أتحدث إليك لشعوري أن نيتك في الإصلاح الوطني صادقة وحقيقية، إلا أنني أشعر أنك محتاج إلى من يعاونك لتحقيق بعض من ممكنات الإصلاح في الوقت الحاضر، وليس لتحقيق مصالحه الخاصة، لذلك أكتب لجنابكم ولكل المتابعين سلسلة من ثلاث حلقات، هي بمثابة تشخيص للمرض، ووضع العلاج المناسب للعراق المريض على يد أبنائه الصادقين، أبدأها:
الحلقة الأولى(تشخيص العلل)
إن أية قوة سياسية منفردة في العراق لا يمكن لها أن تقوم بانقلاب على العملية السياسية، والسيطرة على السلطة فيه، لأسباب منها توازنات دولية، وإقليمية، ومنها داخلية بسبب التنوع القومي، والطائفي في العراق، ولابد من الاعتراف إنكم الآن تعملون تحت مظلة نظام دستوري ديمقراطي، أتاح للجميع المشاركة في العملية السياسية، وهنا أصبح من الواجب العمل ضمن حدود اللعبة السياسية لتحقيق أهداف الإصلاح الذي تسعون له، ويسعى له أغلبية الشعب العراقي.
ولكي نضع الأمور في نصابها لابد من تشخيص أهم الأخطاء التي ارتكبها التيار الصدري خلال مسيرة الإصلاح التي بدأت بأخطاء، وانتهت إلى أن يكون التيار الصدري في عزلة سياسية حقيقية، وعزلة شعبية، بسبب هذه الأخطاء، مع غياب دعم كل مراجع الدين، وهذا ليس بسبب هذه الأخطاء بل لأسباب ليس نحن في وارد التعرض لها هنا في هذه الرسالة.
1 مهاجمة كتلة دولة القانون ورئيس الكتلة السيد نوري كامل المالكي، لقد كان خطأ فادح وجسيم، ونحن هنا ليس في وارد إدانة، أو تبرئة المالكي، بل أن هذا الموقف أضعف موقف التيار أمام باقي الكتل الأخرى مثل التحالف الكردستاني، واتحاد القوى، وكتلة المواطن، وسنأتي على توضيح وتصويب ذلك في حلقة التصويب والحلول.
2 لقد طرحتم في بداية مسيرة الإصلاح أن تكون التظاهرات وطنية خالصة، وحذرتم من رفع أي شعار ضد أي رمز ديني، أو سياسي، وعدم رفع شعارات جهوية، والاكتفاء برفع علم العراق فقط في تلك التظاهرات، لكن ما حصل هو العكس تماماً حيث كانت كل المؤشرات تؤكد أن التظاهرات تابعة للتيار الصدري مما سهل تسقيطها من قبل الآخرين، لأن التيار الصدري هو حزب سياسي له نواب في البرلمان، وله وزراء، ويشغل مناصب أخرى كثيرة في الدولة العراقية، وليس من حقه استخدام الشارع لأن الوسائل الديمقراطية متاحة للجميع من دون أي قيود، وقد أعطيتم الفرصة لأن يصبح هذا الاتهام حقيقة ناصعة من خلال قيادتكم شخصياً لهذه الاحتجاجات.
3 لقد تبرأتم من كل الوزراء والنواب وأمام الشعب العراقي والعالم، ولكن عدتم لتأكدوا عائدية هؤلاء لكم من خلال عدة إجراءات: منها هو سحبكم للنواب المعتصمين، وكذلك مشاركة هؤلاء النواب مع المجاميع التي دخلت إلى البرلمان العراقي، وهنا حصل تناقض كبير ساعد على فقدان الثقة بصدقية الشعارات وجديتها.
4 إن ما حصل في أثناء دخول المجاميع إلى البرلمان من تعدي على البعض من البرلمانيين، وكذلك الشعارات المعادية لإيران، وبعض الشخصيات الوطنية كان تصرف غير مدروس، ولا يمكن أن يحقق سوى الفوضى، وإلى مزيد من التعقيد في العملية السياسية المعقدة أصلاً، ويفسح المجال أمام احتمالات لا يحمد عقباها.
5 كان سلوك أغلبية أتباع التيار الصدري في شبكات التواصل الاجتماعي حاداً ومتعجرفاً، فهم يصفون الآخرين بأبشع الأوصاف، وبأقسى الكلمات النابية، وفي كثير من الأحيان يطعنون في أعراض وشرف الآخرين لمجرد الاختلاف في الرأي، وكذلك لا تخلوا سلوكياتهم من توجيه التهديد المباشر للآخرين، وهنا المواطن يسأل نفسه إذا كان هؤلاء هم الداعين إلى الإصلاح، ومحاربة الفساد، بهذه الأخلاق حالياً، فكيف
سيكون حالهم إذا كانت بيدهم السلطة؟! وقد ساعد هذا السلوك أعداء الإصلاح من أصنام المحاصصة، وأتباعهم في إعادة ترتيب أوراقهم، وعزل التيار شعبياً.
6 بعض نواب التيار الصدري، وبعض المحسوبين على التيار انغمسوا في المناكفات السياسية، وخاصة بعد التفجيرات التي حصلت في مدينة الصدر وغيرها من مناطق العراق، وكانت مواقفهم غير موفقة، وساهمت في إرباك الوضع، وإضعاف فرصة تشخيص الخلل، ومحاسبة المقصرين الفعليين، وقد كانت انفعالاتهم تعبير عن جهل، وعدم قدرة على التوازن في ظرف يفترض أن يستغل في ترسيخ القدرة على قيادة الأزمات، وكانوا في سلوكياتهم أثناء الأزمة تعبير عن عدم الإحساس بالمسؤولية أمام أنهار الدماء التي نزفها ولا يزال ينزفها الشعب المظلوم، وتغليب المصالح السياسية والجهوية كان عنوان لسلوكياتهم ونشاطهم في وقت الشدة.
7 على الرغم من أهمية ملف العلاقات الدولية، الذي يؤثر سلباً أو إيجاباً في الوضع العراقي شئنا أم أبينا، إلاَ أننا لم نرى أي اهتمام بهذا الملف، ومقارباته مع الرؤيا العراقية الحقيقية للإصلاح، مما أعطى انطباع بان الحركة سياسية بامتياز، تهدف في النهاية إلى تحقيق مكاسب سريعة ضمن هذا الإطار فقط، ولا تتعداه في كل الأحوال.
8 كانت الإدارة الإعلامية للحركة الإصلاحية صفر على الشمال، ولم تستجيب للكم الهائل من علامات الاستفهام التي كانت تطرحها تداعيات الأحداث، وقد استطاع الإعلام المعادي من ترسيخ حقيقة أن الحركة الإصلاحية هي من نتاج متبنياتهم، التي كانت تحاول أن تعيد الوضع السياسي في العراق إلى المربع الأول، مما أفرز حالة من العداء الشعبي الواسع لهذه الحركة.
9 الحركة الإصلاحية التي كانت شعار لكم، وسط أجواء سياسية وديمقراطية كانت طبيعية وحق دستوري لا شائبة فيه، ولكن في النهاية سيدي أنت لست بمعصوم كما أشاع في الإعلام الكثير من أتباع التيار، وهذا له مردودات سلبية جداً على الحركة الإصلاحية.
كل من كان أرجح عقلا وأقوى في الدين وأعلى منصبًا، ومكانة في المجتمع، كان أكثر تواضعًا، وأبعد عن الكبر والإعجاب، وأعظم اتهامًا لنفسه، وهذا ما لا يمكن أن يتصف به سوى الرجال الرجال، ولازلت أؤمن إنك منهم.