في يوم السبت 30 من نيسان تمكن عشرات الاف من المتظاهرين اغلبهم من الشباب العاطل عن العمل من اتباع التيار الصدري ومن تيارات سياسية اخرى ومستقلين بالدخول الى المنطقة الخضراء المحصنة والتي يتواجد بداخلها العديد من المكاتب الحكومية انتهت باقتحام بناية البرلمان العراقي في مشهد اعتبر الاعنف منذ عام 2003 وجاء بعد سلسلة من المظاهرات السلمية ولأشهر في ميدان التحرير للمطالبة بالاصلاحات الحقيقية ووضع حد للفساد لينتهي المشهد بأنسحاب المتظاهرين الى خارج المنطقة الخضراء بعد هروب العديد من اعضاء مجلس النواب وتعرض عدد محدود منهم للاعتداء البسيط على يد المتظاهرين في مشهد درامي هزلي هو بالحقيقة يمثل نتيجة حتمية لتفاقم المشاكل الاقتصادية من ارتفاع لمعدلات الفقر والبطالة والتفاوت الصارخ في الدخل والمنافع التي يحصل عليها السياسيين والثراء الباذخ الذي ظهر عليهم والسرقات وغسيل الأموال وعمليات التهريب التي يمارسها البعض منهم التي تقدر بمليارات الدولارات بعد ان بات العراقيون يدركون ان السبب وراء تلك المشاكل ينحصر في اصرار اقطاب العملية السياسية العراقية على استمرار العمل بنظام المحاصصة في ادارة الحكم وتقاسم المغانم ورفضهم الشديد للاصلاحات الملحة والضرورية التي نادت بها المرجعية الرشيدة والجماهير المنتفضة والتي ستفضي الى خسارتهم للمكاسب عند تنفيذها . فبدلا من الشروع في تنفيذ وعود الاصلاح وملاحقة حيتان الفساد الذي اعلن عنه رئيس مجلس الوزراء الدكتور العبادي امام شاشات التلفاز في بيانات عدة ومحاسبة من تسبب في ضياع موازنات لسنوات متعاقبة او بحق من تسبب في الهزيمة المخزية التي لحقت بتشكيلات الجيش العراقي والاجهزة الامنية الاخرى والتي صرف عليها مليارات من الدولارات على يد ثلة من تنظيم داعش الارهابي انتهت بسقوط ثلاث محافظات ونزوح الملايين من سكانها الى مناطق اخرى ليلتحقوا الى صفوف الملايين ممن هم تحت خط الفقر او حوله ، اقتصرت الاصلاحات على جملة من السياسات التقشفية الهادفة الى تقليص الهدر الحاصل في النفقات التشغيلية وتقليص العجز فيها كأستقطاع نسب من رواتب الموظفين والمتقاعدين مع تخفيض المنافع الاجتماعية للرئاسات الثلات اوفي فرض حزمة جديدة من الرسوم على الخدمات الحكومية واشدها ما يتعلق بالجانب الصحي وزيادة رسوم الموجود منها والتي ضاعفت من كاهل المواطن المثقل اصلا بالبطالة والفقر مع غياب الرؤيا لمستقبل افضل والابقاء على نفس نظام المحاصصة مما يعزز غياب الارادة السياسية الصادقة للتخلص من هذا النظام والتخبط الواضح عند تبني ملف متابعة ومحاسبة حيتان الفساد من كافة الاطراف المشاركة في العملية السياسية .
لقد تسبب الانخفاض الحاد في اسعار النفط عالميا منتصف عام 2014 الى تراجع حاد في الواردات الحكومية تزامن مع احتلال داعش الارهابية لثلاث محافظات عراقية بالكامل والذي ولد ضغطاً على الحكومة في مواجهة متطلبات الانفاق الحربي الاخذة بالازدياد وفي تلبية النفقات الحكومية الاخرى المنتفخة اساساً ، ولم تفلح حينها محاولات الحكومة للاقتراض من مصادر التمويل الخارجي للحصول على التمويل اللازم نتيجة لصعوبة تلبية اشترطات ومعايير التمويل التي تفرضها الجهات المانحة اولاً وارتفاع تكاليف خدمة الدين ثانياً .
ومع استمرار انخفاض الواردات النفطية والحرب على داعش ، لم تعد حزمة الاجراءات التقشفية التي اعلنت عنها الحكومة كافية لتوفير الموارد المالية اللازمة لمواجهة متطلبات المرحلة ولابد من تبني برنامج اصلاح (اقتصادي ، قضائي ، سياسي واداري) حقيقي وشامل بعيد عن الاساليب الترقيعية يستجيب لنداءات المرجعية الرشيدة ، يحاكي احتقان وغضب الشارع المنضبط الى حد ما أتجاه السياسيين يعيد احياء الهوية الوطنية الغائبة امام الهويات الفرعية يحترم الحريات ، يلزم الجميع باحترام القانون ، يضع حداً للهدر والفساد ويعزز من قواعد التداول السلمي للسلطة وتكافئ الفرص وتمكين الطبقات الفقيرة الاستفادة من الموارد المتاحة التي ذهبت الى جيوب الفاسدين اما على شكل سرقات او الانفاق على حروب عبثية تسببت في ضياع فرص التنمية الحقيقية لعقود من الزمن ويلبي اشتراطات ومعايير برامج التمويل الدولية ، اذ بخلافه ستتفاقم المشاكل الاقتصادية مع المزيد من التدهور الامني ولن يكون العراق قادرا على التعاطي مع الحالة الامر الذي سيؤدي لا محال له الى بروز سيناريوهات ارحمها هو اعتماد نموذج بايدن المتمثل بالاقلمة طالما ان الاطراف الماسكة بالعملية السياسية لاتصغي الى مطالب الشارع ، ولا تقبل التخلي عن مكاسبها معتمدة على القوى الامنية التابعة لكل فصيل او على الدعم الاقليمي والدولي كأداة لضبط الشارع ومواجهة المتظاهرين الذي سيفشل في اعادة الاستقرار وضبط الشارع المنتفض على الظلم والطغيان.