لم يُخطأ الأُستاذ عادل رؤوف حينَ نَعتَ مرجعية المولى الشهيد السيد محمد الصدر قُدسة نفسه الزكية بمرجعية الميدان، وللإنصاف إنَّ هذا التوصيف هو أقل ما يُمكن أن تُنعت بهِ مرجعية السيد محمد الصدر قدس سره. التي كانت مرجعيته من أهم مرجعيات التشيع التي مرت على العراق في النصف الأخير من القَرن الفائت.
فلم تكن مرجعيتهُ رضوان الله تعالى عليه مرجعية تقليدية باي حال من الأحوال ، فقد أعاد نار الأمل في رَماد التشيع بعد أن كاد أن ينطفئ على يد النظام المقبور بُعيد انتفاضة شَعبان المباركة. فمن مِنا لا يذكُر وقوفهُ كالطود متحدياٌ رأس النظام المُباد، وقت كان أشرس القائمين على العملية السياسية الحالية، وأكثرهم شجاعة لا يجروء على اجتياز الحدود العرقية نحو الداخل.
إلا أن ليس ذلكَ وحده ما أعطى مرجعيتهِ تلكَ الأهمية، ومكنهُ من التربُع على قُلوب الأعم الأغلب من شيعة العراق بل حتى من غير الشيعة فيه، هو إنهُ قدس سره توجه الى الناس بخطابٍ مباشر خالي من التعقيد، مارسهُ سلوكاً عملياً حمل هُمومهم وجسدهُ واقعاً مرئي لأمالهم هذا غير انه أوصله الى شرائح من المجتمع ربما لم يكن لها وجود في ذهنية غيره من المرجعيات السابقة واللاحقة فضلاً عن المعاصرة لهُ.
إن المرور بهذهِ المرجعية اليوم واستذكارها، ليس من باب الوقوف على الأطلال واطلاق الرثائيات التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع. بَلّ هو إستحضار ما للمرجعية من دور وحيز قابل لان يأخُذَ أبعاده العمليه على كافة الأصعده الحياتية للناس. وخصوصاً فيما لو ثُنيت لها الوسادة ولو نسبياً كما هو حال المرجعية اليوم في العراق.
وفي ذات الوقت الإشارة الى ما قد يترتب على الفراغ الذي قد تتخلف المرجعية عن ملئه من مفاسد، أهونها سعي بعضُ أغرار الحوزة لملئ هذا الفراغ بعدَ أن يتقمصوا عناوين علمائية وسياسية هي في الواقع تفوق قاماتِهم الحقيقية.
ولعمري قد أصابهم المتنبي الكبيربقوله:
وقد يتزيّا بالهوى غير أهلِهِ ويستصحب الإنسان مَن لا يُلائمُه
فلمصلحت من فتق جرح جديد في الجسد الشيعي العراقي المتداعي أصلاً من خناجرالأصدقاء وحراب الأعداء، في وقت أحوج ما نكون فيه لتضميد الجراح للوقوف بوجه عدو لا يقنع باقل من إبادتنا عن أخرنا، فهل من المنطقي الشروع باصلاح جدران البيت المهتريئة باتفاق الجميع ،فيما العدو اجتاز الاسوار والابواب وبات يقف عند المخادع.
بل الأنكا من ذلكَ حينَ يدخلون الاُمة في مُغامراتِهم الصبيانية، الاُمة التي من المؤسف لّمْ تجد امامها مَن هو أعلى جعجعتاً من هولاء فتخذتهم هُداة وقادة، ظناً منها إنهم الإمتداد الطبيعي لمرجعية الميدان، فسلكوا بها مسالك المهالك وجعلوها لأعدائها أهون هالك.
لذا فان مرجعيتنا الرشيدة في العراق اليوم متمثلة بالمراجع العِظام دام عِزهُم حتى وان كان متبنياتها الفقهية هو التصرف ضِمنَ دائرة الإمور الحسبية فقط، فتلك الدائرة تحتم عليها التصدي لكل من يُغامر بمستقبل مدرسة أهل البيت وأتباعها في هذه الأرض، وإن كُنتُ معتقداً إن إِعمال الولاية العامة للفقيه في العراق كفيل بوضع حدا لجميع المهازل التي يشهدها هذا البلد.