15 نوفمبر، 2024 7:32 ص
Search
Close this search box.

الديمقراطية والنزعة الدكتاتورية

الديمقراطية والنزعة الدكتاتورية

الديمقراطية بحد ذاتها المجردة كلمة أجنبية لها تعريفات كثيرة ليست بذات أهمية بالنسبة لنا للبحث فيها بقدر حاجتنا إلى معرفة مدلولها الأهم الذي يعني حكم الشعب لذاته أو بمعنى أوسع إن يختار الشعب بمحض إرادته من يقود دفة الحكم فيه ويحقق مصالحه الداخلية والخارجية ومن وجهة نظري المتواضعة تذهب الديمقراطية باتجاهين الأول ما تطرقنا له بخصوص انتخاب الحاكم والاتجاه الآخر ما يخص اختيارات المحكوم وهو الشعب بصورة عامة المبنية على مجموع حريات الأفراد ولا تنحصر عند اختيار الحاكم بل تتعداها إلى كل الممارسات الشخصية للفرد حيث يجب أن تتوقف عند تقاطعها مع حريات المجموع أي إن الحرية الفردية وضمن الممارسة الديمقراطية لها خطوط حمر لا يجب أن تتعداها لضمان تمتع الجميع بالقدر الكافي والمعقول بممارستها في نفس الوقت الذي يحترم فيه الجميع حق الفرد بالتمتع بحريته في كل الاتجاهات وإذا قلنا إن كلمة الديمقراطية هي كلمة أجنبية لا يعني هذا أبدا إننا لم نكن نعرفها أو نمارسها في حياتنا اليومية كما يحاول البعض أن يوحي به ابتداء من العائلة والدائرة والشارع والقبيلة وحتى ضمن الدولة بضمانة  القانون فهي موجودة منذ زمن بعيد جدا منذ ما قبل البعثة النبوية الشريفة ورسخها وركزها الإسلام ولذلك دلالات كثيرة في كتاب الله المحكم شرح ممارستها بين المسلمين مع بعضهم أو مع غيرهم كما أنها قد مورست في السنة النبوية الشريفة وما بعدها بين المسلمين ذهابا إلى الشعوب التي فتحوها وتمتعت في ظل الحكم الإسلامي بكثير من الديمقراطية كأفراد أو كمجتمعات ويكفي أن نتذكر إن الإسلام وصل إلى اندنوسيا على بعدها عن عاصمة الدولة من دون فتح أو حملة عسكرية بل اعتنقه شعبها إيمانا منه بعظمة وإنسانية مبادئ الإسلام .
وإذا كانت الممارسات الديمقراطية هي جزء متجذر في حياتنا اليومية لنقل منذ البدايات الأولى للإسلام الحنيف وان سيدنا الرسول الأعظم صلى الله عليه وعلى اله الكرام ومن بعده أهل بيته عليهم السلام كانوا من خير من مارس الديمقراطية ونحن من أتباعه والمتمسكين بنهجه ونهج آل بيته الأطهار فنحن كمجتمع لسنا بحاجة إلى من يعرفنا بوسائل تطبيقها من خارجنا إلا إن قسم من قادتنا ومع الأسف الشديد عندما يكون في موقع متقدم من السلطة يذهب إلى تناسيها ويتمسك بنزعته الدكتاتورية والأنانية التي هي نقيض كامل للديمقراطية فلا يرى إلا رأيه ولا يسمع إلا صوت نفسه ويختزل الكل في ذاته بل ويذهب إلى ابعد من ذلك بكثير فيضن الضنون فيمن يخالفه ويصبح الجميع في محل شك بالتآمر والانقلاب عليه ومنافسته على منصبه والطمع بما فرض له الدستور من امتيازات فنصبح جميعنا في حال صراع يصل في بعض الأحيان إلى الاقتتال بعنف وقسوة وهذا ما توصلنا إليه الآن وهذه هي الصورة التي ننظر بها لبعضنا ولقادتنا السياسيين حصرا لأنهم أصحاب السلطة والنفوذ الأقوى وهو ما تسبب في تعطيل وشل حركة دولتنا العميقة جدا في التاريخ التي نطمح إلى إعادة بنائها بشكل عصري متطور يواكب العالم كجزء من حقنا الطبيعي في وقت نحن بحاجة إلى ابعد ما نكون فيه عن وضع التناحر لان ثلث بلدنا احتلته عصابات داعش الإرهابية ويجب أن نوحد صفوفنا لطردها وتطهير أرضنا من دنسها.
إن ما ينقصنا وهو جزء مهم من الممارسة الديمقراطية وهو إننا لا نعرف ثقافة الاعتراف بالخطأ رغم انه وفق شريعتنا السمحاء فضيلة ولا نحتمل أن يظهر بيننا من يبصرنا وإذا ظهر هذا فانه في الأغلب لا يكتفي بالتفاهم مع المعني في طرح وجهة نظره من خلال النقاش بل يريد من الآخرين أن يقدموا له فروض الطاعة والولاء وإلا فإنهم سيكونون موضع شك لديه بأنهم يرتبطون بجهة أجنبية تديرهم وتوجههم خصوصا إذا تطابقت أفكارهم أو متبنياتهم المنهجية أو الفكرية مع أي جهة خارجية ولانعدام حسن الضن فأنهم في نظره في النهاية حتما عملاء فتتسع دائرة الخلافات بينهم وبالنتيجة سنكون على ما نحن عليه اليوم كأننا لسنا أبناء بلد واحد نتشرذم إلى فرق وملل لا نختلف بل نتصارع على فرض إراداتنا.
تلك هي حالتنا باختصار خصوصا وان أطراف الحكم في بلدنا كثيرة ولازالت تتوالد ولمزيد من القوة والسطوة صارت لها أجنحة عسكرية مقسمة طائفيا وقوميا وأصواتها عالية وقد اختارت طريقة المشاركة في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية فأصبح الجميع يشارك في الحكم كما أصبح معارضا في نفس الوقت لذلك اتسعت دائرة الاتهام فيما بينها وحين طرح الدكتور حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء تحت ضغط المطالبة الشعبية فكرة حكومة التكنوقراط لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما وصل إليه العراق أيده الجميع ولكن ثائرتهم ثارت عند نقطة البداية في طريقة مشاركتهم أو إقصائهم في الحكومة المقترحة فأصبحنا أمام أزمة من أهم نتائجها انقسام السلطة التشريعية والرقابية على نفسها وبالتالي تعالت أصوات أدخلتنا في أزمة اكبر بدأت تتحدث عن حقها في إقالة رئيس البرلمان ثم شملت رئيسي الوزراء والجمهورية ودفعت الجميع إلى التخبط والعشوائية وارتجال القرارات ودخل الجميع في نفق ضيق دستوريا يصعب الخروج منه إلا بالقفز على الدستور وأصبحت الصورة على شكل وزراء مقالون ووزراء جدد لم يؤدوا اليمين الدستورية أمام مجلس النواب المنشق وغير مكتمل النصاب والوزراء الكرد منسحبون للضغط على الحكومة المركزية لتلبية مطالبهم السياسية الخاصة بهم أي إن مجلس الوزراء غير مكتمل النصاب لعقد جلساته وصار الجميع يدور حول نفسه في حلقة مفرغة ” أو ما يسمونه بالفراغ الدستوري” والكل خاسر والاهم إن الشعب في حالة ضياع وعليه أن يدفع ثمن تلك الخلافات فأي ديمقراطية تلك التي نعمل على تطبيقها ونتحدث عنها جعلتنا على هذا الحال وأي دستور هذا الذي مزق وحدة بلدنا وفرق شعبنا.
إننا على حد سواء الحاكم والمحكوم نعاني من سوء فهم للديمقراطية فالشعب اخطأ في اختيار الحاكم ابتداءا من عضو البرلمان وانتهاءا بأعلى هرم السلطات الذي يلتزم بتلبية متطلباته وسارت عمليات الانتخاب بالاتجاه الخاطئ أما الحاكم فانه ولكثرة أخطائه وفشله في أداء دوره الذي اؤتمن عليه وخشية من المحاسبة والعقاب ولعدم إيمانه بالتداول السلمي للسلطة ولترسخ ثقافة الانقلاب داخل اغلبنا صار يبحث عن إعادة إنتاج نفسه لتأمين الحماية له ولأتباعه وصارت النزعة الدكتاتورية الأنانية تتحكم بكل سلوكياته وهكذا رغم قصر تجربتنا الديمقراطية وهشاشة مخرجاتها فان كل من يشارك في العملية السياسية يدعي انه صاحب المشروع الأول والأصلح في تلبية مصالح الشعب وخدمته ويتمسك برأيه انطلاقا من هذا الادعاء لكنه يختلف مع الآخر في آلية التطبيق ويصطف السارق مع النزيه في خط شروع واحد والشعب يضغط بوسائله الدستورية لإنهاء حالة الصراع هذه والأيام تتقدم في دورتها الاعتيادية لا تتوقف وحبلى بكثير من المفاجئات وحمى الله شعبنا الصابر من سيأها .

أحدث المقالات

أحدث المقالات