حال تحرير الموصل سيواجه العراق مشاكل جمة بعضها موجود أصلا وعلني ونعاني منه .. والبعض الاخر مستور وغير معلن.. اضافة الى مستدجدات خطيرة أبرزها :
ـ تفاقم مشكلة النازحين.. الذين سيصل عددهم الى أكثر من ستة ملايين نازح داخل العراق.. وذلك بنزوح مليوني شخص من الشرقاط والقائم والحويجة والمناطق المغتصبة الاخرى في محافظات الانبار وصلاح الدين وكركوك.. ومن داخل الموصل خلال تحريرها ..
ـ عجز الدولة على إعمار المدن والمناطق التي تحررت من داعش.. خاصة إن داعش لن تخرج من الموصل والمدن الأخرى.. إلا بعد تدميرها.. كما فعلت في سنجار والرمادي وغيرها ..
ـ أضف الى ذلك إن الدعم المالي الدولي لأعمار هذه المناطق والمدن الاخرى سيكون من الناحية النظرية كبيراً.. وفعلياً سيكون شحيحاً.. وهذا الشحيح سيذهب أكثر من نصفه في جيوب السراق المسؤولين عن الأعمار.. وتبقى مشكلة النازحين من المشاكل المستديمة التي يعيشها العراق وهي : (أزمة السكن.. قلة الأبنية المدرسية.. نقص في إنتاج الطاقة.. غياب الصناعات النفطية والبتروكيمياوية.. شحة المياه والسدود.. غياب الامن الغذائي.. انتشار الالغام والمقذوفات) ..
ـ عراق ما بعد داعش يكون أمام أخطر مشكلة معقدة وغير قابة للحل في ظل الواقع العراقي الحالي.. فهو امام مشكلة مليوني طفل وفتي يتيم.. بلا معيل.. بلا رعاية.. بلا سكن.. بلا راتب.. بلا دراسة.. وبلا عمل.. ومؤسسات رعاية الايتام في العراق جميعها (الحكومية والانسانية) لا تستطيع استيعاب ورعاية 100 ألف يتيم.. إذن العراق أمام انحرافات خطيرة لأجيال من الطفولة والفتوة (الايتام خاصة) ..
ـ ارتفاع معدلات البطالة.. واستمرار وتصاعد الفساد المالي والإداري.. واستمرار تصاعد مستويات الفقر.. وتوسع في العشوائيات وبيوت الطين والتنك.. وارتفاع معدلات الأمية بشكل خطير.. واستمرار المشاكل الاجتماعية المزمنة وتفاقمها : (أولاد الشوارع.. تسول.. الجريمة.. الانحراف.. والمخدرات) ..
ـ استمرار تفاقم الأزمة الاقتصادية بشكل خطير.. فأسعار النفط الخام لن ولن ترتفع.. مع غياب سياسة واضحة للدول المصدرة للنفط.. التي ضاعفت إنتاجها لسد نقص وارداتها المالية.. كما إن رفع الحصار الاقتصادي من قبل أمريكا والغرب عن إيران سيؤدي بإيران الى مضاعفة تصديرها للنفط أيضاً.. وبالتالي يصبح الفائض النفطي في الأسواق العالمية كبيراً جداً..
ـ اهتزاز الوضع الأمني في معظم المدن.. خاصة العاصمة بغداد.. لانشغال القوات الأمنية بتأمين الوضع الأمني في المناطق المحررة.. والمناطق المتنازع عليها .. وقد تندلع بهذه
المناطق أعمال عنف.. بين المواطنين العرب والتركمان من جهة.. وقوات البيشمركة من جهة أخرى.. التي تحاول إحكام السيطرة على هذه المدن.. وإلحاقها فعلياً بإقليم كردستان.. كذلك اندلاع الصراع المسلح بين المحافظات الاخرى فيما بينها.. حول إشكاليات عديدة منها : تقاسم الحقول النفطية المشتركة.. تقاسم المياه.. وحتى تقاسم الطاقة.. وغيرها من الموارد ..
ـ كما سيستغل الحشد الوطني المتواجد في معسكر زيلكان المرتبط بمحافظ الموصل السابق (أثيل النجيفي).. فرصة تحرير الموصل من داعش للسيطرة على المدينة.. وفرض نفسه بقوة السلاح.. مثلما تحاول قوات البيشمركة فرض سيطرتها على مناطق شاسعة من الموصل.. لتبدأ عمليات تصفية كبيرة بلعلة السلاح.. ولن يعود الامن والاستقرار الى محافظة نينوى ..
ـ ستسرق دماء العراقيين.. وتجير بأسماء الكتل السياسية.. ويزور تاريخ اليوم.. مثلما زورً تاريخ الأمس.. ويقاس حجم الكتل السياسية وقوتها في عراق ما بعد داعش.. ليس بفكرها.. ولا بما قدمته للوطن والمجتمع.. بل بعدد بنادقها ..
ـ وستكون لغة التخاطب فيما بين الكتل السياسية لغة الرصاص.. وليس لغة السياسة.. فالقوة ولعلعة البنادق ستكون حاضرة في الحوارات والتفاهم.. وليس الوطن ومصالح الشعب ..
ـ وسيعم الرعب الذي تمارسه لجان التفتيش التي تنصب نفسها.. بإرهاب المواطنين.. وسيعيش عراق ما بعد داعش في دوامة عدم الاستقرار وسيغيب القانون تماماً !! ..
ـ ستلعب الدول الإقليمية والولايات المتحدة دوراً أكبر في استمرار الصراع والقتال بين الكتل السياسية لترتيب الأوضاع لصالحها.. وتجري أكبر عمليات تقسيم العراق الى ثلاث أقاليم أو أربع دويلات.. لتبدأ الخلافات بين هذه الأجزاء حول الحدود.. وأيهما يكسب أكبر المغانم..
ـ ويستمر مسلسل القتل بشعارات جديدة تدغدغ مشاعر ابناء المناطق.. أو تثير ردات فعل مذهبية وطائفية وعنصرية.. ويبقى الوطن غائباً.. مثلما يبقى المثقفون الحقيقيون النزيهون مهمشين أو مغيبين أو يستجدون معيشتهم ..
ـ أما ألجهات الأمريكية : (المخابرات المركزية والخارجية ولجنة الأمن في الكونغرس).. فتركز لحل المشكلة العراقية على اقامة ثلاثة أقاليم رئيسية تخضع لحكم فيدرالي في بغداد.. كالحالة السويسري.. وهو الشرط الأساس لحسم ملف تنظيم داعش وتطهير العراق منه.. وإنهاء جميع السلطات الثانوية.. التي تحل مكان السلطة في بغداد الآن ..
ـ في المقابل ليس بالضرورة أن يكون النصر بطرد داعش جغرافياً.. بل قد يكون النصر بتحول المسار الأيديولوجي لداعش من “عصابات قتل وترهيب” الى “مجاميع حكم وسلطة”.. وهو مابدأ الترتيب له من وقت مبكر.. ويأخذ الان (بعد تحرير الفلوجة) التطبيق العملي.. وستشكل كتلة سياسية جديدة تدخل الانتخابات النيانية العام 2018 ..
ـ وقد يكون التقسيم المقبل للعراق وسوريا معاً.. بطريقة دولية جديدة تنسجم مع النظام العالمي الجديد.. ويكون تشكل عراق ما بعد داعش.. ضمن الهوية العالمية المقبلة.. التي
أكدها صمويل هنتغتون بأنه “عالماً مقسماً الى كتل حضارية جديدة معزولة بعضها عن بعض.. عزلاً دائمياً ومتجسدة في معلم واحد اسمه الدين” ..
ـ وستكون هناك معارضة واسعة لرفض التقسيم.. وتتشكل كتل سياسية جديدة تحت يافطة (لا للتقسيم .. نعم لوحدة العراق).. أما الكتل السياسية الحالية.. فبإستئناء الكتل الكردستانية.. التي هي أصلاً مع التقسيم.. يكون معظم الكتل الرافضة للتقسيم علانية.. ينطبق عليها قول الشاعر معروف الرصافي: (لا يخدعنك هتاف القوم في الوطــن .. فالقوم في السر غير القوم في العلن).. فلا بد ان تأخذ المنظمات المدنية الشبابية المؤمنة بوحدة العراق دورها الجماهيري لايقاف مشاريع التقسيم ..
ـ وهكذا سيكون المستقبل السياسي من نصيب الكتل الذي تمتلك الرؤية الإقليمية تجاه الأحداث المتسارعة والمتطورة في الشرق الأوسط.. وهنا لابد أن نؤكد ان بعض قيادات الكتل السياسية الحالية الكبيرة.. بدأت التحرك على الدول الاقليمية لبناء علاقات ايجابية وتحالفات قد تكون على حساب المصالح العراقية.. بهدف تحقيق قيادة العراق لها ..
ـ قد يلعب بعض الضباط المغامرين دورهم.. في السيطرة على الحكم من خلال الانقلاب.. لكن احتمالية حدوث ذلك ضعيف جدأً في ظل جيش ليس عقائدياً ومهنياً.. وكل افراده متحزبون.. وولاءتهم للكتل أوالعشيرة أوالمال.. أو لأمريكا أو للدول الاقليمية التي هي التي تحركهم.. مع ذلك تبقى مغامراتهم ضعيفة النجاح.. فالجندي ليس جندي الامس ينفذ ما يريده آمره أوالقائد .. وإن نجح مثل هذا الانقلاب.. فإما ان ينحاز الى كتل معينة أو يفشل بسرعة.. وفي كلا الحالتين لن يقدم مثل هكذا انقلاب سوى فوضى اضافية لما يعيشه عراق ما بعد داعش ..
ـ بقيً أن نقول : بالرغم من إيماننا التام بإرادة الشعوب.. فهل يستطيع العراقيون الوطنيون.. المتجاوزين للطائفية والعنصرية.. والذين لم تلوث أيديهم بدماء العراقيين وبالمال العام .. وغير مرتبطين بأجندات خارجية.. (جماهيرً ونخبً ثقافية واجتماعية وسياسية).. قلبً الأوضاع لصالحِ وحدة العراق شعباً وجغرافيةً.. وتوجهات بناء الدولة المدنية القائمة على أساس اًلمواطنة والمساواة الحقيقية بين كل العراقيين دون استثناء ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ لكن الواقع يشير الى ان الاوضاع لم تنضج لمستوى تحقيق هذه الأمنية ..