في عالم جديد تضيع أشياء الماضي.لم يعد بمقدور الذاكرة أن تتسلق سلم الرجوع الى الوراء ، وعندما تفعل يكون نقل المشهد مشوهاً بسبب إن الماضي له ايضا من تراكمات الوجع الكبير ، ولكن يحس بعضنا أن الحاضر قد يكون أشد قساوة على رغبة الذات الحالمة للوصول الى تلك الأمكنة التي تعشق فينا التيه في لذة الأمنية والعشق والسفر.
الذين ينتمون اليوم الى الحداثة ، يقعون تحت تأثير الصدمة التي صنعتها تواريخ الغبار المقدس على رفوف أحلامنا ، الصدمة التي ترى فيها الظل المشوه وهو يتلو تعابير ثقافة الخوف والمسدس والنواح على ماتركناه هناك في دهاليز ذكرياتنا المنفلتهة. تواريخ الخلفاء وثورات الشطارين والعيارين ودهشة المتنبي وهي تخدع ولاة السيف والقلق الرومي.
هؤلاء هم سادة المشهد ، ننتظر منهم موائد لهب الصيف وأوحال الشتاء ونزقهم المتعلق بالأقتران بعشر نساء يجيزها لنفسه ،ولنا خبزأنتظار الخبر العاجل ، قتل صحفي ، تفخيخ سوق شعبي ، قتل رياضي أو فنان مشهور ..قصف بيت أمن مع ساكنيه من شيوخ ورضع ونساء ، مانشيتات عريضة عن حليب فاسد وشاي متعفن في مخازن قوتنا البابلي ..وأخيراً موت اليوم البطئ في زحام خواطر الأمس الذي لانعرف مستقره ، وعسى أن يكون هناك غد في نهاية نفقه تضاء شمعة.
مرات عندما أعيد قراءة نهج البلاغة لحكيم عصره ومحاربه الصنديد علي بن أبي طالب ( ع ) اكتشف في خطب الأمام مايتواتر اليوم من تداعيات في حياة المؤمن ، وعندما يُراد لي انا المثقف ان أُعَرفَ المؤمن في هذه الأيام ، أقول : هو من يتجرع محاضرة الأب الروحي لوهم أن تمسك خيوط ضوء الجنة ،أفضل من تمسك خيوط ضوء الدولار ، وأذا كان علي (ع ) أكتسب الحكمة من شرف الأنتماء الى الرغيف اليابس وماء الكوز ، فهؤلاء حكمتهم في السيطرة على سذاجة البسطاء وفقراء سوق الخضار وأرصفة الظل ومقاهي الشاي السيلاني .. فقراء السير بأيمان قلوبهم حفاة الى كربلاء، فبالأمس كانت حروبنا وعرة والجنرالات يسرقون بهجة العمر بحلم قداسة المخافر والحدود ، واليوم ذاته يتكرر بلباس آخر مزركش بأصابع خطتها ذاكرة ويتمان وهمنغواي واليوت. ولأن حفاة الأرجل وخضر القلوب لم يسمعوا بهمنغواي ، فعليهم فقط أن ينظروا الى عيون الجنرال بترايوس ليجدوا مضيئا فيها كمدافع نافارو وهي عنوان واحدة من رواياته .وأذا كان همنغواي محبا للحرية والسلام فغيره في حداثة اليوم محبا لشجن أن نُسقطَ الطغاة بطغاة بدائل .
محنة التأريخ لنا ولهم ولدموع من تجدهم مفارز الشرطة مقتولين غدراً..!
هذه المحنة اخطها بطباشير الدمع على تلك الرايات السود بكآبة مايحدث ويكون وهم يتأملون من أبي عبد الله حسين حلا لهذه المعضلة .شتات وفتات ونقص خدمات ..
أخط هذه العبارة التي لو قرأها سارتر ذات لحظة شجن لعراق يحارب ويبني ويهاجر ويكتب .لرمى بالوجودية بعيدا .وقرأ ذاكرة اخرى لموت الاب بالمفخخة .ولتنوع مساحات الازبال في العاصمة والمدن الكبرى .ولتيه الشاب البرئ في ابر التخدير والحبوب المسكرة واقراص الافلام الفاضحة واخرى تحمل بأسى اسطوري بحة الرادود باسم الكربلائي .
وهذه العبارة التي سأخطها بطباشير دمعتي ورعشتي وأغلفة كتبي وحنيني الى وسادة أمي واريكة مقهى اصدقائي تقول :اصبروا يا آل هاشم فمثواكم الجنة …!