او الفزاعة اوخاروعة الخضرة بمصطلحنا الجنوبي وهي لمن لم يسمع بها سابقا عباره عن دميه تشبه الانسان تُصنع من خشبتين متقاطعتين تُغطى بجلباب او (دشداشه) الغرض منها اخافة الطيور وابعادها عن مهاجمة الحقل الزراعي, الا ان الطيور بعد فترة وجيزة تالف مظهرها وتعتاد عليه لسكونه وثباته مما يعطيها الامان وعدم الاكتراث بوجودها , والادهى من ذلك عندما يتحداها ويستفزها لكي يتخذها كمحطة انتظار للراحة والامان, فيحط على اكتافها متنعما بالاطمئنان والهدوء من عناء التعب ومسيرة البحث والتفتيش عن الرزق والعيش الرغيد ,حيث تهيئ له الوثوب والانقضاض على فريسته بكل سهولة ويسر ,فتحصد الضنى والامل الذي كان يترقبه فلاح الحقل من مجهود ما تجني يداه .وهكذا هي هيئاتنا الرقابية المتعددة والمتنوعة في عراقنا الجديد بعد سقوط النظام السابق وتغير مفهوم الدولة ومنهجها من الاستبداد الى الديمقراطية ‘اتاح المجال الى محاولة التوسع في الاليات الرقابية والمحاسبية اكبر مما كان عليه في زمن النظام السابق ‘وذلك عبر جملة من الوسائل والاليات سواء كانت تابعه للدولة ومؤسساتها او الى المجتمع وهيئاته المدنية او الإعلامية او منظمات المجتمع المدني او المحاكم المختصة .حيث اُستحدثت اجهزة لم يألفها العراقيون سابقا كهيئات النزاهة بأشكالها واصنافها مثل هيئة النزاهة العامة والنزاهة البرلمانية ولجان النزاهة في مجالس المحافظات ,او مكاتب المفتشين العمومين في الوزارات او الدوائر المهمة . فضلا عن وجود ديوان الرقابة المالية وهو احد المرتكزات الأساسية في مكافحة الفساد الإداري والمالي في العراق حيث تأسس سنة 1990 حسب القانون رقم 6 وهذا القانون جعل من ديوان ألقابه المالية المؤسسة العليا للرقابة والتدقيق والمتابعة في العراق. والذي يعد احد اعمدة الرقابة المالية في الأنظمة الديمقراطية والذي يرتكز عمله على المراقبة المالية وعلى الايرادات والمصروفات مستندا على القوانين والاجراءات المنظمة له.و رغم وجود الهيئات الرقابية التي تم تأسيسها بموجب تشريعات واضحة وجلية مبنية على الاسس والقواعد القانونية الرصينة لكن هذه الأجهزة بقيت ومنذ تأسيسها ولحد الان مجرد هيئات تتضخم بالدوائر والكوادر والعاملين وبالميزانيات الهائلة للأموال التي تصرف عليها.والمتتبع لواقع عمل المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد تلك وما يصدر عنها من تقارير صحفية حول قيامها بالكشف عن العديد من حالات الفساد في مؤسسات الدولة واحالتها للقضاء سيجد انها ماتزال وعلى الرغم من تمتعها بالاستقلالية التامة عن باقي السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية) حسب ما مثبت قانونا ونظاما متعارف عليه ,الا انها تخضع للاعتبارات السياسية والمحسوبية في عملها، اذ لم يتم حتى الان حسم العديد من قضايا الفساد ولم يتم محاسبة أيًا من المسؤولين عن تلك الجرائم لاسيما من هم من اصحاب المناصب العليا، كما ان تلك الاجهزة لم يصدر عنها أية تقارير او احصاءات رسمية حقيقيه وفعليه عن عدد جرائم الفساد وانواعها ولا الضالعين فيها وبالأسماء والوظائف رغم الفساد المستشري والمستفحل في دوائر الدولة والذي وصل الى مديات عليا فاقت كل دول العالم الضالعة بالفساد, حيث بات العراق يحتل المراتب الدنيا في سلم التقارير الدولية المعنية بالفساد والنزاهة.فلا نسمع غير الضجيج الاعلامي والتصاريح السمان عن الفساد والمفسدين ,وعن الاف الملفات التي قدمت الى القضاء ,وعن الاعداد الهائلة للفاسدين والمتلاعبين بالمال العام وبمختلف المناصب والمراكز والمسؤوليات , وعن العقود والمشاريع الوهمية وبالألاف, وعن المليارات التي سرقت او هدرت وعن غسيل الاموال والتلاعب بالعملة وتهريبها خارج القطر وغيرها الكثير , ولكنها تبقى مجرد اعلام لا يهش ولا ينش فنسمع بغول الفساد ولكن اين هم المفسدون؟ وغالبا ما يعتذر العاملون في تلك الاجهزة عن تقديم تلك الاحصاءات على الرغم من ان احدى المهام الاساسية لعمل هذه الاجهزة هي تعزيز مبدأ الشفافية والمساءلة . بالمقابل فقد تعرض العديد من منتسبي تلك الاجهزة للتهديد وحتى التصفية بعد اكتشافهم ضلوع العديد من هم في مناصب عليا من الدولة او في الاحزاب السياسية الفاعلة بممارسات فاسدة لذا يبدو ان المهمة التي ستواجه العاملين في مفوضية النزاهة والدوائر ذات العلاقة بمكافحة الفساد ستكون صعبة للغاية في ظل تعميق الاستقطابات والولاءات السياسية والطائفية داخل اجهزة الدولة وايضا داخل المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد نفسها حيث التعيينات العشوائية في تلك الأجهزة من المنتمين للأحزاب السياسية المتنفذة ومن عديمي الكفاءة والخبرة والاختصاص .فمكاتب المفتشين العموميين وصلاحياتهم الواسعة في وزاراتهم التي منحها لهم القانون الذي تأسست مكاتبهم بموجبه ,ليس لهم اي صلا حية للعقوبات سواء كانت انضباطية او عقوبات تخص الفساد وانما تكتفي فقط برفع التقارير للوزير المختص بالوزارة وكثيرا ما يفرض الوزير سلطته على المفتش العام التابع له لهذا لا يستطيع اي مفتش معارضة وزيره او ترويج ملف فساد الا بأذنه او اخذ رايه وموافقته لان المفتش اساسا تابع للوزير وصلاحيته في العزل او الإقالة لهذا يبقى دور المفتش العام بالوزارة رغم توسع دائرته والموظفون العاملون فيها تحت رحمة الوزير ولا يمتلك حريته الكافية في ممارسة صلاحياته وواجباته وفقا للقانون .ويبقى الفساد مستشريا في الوزارات العراقية دون اي تحريك ومتابعة حقيقية من قبل المفتشين العمومين ويبقى دور المفتش العمومي خاملا جامدا وربما يحصل تواطئ بينه وبين الوزير في كثير من قضايا الفساد داخل الوزارة.وتعتمد السلطات الرقابية على القضاء والمحاكم المختصة لكي تأخذ القرارات التي تتخذها طريقها السليم للتنفيذ والتي يعطيها الهيبة و القوه والصلابة والتشجيع لممارسة مهامها وواجباتها وتحقيق اهدافها وفق القانون .الا ان القضاء العراقي يكاد يكون محاصرا ومضغوطا عليه من قبل السياسيين والمسؤولين الكبار في الدولة مما يؤثر سلبا على اي قرارات يمكن ان يتخذها هذا القضاء فالقضاء العراقي وفقا لهذا المنظور قضاء غير مستقل مسيس ,وبما ان اغلب الفساد الذي يعاني منه العراق يأتي من السياسيين ومن الطبقة الحاكمة وهؤلاء يستميتون في سبيل التستر على فسادهم ويقفون امام اي قرار او ملف فساد يرفع ضدهم ,فهم بهذا الدور يشجعون الاخرين على الفساد لهذا استشرى واستفحل الفساد الاداري في العراق بسب السياسيين وبسبب القضاء غير النزيه.وعلى ضوء ما تقدم لن تفلح الهيئات والمؤسسات الرقابية في عملها الموكل اليها بمكافحة الفساد والفاسدين وسيظل الفساد ينهش في خيرات العراق وعيش ابنائه مالم يحصل التغير الكامل في تركيبة النظام السياسي القائم في العراق وازاحة كل الطبقة السياسية الحاكمة واحزابها المتنفذة التي امتهنت الفساد والسرقات وصار ديدنا وناموسا طبيعيا في سلوكها واسلوب ممارسة سلطتها وسطوتها.