الدموع عانت كثيراً بعد فقدان النبي المصطفى، وبضعته الزهراء، وزوجها خليفة المسلمين علي،(عليهم السلام أجمعين) لكن هذا الرحيل المقدس، سبقته ولادة بلون الدم المفرح، فما زالت شفاه الأيتام تنتظر سبطها، صاحب الهوية والقضية، فتتحرك مصابيح الألم، لما سيجري على هذا الوليد العطشان، من حرب مريرة تُخرِج آهات كثيرة، عن هؤلاء الشراذم الفاسدين، الذين تجرأوا على النبي، وسبطه الشهيد الطاهر.ولد نور الحسين، فأدرك أهل بيته الكرام منذ البداية، أن إستشهاده ولادة للحياة والحرية، فإمتلك القلوب، والنفوس، والضمائر، فبعد أن هيأ أخوه الحسن (عليه السلام) الأمة، لإستقبال حدث معركة الوجود وحفظ الدين، أتم هذا الذبيح الخالد ولادته الأزلية، في إنجذاب عظيم لا مثيل له، فالجسد المسجى بلا رأس، كانت ولادته الحقيقية، فهو قائد للكرامة مذ كان في المهد وليداً.فؤاد الزهراء (عليها السلام) يلتهب شوقاً، والأمة تشهد حرائق لا تنطفئ، ورغم الغصة الأليمة، إلا أنهم يعيشون الحدث بفرحة غامرة، فالباريء عز وجل إصطفاه، ليشعل مكاناً لا يعمل بكامل قوته، فكانت ولادته الإستشهادية، منطلقاً لثورات الأحرار في العالم، لتلاحقه القداسة بكل الإتجاهات، نعم إنها ولادة الإمام الحسين (عليه السلام)، حيث الوقت لا يتوقف أبداً، لأن ركب الحسين بدأ رحلته المقدسة. قلوب مخلصة وصادقة تكره الحرب، لكن أصلاح الأمة يتطلب قرابين للحرية الحمراء، فوافق صاحب كربلاء، أن تكون مشاهد الرؤوس المقطوعة، جواز السفر الى عليين، في قدم صدق عند مليك مقتدر، وكأن المشهد يتكرر في مكاشفة إسطورية، عن ولادة بمعنيين مختلفين، فمساحات الدم الطاهر هي المنتصرة دائماً، على فلول الجاهلية والطغيان الأموي، في لحظة غارقة بالدم والدمع، لتشهد ولادة الحياة نفسها.الإمام الحسين (عليه السلام)، تأريخ طويل غذته أمكنة عديدة: بيت جده وأمه، وأبيه وأخيه (عليهم السلام) وجميعهم يمتلكون ذاكرة ثرية، وقدرات إضافية على التغيير والإصلاح، فيكتبون حياة جديدة في كل زمان ومكان، فأنصار القضية الحسينية منذ الولادة وحتى الممات، مجاميع بشرية هائلة جمعتهم سفينة كبيرة، فركبوا فيها لأنها طوق لنجاة الأمة ومصباح الهدى، فأصبحوا مصرين على العطاء، مهما كان الثمن.العالم الإسلامي يعيش إنتقالاً نوعياً في كل شيء، فولادة الأنوار المحمدية الطاهرة، (الإمام الحسين، وعلي بن الحسين، وأبي الفضل العباس، والحجة المنتظر عليهم السلام أجمعين)، إنما تمثل ولادة الحياة نفسها، وفي ذلك يكمن سر خلودهم الى يوم يبعثون، فأهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة أمل الأمة، وعراق علي والحسين وطن يستحق الكثير، ولا تزال يداه تهطل بالكرامة، فنحن حسينيون ما بقينا.