أكملنا اليوم، تمام الضلع الاول من شهر رمضان المبارك، إستنفدناه بالصيام والصلاة والقيام، مستعدين للضلعين المتبقيين من مثلث الشهر الفضيل؛ إبتهاجا بالإيمان الذي سيسفر عن عيد فطر سعيد، وتحولات أمنية وإجتماعية ومعيشية، طيبة للمؤمنين بأن الله يكفل قدرهم.. يسعون وجلال الرب يبارك خطواتهم.. يربي الصدقات ويديم المعروف.. إن شاء العلي القدير.
رمضان في تراتبية أشهر السنة الهجرية، يتوافق هذا العام، مع منتصف حزيران، في السنة الميلادية، الذي يصادف عيد الصحافة العراقية.. 15 حزيران 1769، ذكرى صدور العدد الاول، من جريدة “زوراء” بورقة واحدة، صفحة باللغة العربية والأخرى بالتركية، تعنى بنشر الفرمانات العثمانية وأخبار الدولة، عهد حكم الوالي مدحت باشا لبغداد.
يحث رمضان على التراحم وترويض الغرائز والتكافل الاجتماعي، إنتهاءً بالعيد الذي يزيح الضغائن وينقي الأنفس ويرتقي بالذوات الإنسانية المؤمنة.. ينتشلها من فطرة التردم في مهاوي دركات التكالب على الدنيا الفانية؛ لتحلق في جمال فضاءات الإيمان النزيه.. فضاء مرهف، التحليق فيه سحر ينعش الوجدان ويطمئن الروح.. حينها تتساوى فواصل البرزخ بين الطمأنينة المطلقة والخوف المستبعد.. “سلام هي حتى مطلع الفجر” فالرب يرعانا دنيا وآخرة، وهو يقرر الأرزاق والأعمار وطول الباع وقصر البصيرة.
أما الصحافة العراقية، التي تعيش عرس ذكراها الـ 147 هذا اليوم، بتجديد الولاء لقضايا الناس وهموم الشعب من دون إغفال أهمية تقويم عمل الحكومة ورجال السياسة والاقتصاد بل حتى المشتغلين في الشؤون الاكاديمية والخدمية والجمالية.. الكل بحاجة لسلطة الصحافة كرقيب رابع.. مقوم، يحمي المرء من نفسه الأمارة بالسوء، ويحبب إليه الفعل النزيه والرزق الحلال، والمواظبة على العمل الجاد، ويعبئ الراي العام لموقف جمعي أمثل.
وهنا يلتقي الدين.. رمضانيا، مع الدنيا صحفيا، وبالتالي الوصول الى “يوتوبيا – جنة على الارض” وسعها أرواحنا المؤمنة بالكلمة، فالكلمة التي تستخدمها الصحافة، هي ذاتها معجزة الرسل.. عليهم الصلاة والسلام.. قرآن محمد وإنجيل عيسى وتوراة موسى وزبور سليمان ومزامير داود وكنزاربا يحيى المعمدان.. بل حتى الديانات الوضعية، كالمجوسية “المزدكية والمانوية والزرادشتية” والتاوية والبوذية وسواها، لها كتب تلتقي أفكارها مع المقدسات المنزلة وصحافتنا الحاضرة.
فالكلمة مفتاح السر الذي يحرك وعي المجتمعات؛ لذلك أنتهجها الرب، قبل عبيده في توجيه المجتمعات للصلاح؛ وإلا فليس متعذرا عليه.. تقدس جلاله، أن يهدي من يشاء، من دون خطاب رباني الى البشر؛ لكنه شاء أن يبقي الحوار مفتوحا، بين الإنسان وعقله، من خلال العناية الإلهية التي تقوم أركان الخطاب بتعزيز الجدل المعرفي، مثلما أقر بذلك الماديون في “ديالكتيكهم” والمثاليون، في تاريخية هيجل.. الفيلسوف الألماني، الذي قال بأن التاريخ محرك تلقائي لتطور الحضارات وتطور الإنسان فيها، في حين الشيوعيون يرون بالمادة محركا “منهجيا – ديالكتيك”.
ما يعني أن أي تطرف فلسفي وإقتصادي، لن يخرج عن فلك الكلمة، بإعتبارها المجس الأبلغ الذي علمنا الله ان نوظفه في التثقيف لتعبئة الناس، نحو خدمة القضايا المرادة.. دينيا وإعلاميا.
فالإسلام يقول بالكلمة: “إقرأ” والمسيحية تقول: “في البدء كانت الكلمة” مرورا باليهودية والمندائية، وحتى البوذية، في وصف بليغ لذات الله: “إذا رأيت في الأفق لألاء ألف شمس، فقد يشبه ذلك جلال الله”.