لعل العديد من المتابعين للمشهد العراقي وما آل إليه الحال من اقتحام المنطقة الخضراء الحصينة يتساءلون اليوم: هل سنشهد يوماً يقتحم فيه العراقيون السفارة الإيرانية ببغداد؟!في البداية يجب أن نقرّ بأن ما كانت تتخوف منه إيران بالأمس وتسعى للحيلولة دون حصوله قد حصل بالفعل، ألا وهو انهيار العملية السياسية في العراق، تلك العملية السياسية المرتكزة على تيارات شيعية متطرفة معظمها إن لم تأتمر بإمرة الولي الفقيه فهي على الأقل لاتتجرأ على مخالفة نهجه وخططه التي رسم من خلالها خارطة القوى في العراق، أما بقية القوى (السنية والكردية والمدنية…الخ) فبعضها ضعيف أمام سطوة الأحزاب الموالية لإيران والبعض الآخر وللأسف غير جاد في خدمة جمهوره.
لقد انهارت العملية السياسية التي ولدت عرجاء، واقتحم عشرات آلاف المتظاهرين المنطقة الخضراء وأهانوا البرلمان والحكومة وأهانوا النظام الإيراني هاتفين (إيران بره بره..) وشتموا الإرهابي الدولي قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، علماً بأن معظم الجمهور الذي شتم إيران (شيعي) ..!
إن ما حصل من انهيار للعملية السياسية وتشرذم وانقسام بين الكتل والأحزاب السياسية بين مؤيدين للإصلاح ورافضين له وآخرين يلوحون بمقاطعة العملية السياسية، وما رافق ذلك من ثورة شعبية جسدت انفجار الغضب الشعبي في وجه الساسة العملاء، هو بمجمله نهاية طبيعية لبلد جعلت منه إيران حديقة خلفية لها وتركته فقيراً يتخبط في أزماته السياسية والأمنية والاقتصادية…
إيران لم تترك أي شيء إيجابي في العراق، إذ جاءت بسياسيين فاسدين ليحكموه وينهبون ثرواته، وزرعت فيه العديد من الميليشيات وقدمت الدعم لها لتقوم بقتل وترويع المواطنين، وبعد أن سيطرت إيران على مقدرات البلد سيطرت حتى على سياسته الخارجية من خلال جعل العراق في المحافل الدولية يؤيد أي قرار تؤيده طهران ويرفض أية توجهات تتناقض مع سياسة طهران وبشكل مثير للسخرية والشفقة، بدليل موقف وزير الخارجية العراقي العميل لإيران إبراهيم الجعفري الداعم لمنظمة حزب الله الإرهابية اللبنانية في المحافل الدولية.
باختصار.. لقد كانت هذه النهاية طبيعية جداً ومتوقعة لبلد لم يعد دولة بالأساس بل مجرد دمية يحركها القرار الإيراني.
واليوم، تقف حكومة طهران عاجزة أمام المشهد العراقي الصاخب الذي أفلت من يدها زمام السيطرة عليه، نعم بالفعل بدأ المشهد العراقي يخرج من قبضة الولي الفقيه الإيراني، لأن الشعب العراقي لم يعد ساذجاً وبات يعرف عدوه الحقيقي، وهو ملالي إيران.
إن الأيام القادمة ستشهد حراكاً إيرانياً خائباً في محاولة من حكومة طهران لاستعادة السيطرة على الموقف، لكن الواقع سيفرز مستجدات قد لاتروق للملالي، فما كان بالأمس محالاً أو شبه مستحيل بات اليوم ممكناً، ولا نستبعد قيام المتظاهرين بالهجوم على مقر السفارة الإيرانية ببغداد وهدمها على رأس السفير المجرم، باعتبار أن هذه السفارة هي مصدر الشر والإرهاب وبؤرة العمالة ورمز مذموم طالما أساء الى سيادة العراق وهيبته، هذه السفارة التي سرقت من عمر العراقيين ثلاثة عشر عاماً من خلال هيمنتها المطلقة على الدولة العراقية بكافة مفاصلها، لذلك يمكن القول اليوم أن انهيار العملية السياسية في العراق هو انهيار لزمن التسلط الإيراني على مقدرات الشعب العراقي.