26 نوفمبر، 2024 1:20 م
Search
Close this search box.

“الجيب العميل”.. سچين خاصره

“الجيب العميل”.. سچين خاصره

يقول المهتمون بشؤون الحيوان ان الذئب ينام بعين مغمضة وأخرى مفتوحة.. ومن المؤكد أن هذه خاصية خصه خالقه بها لتكون وسيلة دفاعية تحميه من أعدائه، فيستشعر وجودهم حتى عندما ينام. ويقولون أيضا ان حيوان الحبار له من فنون المراوغة والدفاع عن النفس طريقة يتميز بها عن سائر المخلوقات، إذ بمجرد شعوره بالخطر ينفث من فتحة في جسمه حبرا أسود اللون، ليموّه به عدوه فيما يهرب هو الى مكان مجهول لايعلم به إلا الله جل وعلا. أما العناكب فتنسج بيتها وهو “أوهن البيوت” فيما تتخذ مكانا في زاوية من زواياه، تتربص فريسة تقع في كمينها، فتكون وليمة لها وقسمتها مما قسم الله من أرزاقه لمخلوقاته.
ما ذكرني بهذه الأساليب التي تتمتع بها بعض الكائنات الحية، هو اسلوب اتبعه -ومازال يتبعه- رجل من رجالات السياسة العراقيين، يتمتع بنسب رفيع يذكره العراقيون جميعا، فوالده كان من أشد المعارضين الى حكم المقبور صدام، وتشهد له بهذا جبال إقليم كردستان العراق ووديانها ومغاراتها. كما أنه كان يرأس قيادة هذا الإقليم، ويتزعم أحد الحزبين الرئيسين فيه.. هو الشخصية العراقية الكردية (مسعود بارزاني).
فعلى صعيد الخلافات السياسية المتوارثة في الساحة العراقية، نرى ان المشكلة الأولى على الأعم الأغلب والأهم الأوجب.. هي مشكلة الأكراد، إذ مافتئت هذه الـ (طلابة) تتمحور اجتماعات كثيرة وجلسات طويلة ومؤتمرات لها أول وليس لها آخر، فضلا عن السفريات والرحلات والـ (تسيورات) التي يقوم بها مسؤولون من بغداد الى محافظات الشمال العراقي التي بات يطلق عليها مصطلح (إقليم). ولم لاتكون إقليما..! وقد أهدى اليهم المقبور صدام بحمقه هذه الأقلمة على طبق من ذهب، وآخر من فضة وثالث من نفط ورابع من سياحة.. وأطباق أخرى كثيرة، هي بالنسبة للأكراد كما نقول: (عيد وجابه العباس)، بعد أن كان يطلق عليهم مصطلح “الجيب العميل”.
وعلى الرغم من مرور العراق اليوم بأصعب مرحلة وأخطرها سياسيا وأمنيا، نرى الجانب الكردي المتمثل بكتله وأشخاصه، يثير بين الحين والآخر غبارا يعتم الأجواء ويزيدها ضبابية، واللافت للنظر أن الإثارة هذه تتبع توقيتات لايمكن ان تكون عفوية او اعتباطية، وكأن القوى الكردية متفقة على (كهربة) أجواء الاجتماعات واللقاءات وكذلك الأجواء الإعلامية، بجعل قضية من قضاياها او مشكلة من مشاكلها المستديمة هي الشغل الشاغل على مدار الساعة. فمرة كان موضوع رواتب البيشمركة، يوم طالبوا المركز بالإسراع بتسديدها لحكومة الإقليم هو حديث الساعة في اجتماعات مجالسنا، ومرة يؤججون الرأي العام في مشروعية تصديرهم النفط العراقي من أراضي الإقليم، مع أن القانون لايجيز لهم هذا إلا بما نص عليه من شروط. ومرات أخرى يجعلون من المناطق المتنازع عليها نقطة خلاف جذرية، يتخذونها حجة لمقاطعة جلسات مجلس النواب، او يعتمدونها كذريعة لمعارضة التصويت على قانون او قرار يخدم العراق والإقليم بضمنه. ويبدو ان القائمين على صنع القرار في حكومة الإقليم يجيدون فن التباكي، فهم يطالبون حكومة العبادي -كما طالبوا حكومة المالكي من قبل- بمد “جسور الثقة” بين المركز والإقليم، والتعاون في “حلحلة المشاكل العالقة بينهما” ويظهرون دوما “النوايا الحسنة” لإعادة العلاقات المؤسساتية بين بغداد وأربيل. ولايفوتهم قطعا إرسال وفد من المسؤولين الأكراد في حكومتهم وبرلمانهم “تطير فوق رؤوسهم الطير”، لإيهام الرأي العام بأن حكومة الإقليم جادة في “رأب الصدع” و “رتق الجرح” و “لملمة الأزمة” و “ترميم الشرخ”، التي أصابت كلها مجتمعة العلاقة بين حكومتي المركز والإقليم.
وآخر صيحة من صيحات الغدر والخيانة هي استغلال الأكراد الأوضاع الراهنة التي يمر بها العراق، سياسيا وأمنيا، فيطعنونه في خاصرته الموجوعة “طوزخورماتو”، في وقت كان حريا بهم احتضانها وحمايتها من الأشرار والأغراب، إلا أنهم أبوا إلا أن يكونوا “سچين خاصرة”. فالحذر إذن، واجب لقادم الأيام، وما ستلده جبال كردستان من “جيبها العميل” لم تحدد هويته بعد.

[email protected]

أحدث المقالات