يقول في مقطع من الرواية، وفيها وصف دقيق لإصابته بالحمى وآلام المعدة، وكيف تم التعامل معه من قبل ضابط السجن الذي يأمر زملاءه في المعتقل إلى رميه في زاوية مظلمة، يقول في (ص 250 – 251): عاد إلي الضابط ورفسني برجله… رفسني برجله بكل دم بارد… وكل تجبر عالٍ… رفسني كما لو أنه إله… رغم أن الآلهة لا ترفس العاجزين… البعثي يرفس عراقيًا سجينا، في جسده ألم، محتاج إلى عناية، هذا هو زمن البعث في أرقى قيمه . الكتاب في 286 صفحة من القطع الكبير.
***
القرانب والطرانب
أما رواية «القط زوربا العظيم» فهي قصة مجتمع وضع في محرقة مستمرة، أعماه دخانها فبات لا يميز الحقيقة من الوهم، كونهما استحالا صورة فاجعة بلون الدم وطعم الموت.
الرواية تنسجها لغة ساخرة، لغة الوجع المفروض على الكاتب، كاتب يحلل شيفرات مجتمع عاش بينه طويلاً، مجتمع خرجت من بين ظهرانيه كائنات عجيبة أطلق عليها اسم «القرانب والطرانب» يقول:  إن الأولى هي مخلوقات مشوهة، خليط من جينات قططية وأرنبية متحدة في ظروف صعبة، داخل أجسام معذبة من سنين الاحتلال البعثي الغابر، له قلب الطاغية وقسوة السادي وشراسة ضباط الأمن البعثيين . أما الطرانب فأغلبهم من أصول وحشية غير نقية، تحمل قذارة الإنسان الرافض مملكة الحب، يخافون نور الشمس وبسمة الحياة وصوت من يغني أغاني التحرير، تراهم على الدوام ملثمين كديدان الجيف.
الرواية التي ذيلت بعبارة «سطور كتبت بعد سنة فقط… من تحرير العراق» تتناول تغرّب المجتمع العراقي، وانقسامه حتى بالاتفاق على المعنى، مدوّنـًا فيها خطورة أن ننسى جرائم النظام البعثي البائد، وأن لا نتكور على واقعنا، مشددًا، عبر حوارات مباشرة لأبطالها، على أن الغفلة ربما تعيدنا إلى ما كنا عليه قبل سقوط الديكتاتورية في العام 2003
«زوربا» قط تـُسْرَد حكايته من قبل قط آخر، وهو- القط  زوربا – قط عراقي مرّت به ويلات عدة ومصائب جمة أفقدته كل شيء، حتى تمنى، يومًا، أن يموت ليحيا.
يصف بطل الرواية مشهد الحارات والأزقة بعيد سقوط الفاشيست في العام 2003 :  يتمشى زوربا في الأحياء القديمة، والشوارع التي كانت مليئة بأنصاف الرجال ولا رجال، يخاطب الزوايا، كل الزوايا: أين كتبة التقارير والراصدون أنفاس الناس؟ أين أولاد الحرام، من أصحاب البدل الزيتونية؟  أين الرفاق؟  تُرى أين الرفاق؟
تتضمن الرواية فصولا عدة بينها «رسائل قط عراقي، سنبل يكتب، عودة القط الضال، ملحمة التحرير، الإرهابي، هكذا رحل زوربا». الكتاب في 220 صفحة من القطع الوسط.
***
وكتب المفكر الأستاذ غالب الشابندر يقول :
صدر عن دار العارف للمطبوعات  في بيروت كتاب (القط … زوربا العظيم … في عراق الحب … والحرب ) ، الطبعة الاولى  سنة 2011 ، 220 صحفة من القطع المتوسط ، للكاتب العراقي الساخر فاضل عباس ، وقد سبق للكاتب المذكور أن أصدر كتاب ( زقاق الالم ) تعرض فيه إلى معاناته الشاقة في سجون الديكتاتورية الصدامية ، وفي كتابه الجديد يتصدى لمحنة الانسان العراقي الشريف في عراق صدام ، باسلوب متميز ، لغته الخارجية سخرية متدفقه ، ولكن لغته الداخلية تيار من الالم والشجن ، لا يدعك أن تضحك إلّا وأنت تصرخ معه ، تشاركه مشاعره الانسانية الجياشة ، فتختلط الدموع بالضحكات ، وتمتزج النكتة بالنكبة ، باسلوب لا يستدعي بعضه بعضا ، بل قفزات تتقدم إلى الامام لتحضر القفزات السابقة مرة أخرى ، وبذلك يمضي بك سياحة دائرية معقدة ، دوائر من الصور الحادة الشفرة ، الممتلئة بالحدث ، وليس كل حدث ، بل الحدث الذي يشكل بحد ذاته مأساة قائمة براسها .
القط  زوربا هو الانسان العراقي الذي أنف  الظلم والاضطهاد وقرر أن يقول كلمته الحرة الرافضة ، فجاءه قرار حذفه من الحياة ، ومنذ هذه اللحظة تبدأ محنته مع زوار الفجر ، وجلاوزة الروح والضمير .
سخرية الكاتب ذات طابع فريد ، تستمد مادتها من الحياة المحسوسة ،ولكنها ممزوجة بتصورات شبه قدرية خفية ، وإمضاء شبه  جبري متلون الظهور ، حسب تغير الازمان والامكنة ، مشحون بالامثلة الشعبية ، والاهازيج القديمة ، متطلع لحياة كان يحلم بها منذ الصغر ، ولكن طالما المقادير تمضي عكس المطلوب .
يبدو الحياة  في نظر الكاتب الساخر حقيقة ليست مرّة بحد ذاتها ، ولكن مرارتها التي كان يعاني منها كما هوشأن الملايين من العراقيين طارئة ، حيث يخيم شبح حزب البعث على السرد من بدايته إلى نهايته ،ولكن ليس بالاسم الصريح ، وإنما بالمسميات والايحاءات ، مما يعطي للسرد نكهة الجذب والتطلع لما بعد السطور، ومثل هذا الفن يحتاج إلى خيال واسع ، ودراية جيدة بفنون الاداء ، ومن أجمل فصول الاداء أن يحشر حقائق سياسية واجتماعية وفكرية  في زحمة النكتة اللاذعة ( نحن جيل الأزمات،جيل الصراخ والعنف والبوكسات ، نحن جيل أنتهت وللاسف صلاحيته ، بالكاد نحس بالحياة ،وبالكاد نسايرها … ) ص 55
المحاولة غنية بالمصطلحات والمفردات الشعبية والادبية ، الاجنبية والعربية، القروية والمدينية ، مما يشي عن سعة  اطلاع بالفلولكور العراقي ، وعن سعة مسبقة بالتراث الشعبي العراقي ، وكلها يوظفها لتعميق الشعور بالمأساة !
الكاتب الساخر فاضل عباس يدخل في أعماق المشكلة التي نعاني منها نحن العراقيين ، وهو لا يدع النكتة تتسلط على هواجسه ، فتسيح به  في دنيا السخرية الفجة ، بل هو الذي يسيطر على النكتة ، يجيرها لمشروع ببراعة مذهلة .
يتكلم عن البكاء الخالي الوفاض حينما نزلت الطائرة بالعراقيين العائدين ليقول : ( آخر  على شيب ابهاتكم ده تبچون؟ لو هية سولة ، بچي وبس ،صدام وانتعل سلفه سلفاه ،والبعثية أنطردوا .. مو صار لنا اربعين سنة نبچي ونرجع الليروره ،والآن ،ها قد آن الآوان  ، لنترك البكاء والنوح ،والتفاؤل  …. ) ص 86 .
فهي السخرية الهادفة ، سخرية البناء ، فالكاتب ليس الضاحك المضحك ، بل الضاحك المبكي ، وتلك  ميزة  الكاتب الساخر الذي يريد النهوض بمجتمع تنخر فيه عوامل الياس والقنوط والخوف والملل .
التاريخ حاضر في سرد زوربا ، حاضر كشاهد على العراقة والابتلاء في نفس الوقت ، وبالتاريخ يختم سرده الساخر ، المليء  بالحب والحرب ، فالعراق بلد الحب والحرب ، نقيضان ، ولكن يبدو هنا تكمن عبقريته ، ورحلة زوربا في التاريخ تقود به إلى تاريخ ( ابتسم زوربا وأرخى نفسه المقدسة ،امتدت يد الغيب وعانقت روحه ،  فارتخت يداه ، ورفع راسه  على الارض المباركة ،أغلق عينيه ، لآخر مرة…
لآخرمرة رأي فيها العراق .
حبيبي زوربا ،  في رعاية  الله …) ص217 .
وكانت الرحلة الاخيرة …
أبدٌ معكوف على بدء ، وضاع بينهما الامل ، وبقيت دموع الماضي هي الشاهد على نفسها بان تبقى حية ، تقاوم  كل محاولة لازاحتها ، ولكن يبدو أن زوربا قرر الرحيل كي يحي الباقون …