” إنّ أليقين بحث عن الخضوع لا عن الفضيلة أو الحقيقة، لقد كان اليقين دائما بحثا عن القيد لا عن الرب الطيب “…عبدالله القصيمي “.عشر سنوات من مرحلة الشباب مرت وأنا مؤمن بالدين الإسلامي إيمانا يقينيا راسخا، أديت خلالها ألصلوات في أوقاتها وصُمتُ شهر رمضان كل سنة وآمنت بأنّ ألإسلام دين ودولة وأنّ ألحاكمية لله، ولكني لم استطع أن أمنع نفسي عن ألشك في بعض عقائد وتشريعات ألدين وبدأت أتسائل وألسؤال كان يتبعه سؤال آخر، فزادت شكوكي وفي ألنهاية أدت إلى إنقلاب فكري وتزعزعَ إيماني، فبدأت أصارح بعض ألأصدقاء ألموثوقين بشكوكي، ثم قررت أن أكتب كل ما يجول في عقلي من ألشكوك.
نشرت أول كتاب لي في ألمواقع ألألكترونية بعنوان ” ثورة ألشك ” تناولت في هذا ألكتاب معظم ألشكوك التي راودت عقلي في تلك ألمرحلة حول ألأديان وبألاخص ألدين ألإسلامي.
في مؤلفه ألرائع ” هذا الكون ما ضميره؟ ” يقول عبدالله القصيمي:
” إنّ كائنا ما غير الإنسان لا يمكن أن يشك، وإنّه لشيء مثير أن يوجد شاك أو شكاك في المجتمعات المتخلفة أو المغلقة، إنّ جميع ما لدى أمثال هذه المجتمعات من عقائد وآلهة وقبور ونقائص وتفاهات وآلام يتحول إلى نوع من الأزياء العقلية والتاريخية والأخلاقية التي يخضعون لها جميعا كما تخضع الطبيعة لقوانينها، ويتتابعون عليها، كما تتباع قطع الحجارة المقذوف بها إلى أعماق بئر .
في حديث مشهور للنبي محمد أنّه قال: ( نحن أولى بألشك من إبراهيم ) “.
ألنبي إبراهيم وحسب ما جاء في ألقرآن شكّ في قدرة ألله على إحياء ألموتى وطلب من ألله أليقين. تناولت هذه ألأسطورة في كتابي ( ثورة ألشك )، تقول ألأسطورة:
كان نمرود وشعبه يعبدون آلهة عديدة وكان لكل إله تمثال، وتذكر القصّة الدينية بانّ ابراهيم لَمْ يَعقِلْ بانْ يكون ربّه هذه التماثيل وبدأ عقله بالبحث عن الإله الحقيقي وأول ما فكّرَ به هو أنَّ الإله هو نجوم السماء ثمّ أستبعد هذه الفكرة لإفول النجوم في النهار ثمّ فكّرَ بانَّ الشمس هو الإله لإنّه اكبر من النجوم ونلاحظ هنا بان بعض النجوم في كوننا الشاسع هي اكبر من شمسنا ولكن علم الفلك لم يكن متقدما في عصر ابراهيم لكي يدرك هذه الحقيقة بالرغم من كونه نبيّا. بعد ان شاهد ابراهيم مغيب الشمس أستبعد هذه الفكرة ايضا لإن الله لايمكن أن يغيب عند قدوم الليل.
بعد هذا البحث الدؤوب عن الإله ونتيجة للتفكير العميق توصّلَ إلى نتيجة مفادها أنَّ الله هو خالق كلَّ شيء ويجب أن يكون أحدا ويستحق من البشر أن يكون المعبود الوحيد. بعد إستقرار هذا الإعتقاد في مخيّلة ابراهيم خاطب الرب وطلب منه الهداية واليقين. بعد التكلّم مع الرب لم تمحى جميع الشكوك من عقله وخاصة موضوع إحياء الموتى في يوم القيامة من قبل الرب، فطلب من الرب دليلا على قدرته ( وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال اوَ لَمْ تُؤمِنْ قال بلى ولكن ليطمئنَّ قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم أجعل على كل جبل منهن جزءا ثم أدعهن يأتينك سعيا وأعلم أنّ ألله عزيز حكيم )….. سورة البقرة… الاية 260.
طلب الرب من إبراهيم أن يٌقطِّع عددا من الطيور إلى اشلاء وينشرها على قمم عدة جبال ففعل، ثمّ أعاد الرب الطيور إلى حالتهم السابقة وأمرهم أن يطيروا إلى مكان وجود ابراهيم.
إنّ طلب إبراهيم نوع من التحدي للإله، أو أسلوب من أساليب مطالبة ألإله بأن يدلل على نفسه. ولم ينكر الإله هذا التحدي أو هذه المطالبة بالتدليل على النفس، بل وجد أنّ هذا شيء مشروع، وذهب يجاوب على التحدي إن كان الموقف تحديا، وعلى المطالبة بالدليل إن كان الموقف موقف مطالبة بالدليل. ولم يقل الله لإبراهيم ” أخسأ أيها الزنديق أو أيها المرتاب، إنّ عليك أن تؤمن وتقتنع فقط وإلا قذفت بك إلى أعماق الجحيم “.
إذن فالذي لا يطمئن قلبه بالإيمان مثل إبراهيم ويذهب يطالب بما يعطي الإطمئنان مثل فعل إبراهيم لا يكون رديئا أو مخطئا في حكم القرآن. وإذا لم يجد من يصنع له برهان اليقين مثلما صنع الإله لإبراهيم فظل غير مقتنع ولا مطمئن القلب لم يصح الإنكار عليه ولا إتهامه بالضلال والخطأ.
إنّ الشك – على نحو آخر – نوع من الجبرية الفكرية، فهو يهاجم صاحبه ولا يستشيره، يهاجمه مهما حاول إبعاده والهرب منه والإستعانة بكل الآلهة والقديسين والتعاويذ الدينية والروحية للنجاة منه.
كنت عندما يهاجمني الشك أستعين وألوذ بالمعوذتين ( سورتي ألفلق والناس ) ، ولكن هيهات. إنّ الناس يصابون بالشك إصابة، ولا يجيء إليهم بالدعوة أو الرغبة أو الحب أو بقانون الصداقة.
إنّ الشك أحيانا عِلمٌ بما قد كان وتفوق عليه، فالشاك في هذه الحالة يعلم ما يعلمه الموقنون ويزيد عليهم أنّه يعلم أشياء أخرى جعلته يشك فيما يعلم، والموقنون لا يشكون لأنّهم لا يعلمون هذه الأشياء الأخرى.
إذن فالكثير من الشكوك هي أقوى من اليقين.
إنّ من اقوى القيود على التقدم الإنساني هي المعارف المنتهية، ولأنّ المعارف اللاهوتية معارف منتهية كانت دوما نوعا من القيود القوية على التطور والنمو، وكانت دائما إستهلاكا في حساب البشر وفي حياتهم ولم تكن في وقت من الاوقات إعطاء أو إنتاجا للحياة.
قد يُقال هنا:
أنّه لابد من اليقين إذا لم يكن بد من العمل والبحث عن الإنتصار، إذ إننا لن نعمل أو نعمل أعمالا قوية أو لن نكون أقوياء في عملنا ما لم نصدر عن يقين. وهذا اشتراط قد يبدو قويا ومفهوما جدا، ولكنه مع ذلك ليس إلا وهما.
إنّ الناس لا يعملون لأنّهم يعلمون بل لأنّهم يريدون، ولا يريدون لأنّهم يعلمون بل لأنّهم يحتاجون ويحيون. ليس الذي يدفع الناس إلى الأمر تيقنهم له، بل رغبتهم فيهأ أو إضطرارهم أو ظروفهم المختلفة أو كونهم أحياء، كالحيوانات والحشرات التي تندفع إلى الاشياء دون أن تعلم أو تستيقن شيئا.
إنّ الذي يقع في ظروف تدفعه إلى أن يعمل وإن لم يعرف أو يستيقن شيئا عن النتيجة أو عن قيمة ما يعمل، بل إنّ كل الناس يعملون ضد يقينهم.
لقد جاء في إحتجاج ألإنسان ضد الآلهة والكون والناس ونفسه هذه الكلمات:
” العالِم يشك، والجاهل يستيقن، والعاقل يتروى “.
كلمات كأنّها التسفيه الدائم العنيف للآلهة والطغاة والمذاهب والمعلمين المتعاقبين على التاريخ ألذين يسحقون الشك ويُعلِمون اليقين “.
العِلم شك، والجهل يقين، والعقل تدبير. إذن أكثر الناس يقينا هم الجهال، وأكثرهم شكا هم العلماء، واكثرهم ترويا هم العقلاء. وليس العاقل هو ألعالِم ولكن كلاهما يشك، وكلاهما لا يستيقن في تعامله مع الآلهة والطبيعة والناس والمذاهب والعقائد.
إنّ الشك بحث عن أسباب التسامح والحب والإعتذار عن الآخرين.
إنّه بحث عن أسباب ألعدل.
إنّه بحث عن الأسباب المسقطة أو المضعفة للتعصب والبغضاء.
المصادر:
– هذا ألكون ما ضميره …. عبدألله ألقصيمي.
– ثورة ألشك …. .